روسيا تُحدد أولوياتها في الشرق الأوسط

يندرج الشرق الأوسط في الإستراتيجية الروسية للسياسية الخارجية تحت عنوان "العالم الإسلامي"، على الرغم من أن المنطقة تشمل إسرائيل

AFP
AFP
رجل يمر وزارة الدفاع الروسية في موسكو في 17 أبريل

روسيا تُحدد أولوياتها في الشرق الأوسط

وقع الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين وثيقة بعنوان "مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية" في 31 مارس/آذار 2023، توصف بأنها "... وثيقة التخطيط الإستراتيجي التي تقدم رؤية منهجيةً للمصالح الوطنية للاتحاد الروسي في مجال السياسة الخارجية والمبادئ الأساسية والأهداف الاستراتيجية والغايات الرئيسة، والمجالات التي تتمتع بأولوية في السياسة الخارجية الروسية".

بذلك يكون الغرض من الوثيقة تجسيد إستراتيجية مجلس الأمن القومي الروسي التي تبناها المجلس المذكور في آب/أغسطس من عام 2021.

في ظل الحرب الجارية في أوكرانيا وفي ظل المواجهة المتزايدة مع الغرب، تم إدخال بعض التغييرات المهمة على الوثيقة مقارنة بالإستراتيجية التي تبناها المجلس. إذ يمكن اعتبار بعض هذه التغييرات تعديلات جوهرية.

من المهم أن ننتبه أيضا إلى أن الوثيقة نُشرت بعد إصدار إدارة بايدن إستراتيجية نظام الأمن القومي للولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2022. لذا يمكن اعتبار الوثيقة الروسية في بعض جوانبها ردا على إستراتيجية نظام الأمن القومي الأميركية.

لكن الغرض من هذه المقالة، على أي حال، هو مناقشة السياسة الروسية في الشرق الأوسط كما تظهر في مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية. وقد يكون مفيدا، من أجل ذلك، تقديم تلك السياسة ضمن نظرة عامة نلقيها على مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية، ولعلّ من المفيد أيضا، في خضم هذه العملية، عقد مقارنة بين السياسة الروسية وسياسة الولايات المتحدة على النحو الذي توخته إستراتيجية نظام الأمن القومي الأميركي التي صدرت في 2022.

من المهم أن الوثيقة نُشرت بعد إصدار إدارة بايدن إستراتيجية نظام الأمن القومي للولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2022. لذا يمكن اعتبار الوثيقة الروسية في بعض جوانبها ردا على إستراتيجية نظام الأمن القومي الأميركية.

"حالة حضارية"

ترسم وثيقة "مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية" المصالحَ الوطنية والأهدافَ الإستراتيجية والأولويات وتحدّد المهام التي يستهدف ذلك المفهوم اتباعها لتحقيق هذه الأهداف، مثلها في ذلك كمثل أي وثيقة تعرض السياسة الخارجية لدولة ما.

لكن ما يستحق تسليط الضوء عليه هو أن تلك الوثيقة تولي الأمن – سياسيا واقتصاديا وعسكريا – أهميةً أكبر من تلك التي توليها للتعاون.

سأقتصر مع ذلك على السمات الأبرز في الوثيقة، ولا سيما تلك التي تتمتع بتأثيرٍ على سياسة روسيا في الشرق الأوسط.

أولا، الوثيقة مشبعةٌ بتاريخ روسيا وثقافتها، وهي تستعير الكثير من مفاهيم ومصطلحات كلٍ من روسيا القيصرية قبل الثورة وروسيا العهد السوفياتي. فهي تتحدث عن تاريخ روسيا الذي يعود إلى 2000 عام، وتقاليدها كمجتمعٍ متعدد الأعراق والأديان، مع روابط تاريخية عميقة تربطها بالثقافة الأوروبية التقليدية وبالثقافات الأوروبية والآسيوية الأخرى.

على أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التركيز على القيم التقليدية الروسية والدور الحضاري الفريد الذي لعبته روسيا ولا تزال تلعبه. إذ تقدم الوثيقة روسيا باعتبارها "حالةً-حضارية" خاصة تحمل "رسالة فريدة تتمثل في الحفاظ على توازن القوى العالمي" تعمل لما فيه خير "غالبية الجنس البشري"، مردّدةً في ذلك صدى الخط في الثقافة السياسية "المسيحانية" (الخلاصية) الروسية المستمد من دور الكنيسة الأرثوذكسية بصفتها روما الثالثة، والوصية على القيم المسيحية والتراث. من الجلي أن هذا بمنزلة إحياء لمبدأ أساسيٍ من مبادئ السياسة الخارجية التي انتهجتها روسيا خلال الحقبة القيصرية.

أما في ما يتعلق بالعهد السوفياتي، فثمة إشارات إلى "الاستعمار الجديد...، والمساهمة [السوفياتية] الحاسمة في الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية، ... والتطور السلمي التقدمي للبشرية، و[تبشّر] بأن هيمنة الغرب في طريقها إلى النهاية..."، وهو الأمر الذي يعكس مزيجا من التفاؤل التاريخي (النهاية الوشيكة للهيمنة الغربية) ويعكس القلق العميق (بما أن الغرب يخسر، فإنه سيقاوم بضراوة متزايدة)، وتذكّرنا الوثيقة على نحوٍ غامض بمقولة ستالين الشهيرة عن شحذ الصراع الطبقي.

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التركيز في الوثيقة الروسية الجديدة على القيم التقليدية الروسية والدور الحضاري الفريد الذي لعبته روسيا ولا تزال تلعبه. إذ تقدم الوثيقة روسيا باعتبارها "حالةً-حضارية" خاصة تحمل "رسالة فريدة تتمثل في الحفاظ على توازن القوى العالمي" تعمل لما فيه خير "غالبية الجنس البشري"

ثانيا، تؤكد الوثيقة أن النظام الدولي يشهد تحولا عميقا في حركته لمحو نظامٍ متعدد القطب "في ظل عملية تحرّك العالم في اتجاه إمكان تحول التنمية إلى مراكز جديدة للنمو الاقتصادي، والتأثير الجيوسياسي وتعزيز إضفاء الطابع الديموقراطي على العلاقات الدولية، وتؤكد أن أزمة العولمة تتعمق". لكن الغرب يقاوم في محاولة منه لإبقاء هيمنته.

ثالثا، للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تطغى لغة المواجهة مع الغرب على رغبة روسيا في التعاون معه. ومع أن الوثيقة تعتبر الغرب في مجمله خصمها الرئيس، من الواضح أن الخصم الرئيس لروسيا هو في واقع الحال الولايات المتحدة والعالم الأنغلوسكسوني. في المقابل، ترى الوثيقة في أوروبا من ناحية أخرى عدوا (مؤقتا)، لكنها أيضا شريكٌ محتمل، وهو الأمر الذي يشير حرص روسيا على إبقاء الباب مواربا أمام أوروبا انسجاما مع هدف روسيا الإستراتيجي المتمثل في إنشاء فناء أوروآسيوي، بمقدار ما تستطيع أوروبا نفسها فصل مصالحها الإستراتيجية عن مصالح الولايات المتحدة.

في مقابل ذلك، تصف إستراتيجية بايدن لعام 2022 روسيا بأنها قوة "متراجعة ومنهكة" وتقول إنها "تشكل تهديدا فوريا ومستمرا لنظام الأمن الإقليمي في أوروبا، ومصدرا للاضطراب وعدم الاستقرار على مستوى العالم".

رابعا، يأتي من ضمن الأهداف الإستراتيجية لسياسة روسيا الخارجية "... تطوير العلاقات مع المواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج، وتقديم الدعم الكامل لهم في ممارسة حقوقهم، وضمان حماية مصالحهم، والحفاظ على هويتهم الثقافية الروسية بالكامل".

ترى الوثيقة في أوروبا من ناحية أخرى عدوا (مؤقتا)، لكنها أيضا شريكٌ محتمل، وهو الأمر الذي يشير حرص روسيا على إبقاء الباب مواربا أمام أوروبا انسجاما مع هدف روسيا الإستراتيجي المتمثل في إنشاء فناء أوروآسيوي، بمقدار ما تستطيع أوروبا نفسها فصل مصالحها الإستراتيجية عن مصالح الولايات المتحدة. 

الحلفاء والشركاء الإستراتيجيون

خامسا، تخلّف الوثيقة انطباعا بأن ليس لدى روسيا حلفاء باستثناء بيلاروسيا وأبخازيا وأوسيتا الجنوبية. وتقسّم الوثيقة شركاء روسيا إلى فئات: فهناك شركاء إستراتيجيون وشركاء في التعاون وأصدقاء.

غير أن الخط الذي يميز كل فئة من تلك الفئات غامضٌ إلى حد ما، حيث تتداخل تلك الفئات بعضها ببعض. وعلى غرار الحقبة السوفيتية، يتولد لدى المرء الانطباع بأن تلك الفئات تنقسم طبقات. الطبقة الأولى: أعضاء رابطة الدول المستقلة، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومنطقة آسيا الوسطى، وأعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ودول منطقة بحر قزوين.

الطبقة الثانية: أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، الصين، الهند مع اعتبار البلدين الأخيرين شريكين إستراتيجيين. الطبقة الثالثة: شركاء وأصدقاء في آسيا والمحيط الهادئ والعالم الإسلامي وأفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

ويتصف القسم الخاص بالسياسات الإقليمية بالعمومية إلى حد ما، ولا يحتوي على تفاصيل وافية حول المصالح الروسية والسبيل لتحقيق تلك المصالح. ويقع هذا القسم على النقيض من إستراتيجية الأمن الأميركية التي تقدم إطارَ سياسةٍ مفصلا إلى حد ما.

الشرق الأوسط في مفهوم الوثيقة 

اللافت أن العالم العربي و/أو الشرق الأوسط يندرجان تحت عنوان عام هو "العالم الإسلامي"، على الرغم من أن ذلك العنوان يشمل إسرائيل. ويُعدّ الاستخدام العام المتكرر لعبارة العالم الإسلامي أمرا مثيرا للفضول، لكنه قد يكون إقرارا بالأهمية المتزايدة التي تتمتع بها إيران وتركيا وربما إندونيسيا. ولكن يمكن ربطه أيضا بحقيقة أنه يوجد عدد كبير من المسلمين في روسيا، يربو على 20 مليونا، أي ما يعادل نحو 17 في المئة من عدد السكان الإجمالي للاتحاد الروسي.

اللافت أن العالم العربي و/أو الشرق الأوسط يندرجان تحت عنوان عام هو "العالم الإسلامي"، على الرغم من أن ذلك العنوان يشمل إسرائيل

لكن وقبل الدخول في سياسة روسيا الخارجية في "العالم الإسلامي"، تجدر الإشارة إلى ثلاث نقاط نظرا لارتباطها بالشرق الأوسط على وجه الخصوص:

أ. ثمة تركيز في القسم الخاص بالتعاون الإنساني الدولي على "تطوير العلاقات مع المواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج وتقديم الدعم الكامل لهم". يتمتع هذا بتأثير خاص على السياسة الروسية تجاه إسرائيل. إذ إن هناك نحو 1.3 مليون مواطن إسرائيلي هاجروا من الاتحاد السوفياتي السابق، وبالتالي تربطهم علاقات وثيقة بروسيا. ويشكلون نحو 15 في المئة من سكان اسرائيل، ويتمتعون بنفوذ سياسي كبير.

ويمكن القول إن العلاقات بين روسيا وإسرائيل لم تكن في أي وقت مضى أفضل حالا مما هي عليه الآن. وفي ظل التأثير المتزايد الذي يتمتع به مواطنو الاتحاد السوفياتي السابق، من المتوقع أن تواصل العلاقات تطورها الإيجابي.

ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أنه وبينما توجد خلافات بين موسكو وتل أبيب حول القضية الفلسطينية وسوريا، لم تمنعهما تلك الخلافات من التعاون في العديد من القضايا، ومن ضمنها القضايا التي تختلفان فيها.

ب. في القسم الخاص بمكافحة الإرهاب الدولي، تنص الوثيقة على أن روسيا ستشترط – من أجل حماية مواطنيها – "تعاونا متعدد الوجوه مع الحلفاء والشركاء في مجال مكافحة الإرهاب، وتزويدهم المساعدة العملية في عمليات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك حماية المسيحيين في الشرق الأوسط"، ويمثل هذا تبريرا إضافيا للتدخل الروسي في الشرق الأوسط، وفيه تذكير بسياسات الحقبة القيصرية.

ج. في سياق تعزيز مكانة روسيا في النظام الاقتصادي الدولي، ولا سيما في ما يتعلق بطرق النقل، تعلّق الوثيقةُ أهميةً على تطوير ممرات القطب الشمالي، وممر الشمال-الجنوب عبر إيران في طريقه إلى الخليج. وكلاهما سيخلّف أثرا على الشرق الأوسط، ويشكل منافسة خاصة لقناة السويس.

تركز الإستراتيجية الروسية الجديدة، فيما يتعلق بالعالم الإسلامي، على تطوير تعاون واسع النطاق وموثوق مع إيران، وتقديم دعم شامل للجمهورية العربية السورية، وتعميق الشراكات المتعددة الوجه ذات المنفعة المتبادلة مع جمهورية تركيا، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية.

AFP

وحدّدت الوثيقة أهداف روسيا في "العالم الإسلامي" على النحو الآتي:

• ".... تطوير تعاون واسع النطاق وموضع ثقة مع جمهورية إيران الإسلامية، وتقديم دعم شامل للجمهورية العربية السورية، وتعميق الشراكات المتعددة الوجه ذات المنفعة المتبادلة مع جمهورية تركيا، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية...".

• "... إنشاء بنية تعاونية وأمنية إقليمية شاملة ومستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وتحقيقا لهذه الغاية... يتمّ "تنفيذ مفهوم الأمن الجماعي الروسي الخاص بمنطقة الخليج، وتعتبر الوثيقة أن تنفيذ هذه المبادرة هو خطوة مهمة في اتجاه تطبيعٍ مستدام وشامل للوضع في الشرق الأوسط".

• "... تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات، وتوحيد الجهود لحماية القيم الروحية والأخلاقية التقليدية، ومكافحة الإسلاموفوبيا، بما في ذلك التنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي".

• "تسوية الخلافات بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وتطبيع تلك العلاقات، وكذلك تسوية الخلافات بين هذه الدول وجيرانها وتطبيعها (وفي المقام الأول العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية والدول العربية، وبين الجمهورية العربية السورية وجيرانها، وبين الدول العربية ودولة إسرائيل)، ومن ضمنها الجهود الرامية إلى حلّ شامل ودائم للقضية الفلسطينية".

• "... المساعدة في حل النزاعات المسلحة والتغلب عليها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا والمناطق الأخرى التي توجد فيها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي".

• ... "إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بهدف إقامة شراكة أوراسية أوسع".

قصارى القول ستسعى السياسة الروسية إلى تطوير وتكثيف العلاقات مع حلفائها وشركائها، وإلى حل النزاعات وتطبيع العلاقات بين مختلف الدول، وخاصة بين الدول العربية وكل من إيران وإسرائيل، وستسعى إلى تعزيز التعاون مع الدول الإسلامية بشكل عام لتعزيز آفاق هدفها الإستراتيجي المتمثل في إنشاء فضاء أوروبي آسيوي متكامل.

مقارنة مع جهاز الأمن القومي الأميركي

من أجل فهم علاقات روسيا مع حلفائها وأصدقائها في المنطقة على نحوٍ أفضل، قد يكون من المفيد أيضا عقد مقارنة بين الكيفية التي تعامل بها مفهوم السياسة الخارجية الروسية والكيفية التي يتعامل بها جهاز الأمن القومي الأميركي مع بلدان معينة:

أولا: إيران. من بين أهداف مفهوم السياسة الخارجية الروسية "... تسوية الخلافات وتطبيع العلاقات ...." بين ".... جمهورية إيران الإسلامية والدول العربية". من الواضح أن الولايات المتحدة ومجلس الأمن القومي يعتبران إيران خصما، وعلى عكس روسيا، تؤكد السياسة الخارجية الأميركية "... مواصلة العمل مع الحلفاء والشركاء لتعزيز قدراتهم الرامية لردع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار والتصدي لتلك الأنشطة".

ثانيا: إسرائيل. تضع وثيقة مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية كهدف لها "... تسوية الخلافات وتطبيع العلاقات..." "... بين الدول العربية ودولة إسرائيل". في حين يسعى نظام الأمن الأميركي إلى "... توسيع وتعميق علاقات إسرائيل المتنامية مع جيرانها والدول العربية الأخرى، بما في ذلك من خلال اتفاق أبراهام، مع الحفاظ على التزامنا الصارم لأمنها...".

ثالثا: في حين أن مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية يشدد على دولٍ معينة مثل سوريا وإيران وتركيا والسعودية ومصر، من المثير للاهتمام أنه لا يأتي على ذكر دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تحافظ روسيا على علاقات وثيقة معها. في المقابل، يشير نظام الأمن القومي الأميركي إلى الدول العربية على نحوٍ جماعي في سياق توسيع اتفاقيات أبراهام التي تسعى إلى توثيق العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

رابعا: المشكلة الفلسطينية-الإسرائيلية. يتعامل مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية مع هذه المسألة بطريقة عامة للغاية، ويشير إلى أن أهدافه تتمثل في تطبيع العلاقات بين الدول العربية ودولة إسرائيل، "ومن ضمنها الجهود الرامية إلى حلٍ شاملٍ ودائم للقضية الفلسطينية، مع عدم الإشارة إلى حل الدولتين". يشير نظام الأمن القومي الأميركي إلى حل الدولتين على وجه التحديد، لربما في محاولة منه لمواجهة محاولة الرئيس ترمب التخلص منه كخيار قائم.

يتعامل مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية مع المسألة الفلسطينية-الإسرائيلية بطريقة عامة للغاية، ويشير إلى أن أهدافه تتمثل في تطبيع العلاقات بين الدول العربية ودولة إسرائيل، "ومن ضمنها الجهود الرامية إلى حلٍ شاملٍ ودائم للقضية الفلسطينية، مع عدم الإشارة إلى حل الدولتين"

من الواضح أن وثيقة مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية تركز عموما على كيفية إدارة العلاقة العدائية القائمة مع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي يفسح القليل من المجال لأية تفاصيل أخرى حول الكيفية التي يقترحها لإدارة ملف علاقات روسيا مع بقية العالم.

لكن ما هو جديرٌ بالاهتمام هو ثلاثة من المصالح والأهداف الوطنية الروسية، التي ستكون لها تداعيات بعيدة المدى على سياسة روسيا في الشرق الأوسط: العلاقة العضوية مع الروس المقيمين في إسرائيل، ومن ثمّ العلاقة مع مسيحيي الشرق الأوسط، وأخيرا ممر النقل الذي سيشكل منافسة لبعض الدول العربية. وهذه العناصر الثلاثة معا توفر أساسا للسياسة الروسية المستقبلية في المنطقة.

ومن اللافت أن القسم الخاص بـ"العالم الإسلامي" يحمل صبغة شديدة العمومية، وهو الأمر الذي يوحي بأنه لم يحظ بالاهتمام الكافي.

وهكذا فإن مفهوم السياسة الخارجية الروسية لا يتعامل مع المنطقة انطلاقا من مصالح ملموسة، ولا سيما مع دول الخليج من حيث أن التعامل يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة والاستثمارات، والتكنولوجيا، وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل ومصر فإنه يتصل بتقديم جسر يصل روسيا بأفريقيا. وجميع ما سبق هو أساسٌ فعلي ترتكز عليه سياسات روسيا الحالية والمستقبلية تجاه المنطقة.

أخيرا، إذا كان نظام الأمن القومي الأميركي قد خفّض الشرق الأوسط إلى مرتبة أدنى في سلم أولوياته، فليس ثمة ما يوجد في مفهوم سياسة الاتحاد الروسي الخارجية ليشير إلى أن المنطقة تحظى بأولوية عالية بالنسبة إلى روسيا.

ولكن، ونظرا إلى قرب الشرق الأوسط من روسيا، ونظرا إلى أن جزءا منه يقع في الفضاء الأوراسي، فإنه بلا شك يحتل أولوية أعلى من الأولوية التي توليها الولايات المتحدة له.

font change