ما التكنولوجيا المالية "فينتك"؟

نمو صاروخي مرتقب للقطاع في السنوات المقبلة

بول ويرينغ
بول ويرينغ

ما التكنولوجيا المالية "فينتك"؟

تتميز تكنولوجيا "فينتك" بتقديم خدمات مالية أفضل وأرخص إلى العملاء، مما يجعلها منافسا في عالم الخدمات المصرفية والمالية والتأمين التقليدية. فما هو حجم القطاع وما هي توقعات الاستثمار في التكنولوجيا المالية في السنوات القليلة المقبلة؟

يمثل مصطلح التكنولوجيا المالية بالإنكليزية (Fintech) جمعا بين كلمتي "مالي" (Financial) و"تكنولوجيا" (Technology) بعد اختزال كل منهما. تاليا، تكون شركات "التكنولوجيا المالية"، وهي شركات ناشئة عادة، تعمل في قطاع الابتكار التكنولوجي المطبق على الخدمات المالية والمصرفية. وتتراوح مجالات عملها من التمويل البديل للشركات إلى الدفع عبر الإنترنت والهواتف، وإدارة المدخرات، والقروض، وتجميع الحسابات المصرفية، وما إلى ذلك.

تتعلق التكنولوجيا المالية بكل ما من شأنه تسهيل تقديم خدمات مالية أفضل وأرخص إلى العملاء. لذلك تُعَد شركات التكنولوجيا المالية ذات نهج منافس بقوة في عالم الخدمات المصرفية والمالية والتأمين. ويسود تعبير جديد في قطاع الشركات الناشئة، فالشركة الناشئة تُسمَّى "يونيكورن"(Unicorn) أو "وحيد القرن" عندما تفوق قيمتها المقدرة مليار دولار.

وهناك عدد متزايد من شركات التكنولوجيا المالية التي تتخذ صفة "اليونيكورن" في أنحاء العالم كله بسبب وفرة استثمارات رأس المال الاستثماري(Venture Capital) التي تُضَخ فيها.

وإذا كان الجانب المالي يستحضر في شكل أساسي المصارف والتأمين، فإن شركات التكنولوجيا المالية لا تقتصر على هذين القطاعين وحدهما بل تهمّ أيضا الأسواق الفردية والمهنية. ذلك أن الخدمات المالية التي تقدمها، تؤثر بشكل مباشر في الأفراد مع وجود أطراف فاعلة مثل المصارف المتنقلة (المصارف عبر الإنترنت، والمصارف الجديدة)، وإدارة التأمين أو المطالبات أو العقود، وحلول الدفع وتحويل الأموال، وإدارة الأموال والموازنة، ومنصات الادخار والتداول التشاركية (مثل منصات تداول العملات المشفرة)، والتمويل بالقروض الصغيرة أو الإقراض التشاركي (الإقراض الجماعي، والتمويل الجماعي).

وبالنسبة إلى المهنيين، تتنوع مجموعة الخدمات المنتشرة أيضا عبر شركات التكنولوجيا المالية لتشمل المصارف الجديدة، وبرامج المحاسبة والنفقات، والجهات التي تدير الرواتب والمعاشات التقاعدية، وخدمات إدارة علاقات العملاء وتقييمهم وولائهم، والتكنولوجيا التي تنظم إدارة الأخطار (الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، وإدارة الاحتيال، والتحقق من الهوية، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل الكتل (Blockchains).

تتعلق "فنتك" بكل ما من شأنه تسهيل تقديم خدمات مالية أفضل وأرخص إلى العملاء. لذلك تُعَد شركات التكنولوجيا المالية منافسا مهما في الخدمات المصرفية والمالية والتأمين

تاريخ التكنولوجيا المالية

يعود المفهوم الأساسي للتكنولوجيا المالية إلى خمسينيات القرن العشرين مع توافر منتجاتها الأولى للعموم. وتُعَدّ بطاقات الائتمان المبكرة منتجات التكنولوجيا المالية الأولى، فقد أبطلت اضطرار العملاء إلى حمل المال. ويشكل تأسيس "باي بال" للدفع عبر الإنترنت عام 1998 محطة أساسية في هذا المضمار، قبل انطلاق تكنولوجيات الأجهزة المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي وتشفير المعلوماتمع انبلاج فجر القرن الحادي والعشرين. وتسعى التكنولوجيا المالية إلى تبسيط المعاملات المالية لمختلف الأفرقاء المعنيين وتقليص خطواتها المطلوبة، فتطبيقات مثل "فينمو"، و"كاش آب" تسمح بتحويل الأموال من حساب مصرفي إلى آخر بعملية مبسطة وفي أي وقت كان.

وشهدت السنوات الأخيرة تطورات نوعية، فالمصارف الرقمية تواصل مسيرتها التقدمية ويصبح الوصول إليها أسهل يوما بعد يوم، وبات كثير من العملاء يديرون مالهم ويطلبون قروضا ويسددون أقساطها ويشترون بوالص تأمين من خلال الخدمات المصرفية الرقمية. وثمة تقديرات بأن يواصل هذا الشق من القطاع نموه ليحقق معدل نمو سنويا مركبا يبلغ 11,5 في المئة عام 2026، وفق الموقع الإلكتروني لجامعة كولومبيا الأميركية.

وتسهل تكنولوجيا سلسلة الكتل إجراء معاملات لامركزية من دون تدخل جهة حكومية أو أي جهة خارجية. وتنمو هذه التكنولوجيا سريعا وتتكاثر تطبيقاتها منذ سنوات، ومن المرجح استمرار هذا الاتجاه مع ميل متزايد إلى تشفير البيانات ومشاركتها بشفافية عبر شبكات رقمية واسعة، وهو ميل تتيحه هذه التكنولوجيا. وغيّر الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي طرق توسيع شركات التكنولوجيا المالية ونطاق خدماتها وطرق عرضها لهذه الخدمات على العملاء. ذلك أن هاتين التكنولوجيتين تصبحان أكثر توافرا وأرخص تكلفة يوما بعد يوم، مما يعزز التوقعات بأن تؤديا دورا متناميا في التطور المستمر للتكنولوجيا المالية، ولا سيما مع تعزيز المصارف المادية حضورها الرقمي.

وتتزايد ثقة العملاء في شركات التكنولوجيا المالية، وتذكر "فوربس" أن 68 في المئة من الناس عبروا عن استعدادهم لاستخدام أدوات مالية تطورها مؤسسات غير تقليدية أي غير مالية وغير مصرفية، بحسب "إرنست آند يونغ".لكن كثيرا من تطبيقات التكنولوجيا المالية جديدة نسبيا، ولا يخضع كثير منها للتنظيمات الخاصة بالسلامة كالمصارف نفسها، مما يتطلب من العملاء إرفاق ثقتهم بأدوات شركات التكنولوجيا المالية ببعض الحذر.

تُعَدّ بطاقات الائتمان منتجات التكنولوجيا المالية الأولى، فقد أبطلت اضطرار العملاء إلى حمل المال. ويشكل تأسيس "باي بال" للدفع عبر الإنترنت عام 1998 محطة أساسية في هذا المضمار، قبل انطلاق الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي

استثمارات متقلبة

في تقريرها نصف السنوي الصادر أخيرا، تفيد "كاي. بي. إم. جي." بأن الاستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا المالية انخفضت عام 2022 من مستوى قياسي شهده عام 2021. ذلك أن المبلغ الإجمالي للاستثمارات العالمية في القطاع (من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، والاستثمارات بالأسهم الخاصة، ورأس المال الاستثماري) انخفض إلى 164,1 مليار دولار من خلال 6,006 صفقات عام 2022، بعد مستوى قياسي سجل 238,9 مليار دولار في 7,321 صفقة عام 2021. 

مع ذلك، يظل عام 2022 ثالث أفضل عام من حيث القيمة وثاني أفضل عام من حيث الصفقات، غير أن النصف الأول من عام 2022 مثّل استمرارا لعام 2021 فيما شهد النصف الثاني انخفاضا في الصفقات بلغ النصف تقريبا. ووفق فرنسوا أسادا، الشريك في "كاي. بي. إم. جي."، فإن "هذا أمر مقلق قليلا للمستقبل، من دون أن يكون دراماتيكيا".

ولا يزال قطاع التنظيم ينمو، حيث زادت الاستثمارات من 12,1 مليار دولار عام 2021 إلى 18,6 مليار دولار عام 2022، مدفوعة بعمليات استحواذ متخصصة في الولايات المتحدة، ولا سيما تلك التي نفذتها "فيستا أكويتي بارتنرز" لشراء "أفالارا" لإدارة الضرائب في مقابل 8,4 مليار دولار، واستحواذ شركتي "سنتربريدج بارتنرز"، و"بريدج بورت بارتنرز" على شركة "خدمات الكمبيوتر" في مقابل 1,6 مليار دولار.

تتزايد ثقة العملاء في شركات التكنولوجيا المالية، وتذكر "فوربس" أن 68 في المئة منهم عبروا عن استعدادهم لاستخدام أدوات مالية تطورها مؤسسات غير تقليدية أي غير مالية وغير مصرفية، بحسب "إرنست آند يونغ" 

قطاع المدفوعات

يظل قطاع المدفوعات أيضا ديناميكيا للغاية؛ فقد جرى استثمار 53,1 مليار دولار فيه (مقارنة بـ57,1 مليار دولار عام 2021)، وهو يمثل نحو ثلث استثمارات القطاع. لكن جزءا كبيرا من هذا الأداء يمكن تفسيره بصفقة واحدة: استحواذ "بلوك" ("سكوير" سابقا) في مطلع عام 2022 على شركة "أفتر باي" الأوسترالية، المتبعة نهج "اشتروا الآن، ادفعوا لاحقا"، في مقابل 29 مليار دولار.

أما سوق العملات المشفرة وسلسلة الكتل، فانخفضت الاستثمارات فيها من 30 مليار دولار عام 2021 إلى 23,1 مليار دولار عام 2022، بعد انهيار منصة العملات المشفرة "تيرا" في مايو/أيار وإفلاس بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وتراجع قطاع تكنولوجيا التأمين أيضا في 2022، مع استثمارات لا تتجاوز 8 مليارات دولار، مسجلا انخفاضا بنحو 28 في المئة عن العام السابق.

وتتبع منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا الاتجاه العام نفسه، مع انخفاض كبير على أساس سنوي من 79 مليار دولار عبر 2,379 صفقة في عام 2021 إلى 44,9 مليار دولار موزعة على 1,977 صفقة عام 2022. ويُعتبَر التضخم، وارتفاع معدلات الفائدة، وجفاف سوق الاكتتابات الأولية، كلها عوامل تؤثر في كل من التقييم والتخارج، ولا سيما بالنسبة إلى الشركات الأكثر نضجا. ويضيف أسادا، الذي يتوقع أن يشهد عام 2023 حركة اندماج في القطاع، مع عمليات استحواذ على شركات ناشئة من قبل شركات منافسة تتمتع بتمويل أفضل أو من قبل شركات راسخة، أن الاستثمارات في مجال التأسيس والمرحلة المبكرة تصمد في شكل جيد.

font change

مقالات ذات صلة