فعلها الرئيس دونالد ترمب وأعلن نهاية الحرب الإسرائيلية-الإيرانية بعد 12 يوما من اندلاعها، شكر إيران على إبلاغهم مسبقا بنيتها ضرب قاعدة العديد في قطر، الضربة التي أرادت إيران منها حفظ ماء وجهها بعد كل ما ألحقته إسرائيل والولايات المتحدة بها من خسائر بمشروعها النووي حاليا، وبأذرعها الميليشياوية في المنطقة خلال العامين الماضيين.
فهمت إيران أنها أمام خيارين، إما التمسك ببرنامجها النووي وإما الحفاظ على النظام، فاختارت الحفاظ على نظامها، كما اختارت سابقا التخلي عن أذرعها مقابل عدم وصول الحرب إليها، ومع ذلك وصلت.
ولكن تبقى سابقة الاعتداء على سيادة دولة عربية (قطر) بهذا الشكل سابقة خطيرة، حتى وإن كان الأمر قد تم بتنسيق وإعلام مسبق بالأمر، فحفظ ماء وجه إيران- الذي لم يحفظ بعد توجيه ترمب الشكر لها- لا يبرر هذا الاعتداء وهذه السابقة، خصوصا أن من اعتدى هي إيران نفسها لا أذرعها التي كانت طهران تقول إنها تملك "استقلالية" الاعتداء.
في أول كلمة له بعد إعلان واشنطن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، خرج المرشد الإيراني علي خامنئي متحدثا في رسالة مصورة، وقال إن "إيران انتصرت على إسرائيل وأميركا"، مضيفا أن "إسرائيل كادت تنهار تحت الضربات الإيرانية". وذكر أن أميركا دخلت الحرب لأنها شعرت بأنها إذا لم تفعل ذلك فستدمر إسرائيل بالكامل، مشيرا إلى أن أميركا لم تحقق أي إنجاز من هذه الحرب.
تقول إسرائيل إنها قتلت 30 مسؤولا أمنيا و11 عالما نوويا إيرانيا، وحجم الدمار الذي لحق بمنشآت إيران النووية كبير جدا يكاد يصل- حسب التصريحات الأميركية- إلى حد تدمير البرنامج النووي بالكامل، ومع ذلك أعلنت إيران "النصر العظيم" في هذه الحرب.
وكالة "إيرنا" الإيرانية كتبت: "هذا الانتصار الإيراني العظيم لم يكن مجرد ردٍّ عسكري أو مناورة تكتيكية، بل كان إعلانا صريحا بأن زمن الهيمنة الصهيونية قد ولى، وأن المعادلات القديمة في المنطقة قد انكسرت تحت أقدام المقاومين".
يقف المنطق عاجزا عن فهم هذه "الانتصارات"، فكيف لنظام تقوم شرعيته على تدمير إسرائيل والعداء المطلق للولايات المتحدة الأميركية أن يقول رأسه إن "إسرائيل كادت تنهار تحت الضربات الإيرانية"؟ إن كان باستطاعته تدميرها فلماذا لم يفعل ويحقق هدفه المعلن منذ 46 عاما لحظة هيمنته على السلطة في طهران؟ ولماذا قبل بإعلان "الشيطان الأكبر" وقفَ هذه الحرب؟
يدرك النظام في إيران أنه كان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام وإما نهايته
يدرك النظام في إيران أنه كان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام وإما نهايته، استسلم دون أن يعلن ذلك أمام جمهور مؤدلج، ولكن السؤال هو: هل يدرك أن نهايته وإن لم تحدث اليوم فإنها قد بدأت؟
إعلانات الانتصار هذه عند محور الممانعة تحتاج إلى دراسة عن سيكولوجيا هذه الأنظمة ومؤيديها، فحسب إعلاناتهم لم يُهزموا في أي حرب، دوما منتصرون بغض النظر عن حال بلادهم ومشاريعهم وأنظمتهم.
وإن كانت "انتصاراتهم" الوهمية سابقا تمر مرور الكرام فإن الأمر بدا مختلفا مع الرئيس الأميركي الذي سارع إلى الرد على كلام خامنئي مذكرا إياه بأنه منع اغتياله قائلا: "أنقذتك من موت مهين"، ومؤكدا أنه "هُزم شر هزيمة". ولم يكتفِ بذلك بل أعلن في منشور على منصة "تروث سوشيال" أنه أوقف العمل على تخفيف العقوبات على إيران بعد تصريحات خامنئي الأخيرة بأن بلاده حققت انتصارا على الولايات المتحدة.
فهل حتى هذه الانتصارات الوهمية لم يعد مسموحا بها اليوم؟
اليوم أمام إيران الكثير من التحديات، فلا أحد يعرف بالتحديد حجم ما لحق بمشروعها النووي من دمار، ولكننا نعلم أن مشروعها التوسعي قد انتهى، وإن كانت لا تزال تملك إمكانية الاعتداءات المحدودة وزعزعة الأمن والاستقرار في كثير من المدن العربية. لا نعرف حجم الضغوط الداخلية، ولكننا نذكر الاحتجاجات التي تخرج هناك كل فترة وتُقمع بالحديد والنار، غير أن المؤكد الذي نعرفه أن إيران التي نعرفها.. انتهت.