نهاية عصر "نموت ويحيا الزعيم"

نهاية عصر "نموت ويحيا الزعيم"

يكاد لا يخلو بيان يتعلق بالوضع السوري من التأكيد على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها. لكن لطالما سها صانعو البيانات عن الانتباه أو الإشارة إلى أن سوريا اليوم باتت ممزقة- وليست فقط مقسمة- إلى مناطق نفوذ، وأن الدولة غائبة لا عن مناطق خارج نفوذ سلطة نظام الأسد فحسب، بل حتى عن مناطق نفوذ النظام والميليشيات المقاتلة معه.

جميع الحلول التي طرحت أقله في السنوات الثماني السابقة ومنذ ما بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سبتمبر/أيلول 2015 كانت حلولا "ترقيعية"، وإن اعتمدت شكلا لا جوهرا على القرار الدولي 2254 إلا أنها اعتمدت على التفسير الروسي، لا لبيان "جنيف واحد" الذي هو في الأساس روح القرار 2254، بل على تفريغ القرار من مضمونه الحقيقي وتحويله إلى نسخة عن بيان سوتشي، من خلال خطوات تتجاهل حجر الأساس. والخطوة الأساسية في القرار وهي الانتقال السياسي قبل أي شيء آخر.

ونشرت "المجلة" قبل أسابيع أن عدد القواعد والنقاط العسكرية الأجنبية في سوريا وصل مع نهاية النصف الأول من عام 2022 إلى 830 موقعا، وهي كالتالي: التحالف الدولي بقيادة أميركا: 30 موقعا، والقوات التركية 125 موقعا، والقوات الروسية 105 مواقع، والقوات الإيرانية 570 موقعا. هذا دون ذكر القوات الإسرائيلية التي تحتل أراضي سورية، فكيف الحديث عن وحدة الأراضي السورية مع كل هذا الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها؟

قبل أيام قليلة أيضا كان اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري. ونذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد اتخذت قرارا هو الأول في تاريخها بإنشاء مؤسسة مستقلة خاصة بـ"استجلاء مصير" المفقودين في سوريا، تعمل على الكشف عن أماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وعائلاتهم.

ويبلغ عدد المفقودين والمختفين قسرا منذ مارس/آذار 2011 حتى يونيو/حزيران 2023 نحو 155243 شخصا، بينهم 135481 (87.27 في المئة) على يد قوات النظام السوري، حسب توثيق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

يضاف إلى ذلك عدد القتلى، من صور "قيصر" لشباب وشابات قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد، ومن ضحايا البراميل المتفجرة التي سقطت فوق رؤوسهم، وممن ماتوا اختناقا وهم نيام بعد استنشاقهم الغاز الكيماوي الذي ضربهم به نظام الأسد، ومن مجازر بانياس والحولة ودير بعلبة، حيث قتلت عائلات بأكملها بالسلاح الأبيض، وصولا إلى حفرة التضامن التي لم تكشف فقط عن الإعدمات الميدانية ولكن أيضا طرحت السؤال: كم حفرة تضامن في سوريا؟ مئات الآلاف من الضحايا يفوق عددهم نصف مليون إنسان.

يبلغ عدد المفقودين والمختفين قسرا منذ مارس/آذار 2011 حتى يونيو/حزيران 2023 نحو 155243 شخصا، بينهم 135481 (87.27 في المئة) على يد قوات النظام السوري، حسب توثيق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"

سوريا التي باتت مدمرة بالكامل إلا بعض الأحياء في بعض مدنها، السوريون الذين صار أكثر من نصفهم يعيش لاجئا في الخارج أو نازحا في الداخل، ما هي الخطوة التي ستعيدهم إلى بلادهم وقراهم، إلى منازلهم وهل سيعودون كأن مارس/آذار 2011 لم يكن؟

اليوم، كل من يطرح حلولا "واقعية" للأزمة السورية، وكل من يتحدث عن الحفاظ على "وحدة الأراضي السورية"، يكون بعيدا عن الواقعية، وبكل تأكيد لا تساهم هذه الطروحات بإعادة توحيد سوريا المقسمة.

الواقعية تقتضي المحاسبة. واللاواقعية تقتضي سياسة "تبويس اللحى" وكأن كل ما كان لم يكن. الواقعية تقتضي بعد المحاسبة وتطبيق العدالة، المصالحة. والمصالحة من دون مصارحة ليست مصالحة. وحدة الأراضي السورية تقتضي وحدة السوريين، وكيف سيتوحد السوريون إن لم يدركوا أن تضحياتهم ودماء أبنائهم لم تذهب هباء، كيف سيتوحدون إن لم تتحقق العدالة؟ وهل ينتظر البعض ممن دفع كل هذه الأثمان على مدى أكثر من 12 عاما أن ينسى كل هذا ويصالح من أجل بعض المساعدات؟

في العام 2023 لم تعد الشعوب هي نفسها الجماهير الغفيرة في عام 1967، لقد باتت أكثر وعيا وإدراكا ليس بحقوقها فحسب بل أيضا بمن أوصلها وأوصل البلاد إلى هذه الحالة المتردية باسم كثير من القضايا. في العام 2023 يبدو الحل في سوريا واضحا للجميع، ومع ذلك يصر البعض على تجاهله، والخطوة الأولى في سبيل الحل، أي حل واقعي ومستدام، تبدأ برحيل رأس النظام المسؤول أولا وبصفته رئيسا عن كل ما حل بسوريا والسوريين. 

عدا ذلك لا حل، وهذا ما ذكرتنا به السويداء مؤخرا، وأكدت عليه درعا وإدلب ودير الزور وغيرها.
 

font change