الغاز الأميركي ورقة انتخابية تستفيد منها روسيا

الأسعار في أدنى مستوياتها منذ سبعة شهور تحت حاجز 10 دولارات

Shutterstock
Shutterstock
جانب من محطة غاز مسال وخلفها ناقلة عملاقة

الغاز الأميركي ورقة انتخابية تستفيد منها روسيا

علقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقتاً الموافقة على التراخيص الجديدة لبناء محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG)، لدرس تأثير صادرات الغاز المسال على أسعار وأمن الطاقة والبيئة في الولايات المتحدة الأميركية، بذريعة أن أزمة المناخ هي الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود في العصر الحالي.

تزامن هذا القرار مع الهجمات التي تتعرض لها ناقلات الغاز الطبيعي المسال في البحر الأحمر، وتوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر قناة السويس تماما، مما تسبب في تأخير تسليم صادرات قطر من الغاز المسال، يضاف إلى ذلك سلوكها طرقا أطول لتفادي الهجمات. المثير للإهتمام أن تلك الأحداث والتطورات لم تؤثر حتى الآن في ارتفاع أسعار شحنات الغاز الطبيعي المسال.

ماذا وراء القرار؟

من المستبعد أن يكون هدف قرار البيت الابيض في شأن مرافق التصدير الجديدة للغاز عدم التأثير سلبا على الأسعار المحلية للغاز، إذ أن أسعار الغاز الطبيعي المسال في أدنى مستوياتها منذ سبعة شهور تحت حاجز الـ10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (MMBTU)، حيث انخفض سعر مؤشر الغاز الطبيعي المسال في اليابان وكوريا إلى 9,3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، كما انخفض سعر الغاز الطبيعي لمؤشر أوروبا (TTF) الهولندي إلى 8,8 دولار مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما انخفض السعر المحلي للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة إلى 2,7 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. بالتالي، من الواضح أن أسعار الغاز خارج الولايات المتحدة أعلى بكثير من داخلها، مما يحفّز الشركات على الاستثمار لانتاج الغاز وبناء مرافق تسييله ومن ثم تصديره للإستفادة من الفارق الكبير.

من المستبعد أن يكون هدف قرار البيت الابيض في شأن مرافق التصدير الجديدة للغاز عدم التأثير سلبا على الاسعار المحلية للغاز، إذ أن أسعار الغاز الطبيعي المسال في أدنى مستوياتها منذ سبعة شهور تحت حاجز الـ 10 دولارات

على الرغم من موجات البرد في أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة، قد يكون السبب الأهم لتراجع أسعار الغاز هو تفوق العرض على الطلب بسبب الطقس الدافئ خلافا للتوقعات هذا الشتاء في أوروبا، مما أدى إلى تراكم المخزونات.

قد لا تكون هذه الأخبار جيدة بالنسبة للاستهلاك المحلي للغاز في الولايات المتحدة كون ذلك سينعكس سلبا على اقتصادها وربما على أسعار الغاز محليا. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان وقف صادرات الغاز الطبيعي المسال موقتا من شأنه أن يخفض أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء محليا، في حين نجد أن بعض الدول الأوروبية قد استأنفت بالفعل وارداتها من شركة "غازبروم" الروسية.

Shutterstock
ناقلة غاز عملاقة بالقرب من محطة للغاز الطبيعي المسال في ريفيثوسا

كما أنه من غير المرجح أن نشهد تأثيرا كبيرا للقرار الأميركي على أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية على المدى القريب، نظرا إلى الزيادة في العرض الحالي والمتوقع لإمدادات الغاز المسال عالميا، إلا أن التأثير قد يظهر على المديين المتوسط والبعيد.

 "التغير المناخي" ذريعة

قد يكون القرار الأميركي اتخذ من "التغير المناخي" ذريعة لتوجيه ضربة الى الحزب الجمهوري من جهة وإرضاء نشطاء المناخ المتطرفين في الحزب الديمقراطي من جهة أخرى، لكن التداعيات الكبرى ستكون على الاقتصاد الأميركي وارتفاع نسبة البطالة. 

أشادت المنظمات البيئية بالقرار في حين ندّد الجمهوريون به لاعتبارات سياسية، كون معظم إنتاج الغاز الطبيعي المسال موجودا في ولاية تكساس التي تذهب غالبية أصواتها للحزب الجمهوري. 

للمزيد إقرأ: كيف أعاد ترمب صياغة الخطاب السياسي في أميركا؟

وتستخرج ولاية تكساس كميات من الغاز الصخري تفوق أي ولاية أميركية أخرى، وقد وصل إنتاج الغاز الصخري في تكساس إلى 8,3 تريليون قدم مكعب عام 2021، علما أن حقول الغاز الصخرية تنضب بوتيرة أسرع بكثير من حقول الغاز التقليدية، وتحتاج وقتا وجهدا أكبر لتطويرها. لذا، قد يكون القرار مجرد رد على إدارة ولاية تكساس لوقوفها في وجه الإدارة الديمقراطية في شأن أزمة الحدود، في ذروة عام الانتخابات الأميركية.

ربما تكون أبعاد القرار سياسية أكثر منها اقتصادية، ولكن هل أخذ البيت الأبيض في الحسبان أن قرارا كهذا سيعد فوزا كبيرا لروسيا التي تذهب معظم صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا بأسعار منافسة

يشكل القرار ضغطا إضافيا على مستوردي الغاز الطبيعي المسال في دول الإتحاد الأوروبي. ويصب القرار بالتأكيد في مصلحة مصدري الغاز الطبيعي المسال الآخرين، مثل قطر وأوستراليا، أما بالنسبة الى روسيا التي تهيمن على صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا قبل الحصار الاقتصادي وبعده، وأزمة أوكرانيا، فسوف يعزز القرار سيطرتها على احتياجات أوروبا من الغاز. 

ربما تكون أبعاد القرار سياسية أكثر منها اقتصادية، ولكن هل أخذ البيت الأبيض في الحسبان أن قرارا كهذا سيعد فوزا كبيرا لروسيا التي تذهب معظم صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا بأسعار منافسة، مقارنة بأسعار الغاز المسال الأميركي؟ وقد يدفع ذلك أوروبا لأن تصبح أكثر اعتماداً على الغاز الروسي، وأكثر استعداداً للتوصل إلى اتفاق وتسوية سياسية في شأن تقسيم أوكرانيا.

للمزيد إقرأ: استراتيجية أميركية جديدة في العراق؟

مستقبل الإنتاج الأميركي

يرتقب أن يؤدي القرار الأميركي إلى وقف نحو 20 محطة لتسييل الغاز الطبيعي المسال وتصديره، وسينعكس ذلك على استثمارات المنبع للغاز، خصوصا في ولاية تكساس الأكثر تضررا، ومن ثم، بالتأكيد، على مستويات الإنتاج مستقبلا. كما أن مستثمري مشاريع المنبع للغاز قد يصبحون عرضة لتقلبات قرارات الإدارات الأميركية المتعاقبة، وفقدان القرار الاستراتيجي المستدام والموحد.

Shutterstock
خزان كبير لتكرير الغاز المسال

من السابق لأوانه الجزم بالتأثير المحتمل على أمن الطاقة الأميركي، إلا أن القرار يعد بمثابة تسريع لتحول الطاقة على نحو مكلف وغير مستدام، وقد يتسبب في عودة المزيد من محطات الفحم للعمل، في حال عدم قدرة مصادر الطاقة المتجددة من سد حاجة الولايات المتحدة من الطاقة الكهربائية. 

font change

مقالات ذات صلة