مجموعة العشرين... تعددية وتوازن

هل تحمي الشعوب من الأزمات؟

رويترز
رويترز
طلاب يضعون اللمسات النهائية على صور قادة مجموعة العشرين، خارج مدرسة للفنون في مومباي، في 5 سبتمبر/أيلول 2023

مجموعة العشرين... تعددية وتوازن

تستضيف الهند يومي 09 و10 سبتمبر/أيلول المقبلين القمة الثامنة عشرة لقادة "مجموعة دول العشرين" (G20) تحت شعار: "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد"، وتتولى رئاسة المجموعة من 1 ديسمبر/كانون الأول 2022 لغاية 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

الآمال المعقودة على هذه القمة كبيرة، كون الهند حليفة تاريخية لروسيا وشريكة للغرب في مواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي تقدم نفسها جسرا بين الدول الغنية والنامية ورسول تقارب بين المتخاصمين الأميركيين والروس بعد غزو موسكو لاوكرانيا والتكلفة الباهظة التي فرضها هذا الغزو على البلدان الأكثر فقراً وخصوصا تعطيل سلاسل التوريد مما أدى الى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وإغراق العديد من الدول الناشئة في كارثة مالية تقرب من الانهيار، من بينها جارتا الهند، سريلانكا وباكستان.

تأسيس مجموعة العشرين

في أعقاب الأزمة النفطية عام 1973، تنادت في العام التالي الدول الخمس الأعلى دخلا في العالم، الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة، إلى عقد سلسلة من الاجتماعات غير الرسمية في مكتبة البيت الأبيض لتدارس انعكاسات الأزمة، وعُرفت الدول الخمس آنذاك بـ"مجموعة" المكتبة (Library Group).

في العام التالي، انضمت إيطاليا بمبادرة من الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، الى اجتماع قمة للدول المذكورة وأعلن رسميا بعدها إنشاء "مجموعة الست" مع تعهد بالاجتماع سنويا برئاسة دورية، للتعامل بشكل غير رسمي مع القضايا الاقتصادية والمالية.

بعد سنة، تحولت "مجموعة الست" إلى "مجموعة السبع" بانضمام كندا بناءً لاقتراح ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. ومنذ عام 1977 شارك الاتحاد الأوروبي كضيف، وحصل الأمر نفسه مع روسيا التي حضرت بشكل منتظم على هامش قمة مجموعة السبع منذ العام 1994 إلى أن انضمت رسمياً إلى المجموعة عام 1997 وبذلك ولدت "مجموعة الثماني".

لكن موقف روسيا في أزمة القرم عام 2014، دفع إلى تعليق مشاركتها موقتا في المجموعة ثم إلى الانسحاب منها كليا عام 2017، وبذلك تمت العودة الى تسمية "مجموعة السبع" التي باتت اجتماعاتها تعقد على مستوى وزاري ومستوى قمة، كما اتسعت دائرة مجالات المناقشات لتطال الصحة والتعليم والطاقة والبيئة والعدل والأمن الوطني والغذائي وغيره.

AP
لوحة إعلانية تظهر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي باعتباره الأكثر شعبية بين زعماء العالم، في نيودلهي، في 6 أبريل/نيسان 2023. وتستغل الحكومة الهندية المناسبة لتسويق حملة تظهر نفوذ الهند المتنامي في عهد مودي

وكان وزراء المال وحكام المصارف المركزية لـ"مجموعة الثماني" قد أوصوا عام 1999، بمبادرة من وزير المال الكندي، بول مارتان، بمضاعفة حجم المجموعة لكي تشمل اقتصادات نامية كبرى بهدف تعزيز الاستقرار المالي الدولي وخلق فرص للحوار بين الدول الصناعية والدول الناشئة.

وحضر عامل آخر ساهم أيضا في توسيع المجموعة، هو التراجع النسبي في الثقل الاقتصادي لأعضائها في العالم، إذ انخفضت أهميته في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، نظرا إلى النمو الاقتصادي في العديد من الدول الناشئة مثل الصين أو الهند أو البرازيل على مدار السنوات العشرين الماضية.

في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وبمبادرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الانكليزي غوردون براون، عقد أول اجتماع لرؤساء دول وحكومات "مجموعة العشرين" المكونة من الاقتصادات الأكثر تقدما.

تتكون "مجموعة العشرين"، وفق المعيار السياسي، من اتحاد من النوع فوق الوطني (الاتحاد الأوروبي) وأربع عشرة جمهورية (سبع جمهوريات فيديرالية وواحدة شعبية) وخمس ملكيات.

أوصى وزراء المال وحكام المصارف المركزية لـ"مجموعة الثماني" عام 1999، بمبادرة من وزير المال الكندي، بمضاعفة حجم المجموعة لكي تشمل اقتصادات نامية كبرى بهدف تعزيز الاستقرار المالي الدولي وخلق فرص للحوار بين الدول الصناعية والدول الناشئة

وتضم المجموعة وفق المعيار الجغرافي، ثلاث دول من مجموعة أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك - ألينا) (ALENA) ودولتين من المخروط الجنوبي في أميركا الجنوبية (Mercosur) وثلاث دول من الاتحاد الأوروبي وثلاث دول من منظمة التعاون الاسلامي.

تشوهات بنيوية منذ البداية

منذ البداية، تعرضت "العشرين" لانتقاد. فقرار "مجموعة الثماني" نص على ضم دول الاقتصادات الناشئة اليها، وهذا ما لم يحصل، باستبعاد دول مصنفة من هذه الفئة هي ماليزيا وتايلاند ونيجيريا وتشيلي وإيران.

وكان هناك اعتراض على عدم ضم "مجموعة العشرين" لاعبين رئيسين في التمويل العالمي، هما سويسرا وسنغافورة، وقد تمت معالجة الأمر بضم الأولى إلى اجتماعات وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية لـ"مجموعة العشرين"، وبدعوة الثانية إلى المشاركة في عدد من القمم، آخرها القمة التي تعقد في الهند.

AP
لوحة إعلانية في مطار نيودلهي عليها صورة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وهو يرحب المشاركين قبل قمة مجموعة العشرين نهاية الأسبوع

القارة الآسيوية تتمثل في "مجموعة العشرين" بسبع دول هي الصين وكوريا الجنوبية واندونيسيا واليابان والهند والمملكة العربية السعودية وتركيا، أما القارة الأفريقية فتتمثل بجنوب أفريقيا، علما أن الناتج المحلي الإجمالي في كل من نيجيريا ومصر هو أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في جنوب أفريقيا، وهذا يحد من مساهمة هذه القارة في مداولات المجموعة في القضايا الاقتصادية العالمية.  

هناك اقتراح بضم الاتحاد الأفريقي الى المجموعة، حيث من شأن ذلك أن يضيف إليها 54 دولة (أكثر من ربع أعضاء الأمم المتحدة) و1,3 مليار نسمة (أي ما يوازي عدد سكان الصين أو الهند تقريبا) و2,3 تريليون دولار ناتج، ومقعد واحد إلى طاولة المجموعة. كذلك من شأن الضم أن يفرز تأثيرا محفزا داخل أفريقيا مماثلا لذلك الذي أفرزته مشاركة الاتحاد الأوروبي في "مجموعة العشرين" داخل أوروبا، وهو تعزيز تنسيق السياسات والتماسك بين الاقتصادات الأفريقية الخمسة والخمسين. 

هناك أيضا خلل في التوازن من نوع آخر؛ فثلاث دول أوروبية، هي فرنسا وألمانيا وإيطاليا، أعضاء في "مجموعة العشرين" وفي الاتحاد الأوروبي الذي هو أيضا عضو في المجموعة، مما يعني أن الدول الثلاث ممثلة في الحقيقة مرتين، وأن "مجموعة العشرين" لا تمثل 20 دولة بل 43 دولة (27 دولة في الاتحاد الأوروبي إضافة إلى 16 دولة من خارج الاتحاد الأوروبي) لكن بـ 20 زعيما فقط على طاولة المناقشات. وهذه الدول الثلاث والأربعون تشكل 22 في المئة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتضم في المقابل نحو 66 في المئة من سكان العالم وتنتج 87 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، مما يعني أن تمثيلها على الطاولة في "مجموعة العشرين"، يخولها لأن يكون لها الصوت الراجح في المناقشة والتقرير، على الرغم من أنه لا  يخولها التحدث باسم دول الأمم المتحدة.

هناك اقتراح بضم الاتحاد الأفريقي الى المجموعة، حيث من شأن ذلك أن يضيف إليها 54 دولة (أكثر من ربع أعضاء الأمم المتحدة) و1,3 مليار نسمة (أي ما يوازي عدد سكان الصين أو الهند تقريبا) و2,3 تريليون دولار ناتج، ومقعد واحد إلى طاولة المجموعة

الخلل الأخير هو عدم وجود هيكلية تضمن الامتثال للقرارات المتخذة، وقد تم تجاوز ذلك بإنشاء مجلس الاستقرار المالي (Conseil de stabilité financière).

انتقادات طالت "مجموعة العشرين"

منذ تكوينها، قال محللون ان "مجموعة العشرين" بأنها امتداد لـ"مجموعة السبع"، مما أثار توجسا وأدى إلى إطلاق التظاهرات المبكرة ضدها على يد عدد من الجمعيات والنقابات والمنظمات والأحزاب في العديد من الدول، واعتبرها إعلان المنتدى الاجتماعي العالمي في دكار في فبراير/شباط 2011 "تجمعا من أغنى الدول يتحدى الآخرين ويعلن نفسه ضامنا للاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي في أعقاب العاصفة المالية عام 2008، لكنه لم يفعل الكثير لحماية الشعوب من هذه الأزمة الكبرى ".

واتُهمت "مجموعة العشرين" بأنها تسعى لكي تكون المرجعية الأفعل في الكوكب وبخروجها عن كونها منتدى اقتصاديا ينحصر دوره في القضايا الاقتصادية والمالية، من خلال موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين سعيا لاستصدار قرارات تدين روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا واعتراض موسكو وبكين على ذلك. وكان الرد على الاعتراض بأن هذه القرارات لم تصدر ضمن سياق القانون الدولي بل ضمن سياق اقتصادي يرمي إلى وقف تفاقم الآثار الاقتصادية السلبية للغزو الروسي.

واتهمت الصين في المقابل، بأنها هي التي تقحم السياسة في اجتماعات "مجموعة العشرين"، في إشارة الى قرار رئيسها عدم المشاركة شخصيا في القمة كي لا يساهم في أي مكسب قد يحصده رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، من أي نجاح محتمل لأعمال القمة، ولمؤاثرة الرئيس الصيني عدم لقاء الرئيس الأميركي، في وقت تشهد العلاقة بين بلديهما تجاذبا بسبب تايوان والقيود الأميركية المفروضة على تزويد الصين ابتكارات الذكاء الاصطناعي.

ما سبق، وغيره، دفع المصرفي العتيق، وليام رودس، إلى الاعتراف بأنه لا ينبغي التعويل كثيرا على "مجموعة العشرين"، إذ عندما تلوح في الأفق صدامات استراتيجية أو جيوسياسية حول الأمن القومي والأولوية الاقتصادية والتكنولوجية، فإن التعاون الدولي الفاعل يصبح صعباً.

ميزات "مجموعة العشرين" 

يرى المعلق السياسي الأميركي، فريد زكريا، أن الحوكمة العالمية لا يمكن أن تتطور إلا من خلال "مجموعة العشرين"، فمن ناحية تعاني الجمعية العامة للأمم المتحدة من المناقشات الطويلة، كما يعاني مجلس الأمن من الشلل بسبب حق النقض، ويمكن إنجاز الكثير من المهمات بشكل أفضل من خلال "مجموعة العشرين" التي تمثل علاقات القوة العالمية إلى حد ما، ومن ناحية أخرى يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا محفزا من خلال المجموعة يخفف من غلو اتهامها بالهيمنة.

في هذا السياق، يرى البروفسور جيفري ساكس، أن "مجموعة العشرين" مكملٌ قوي للأمم المتحدة، بتمثيلها معظم سكان العالم، كما الناتج الاقتصادي العالمي، بعضوية محدودة. وفي حال توسعها بضم  الاتحاد الأفريقي، فسوف تتغلب على أهم الانتقادات التي توجه إليها دون أن تخسر سهولة الحركة.

وفي نظره، أن "مجموعة العشرين" هي حاليا أفضل ركيزة لإدارة أممية للتعددية الاقتصادية، والأكثر فاعلية. صحيح أن العالم يضم العديد من مراكز الحوار الرفيعة المستوى، لكن "مجموعة العشرين" تعتبر الأفضل بين هذه المجموعات، حيث تدعم الحوار العالمي بحلول للمشاكل الاقتصادية. 

ينبغي الاعتراف بأنه لا يمكن التعويل كثيرا على "مجموعة العشرين"، إذ عندما تلوح في الأفق صدامات استراتيجية أو جيوسياسية حول الأمن القومي والأولوية الاقتصادية والتكنولوجية، فإن التعاون الدولي الفاعل يصبح صعباً

وليام رودس، مصرفي أميركي مخضرم

ظهرت أول آلية قانونية لإدارة التعددية في القرن العشرين بإنشاء عصبة الأمم عام 1919 ولاحقا بتأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945. لكن "مجموعة العشرين" بدأت تلعب، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، دوراً بالغ الأهمية في إدارة تعددية القطبية الاقتصادية. فالمشكلات تُحَلّ بمرونة وسرعة أكبر من خلال مناقشتها من أكبر 20 اقتصادا في العالم. يحق لكل عضو في الأمم المتحدة التحدث لمدة عشر دقائق في قضية ما، وقد تستغرق تعليقات وملاحظات الأعضاء وقتا أطول من ذلك بكثير، أما المداخلات حول طاولة "مجموعة العشرين"، فتحقق تمثيلا عاليا بعدد قليل من القادة، مما يوفر السرعة والمرونة في المداولات واتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن قرارات "مجموعة العشرين" لا تتمتع بقوة القانون الدولي، فإنها قادرة على دعم قرارات الأمم المتحدة في الكثير من المجالات.

وأبلغ رد على أن مجموعة العشرين ليست ناديا للأغنياء، ترؤسها أخيرا من قبل ترويكا من دول ذات اقتصادات ناشئة هي أندونيسا عام 2022 والهند عام 2023 والبرازيل عام 2024.

أولويات رئاسة الهند لـ"مجموعة العشرين"

اعلنت الهند الأولويات التي تتطلع إلى بتها في القمة، وقد تماهت فيها مع تطلعات الرئيس الأميركي وهي الآتية: 

•    ضمّ الاتحاد الأفريقي كعضو دائم إلى مجموعة العشرين. 
•    إصلاح المؤسسات الدولية، خصوصا المالية منها، أي صندوق النقد والبنك الدوليين، إدارة ومهاما وصلاحيات.  
•    تعزيز وضعية بنوك التنمية لمواجهة تحديات التضخم ومستويات الديون المرتفعة وإعادة هيكلة ديون الدول المنخفضة الدخل، لا سيما أن الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر داعم مالي للعديد من هذه الدول في آسيا وأفريقيا، تعارض التوصل إلى اتفاق مشترك متعدد الأطراف في شأن هذه القضية .

Shutterstoc

وكانت الاجتماعات المالية والاقتصادية الأخرى التي رعتها الهند خلال فترة رئاستها للمجموعة، قد ناقشت واتخذت قرارات وتوصيات بأمور عدة ذات أبعاد اقتصادية متنوعة: الطاقة والبيئة والأمن الغذائي ومشاكل سلاسل التوريد والتجارة في السلع والخدمات والمنافسة العادلة والصحة والزراعة والعمل وأخطار الكوارث والفساد والتنمية المستدامة والقدرة على الصمود ومكافحة الجريمة الاقتصادية والعملات المشفرة والتشدد في الاشراف والرقابة على الأنظمة المصرفية والأسواق المالية، بحيث لا يضطر دافعو الضرائب لتحمل فاتورة الإنقاذ، وكذلك الاتفاقات الضريبية الدولية، لجعلها أكثر عدالة، فلا تتحمل أفقر دول العالم وطأة أزمة الديون العالمية .
يبقى اعتماد أنماط عيش أقلّ تلويثا، الموضوع الأكثر إلحاحا وإشكالية. فقضايا المناخ هي مسألة بقاء، و"البشرية لا تستطيع الانتظار" والأعاصير باتت أكثر عنفا، والبذور فقدت المقاومة للحرارة، والجفاف يدمر المزارع والبلدات، والفيضانات تجرف عقودا من التقدم. 

الرهان كبير على إمكان نجاح الهند في الاستمرار بلعبة التوازن المحفوف بالأخطار وعدم السماح لتداعيات النزاعات السياسية أن ترخي بظلالها على أعمال ونتائج قمة نيودلهي، بحيث تأتي تاريخية في قراراتها، فتتضمن على الأخص، برنامجا إصلاحيا للمؤسسات الدولية، بما يلتقي مع مجموعة "بريكس" في مطالبها بإرساء تعدد قطبي اقتصادي، يكون بديلا لما تسميه الأخيرة بالهيمنة الأحادية والثنائية القطبية.

font change

مقالات ذات صلة