من مدام ماو إلى إيفيتا... السيدة الأولى أم المسؤول الثاني؟

قصص تبدأ بالطموح وتنتهي أغلبها بالمآسي

من مدام ماو إلى إيفيتا... السيدة الأولى أم المسؤول الثاني؟

مهربان باشاييفا

زوجة إلهام علييف، هي واحدة منهن. وتشغل باشاييفا حاليا منصب نائب الرئيس والسيدة الأولى في أذربيجان، ولها حكاية نادرة في السياسة الراهنة، حيث دمجت اثنين من أقوى المناصب في بلدها، كزوجة رئيس حالي ونائبه. والواقع أن الرئيس علييف أنشأ هذا المنصب في 2017 خصوصا من أجلها.

تزوجت مهربان من الرئيس الأذربيجاني عام 1983، ولكنها تنحدر من عائلة متميزة وذات سطوة. كان جدها كاتبا ومؤلفا بارزا، وشغل عمها منصب أول سفير لأذربيجان لدى الولايات المتحدة. درست مهربان الطب في موسكو وتخرجت عام 1988. وبين 1988 و1992، عملت في المعهد الحكومي لأبحاث أمراض العيون في الأكاديمية الروسية للعلوم الطبية في موسكو. وقبل دخولها معترك السياسة بوقت طويل، عملت كطبيبة عيون بارعة وكان بانتظارها مستقبل طبي واعد. وفي عام 1995، أنشأت مؤسسةً ثقافية سمتها "مؤسسة أصدقاء الثقافة الأذربيجانية"، ثمّ أسّست مجلة تراثية باللغات الأذربيجانية والإنجليزية والروسية، قبل أن تنشئ مؤسسة حيدر علييف، التي كرّستها للترويج لإرث والد زوجها، رئيس أذربيجان السابق، وبناء المدارس والمستشفيات واستضافة الفعاليات الثقافية.

Getty Images
تزوجت مهربان من الرئيس الأذربيجاني عام 1983.

في عام 2005، بعد عامين من تسنّم زوجها منصب الرئاسة، انتُخبت مهربان نائبة في البرلمان الأذربيجاني، ثم عضوا في اللجنة المركزية لحزب "أذربيجان الجديدة" الحاكم في البلاد. وفي 21 فبراير/شباط 2017، عينها الرئيس علييف نائبة له، بالإضافة إلى مهامها كسيدة أولى. وفي حال وفاة زوجها أثناء فترة رئاسته أو تنحّيه عن المنصب، فستصبح الرئيس المقبل للبلاد.

ولكن حكاية مهربان ليست بالجديدة ولا الفريدة.

انتُخبت مهربان نائبة في البرلمان الأذربيجاني، ثم عضوا في اللجنة المركزية لحزب "أذربيجان الجديدة" الحاكم في البلاد. وفي 21 فبراير 2017، عينها الرئيس علييف نائبة له.


مدام ماو

قبل سبعين عاما، كان لدينا امرأة قوية جدا وطموحة في الصين تُدعى جيانغ تشينغ (تُعرف أيضا باسم مدام ماو)، وهي ممثلة تحولت إلى ثورية شيوعية وأصبحت الزوجة الرابعة للزعيم الصيني الأسطوري ماو تسي تونغ.

اشتهرت في الأصل باسمها المسرحي لان بينغ (التفاحة الزرقاء)، ولكنها تخلت عن التمثيل عندما تزوجت من ماو في نوفمبر/تشرين الثاني 1938، وعملت لأول مرة كسكرتيرة شخصية له ورئيسة قسم الأفلام في قسم الدعاية بالحزب الشيوعي. وفي عام 1966، عيّنها ماو نائبةً لمدير المجموعة المركزية للثورة الثقافية، مما ساعد على فرض عبادة الشخصية لزوجها. بعد ثلاث سنوات، "انتُخِبت" جيانغ في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، الأمر الذي وضعها في نهاية المطاف مع أصدقاء ماو وخصومه، وجعلها واحدة من أقوى النساء في آسيا.

Getty Images
جيانغ تشينغ هي الزوجة الرابعة للزعيم الصيني ماو تسي تونغ.

وُلدت جيانغ لعائلة من الطبقة العاملة عام 1914. بعد وفاة والدها، الذي عمل نجارا، عاشت مع والدتها التي كانت تعمل في تنظيف البيوت لتعيل نفسها وعائلتها، أرسلتها أمها إلى عمالة الأطفال في مصنع سجائر. ومن هناك انتقلت إلى المسرح وعملت كممثلة محترفة أثناء دراستها في جامعة تشينغداو الوطنية. انضمت إلى صفوف الحزب الشيوعي واعتقلت بسبب نشاطها في شنغهاي في سبتمبر/أيلول 1934. وخلال نشاطها الحزبي، تعرّفت على ماو الذي كان يبلغ من العمر ضعف عمرها، وكان متزوجا بالفعل ولديه خمسة أطفال. تزوج ماو من جيانغ في نوفمبر/تشرين الثاني 1938 وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، أصبحت السيدة الأولى في الصين.

انضمت إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي في أبريل/نيسان 1969، وخلقت ما أصبح يُعرف باسم عصابة الأربعة مع الشيوعيين المتشددين تشانغ تشونغياو، وياو وينيوان، ووانغ هونغ ون، الذين شغلوا جميعا مناصب قوية في المكتب السياسي، وكانوا العمود الفقري لثورة ماو الثقافية التي أطلقها في مايو/أيار 1966، والتي كان هدفها المعلن الحفاظ على الشيوعية الصينية من خلال تطهير المجتمع الصيني من بقايا الرأسمالية. واشتهرت هذه الفترة بالتطرف والعنف والفوضى، حيث مات في هذه العملية آلاف الصينيين، وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى تجاوز المليون. واستغلت جيانغ الثورة لتطهير أعدائها، بمن فيهم أولئك الذين ظلموها خلال مسيرتها المبكرة في عالم التمثيل.

بيد أن الأمور تغيرت بعد وفاة ماو في 9 سبتمبر/أيلول 1976، وما تم، بعد ذلك بوقت قصير، أن ألقي القبض عليها مع زملائها الآخرين في عصابة الأربعة، ووجهت إليهم جميعا تهمة محاولة الاستيلاء على السلطة عن طريق القيام بانقلاب في شنغهاي وبكين. واحتجزت جيانغ لمدة خمس سنوات، تعرضت خلالها للضرب والجوع والتعذيب. وفي عام 1980 بدأت محاكمتها التي بُثَّت عبر التلفزيون في جميع أنحاء العالم. وخلال المحكمة، بدت جريئة، رافضة الاعتراف بأي ذنب أو ندم. فصلت محاميها وقررت الدفاع عن نفسها قائلة إن كل أفعالها كانت تحت إمرة زوجها. وقالت عبارتها الشهيرة: "كنت كلب الرئيس ماو، وكنت أعضّ كل من يطلب مني أن أعضه". وفي عام 1991، أُطلق سراح جيانغ لأسباب طبية، بعد تشخيص إصابتها بسرطان الحلق، ولكنها أنهت حياتها بنفسها بتعليق نفسها في حمام غرفتها في المستشفى يوم 14 مايو/أيار 1991.

وُلدت جيانغ لعائلة من الطبقة العاملة عام 1914. بعد وفاة والدها، الذي عمل نجارا، عاشت مع والدتها التي كانت تعمل في تنظيف البيوت لتعيل نفسها وعائلتها، أرسلتها أمها إلى عمالة الأطفال في مصنع سجائر.


إيفيتا

يتذكر الجيل الشاب السيدة الأولى السابقة للأرجنتين بسبب الدور الذي لعبته أيقونة موسيقى البوب العالمية مادونا في الفيلم الموسيقي إيفيتا عام 1996، ولكن لسنوات عديدة، كانت إيفا بيرون واحدة من أقوى النساء وأكثرهن طموحا في السياسة العالمية. مثل جيانغ، بدأت حياتها المهنية أيضا كممثلة قبل أن تصبح السيدة الأولى للأرجنتين من يونيو/حزيران 1946 حتى وفاتها في يوليو/تموز 1952.

ولدت إيفا لعائلة فقيرة عام 1919 وبدأت حياتها المهنية على خشبة المسرح في بوينس آيرس في سن الخامسة عشرة، ولتصبح أكثر جاذبية، غيّرت لون شعرها الأسود إلى الأشقر، وأبقت هذا اللون طوال حياتها. بدأت حياتها عارضة أزياء وعملت في أفلام تجارية منخفضة التكلفة. تزوجت من العقيد خوان بيرون عام 1945 (وكان يشغل آنذاك منصب وزير العمل)، قبل أشهر من انتخابه رئيسًا في يونيو/حزيران 1946. التقيا لأول مرة في حدث خيري لجمع الأموال لضحايا الزلزال الذي وقع في مدينة سان خوان في يناير/كانون الثاني 1944، وأسفر عن مقتل عشرة آلاف شخص.

Getty Images
أصبحت إيفا السيدة الأولى للأرجنتين من يونيو/حزيران 1946 حتى وفاتها في يوليو/تموز 1952.

وبينما صعدت جيانغ إلى السلطة من خلال الحزب الشيوعي، اختارت إيفا النقابات العمالية كوسيلة لها للوصول إلى السلطة، فأصبحت رئيسة لها ووضعت نفسها كبطلة للطبقة العاملة الأرجنتينية. أدارت أيضا وزارتي العمل والصحة، وأنشأت مؤسستها الخاصة– كما فعلت مهربان علييف– التي سُمِّيت باسمها، "اسم مؤسسة إيفا بيرون". ونشطت من أجل حق المرأة في التصويت في الأرجنتين وأسست أول حزب نسائي واسع النطاق، حزب النساء البيرونيات. بحلول عام 1951، كان الحزب يضم 500 ألف عضو وله 3600 مكتب في جميع أنحاء الأرجنتين. عندما أقر زوجها قانون حقوق المرأة في التصويت، قدم الوثيقة لزوجته، كعربون تقدير لجهودها. كسيدة أولى، سافرت عام 1947 في جولة حظيت بتغطية إعلامية واسعة في أوروبا، حيث التقت بالجنرال فرانشيسكو فرانكو في إسبانيا، والرئيس الفرنسي شارل ديغول، والبابا بيوس الثاني عشر. ووضعت مجلة "التايم" الأميركية الشهيرة صورتها على غلافها الأمامي، ما جعلها أيقونة دولية.

مثل مهربان علييف، رشحت إيفيتا نفسها لمنصب نائب الرئيس عام 1951، بناءً على طلب زوجها، لكنها اضطرت إلى سحب ترشيحها لأسباب صحية، فكرّمها الرئيس بيرون بدل ذلك بلقب القائدة الروحية للأمة، بمناسبة عيد ميلادها الثالث والثلاثين في مايو/أيار 1952. وسيكون ذلك آخر عيد ميلاد لها، إذ إنها توفيت يوم 26 يوليو/تموز 1952، وجرت مراسم تشييعها في جنازة رسمية عادة ما تكون مخصصة لرؤساء الدول.

ولدت إيفا لعائلة فقيرة عام 1919 وبدأت حياتها المهنية على خشبة المسرح في بوينس آيرس في سن الخامسة عشرة، ولتصبح أكثر جاذبية، غيّرت لون شعرها الأسود إلى الأشقر، وأبقت هذا اللون طوال حياتها.

خليفة إيفيتا

سيستغرق الأمر ستين عاما أخرى قبل أن تظهر في الأرجنتين امرأة طموحة أخرى، هي كريستينا دي كيرشنر، التي ولدت في فبراير/شباط 1953، بعد شهور قليلة من وفاة إيفيتا. شغلت كريستينا، التي درست المحاماة، منصب رئيسة الأرجنتين من 2007 إلى 2015. وقبل ذاك كانت السيدة الأولى في عهد زوجها نيستور كيرشنر (2003-2007). لم تكن كيرشنر في الواقع أول رئيسة للأرجنتين، بل سبقتها إيزابيل، الزوجة الثالثة لخوان بيرون، عام 1974. من الناحية الآيديولوجية، تعرّف كريستينا نفسها على أنها بيرونية.

دخلت السياسة لأول مرة عام 1994 كعضو في الجمعية الدستورية الأرجنتينية، قبل أن تصبح عضوا في مجلس الشيوخ بعد عام واحد. عندما انتهت فترة ولاية زوجها عام 2007، لم يكن بوسعه إعادة انتخابه، فضغط من أجل انتخاب زوجته، قبل أن يتوفى عام 2010. وأعيد انتخابها لولاية ثانية في 2011، ومنذ عام 2019، تشغل منصب نائب رئيس الأرجنتين.

وُلدت كريستينا لأبوين من الطبقة العاملة مثل كل أسلافها، وكان والدها سائق حافلة. ومن المفارقات أنه كان مناهضا للبيرونيين. درست كريستينا في جامعة "لابلاتا" الوطنية، حيث درست علم النفس أولا، ثم القانون. تزوجت من نيستور عام 1975 وعملت معه في مكتب المحاماة الخاص به بعد أربع سنوات.

عملت شركتهما في البنوك والمجموعات المالية واكتسبت شهرة في الدفاع عن شخصيات عسكرية متهمة بارتكاب جرائم. من هناك بدأ الزوجان علاقات عمل انتهت بهما إلى السياسة، مع تناوبهما على الرئاسة. عندما رشحها نيستور لخلافته كرئيسة، ترددت شائعات بأنه يمكن أن يتناوبا على الرئاسة لمدة اثني عشر عاما لكل منهما للالتفاف على القيد الدستوري الذي يحدد الرئاسة بفترتين متتاليتين لكل رئيس. وكان من المفترض أن يعود نيستور ليخلفها في الرئاسة في عام 2015، سوى أنه توفي قبل إجراء تلك الانتخابات.

ولدت كريستينا دي كيرشنر، في فبراير/شباط 1953، بعد شهور قليلة من وفاة إيفيتا. شغلت كريستينا، التي درست المحاماة، منصب رئيسة الأرجنتين من 2007 إلى 2015.

السيدة تشاوشيسكو

نتحدث، أخيرا وليس آخرا، عن إيلينا، زوجة نيكولاي تشاوشيسكو، رئيس رومانيا، والتي قُتلت معه في يوم عيد الميلاد عام 1989 بعد حياة شخصية ومهنية حافلة. ولدت إيلينا لعائلة من الفلاحين، ولم تتجاوز في تعليمها المدرسة الابتدائية، وعملت أولاً في مختبر ثم في معمل للنسيج. وهناك انضمت إلى فرع بوخارست للحزب الشيوعي، حيث التقت في صفوفه بزوجها المستقبلي.

تزوج الاثنان في عام 1947. بدأت إيلينا رحلتها إلى السلطة والشهرة، حين بلغ زوجها منصب الأمين العام للحزب عام 1965. وكانت في صعودها تستلهم إلى حدّ كبير من سيرة مدام ماو التي التقت بها خلال زيارة تشاوشيسكو للصين في يونيو/حزيران 1971. بعد عام واحد، انتخبت لعضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروماني، وفي يونيو/حزيران 1973، أصبحت عضوا في المكتب السياسي للحزب، ثم حين تسنّم زوجها موقع الرئاسة في البلاد في مارس/آذار 1974، غدت إيلينا السيدة الأولى و"شريكة" في النظام الشيوعي.

Getty Images
إيلينا، زوجة نيكولاي تشاوشيسكو، رئيس رومانيا، والتي قُتلت معه في يوم عيد الميلاد عام 1989.

 

ولدت إيلينا لعائلة من الفلاحين، ولم تتجاوز في تعليمها المدرسة الابتدائية، وعملت أولاً في مختبر ثم في معمل للنسيج.

ومنذ تلك اللحظة أخذت إيلينا ترتفع من عُلوّ لآخر، فانضمت إلى الجمعية الوطنية ثم في مارس/آذار 1980، ثمّ أصبحت نائبة رئيس وزراء رومانيا. ولا شكّ في أن نيكولاي تشاوشيسكو كان يخطط لكي تخلفه إيلينا في المنصب، بل يبدو أنه فكّر في التنحي لصالحها. ومثل خوان بيرون، منحها تشاوشيسكو لقب "أم الأمة".

وبدأت عبادة الفرد تنمو تجاه الزوج والزوجة، ولكن الثورة الرومانية جاءت لتنهي آمال إيلينا، فاعتقلت وزوجها، ثم أُعدم كلاهما، بعد محاكمة صورية، رمياً بالرصاص في 25 ديسمبر/كانون الأول 1989، وكانت تبلغ من العمر 73 عاما.

font change