حسب النتائج التفصيلية، حصل مرشح المعارضة كمال كليشدار أوغلو على 5.6 مليون صوت كردي، من أصل 25.4 مليون صوت هي اجمالي ما حصل عليه، أي إن قرابة 20 في المئة من أصوات مرشح المعارضة كانت من البيئة الكردية، وبفضل الدعم الذي ناله من حزبي الشعوب الديمقراطي واليسار الأخضر، الممثلان للتطلعات القومية.
دعم غير حاسم للمعارضة
ونال الرئيس أردوغان قرابة نصف عدد تلك الأصوات من المناطق ذات الغالبية الكردية، والمدن المركزية الكردية. لكن المراقبين أشاروا إلى أن تلك النسبة التي ظل الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية محافظين عليها في الأوساط الكردية، كانت كافية لتأمين فوزه في الانتخابات، مشيرين مثلاً إلى ولاية أورفا، جنوب شرقي البلاد، ذات الغالبية السكانية الكردية، حيث حصل الرئيس أردوغان على 610 آلاف صوت، مقابل 330 ألف صوت لمرشح المعارضة، وهي أصوات في ولاية واحدة، شكلت قرابة 25 في المئة من أصل 2.6 مليون صوت، هو فارق الأصوات بين المرشحين المتنافسين.
ومن بين 15 ولاية ذات أغلبية سكانية كردية، حصل مرشح المعارضة على الأغلبية في 12 ولاية منها، لم تقل تلك الأغلبية عن 70 في المئة في أكثر تلك الولايات، فيما وصلت في ولاية تونجلي "ديرسم" الكردية إلى نسبة قياسية 82.9 في المئة. وحصل الرئيس أردوغان على الأكثرية في ثلاث ولايات فقط ذات أغلبية كردية، هي أورفا وآديمان وبينغول.
وقد صوتت مراكز الثقل السياسي والثقافي الكردية الأساسية في تركيا لصالح مرشح المعارضة. في ولايات ديار بكر ووآن وماردين، وبقيت الكتلة الكردية الناخبة الى جانب توجهات الأحزاب الكردية؛ ففي ديار بكر حصل مرشح المعارضة على نسبة 71.6 في المئة من مجموع أصوات الناخبين، وفي ولاية وآن على 61.5 في المئة، وفي ماردين 65.2 في المئة.
وهذه هي المراكز الحضرية والمدنية التي ظل الرئيس أردوغان يهدد الأحزاب الكردية بإخراجها منها سياسياً وانتخابياً، وبذل الكثير من الجهود في سبيل تحقيق هذا الأمر: تحالف من جهة مع حزب "الدعوة الحرة"، الجناح السياسي المحدث لـ"حزب الله الكردي"، المتهم بتنفيذ كثير من الجرائم ضد المدنيين في التسعينات من القرن المنصرم، وصرف ميزانيات مالية ضخمة لصالح رجال أعمال وقادة رأي مقربين منه، خصوصا من رجال الدين وزعماء عشائر في أرياف تلك الولايات. لكنه لم ينجح في تحقيق غايته، إذ بقيت الأكثرية المطلقة من القواعد الاجتماعية تصوّت لصالح الأحزاب "الكردية".
الرئيس اردوغان يعلن فوزه امام مؤيديه في اسطنبول
الأمر نفسه صح على المدن الرئيسة التي تحوي مجتمعات كردية كبيرة، مهاجرة من مناطقها بسبب الفقر والأحداث الأمنية منذ التسعينات، في العاصمة أنقرة ومدن إسطنبول وأزمير وأضنة وميرسين. تقليدياً، كانت قوى الإسلام السياسي تسيطر على أصوات الناخبين في تلك المدن منذ 30 عاماً (باستثناء أزمير)، لكنها صارت مدناً تعطي غالبية أصواتها لمرشح المعارضة، بسبب السلوك الانتخابي للمجتمعات الكردية فيها، المنعكس عن التوجيهات التي تلقتها من الأحزاب الكردية.
لكن النقطة الأبرز كانت في حفاظ القواعد الاجتماعية والشعبية الكردية على كثافة مشاركتها في الجولة الثانية من الانتخابات، على الرغم من كل التوقعات التي كانت تشير إلى عكس ذلك، بسبب "الهزيمة" التي منيت بها قوى المعارضة في الانتخابات البرلمانية مؤخرا. وبالتالي تراجع زخم فكرة إلحاق هزيمة بالرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وخفتت نوعية الخطاب التصالحي والإيجابي لمرشح المعارضة تجاه المسألة الكردية في البلاد.
وفي مختلف الولايات ذات الأغلبية الكردية لم تقل نسبة المشاركة عن 75 في المئة من مجموع الذين يحق لهم التصويت، وهو أمر عزاه المراقبون إلى إلحاح الحزبين الكرديين على الناخبين للتصويت بحماس وكثافة، لإحداث تغيير ما في الانتخابات الرئاسية، بعد خسارة الانتخابات البرلمانية.