"المجلة" في الموصل... ترصد بصمات "داعش" وتأهيل المدينة

"المجلة" داخل الموصل بعد سنوات من تحريرها من قبضة "داعش"

Majalla
Majalla

"المجلة" في الموصل... ترصد بصمات "داعش" وتأهيل المدينة

إنه يوم جمعة قائظ في هذه المدينة التي يقطنها ما يزيد على مليون شخص، في وقت لا يزال الآلاف من سكانها السابقين نازحين في أماكن أخرى وغير قادرين على العودة إلى منازلهم التي لم تعد موجودة.

فبعد أن حررتها القوات الحكومية العراقية في يوليو/تموز 2017 منذ ست سنوات، لم تنته بعد عملية إزالة الألغام الأرضية، التي يمكن أن تستغرق 10 سنوات، وفق تقدير الأمم المتحدة في عام 2019، وقد تستغرق عقودا لإزالة أخطار المتفجرات الأخرى، بينما يزعم السكان أن الكثير من الجثث ما زالت تقبع تحت أنقاض العديد من الشوارع.

ومع ذلك، فثمة فورة من البِناء والأنشطة الأخرى في الموصل، التي تنعم بهدوء أكثر من ذاك الذي تنعم به بغداد أو إربيل في إقليم كردستان العراق، ولكنه هدوء يغير بوضوح وجه المدينة المكلومة.

لقد كانت الشاحنات المحملة بالحبوب وكذلك ناقلات الوقود متوقفة بطول كيلومترات لأيام في أوائل شهر حزيران /يونيو على جانب الطريق المؤدي من أربيل إلى الموصل وهي المدينة التي لا تزيد عن ساعتين من السفر بالسيارة، بينما تحمل سيارات الأجرة المشتركة (السرفيس) الركاب في جميع الأوقات بين المدينتين.

الموصل هي ثاني كبرى المدن في العراق بعد بغداد، من حيث عدد السكان، قبل أن تسيطر عليها مجموعة إرهابية دولية قبل تسع سنوات، ولطالما كانت مدينة الموصل ومنذ فترة طويلة بوتقةً تنصهر فيها الأديان والأعراق المختلفة. وقد جعلها موقعها الجغرافي الواقع في شمال غرب العراق عقدةً للطرق التجارية.

في يونيو/تموز 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية سيطرته الكاملة على المدينة. واستغرق الأمر ثلاث سنوات وسقوط آلاف الضحايا قبل أن تعود إلى سيطرة القوات العراقية.

بعد أن حررت القوات الحكومية العراقية الموصل في يوليو/تموز 2017 منذ ست سنوات، لم تنته بعد عملية إزالة الألغام الأرضية، التي يمكن أن تستغرق 10 سنوات، وفق تقدير الأمم المتحدة في عام 2019، وقد تستغرق عقودا لإزالة أخطار المتفجرات الأخرى

يونيو/حزيران المشؤوم والأيام التي سبقته

صرّح أحمد صلاح آغا، رئيس مجلس خدمات المجتمع في الموصل، في مقابلة أجرتها "المجلة" معه في الموصل في 9 يونيو/حزيران أنه عندما دخل أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية المدينةَ، "لم يدخلوها بوصفهم تنظيم الدولة الإسلامية، بل دخلوها كبعثيين سابقين، وكمقاومة معادية للولايات المتحدة، وقد وعدوا السكان بالتخلص" من المشاكل التي ابتُليت بها الموصل في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والإطاحة بنظام صدام حسين.

وقال إنه خلال الأشهر الأولى، "كانت الشوارع نظيفة، ولم يكن ثمة فساد، ولم يكن هناك نقاط للتفتيش كلَّ 500 متر تطلب رشوة وتهدد وتعتقل الناس من دون سبب، وتحملك على تضييع الوقت"، مضيفا أنه في وقت لاحق من هذه الفترة، فرض التنظيم الإرهابي الدولي النظامَ الاستبدادي الصارم.

ويلقي آغا – الذي لم يغادر الموصل خلال سنوات سيطرة التنظيم – باللوم في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية على "أجندة دولية"، مؤكداً أن العديد من قادة داعش كانوا عملاء استخبارات أجانب، ولم يكونوا على دراية بالمبادئ أو الممارسات الأساسية للإسلام، وهو الأمر الذي اكتشفه السكان المحليون عندما كانوا أحيانا يسألون عناصر الدولة الإسلامية عن كيفية أداء الصلاة، وما شابهها.

Shelly Kittleson
عائلة من الموصل في إحدى الحدائق العامة، 9 يونيو/حزيران، 2013

 

واكتسى صوته بالغضب عندما تحدث عن الموضوع، ولكن ذلك لم يكن موجها إلى حدٍّ كبير إلى تنظيم الدولة الإسلامية نفسه، بل كان موجها إلى أولئك الذين كان يراهم خلفه، وخلف تدمير أجزاء كبيرة من المدينة.

وزعم آغا أن حوالي 400 شخص، جُلّهم من النساء والأطفال، قُتلوا "في ضربة جوية أميركية واحدة "أثناء حرب الموصل، وزعم أن الضربات الجوية الأمريكية دمرت مبانٍ "ربما وجد فيها بعض مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، لكن هؤلاء الإرهابيين كانوا يفرون قبل القيام بالضربة الجوية."

وسرد آغا مزاعم ونظرية مؤامرة قال إنها شائعة جدا بين سكان الموصل مفادها أن الولايات المتحدة و "أجهزة استخبارات أجنبية" أخرى ساعدت تنظيم الدولة الإسلامية بالسلاح والعتاد.

ولدى سؤاله عما إذا كان هو أو أي شخص يعرفه قد شاهد ذلك بعينيه أو لديه دليل على ذلك، قال: "لا أحد شاهده لأن الجميع كان مختبئاً في الأقبية أثناء تلك الأوقات"، ولكن "كان بحوزة تنظيم الدولة الإسلامية بنادق صُنعت في الولايات المتحدة في نفس العام الذي ظهرت فيه هنا في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية. فمن أين أتوا بهذا، وكيف تعتقدين أنهم حصلوا عليها؟"

وكانت مراسلة "المجلة"، وكاتبة هذا التقرير، ترسل تقارير عديدة من جبهات متعددة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بين عامي 2014 و2017، ومن ضمنها الموصل خلال شهر يوليو/ تموز 2017 عندما أعلن العراق الهزيمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة، ومن أجزاء كثيرة من المدينة في الأشهر السابقة له.

يلقي سكان في الموصل باللوم في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية على "أجندة دولية"، مؤكداً أن العديد من قادة داعش كانوا عملاء استخبارات أجانب، ولم يكونوا على دراية بالمبادئ أو الممارسات الأساسية للإسلام

إلقاء اللوم على "الأحزاب" الأميركية

آغا هو رئيس مجلس خدمات الضمان الاجتماعي بالموصل، وهو في أوائل الخمسينيات من عمره، يتحدر من قبيلة الهاشمي ويتمتع بعلاقات جيدة في الموصل.

وأكد لـ "المجلة" أن "الشعب العراقي عموما وأهالي الموصل خصوصا يُكنّون الود للشعب الأميركي، لكنهم يكرهون الأحزاب" في الولايات المتحدة.

لكنه أردف قائلا: "لم نكن نُكنّ الحب لصدام. ولكن الأمر يختلف بين أن تعاقب ابنك وأن يأتي جارك ويضربه"، زاعما أن "مليونا" قد لاقوا حتفهم في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي الذي جرى عام 2003 و "الاحتلال" الأميركي الذي تبعه.

لا توجد إحصاءات موثوقة لعدد القتلى في العراق خلال الحرب والأسباب المتعلقة بالحرب في فترة ما بعد 2003، ولا لعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الحرب التي امتدت من  2014إلى  2017 ضد داعش في العراق.

ولكن هيومن رايتس ووتش كتبت في الذكرى العشرين للغزو الأميركي للعراق أنه "ما يقرب من نصف مليون شخص فقدوا حياتهم، وخسر الملايين منازلهم، وعانى عدد لا يحصى من المدنيين من الانتهاكات التي قامت بها جميع أطراف النزاع".

وزعم آغا أن صدام حسين "كان يقتل من كانوا يحاولون إيقاع الأذى بالعراق وبالعراقيين، أو أولئك الذين كانوا يحاولون الإطاحة بحكمه، كما كان يقتل عائلاتهم أيضا. لكن المال كان بحوزة العراقيين في ذلك الوقت. وكان لدى كل شخص منزل كبير، وكنا نحصل على المساعدة منه إن نحن طلبناها. كنا نعيش حياة رغيدةً".

بينما يعاني العراق الآن من الفقر والفساد، وهو الأمر الذي ساهم في صعود تنظيم الدولة الإسلامية.

Shelly Kittleson
خلفت الحرب على داعش لتحرير الموصل دمارا كبيرا في أزقة وشوارع المدينة

المساجد مدارس للأولاد

منذ ذلك الحين، أعيد بناء العديد من المساجد، معظمها بأموال العائلات الثرية المحلية، وفقا لسكان المدينة. وتبدو بعض الشوارع التي أعيد بناؤها في حالة أفضل بشكل ملحوظ من العديد من الشوارع في بغداد.

تموّل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحكومات أجنبية أخرى العديد من مشاريع إعادة الإعمار الجارية في جميع أنحاء المدينة.

قال الدكتور عمر أكرم ،الأستاذ الجامعي والإمام الخطيب الذي يؤم الصلاة في أحد مساجد البلدة القديمة  التي جرى ترميمها، لـ "المجلة" في مقابلة بالمسجد أن الطابق العلوي منه يستخدم لتعليم الأولاد، من صبيان وبنات، شتى المواد بما في ذلك في "الرياضيات والكيمياء والفيزياء".

وقالت ابنته ألطاف المبتسمة والبالغة من العمر 16 عاما لـ "المجلة" إن العائلة لم تغادر المدينة طوال الوقت الذي كانت فيه الموصل تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن "كنت صغيرة، ولا أتذكر تلك الأيام كثيرا".

أعيد بناء العديد من المساجد، معظمها بأموال العائلات الثرية المحلية، وفقا لسكان المدينة. وتبدو بعض الشوارع التي أعيد بناؤها في حالة أفضل بشكل ملحوظ من العديد من الشوارع في بغداد


خلال تلك الفترة كانت قد درست "القليل من القرآن وبعض كلمات اللغة التركية" لأن لها أقارب فروا إلى تركيا من قبل، وفي السنوات التي تلت التحرير، طورت ألطاف شغفا بأجهزة الكمبيوتر.

قال والدها الإمام بفخر: "إنها تصلح حاسوبي دائما".

وقال آغا وهو يمر برفقة مراسلة المجلة بجانب جامع الأغوات إن العديد من العائلات "العريقة ذات التاريخ الطويل هنا لم تغادر أبدًا"، ونوّه أنه وعائلته – التي تعدّ " أكثر من ألف في الموصل" – دفعوا كلفة بقائهم.

المطارات والمستشفيات ومراكز التجميل

تم افتتاح إعادة إعمار مطار الموصل، الذي تضرر بشدة خلال معركة تحرير المدينة من داعش، في أغسطس/آب من العام الماضي في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي. ومن المتوقع أن تستغرق إعادة الإعمار حوالي عامين.

يقع "مستشفى النساء" الذي تم بناؤه مؤخرًا في أسفل الشارع مباشرةً من مركز أوبرا للتجميل، والذي سمي بذلك تكريماً لمضيفة برامج الحوار الأمريكية الأشهر أوبرا وينفر ي، وفي الجوار زيّنت صور لنجوم الترفيه الأميركيين وغيرهم من الأجانب المشهورين الجدران.

عند غروب شمس يوم الجمعة من شهر يونيو، حين بدأت درجات الحرارة في الانخفاض أخيرا ، بدأت العائلات تتنزه في حديقة في المدينة على الجانب الشرقي، الذي عانى من دمار أقل من المدينة القديمة في الجزء الغربي من المدينة التي يقسمها نهر دجلة.

كانت بعض النساء يرتدين العبايات ويجلسن على العشب بين الأطفال، بينما تتجول أخريات يرتدين الجينز الضيق، والكعب العالي والماكياج على الرصيف. ولم يمانع رجال الشرطة في التقاط صور لهم وهم يبتسمون، في حين التقط آخرون صور سيلفي بالقرب من لافتة مشرقة كتب عليها "أنا أحب الموصل".

Shelly Kittleson
جامع الموصل الكبير بعد استئناف أعمال البناء

 

على طول الطرق الرئيسية المؤدية إلى خارج المدينة، شرقاً باتجاه أربيل وغرباً باتجاه الحدود مع سوريا، تحمل العشرات من اللوحات الإعلانية واللافتات صور الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي الكبير السابق في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وكان الرجلان قُتلا في غارة جوية أميركية في يناير/ كانون الثاني 2020 في بغداد.

وقال أحد السكان في تعليقه على اللافتات: "إنهم يبالغون في ذلك بالطبع"، مضيفا، "حسنا، لقد شاركا (سليماني والمهندس) في عمليات التحرير. لافتة واحدة لا بأس، ولكن الكثير منها؟ إنها محاولة للترهيب. لكننا لا نهتم حقًا".

عند حلول المساء، توقف سائقون السرفيس الأكراد للصلاة مع سكان الموصل قبل أن يتجهوا إلى أربيل لبضعة أيام. على الرغم مما يقال في كثير من الأحيان من أن داعش قد أضر بعقيدة الكثيرين ممن عانوا من اضطهاد التنظيم الإرهابي، إلا أن الإسلام لا يزال كما يبدو يربط الكثير من المجتمع ذي الأغلبية المسلمة هنا معا بينما يسعى إلى التعافي.

font change

مقالات ذات صلة