أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أثناء زيارته الرياض أخيرا، عزمه على تطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية وتعزيزها، مشيرا الى أن العلاقات تسير في الاتجاه الصحيح وتشهد تقدما، وأكد زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي للمملكة قريباً، كما أكد دعم طهران لإقامة "إكسبو 2030" في السعودية.
جاءت زيارة الوزير للرياض في مرحلة مهمة للتقارب السعودي الإيراني، حيث تعلم طهران انها ستحقق مكاسب سياسية واقتصادية في حال التزامها الاتفاق مع السعودية وبناء الثقة المرهون بتنفيذ كامل لإعلان بكين، وتفعيل اتفاقي عام 1998 للتعاون العام في حقول الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، وعام 2001 للتعاون الأمني والحوار الاستراتيجي بين البلدين ومكافحة الجريمة المنظمة والجرائم الاقتصادية وجرائم تهريب الأسلحة والمخدرات، وغيرها من المجالات الأمنية.
أولى ثمرات التزام إيران المحافظة على بنود الاتفاق مع السعودية، تأثيرها الإيجابي على الداخل الإيراني، حيث تدرك إيران وشعوب المنطقة أن السعودية تشكل الثقل الحقيقي لاستقرار المنطقة والشرق الأوسط.
وكان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، صرح في شهر مارس/آذار الماضي، تزامنا مع مصالحة بكين، بأن هناك الكثير من الفرص لاستثمارات سعودية في إيران والعكس أيضا، حيث لا يرى عوائق لذلك طالما سيتم احترام بنود الاتفاق، وقد يحدث ذلك سريعاً بعد اتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية.
لم تطور صناعة النفط الإيرانية منذ منتصف السبعينات (حقبة شاه إيران) بسبب غياب استثمارات المنبع، وأدى اهتراء البنية التحتية ومرافق التصدير القديمة إلى عجز طهران عن زيادة إنتاجها النفطي فوق 3,8 ملايين برميل يومياً
يرتقب أن يدعم التقارب السعودي الإيراني أمن الطاقة العالمي على أثر تعزيز تأمين سلامة أهم الممرات المائية لصادرات النفط من العمليات الإرهابية من جهة، وسيشجع على عودة استثمارات المنبع (الاستكشافات والتنقيب) من جهة أخرى، بعدما شهدت طهران عزوفا من شركات النفط العالمية عن الاستثمار على أراضيها، خصوصا بعد تدهور علاقات إيران مع الحكومات الأوروبية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى استكشافات نفطية جديدة تستطيع تعويض النقص في الإمدادات النفطية الناتج من نضوب حقول النفط التقليدية، وبشكل متسارع، في مناطق عدة في العالم.
لم تطور البنى التحتية لصناعة النفط الإيرانية منذ منتصف السبعينات (حقبة شاه إيران) بسبب غياب استثمارات المنبع فيها. وأدى اهتراء البنى التحتية ومرافق التصدير القديمة إلى عجز طهران عن زيادة إنتاجها النفطي فوق 3,8 ملايين برميل يومياً منذ رفع العقوبات الاقتصادية عنها مطلع عام 2016، حتى في ظل تهاون الإدارة الأميركية الديموقراطية الحالية في فرض عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، إذ لم يتجاوز إنتاج النفط الإيراني 2,8 مليون برميل يوميا.
بالتالي، ليس مستبعدا أن تتضمن الاستثمارات السعودية تطوير صناعة النفط المتهالكة في إيران، حيث رأينا استثمارات عالمية لعملاق صناعة النفط السعودية، "أرامكو"، في المصب (التكرير)، لكننا لم نشهد استثمارات عالمية في المنبع. وقد يعزز القرب الجغرافي لحقول النفط المغمورة في الخليج هذا التوجه، ويخدم المصالح المشتركة الاستراتيجية، وينعكس إيجابا على مستهلكي النفط وعلى الاقتصاد العالمي، وسيحول منطقة الخليج العربي إلى مركز جذب وعمق استثماري دولي كبير، بعد عقود من التوترات الجيوسياسية. إلا أن "أرامكو"، وغيرها من شركات النفط العالمية، تضع محاذير على كيفية تعاطي الشراكات التجارية والاستراتيجية مع طهران، في ظل قادة إيران الحاليين، حتى وإن تظاهروا أمام العالم بأنهم يجنحون إلى السلم.
أرامكو"، وغيرها من شركات النفط العالمية، تضع محاذير على كيفية تعاطي الشراكات التجارية والاستراتيجية مع طهران، في ظل قادة إيران الحاليين
مصالح مبطنة
هناك سيناريو آخر قد لا يكون مستبعدا يتمثل في بحث طهران عن مخرج لنفسها من مأزق المفاوضات على برنامجها النووي، خصوصا بعد تدهور علاقتها مع الحكومات الأوروبية، حيث بات واضحا تغير الاستراتيجيات التي يرغب الغرب الاستمرار فيها، كما أن شراكتها مع روسيا أصبحت هامشية مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا. في المقابل، لدى الصين من المصالح التي تربطها بالخليج وبقية دول العالم ما هو أهم من المصالح الاقتصادية مع طهران، فجاءت الوساطة الصينية منقذة لاقتصاد إيران المترهل.
أما بالنسبة إلى السعودية فهدفها استقرار المنطقه بالكامل، ولن يضيرها إعطاء فرصة لإيران ووضعها تحت التجربة، التي ربما لن تنجح إلا إذا اجتث النظام الحاكم في إيران من جذوره.