السوريون والعراقيون يحذرون من انتعاش بذور "داعش"

يعاني "داعش" من الضعف لكنه لا زال مصدر إزعاج في جميع أنحاء المنطقة

Getty Images
Getty Images
عنصر من "قوات سوريا الديمقراطية" يراقب الافراج عن عائلات مقاتلي "داعش" من مخيم الهول في 2 يونيو 2021

السوريون والعراقيون يحذرون من انتعاش بذور "داعش"

القائم- العراق: يحكي أحد أفراد قوات الأمن العراقية كيف كان رد فعل زميل لابنه الصغير، عندما ذهب إلى منزل الصبي البالغ من العمر 10 سنوات في مدينة القائم بمحافظة الأنبار، قرب الحدود السورية.

"لقد بدأ بالصراخ في وجهي وهو يتهمني بأنني قتلت والده، ورفض رفضا قاطعا قبول الهدية التي أحضرتُها له".

كان والد الصبي مقاتلا في صفوف "داعش" وقُتل قبل سنوات. وأمضت عائلته التي أُسرت عدّة سنوات في مخيم الهول الواقع شمال شرقي سوريا، قبل أن يُخلى سبيلهم ويعودوا إلى العراق.

أُعلن عن هزيمة "داعش" إقليميا في ديسمبر/كانون الأول 2017 في العراق، وتلت ذلك هزيمته الأخيرة في معقله الإقليمي الأخير في الجزء الغربي من سهل الباغوز، على الحدود السورية العراقية شمالي القائم.

لقد اجتاز كثير من العائلات والمقاتلين الذين طُردوا من بلدتي القائم وراوة غربي الأنبار عام 2017 الحدودَ، متجهين إلى سوريا. كانت راوة آخر مدينة في العراق تحررها قوات الأمن العراقية بدعمٍ جوي من التحالف الدولي بقيادة الولاياتِ المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. ورافقت كاتبة هذه السطور القوات العراقية إلى صحراء غرب الأنبار خلال العمليات المذكورة التي توقفت عند الحدود بين البلدين التي لم يعترف التنظيم الارهابي بها خلال سنوات سيطرته على المنطقة.

شيلي كيتلسون
طفلان في مدينة القائم العراقية قرب الحدود مع سوريا في أبريل الماضي

بعد هزيمة "داعش" عام 2019 في الباغوز السورية، انتهى المطاف بالعديد من هؤلاء المواطنين العراقيين في مخيم الهول الواقع إلى الشمال في محافظة الحسكة، تحت الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد شمال شرقي سوريا، أو انتهى بهم المطاف في مراكز الاحتجاز الواقعة في المحافظة نفسها. وبعد مضي أربع سنوات لا يزال عشرات الآلاف من الأشخاص المشتبه في تورطهم و/أو صلاتهم بمقاتلي "داعش" محتجزين في هذه المنشآت والمخيمات.

قال ضابط الأمن لـ"المجلة" أثناء احتساء الشاي خلال رحلة صحافية إلى مدينة القائم أواخر أبريل/نيسان: "كنت قد قدمت للصبي الصغير في المرة الأولى التي التقيته فيها أيضا هديةً وقد قبلها، ولكنني كنت أرتدي ملابس مدنية حينها. ولكن رد فعله في المرة الثانية حين كنت أرتدي زي الشرطة، كان سيئا، وقال إننا جميعا قَتَلة".

وأضاف الرجل، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب المنصب الذي يشغله، قائلا: "يحتاج هؤلاء الأطفال إلى المساعدة وإلا فإن خشيتنا كبيرة من أن يكبروا وهم يُكِنّون الكره لنا ولأطفالنا، عندئذ فالله أعلم ماذا سيحدث".

أُعلنت هزيمة "داعش" إقليميا في ديسمبر/كانون الأول 2017 في العراق، وتلت ذلك هزيمته الأخيرة في معقله الإقليمي الأخير في سهل الباغوز، على الحدود السورية العراقية شمالي القائم


أشار القائد العام لقوة العمل المشتركة- عملية "العزم الصلب" خلال إحاطة إعلاميةٍ قدمها في 24 أبريل/نيسان الماضي مع الصحافيين ومن ضمنهم مراسلة "المجلة"، أشار إلى أن شهر رمضان المبارك هذا العام، والذي انتهى قبل فترة وجيزة من الإحاطة، "كان الأكثر أمنا منذ سنوات بفضل الجهد المشترك لشركائنا".

و"قوة العمل المشتركة- عملية العزم الصلب" هو تشكيلٌ عسكري متعدد الجنسيات أنشأه التحالف الدولي بقيادة الولاياتِ المتحدة لمحاربة "داعش".

وأضاف الجنرال ماثيو مكفارلين: "لم يسجل هذا العام سوى 19 هجوما من كافة الأنواع في العراق، وذلك بانخفاض 87 في المئة- أو بواقع انخفاض قدره 80 في المئة عن العام الماضي و87 في المئة عن عام 2020". وتابع مكفارلين: "ينطبق الأمر نفسه على سوريا، حيث لم تشهد سوريا سوى 19 هجوما، وذلك يعني انخفاضا بنسبة 37 في المئة عن عام 2022 وانخفاضا بنسبة 70 في المئة عن عام 2020".

شيلي كيتلسون
مقر قيادة العمليات المشتركة في بغداد

وتابع قائلا: "في الوقت الذي يواصل فيه شركاؤنا تعطيل وتفكيك خلايا وأنشطة "داعش"، نواصل نحنُ التركيزَ على منع أي عودةٍ للتنظيم من خلال الجهد الذي نبذله لإعادة المحتجزين في أماكن الاحتجاز ومعسكرات النازحين إلى أوطانهم".

وشدّد على أن عملية "إعادة آلاف النازحين في شمال شرقي سوريا والموجودين في مراكز الاحتجاز تتطلب عملا دوليا"، وأشار إلى أنه لا يزال لدى تنظيم "داعش" "آيديولوجيا طليقة".

تفاقم مشكلة السجون والمعسكرات والفوضى في سوريا

يُطلق على مخيم الهول الواقع شمال شرقي سوريا، والذي يضم في الغالب عائلات لها صلات مزعومة بـ"داعش"، اسم القنبلة الموقوتة.

وصرّحت الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنّ "النساء والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 17 عاما يشكّلون حوالي 93 في المئة من عدد السكان البالغ 55 ألف نسمة. ويستوعب مركز الاعتقال ما يقرب من 60 جنسيةً مختلفة، أكبرها الجنسيتان العراقية والسورية: 52 في المئة للعراقيين، و34 في المئة للسوريين.

وقد قُتل كثير من المواطنين العراقيين في مخيم الهول في السنوات الأخيرة، بما في ذلك نساء أُصبن في الرأس فيما قُطعت رؤوس نساء أخريات.

ووفق تقرير المفتش العام الرئيسي الذي قُدم إلى الكونغرس الأميركي في الرُبع الأول من 2022، "سوف يستغرق الأمر إذا سار على نفس الوتيرة ما يقرب من 15 عاما لإعادة جميع العراقيين في المخيم إلى أوطانهم".

كانت حادثة الهروب من السجن التي نظمها أفرادٌ تابعون لـ"داعش" أواخر يناير/كانون الثاني 2022 في سجن الصناعة بحي غويران في الحسكة بمنزلةِ أكبر هجوم يشنه التنظيم المسلح في العراق وسوريا منذ هزيمتهم الإقليمية في المنطقة أوائل عام 2019.

ولقي المئات حتفهم في الهجوم والقتال الذي استمر لعدة أيام، وهرب كثير من المحتجزين. ولا تتوفر أرقام دقيقة عن عدد الذين هربوا من السجن.

يقع كل من مخيم الهول وسجن الصناعة في محافظة الحسكة التي يسكنها العرب والأكراد، وتقع شمال محافظة دير الزور ذات الأغلبية العربية. أصدرت القيادة المركزية الأميركية في 17 أبريل/نيسان بيانا قالت فيه إنها شنت غارة بطائرة مروحية في شمال سوريا "استهدفت قائدا بارزا من قادة داعش في سوريا ومُخطِّط عملياتها".

وتشير بعض التقارير إلى أن زعيم "داعش" قد تمكن من الفرار من سجن الحسكة خلال هجوم العام الماضي.
 

"قوة العمل المشتركة- عملية العزم الصلب" هو تشكيلٌ عسكري متعدد الجنسيات أنشأه التحالف الدولي بقيادة الولاياتِ المتحدة لمحاربة "داعش"

ما زال السكان المحليون يشعرون في بعض المناطق في كل من العراق وسوريا بأن "داعش" يهددهم، على الرغم من أن الهجمات أصبحت متقطعة.

يشعر السكان المحليون بالتهديد في شرق سوريا الغني بالنفط

قال عنصر عربي يخدم في قوات الأمن المحلية بمنطقة خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية في الجزء الشرقي من منطقة دير الزور، شرقي سوريا، لـ"المجلة" عبر رسائل مشفرة أرسلها في 27 أبريل/نيسان الماضي: "شنّت خلايا تابعة للتنظيم هجوما منذ يومين في منطقة الشحيل على نقطة عسكرية بوسط المدينة في منتصف الليل. وقد استُخدمت بنادق آلية وقاذفات (آر بي جيه) في الهجوم". وأردف قائلا: " لقد استمر الاشتباك ربع ساعة. ثم فرّ المهاجمون إلى جهة مجهولة".

تقع مدينة الشحيل على طول الضفاف الشرقية لنهر الفرات في الطرف المقابل لمدينة القائم. وقد شهدت كاتبة هذا التقرير عمليات تهريب للنفط عبر النهر بالقرب من الشحيل إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية خلال رحلة صحافية إلى المناطق القبلية الواقعة شرق دير الزور في مايو/أيار 2019. وقد كان للمنطقة شأنٌ كبير في تمويل "داعش" خلال السنوات التي سيطر التنظيم فيها على المنطقة.

ووفقا لتقرير أصدره المعهد الأسترالي للشؤون الدولية في 2021، فإن "80 في المئة من الـ56 ألف برميل التي كان داعش يستخرجها يوميا كانت تأتي من سوريا، وعلى نحو أساسي من محافظة دير الزور من حقل عمر النفطي".

وقال المصدر العربي المذكور سابقا في قوات الأمن المحلية لـ"المجلة" في أبريل/نيسان الماضي إن "داعش" "لا يني يهدد الناس، ولا سيما أولئك الذين يملكون المال، مستخدما ذريعة أنه إنما يجبي "الزكاة"، ويختبئ أعضاؤه خلف شاشات هواتفهم المحمولة بأسماء وهمية وأرقام أميركية وهولندية وتركية وعراقية وسورية مختلفة عبر تطبيق "واتساب".

وقال إن كثيرا من الناس في المناطق العربية شرقي دير الزور "ليس لديهم خيار آخر سوى الدفع أو الهجرة من منطقة إلى أخرى أكثر أمانا".

وأشار إلى أنه "قُتل شخص منذ عشرين يوما في ذيبان، وهي بلدة أخرى تقع في مناطق القبائل العربية شرقي دير الزور جنوبي الشحيل، لعدم دفعه النقود لهم". وكان "داعش"– أو ربما بعض "العصابات الأخرى التي تسمي نفسها داعش"– طلب فديةً قدرها 10 آلاف دولار. وحين لم تدفع الفدية، وجد الرجل "مقتولا في ساعة متأخرة من الليل بالقرب من منزله"، كما بيّن أحد أفراد قوات الأمن المحلية لــ"المجلة". 

كما حذر من أن كثيرا من الأشخاص في المنطقة "سينضمون إلى داعش إذا ما حصل تقارب مع النظام [الحكومة السورية] من دون تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254". ولكنه شدد على أن هذا لن يكون بسبب ودٍّ يكنونه لتنظيم داعش أو محبة له. لكن المزيد من التقارب مع التنظيم سيحصل إذا توصلت جماعة الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد ومقرها في الشمال إلى اتفاق مع الحكومة السوريةِ لا يتماشى مع القرار المذكور أعلاه طالما أن ذلك التنظيم يحارب النظام. 

وتبنى مجلس الأمن القرار 2254 بالإجماع في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 ويدعو إلى وقف إطلاق النار وإلى التسوية السياسية، وإلى وضع خريطة طريق للانتقال السياسي... لم يُشهد إحراز أي تقدم حقيقي في هذا الشأن خلال السنوات السبع التي انقضت منذ اعتمده مجلس الأمن


العراق يراقب بحذرٍ مخابئ الأسلحة وتزايد أعداد السجناء

وتُعلن قوات الأمن في العراق في غضون ذلك، وبانتظام عن عمليات دهم واعتقالات ضد خلايا "داعش". ويجري الإبلاغ تكرارا عن اكتشاف مخابئ أسلحة، حيث عُثر على مخابئ كبيرة في أواخر أبريل/نيسان الماضي في كل من محافظتي الأنبار ونينوى.

وبحسب بيان نُشر على "تلغرام'' أواخر أبريل/ نيسان الماضي، على صلة بوحدات الحشد الشعبي، فإن "القضاء العراقي أصدر حكما بالإعدام شنقا حتى الموت ضد عدد من أمراء داعش الإرهابيين"، بعد إجراء تحقيق "استهدف أكبر شبكة للتنظيم داخل السجون".
وقال البيان إنه تبين أن المحكوم عليهم بالإعدام كانوا ينشرون آيديولوجيا "داعش" وينسقون و"يجهزون" هؤلاء السجناء أثناء عملية "التخطيط للفرار".


وعلى الرغم من حقيقة أن مُعظم مقاتلي "داعش" الذين قُتلوا في العراق في السنوات الأخيرة كانوا من التابعية العراقية إلا أنّ قوات الأمن تعرّفت أحيانا على أشخاص من تابعيات أخرى من ضمنهم عدد من الرجال من مدينة طرابلس اللبنانية بعد شنّ غارات جويةٍ أو هجمات أخرى على مخابئهم الواقعة بشكل أساسي في المناطق الريفية.

لا تتوفر أرقام موثوقة عن عدد الأجانب المتهمين أو المدانين بالانتماء إلى التنظيم الارهابي، وعن أولئك الذين يحملون الجنسية العراقية في نظام الاحتجاز العراقي. إذ إن الحصول على معلومات حول مكان سجناء معينين أمر في غاية الصعوبة في العراق.

font change