"استقرار" اللاجئين السوريين في تركيا "معلق" على الانتخابات

مخاوف من فقدان الاستقرار بعد سنوات من اللجوء وبدء حياة جديدة

Shelly Kittleson
Shelly Kittleson

"استقرار" اللاجئين السوريين في تركيا "معلق" على الانتخابات

اسطنبول - "نحن خائفون. أواجه العديد من المشاكل هذه الأيام"، هكذا عبر رجل سوري في إحدى المدن التركية الكبرى لـ "المجلة"، وأضاف طالبا عدم ذكر اسمه ليتمكن من التكلم بصراحة أكبر: "باتت رؤية الملصقات التي تهدد السوريين وتجردهم من إنسانيتهم في كل مكان أمرا مألوفا."

ونقل الرجل مخاوف سوريين آخرين: "قال لي ثلاثة أشخاص عادة ما أتبضع من متاجرهم – بقالة وغيرها – إن الوقت الذي سنضطر فيه للعودة إلى سوريا بات قريبا."

وشدد الرجل، الذي كان يعمل قبل الحرب مدرسا للغة الإنجليزية في سوريا، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، وحصل منذ بدء إقامته في هذه البلاد على عمل ودخل منتظم، قائلا: "إنهم لا يمزحون، بل يقولون ذلك كما لو كنت أستولي على أموالهم ببقائي في هذا البلد وعملي هنا."

رزق هذا الرجل بصبي يبلغ من العمر الآن سبع سنوات، وقد ولد في تركيا، ويدرس في مدرسة لا يتحدث فيها سوى اللغة التركية.

وأضاف: "كانت زوجتي دائما ترفض حتى التفكير في الانتقال إلى بلد آخر بعيدا عن سوريا. أما الآن، فهي تطلب مني دائما أن أجد طريقة للمغادرة."

وصرح شاب سوري آخر يعمل ويدرس في نفس الوقت لـ "المجلة" أنه لا يكاد يمر أسبوع دون سماع أنباء عن طعن أو قتل سوريين داخل تركيا بسبب للتمييز والكراهية التي باتت تتصاعد بشكل خطير وتهدد استقرار البلاد.

اقرأ أيضا: العدّاءة السورية ديما الأكتع: لا أفكر في الماضي ولو أعادوا إليَّ رِجلي لرفضت

يقول لاجئون سوريون لـ "المجلة" إنه لا يكاد يمر أسبوع دون سماع أنباء عن طعن أو قتل سوريين داخل تركيا بسبب للتمييز والكراهية التي باتت تتصاعد بشكل خطير وتهدد استقرار البلاد

Reuters
ملصق انتخابي في أنقرة لمرشح المعارضة كمال كليشدار أوغلو، يحمل شعار: "السوريون سيرحلون".

تلبية رغبات الناخبين؟

تستضيف تركيا حاليا أكبر تجمع للاجئين في العالم، على الرغم من أنها لا تعترف بهم رسميا على هذا النحو.

إذ منذ بدء الانتفاضة الواسعة والعنف في سوريا في عام 2011، شكل اللاجئون السوريون إلى حد بعيد العدد الأكبر من اللاجئين في تركيا ويُعتقد حاليا أن عددهم أقل من أربعة ملايين، حيث لا تتوفر أرقام دقيقة بهذا الصدد.

اشتهرت تركيا في أعقاب القمع الدموي للتظاهرات والمعارك الضارية مع الفصائل المعارضة المسلحة، بأنها كانت ملاذا لاستقبالها الفارين من الصراع، وسماحها للملايين بالعمل وخلق حياة جديدة لأنفسهم.

ولطالما عبرت المساعدات إلى المناطق الشمالية من سوريا عبر الحدود التركية، ويحمل العديد من السوريين الجميل لتركيا لإنقاذ حياتهم وحياة أسرهم.

بعد الجولة الأولى من التصويت في 14 مايو/ أيار، والتي لم يحصل فيها أي من المرشحين الرئيسيين – الرئيس رجب طيب أردوغان والمرشح المعارض كمال كيلشدار أوغلو – على أكثر من 50٪ من الأصوات، تصاعدت المشاعر المعادية للأجانب، والتي كانت تتفاقم منذ سنوات، وسط ازدياد التضخم وسوء الأوضاع الاقتصادية.

وادعى كيلشدار أوغلو أن هناك 10 ملايين سوري في تركيا – وهو عدد يفوق ضعفي العدد الذي تشير إليه الهيئات الرسمية في كثير من الأحيان – وأن منافسه سيجلب 10 ملايين آخرين، محذرا من أن "نساءنا لن يكنّ آمنات إذا حدث هذا".

وبالغ أوميت أوزداغ، الزعيم السياسي التركي اليميني المتطرف – الذي اتخذ من الموقف المناهض للاجئين شعارا لحزب النصر الذي يتزعمه – في عدد اللاجئين رافعا العدد إلى 13 مليون لاجئا في البلاد. وحين فشل في تأمين تعهد من أردوغان بإعادة المهاجرين واللاجئين إلى أوطانهم، أعلن تأييده لكيلشدار أوغلو.

وفي إعلانه عن قراره، قال أوزداغ إن كيلجدار أوغلو تعهد بإعادة "جميع اللاجئين" خلال السنة الأولى من ولايته إذا تم انتخابه.

بالمقابل، أعلن سنان أوغان، وهو أيضا قومي متطرف يلقي باللوم على اللاجئين في العديد من مشاكل تركيا، وحقق المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات بحوالي 2.8 مليون صوت، قبل أن يعلن دعمه لأردوغان بعد الجولة الأولى. 

منذ أكثر من ستة أشهر، كان واضحا أن كيلشدار أوغلو سيراهن على موقف مناهض للمهاجرين لكسب الأصوات - على الرغم من أن العديد من أنصاره  سعوا إلى خلق صورة له كليبرالي يتمتع بمبادئ ديمقراطية.

ادعى كيلشدار أوغلو أن هناك 10 ملايين سوري في تركيا – وهو عدد يفوق ضعفي العدد الذي تشير إليه الهيئات الرسمية في كثير من الأحيان – وأن منافسه سيجلب 10 ملايين آخرين، محذرا من أن "نساءنا لن يكنّ آمنات إذا حدث هذا"

Shelly Kittleson
 صورة لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك على أحد مباني اسطنبول.

على الرغم من التركيز في هذا الجزء الأخير من الحملة على التعهد بإجبار الأجانب - أو السوريين على الأقل - على مغادرة البلاد، كشف استطلاع أجرته شركة متروبول (Metropoll) في أوائل أبريل/نيسان أن 2.2٪ فقط من الناخبين الأتراك يعتبرون أن اللاجئين أهم مشكلة في البلاد .

وبدلا من ذلك، قال 56٪ منهم إن الوضع المزري للاقتصاد هو القضية التي يجب التصدي لها.

"افتقد تركيا المرحبة باللاجئين"

"كانت تركيا مكانا آمنا ومريحا بالنسبة لي"، قال شاب سوري كان يبلغ من العمر 16 عاما عندما اندلع الصراع الذي ما زال مستمرا عبر الحدود. "أفتقد تركيا السابقة التي رحبت باللاجئين ودافعت عنهم ومنحتهم الأمان الذي يحتاجونه."

وشقّ عدد كبير من السوريين ممن تعرفهم مراسلة "المجلة" جيدا، وبينهم أساتذة الجامعات وذوو تعليم عال من مغادرة تركيا بحثا عن مكان جديد للإقامة في أوروبا طالبين اللجوء هناك، علما أنهم كانوا في السابق يرفضون ذلك.

وذكرت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل أنها رصدت 330 ألف عملية عبور حدودي غير نظامية إلى الاتحاد العام الماضي، بزيادة قدرها 64٪ عن العام السابق. وكان معظم الوافدين سوريين وأفغان وتونسيين.

ويقول أحد اللاجئين السوريين إنه بدوره يحاول إيجاد طريقة لفعل الشيء نفسه، رغم أن هذا ليس ما يريده فعلا، مبينا، أن " التمييز بدأ ضد اللاجئين بشكل عام والسوريين بشكل خاص يظهر بشكل متكرر منذ عامين تقريبا، مما شجّع على بدء عمليات القتل والاعتداءات التي تستهدف السوريين. ولكن الأتراك لم يكونوا هكذا، بل إنهم رحبوا باللاجئين إلى أن ظهر الخطاب العنصري وبدأ بالتأثير على شريحة من المجتمع."

ويقول لاجئون سوريون لـ "المجلة" إن التمييز بدأ ضد اللاجئين بشكل عام والسوريين بشكل خاص يظهر بشكل متكرر منذ عامين تقريبا، مما شجّع على بدء عمليات القتل والاعتداءات التي تستهدف السوريين

AFP
لاجئون سوروين في أحد شوارع ولاية أضنة جنوبي تركيا.

والآن، "يتناقض المرشحان الرئاسيان في كل شيء باستثناء قضية اللاجئين. فكلاهما قطع وعودا بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا،" حتى مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة.

وأضاف بحزن: "تسبب لي مشاهدة هذه الانتخابات عذابا نفسيا".

اقرأ أيضا: "فرصة أخيرة" لتحديد مستقبل تركيا

هل تراجعت شعبية أردوغان؟ 

يقول بعض الأتراك الأصغر سنا – المنحدرون من عائلات متدينة ولكنهم يرون أنه لم يعد للدين دور حقيقي في حياتهم – إنهم سيصوتون فقط للتخلص من أردوغان.

وقال أحدهم لـ "المجلة" في الأسبوع الذي سبق الجولة الثانية في 28 مايو/أيار إن وعود المعارضة لا تعنيهم حقا.

وقال رجل في الثلاثينات من عمره التحق بمدرسة الأئمة والخطباء – كما فعل أردوغان من قبل – إنه اعتزم في البداية التصويت لصالح أوغان القومي المتطرف في الجولة الأولى، لكن  انتهى الأمر به بالتصويت لصالح كيلشدار أوغلو لاعتقاده بأن هذا سيمنحه فرصة أكبر في الفوز.

وأضاف أنه كلما طُرح موضوع التصويت لأي شخص آخر غير أردوغان، يقول والداه "ألا تتذكر ما حدث يوم 28 فبراير/شباط؟"

وأضاف: "إنهم لا يريدون أن يحدث ذلك مرة أخرى".

كان ذلك بالطبع إشارة إلى ما وصفته صحيفة ديلي صباح عام 1997 بـ "انقلاب ما بعد الحداثة" و"الندبة في نفسية الأمة التركية".

كانت مذكرة 28 فبراير/شباط التي أصدرها الجيش التركي في ذلك الوقت عبارة عن سلسلة قرارات ضد ما اعتبره "تصاعد الأيديولوجية الإسلامية". وشملت المذكرة إغلاق مدارس "إمام خطيب" وحظر "دخول النساء المحجبات للمباني العامة، بما في ذلك المدارس والجامعات. وتسبب هذا الحظر في تخلي ملايين الشابات عن تعليمهن أو معاناتهن أثناء محاولتهن الحصول على تعليم مناسب. كما فُصلت المعلمات اللواتي رفضن خلع الحجاب من وظائفهن، بالإضافة لإطلاق "غرف الإقناع" المقيتة في الجامعات، حيث كانوا يحاولون إقناع الطالبات المحجبات بخلع الحجاب وسط تهديدات بالطرد. كما لم يسمح أيضا للنساء اللواتي يرتدين الحجاب بالعمل"، وفقا لمقال نشرته صحيفة ديلي صباح في الذكرى الرابعة والعشرين للمذكرة.

وبعد خمس سنوات، في عام 2002، انتُخب أردوغان لأول مرة.

وأضاف الرجل التركي الثلاثيني – خريج جامعي سافر عدة مرات إلى خارج البلاد – أنه كثيرا ما يتجادل مع العديد من زملائه السابقين من طلاب مدرسة إمام خطيب حول موضوع الرئيس الحالي وما هو الأفضل لمستقبل البلاد.

وفيما يتعلق باللاجئين، فهو يرحب بـ "النساء والأطفال وكبار السن" ولكنه لا يريد السماح للشباب بالدخول، مدعيا "أنهم ليسوا لاجئين، بل يأتون إلى هنا للاستمتاع بالحياة" وأنهم "يشوهون البلد ديموغرافيا ".

بعد حصوله على ما يقرب من 50٪ من الأصوات في الجولة الأولى، والتوقعات بفوزه في الجولة الثانية، بات أردوغان يحظى بقدر كبير من الشعبية في العديد من أحياء اسطنبول، خاصة المناطق المتدينة.

وحتى في المناطق المعروفة بوجود تجمعات كبيرة من المقاهي التي يفضل الأثرياء والليبراليون الغربيون ارتيادها، فإن هناك لافتات كبيرة في بعض الشوارع تحمل صورة أردوغان وقطاعات من الشباب المحليين يعلنون بفخر دعمهم له.

أما الشوارع الرئيسية المجاورة فهي مغطاة بملصقات تحمل صورة لكيلشدار أوغلو.

ولكن، أثناء تجولنا في أحد الأسواق الشعبية في المناطق الأقل ثراء قبل أيام قليلة من بدء الجولة الثانية للانتخابات، لم نجد هناك سوى صور لأردوغان موضوعة بعناية على الطاولات أو معلقة في الشوارع أو على المباني، وألصق بعضها على الجدران والأسطح الخشبية.

وبينما يعتقد العديد من السوريين أن الفائز في الانتخابات أيا كان سيتعرض لضغط هائل "لإجبار اللاجئين على الخروج"، يعتقد بعضهم أن فوز أردوغان قد يؤدي إلى خطاب أقل تمييزا وقرارات حكومية تستند إلى المبادئ الإسلامية - وبالتالي، ربما يكون أملهم الوحيد لأن لا يضطروا إلى تغيير حياتهم مرة أخرى في المستقبل القريب.

font change

مقالات ذات صلة