الاحتفال بفوز أردوغان

الاحتفال بفوز أردوغان

الهبل الذي تعيشه جماعات الإسلام السياسي في هذه الأيام بمناسبة فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بخمس سنين رئاسية جديدة، يدل على أن هذه الجماعات لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالاقتصاد ولا بأي علم من العلوم الإنسانية ولا بالحياة. نحن أمام أناس لا يتابعون الأخبار ولا يعلمون شيئا عن المستجدات. إنهم مصداق نظرية الفيزياء الكمومية: أناس يعيشون في عالم مواز. وبطبيعة الحال، لا يدركون أنه في عالم السياسة، خصم الأمس أصبح صديق اليوم.

لقد أقاموا الحفلات الراقصة التي تفترض أن فوز أردوغان يغيظ السعودية ودول الخليج ويقلق راحة هذه الدول، وهم بطبيعة الحال مع هذا القلق الذي سيفاجئهم فيما بعد أنه لم يقع أصلا، ففوز أردوغان مرحب به عند السعودية وكل دول الخليج بلا استثناء. السياسة مصالح ومن يخدم مصالحي صديقي. لكن، برغم بساطة هذه المعادلة، يصعب فهمها على من ما زالوا يعيشون بعقلية داحس والغبراء.

نحن حقا أمام وعاظ انشغلوا طوال حياتهم بطول اللحية وقصر الثوب ولا يفهمون في السياسة شيئا، وهذا تحديدا وبكل دقة السبب الرئيس في خسارتهم لحكم مصر أيام محمد مرسي، وذهبت أدراج الرياح نصائح من قالوا اقرأوا في السياسة، اقرأوا في الاقتصاد، اقرأوا هيغل وماركس وآدم سميث، اقرأوا عن الفكر اللبرالي والفكر الاشتراكي، واخرجوا من دائرة الكتب الصفراء، لعلكم أن تدخلوا أخيرا إلى الدنيا.

كل هذه النصائح لم تجد نفعا، ولن تجدي عندما تجد الجاهل في العلوم الإنسانية يصرّ على أن يفتي. يفتي في الدين والدنيا وكل شيء، مع أنه يعيش في عالم آخر غير عالمنا هذا، وبطبيعة الحال ستخرج كل تصوراته مشوهة بسبب غيابه عن الحياة اليومية وقهوة الصباح التي تتجسد في أخبار الصحف. نحن أمام أهل الكهف، ليس الكهف المذكور في القرآن، وإنما أهل كهف أفلاطون الذين لا يرون الحقيقة، ولا يعرفون منها إلا ضلالَ مضلل.

 جماعات الإسلام السياسي أناس لا يتابعون الأخبار ولا يعلمون شيئا عن المستجدات. إنهم مصداق نظرية الفيزياء الكمومية: أناس يعيشون في عالم مواز. وبطبيعة الحال، لا يدركون أنه في عالم السياسة، خصم الأمس أصبح صديق اليوم


الواقع هو أن السعودية وقطر والإمارات والكويت قد دخلت في مشاريع استثمارية بمئات المليارات مع تركيا أردوغان، بل إن السعودية وحدها أعلنت منذ سنة مضت، في فترة حكم أردوغان السابقة، أنها سترفع الاستثمار في تركيا إلى ثلاثة تريليونات ونيف بحلول عام 2030 وقد صرح مسؤولون سعوديون بأن هذه الاستثمارات ستوزع على جميع المجالات وفي مقدمتها قطاع الصناعات التحويليةوالصناعات الدفاعية والتكنولوجيا الحيوية والسياحة والاستدامة والاقتصاد الأخضر والمعادن وصناعة التعدين والألمنيوم والتيتانيوم والخدمات اللوجستية والإسكان والطاقة ورأس المال.

هذا ينطبق أيضا على كل دول الخليج فتركيا فرصة استثمارية ممتازة، وفي النهاية من يحكمون تركيا هم رجال سياسة براغماتيون يبحثون عن مصالحهم ومصالح بلادهم، وليسوا من نوعية من بقوا يتراقصون احتفالا طوال هذا الأسبوع من جماعات الإسلام السياسي، الذين يتخيلون أن انتصار رجب الطيب أردوغان هو انتصار لأهل السنة والجماعة على جماعة العلمانيين الذين يمثلهم كمال كليشدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري. وفات هؤلاء أن كليشدار أوغلو قد ساند الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية وأردوغان في وجهِ المحاولة الانقلابيّة عام 2016 ودانَ الانقلابيين في وقتها، بمعنى أن إظهار التنافس السياسي بين الرجلين على أنه صراع بين الإسلام والعلمانية هو من السذاجة بمكان، لأن الزعيمين هما في نهاية المطاف.. علمانيّان.

font change
مقالات ذات صلة