مودي... من بائع للشاي والزيت إلى زعيم في عالم جديد

الغرب يتغاضى عن ميوله القومية المؤيدة للهندوس ويتجاهل مخاوف حقوق الإنسان لضمان ولاء الهند

منى ينغ ومايكل ميسنر
منى ينغ ومايكل ميسنر

مودي... من بائع للشاي والزيت إلى زعيم في عالم جديد

كان الغرب تاريخيا ينظر بريبة عميقة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ولذلك فإن الشعبية الكبيرة التي بدأ يتمتع بها مؤخرا تشير إلى تعاظم المكانة التي تحتلها بلاده على الساحة الدولية.

منذ وقت ليس بالطويل، كانت القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعتبر مودي شخصية منبوذة بسبب أجندته القومية المتطرفة، والتي أدت إلى تعرض الأقلية المسلمة في الهند لأعمال عنف مروعة من قبل الأغلبية الهندوسية في البلاد.

بعد إلقاء اللوم على مودي شخصيا في تنظيم سلسلة من أعمال الشغب ضد المسلمين في عام 2002 في ولاية غوجارات الهندية، حين كان مودي يشغل منصب رئيس الوزراء في الولاية، ردت الحكومتان البريطانية والأميركية بإصدار حظر سفر ضده بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. جاء ذلك بعد مقتل ما يقدر بنحو 1000 مسلم في اندلاع أعمال عنف عرقية ونزوح 150 ألف مسلم من ديارهم.

ولكن الأمور تبدلت اليوم، وما عادت المخاوف بشأن أجندة مودي القومية مهمة، لأن القادة الغربيين يبدون مهتمين أكثر بكثير بإقامة علاقات أوثق مع رئيس الوزراء الهندي.

وقد حرص الرئيس الأميركي جو بايدن، على سبيل المثال، على استقبال رئيس الوزراء الهندي عندما وصل إلى واشنطن في شهر يونيو/حزيران الماضي في زيارة دولة، حيث استقبل مودي بالفرق الموسيقية وعشاء نباتي فاخر وتحية من 21 بندقية في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. ثم جاءت ذروة الزيارة، عندما دُعي مودي لمخاطبة الكونغرس الأميركي، حيث لقي ترحيبا حارا، في تحول ملحوظ لسياسي كان قد مُنع قبل عشرين عاما فقط من دخول الولايات المتحدة.

انتهز كل من بايدن ومودي المناسبة للتأكيد على أهمية العلاقات بين بلديهما. بينما وصف بايدن التحالف بين الولايات المتحدة والهند بأنه "أحد العلاقات المميزة للقرن الحادي والعشرين"، أخبر مودي الكونغرس أن الصداقة ستكون "مفيدة في تعزيز قوة العالم بأسره". وأضاف أن "فصلا جديدا" قد أضيف إلى شراكة البلدين الاستراتيجية الشاملة والعالمية. وانتهت الزيارة بموافقة واشنطن على صفقة مع دلهي لمحركات الطائرات المقاتلة الأميركية وطائرات دون طيار من طراز "سيغارديا".

إن القادة الغربيين متحمسون للغاية بشأن تعميق علاقاتهم مع دلهي لدرجة أنهم على استعداد للتغاضي عن ميول مودي القومية المؤيدة للهندوس. ونتيجة لذلك، يجري تجاهل مخاوف حقوق الإنسان لصالح ضمان ولاء الهند

كان الحماس الجديد للقادة الغربيين لتحسين العلاقات مع دلهي واضحا جدا في الشهر التالي للزيارة، عندما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء الهندي لحضور الاحتفالات السنوية بيوم الباستيل في باريس. شاهد مودي وماكرون جنودا فرنسيين وهنودا يسيرون في شارع الشانزليزيه المحاط بالأشجار في باريس، بينما شاركت طائرات رافال المقاتلة الفرنسية الصنع التي اشترتها الهند عام 2015 في رحلة طيران فوق قوس النصر.

واحتفل ماكرون بهذه الزيارة بمنح مودي وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام في فرنسا، معلنا أن الهند كانت "عملاقا في تاريخ العالم وسيكون لها دور حاسم في مستقبلنا. كما أنها شريك استراتيجي وصديق".

على غرار زيارة مودي لواشنطن، اختتمت رحلته أيضا باتفاقية أسلحة مهمة، هذه المرة مع فرنسا بمليارات الدولارات. إذ التزمت فرنسا بتزويد الجيش الهندي بـ 26 طائرة رافال إضافية خصيصا لقواتها البحرية، إلى جانب ثلاث غواصات من فئة سكوربين. تعزز هذه الصفقة التعاون الدفاعي بين دلهي وباريس، خاصة وأن كلا البلدين يسعيان بنشاط لتحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادي. ومن المتوقع أن تبلغ القيمة الإجمالية لهذه المشتريات نحو 800 مليار روبية (9,75 مليارات دولار).

لم يكن الدافع وراء التوق المفاجئ للقادة الغربيين لتنمية صداقة مع رئيس الوزراء الهندي هو وجود تغيرات كبيرة في أجندته القومية على الجبهة الداخلية. ففي الواقع، تواصل منظمات حقوق الإنسان لفت الانتباه إلى الإجراءات القمعية للحكومة الهندية تجاه ما يقرب من 200 مليون مسلم في البلاد. ولم ترفع الولايات المتحدة الحظر الذي كانت فرضته بسبب أعمال العنف في غوجارات في عام 2002، إلا قبل عامين فقط.

منى ينغ ومايكل ميسنر

وظهر مثال على نهج حكومة مودي العدواني تجاه السكان المسلمين في الهند عام 2019 عندما أعلنت تعليق المادة 370 من الدستور، والتي منحت الحكم الذاتي لكشمير، الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند. وقد صُمِّم هذا الحكم في البداية لحماية الهوية الدينية والعرقية للمنطقة ومنع أعضاء الأغلبية الهندوسية من الاستقرار هناك. وبرر مودي هذا القرار بالزعم أنه سيفيد الكشميريين من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية. ومن أجل تطبيق هذه السياسة، نشر مودي عددا كبيرا من القوات في كشمير واعتقل كثيرا من المسلمين البارزين.

ومع ذلك، فإن القادة الغربيين متحمسون للغاية بشأن تعميق علاقاتهم مع دلهي لدرجة أنهم على استعداد للتغاضي عن ميول مودي القومية المؤيدة للهندوس. ونتيجة لذلك، يجري تجاهل مخاوف حقوق الإنسان لصالح ضمان ولاء الهند.

ومن العوامل المهمة التي ساهمت في الاندفاع المفاجئ لإقامة علاقات أوثق مع الهند، التحول الملحوظ في المشهد الجيوسياسي العالمي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ حافظت الهند قبل اندلاع الصراع في أوكرانيا في فبراير/شباط من العام السابق على علاقة قوية مع موسكو، مدفوعة إلى حد كبير بتنافسها الطويل مع الصين الشيوعية. ولطالما كانت العلاقات بين الصين والهند، التي تشترك في حدود متنازع عليها بطول 2100 كيلومتر، صعبة ومعقدة، وأدت إلى حرب استمرت 30 يوما بين البلدين على الأراضي المتنازع عليها في جبال الهيمالايا عام 1962، وانتهت إلى هزيمة مذلة للجيش الهندي وقتها.

ولتجنب تكرار مثل هذه الصراعات، عملت الهند بجد على تعزيز العلاقات الوثيقة مع روسيا، التي لديها أيضا تاريخ من النزاعات الإقليمية مع الصين، من أجل منع المزيد من المواجهات مع بكين. ومع ذلك، فإن ارتباط الهند الوثيق بموسكو جعل من الصعب على القادة الغربيين تحسين علاقاتهم مع دلهي حتى الغزو الروسي لأوكرانيا.

في الوقت الذي تستثمر الصين بكثافة في تطوير قوتها العسكرية، فقد دفع انخفاض قيمة روسيا كحليف مودي إلى البحث عن تحالفات جديدة، وهو ما يفسر الاهتمام المفاجئ للزعيم الهندي بزيارة العواصم الغربية حيث لم يكن وجوده موضع ترحيب حتى وقت قريب جدا

وحتى في الظروف الحالية، عندما واجهت موسكو إدانة دولية واسعة النطاق لأفعالها في أوكرانيا، امتنع رئيس الوزراء مودي عن انتقاد الكرملين علنا. وبدلا من ذلك، نصح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن العصر الحالي يدعو إلى السلام وليس الحرب، وشجعه على اتباع مسار سلمي.

ومع ذلك، ليس هناك شك في أن الغزو الروسي قد دفع الهند إلى إجراء إعادة تقييم جادة لموقعها العالمي، وهو أمر مهم بشكل خاص، لأن الصراع كشف عن نقاط ضعف كبيرة في القدرات العسكرية الروسية، وهو أمر يثير قلق مودي بالنظر إلى اعتماد الهند التاريخي على الأسلحة الروسية؛ إذ لم يتم فضح محدودية أسطول الهند الهرِم من الطائرات المقاتلة الروسية الصنع فحسب، بل إن انشغال روسيا– المفهوم– بالصراع في أوكرانيا تركها غير قادرة على القيام بأعمال الصيانة.

وفي الوقت الذي تستثمر فيه الصين بكثافة في تطوير قوتها العسكرية، لكونها تسعى إلى تجاوز الولايات المتحدة، باعتبارها القوة البارزة في العالم، فقد دفع انخفاض قيمة روسيا كحليف مودي إلى البحث في إمكانية القيام بتحالفات جديدة، وهو ما يفسر الاهتمام المفاجئ للزعيم الهندي بزيارة العواصم الغربية حيث لم يكن وجوده موضع ترحيب حتى وقت قريب جدا. 

يتماشى هجوم مودي الساحر تجاه الغرب إلى حد كبير مع رؤيته لجعل الهند قوة عالمية كبرى، قوة يتمتع فيها بمكانة رجل دولة عالمي قادر على التصرف كوسيط دولي قوي. في الواقع، انصب تركيز مودي منذ انتخابه لأول مرة رئيسا للوزراء في عام 2014 على تطوير ما يسميه الهند الجديدة، وهي دولة ذات نفوذ عالمي حقيقي.

ومن المؤكد أن رؤية الزعيم الهندي الجريئة للهند تتناقض بشكل صارخ مع أصوله المتواضعة. إذ ولد مودي عام 1950 لأسرة تنتمي لطبقة غانشي الفقيرة، والتي يعمل أفرادها تقليديا في بيع الزيت النباتي، وكان والد مودي يدير متجرا صغيرا لبيع الشاي بالقرب من محطة القطار، وكان ابنه الصغير يساعده في عمله. وعندما كان مودي في الثالثة عشرة من عمره، رتّب والداه زواجه من فتاة محلية، لكنهما عاشا سويا لفترة وجيزة فقط، ولم يعترف علنا بالعلاقة لسنوات عديدة.

وأثناء مراهقته، طوّر مودي اهتماما شديدا بالسياسة وأصبح عضوا في منظمة التطوع الوطنية (راشتريا سوايامسيفاك سانغ) (RSS)، وهي منظمة تطوعية شبه عسكرية تنتمي إلى الحركة القومية الهندوسية اليمينية. وفي عام 1985، أسندت له المنظمة مهمة الانضمام إلى حزب "بهاراتيا جاناتا" (BJP)، والذي كان يتبنى أجندة قومية مماثلة. وفي وقت انضمامه، كان للحزب مقعدان فقط في البرلمان، ولكن وضعه الضعيف مكّن مودي من تحقيق نجاحه الخاص، إذ أقصى خصومـــــه واحــــدا تلـــــو الآخـــــــر حتى عُــــيّـــن كـــــرئيـــــس لوزراء ولاية غوجارات في عام 2001. ومنذ ذلك الحين، أثبت مودي مؤهــــــلاته الــــــسياسية من خـــــــلال فوزه في ثلاثة انتخــــابات، مركزا في حمـــــلاته الانتخــــابية على ادعائه بأنه وفر نموا اقــــــتصاديا مســـــتداما في الولاية.

يحاول مودي إجراء توازن دقيق، لكن إذا أثبتت موسكو أنها غير قادرة على الحفاظ على دعمها العسكري للهند، فلن يكون أمام مودي من خيار سوى تسريع ميل الهند الديبلوماسي نحو الغرب

وعندما بدأ مودي حملته لرئاسة الوزراء في خريف عام 2013، لم يقدم نفسه كقومي ناشط بل استند إلى سجله الحافل في توفير ازدهار اقتصادي في ولاية غوجارات، وتبنى في حملته شعار "الأيام الجيدة قادمة". وأدت سمعة مودي في توفير النمو الاقتصادي المستدام إلى تدفق المساهمات من قبل كبرى الشركات في الهند إلى حملته الانتخابية.

وبلا شك، ساهم الاعتقاد العام السائد بأن حزب المؤتمر التأسيسي، الذي بقي في السلطة معظم نصف القرن الماضي، أصبح متعجرفا وفاسدا بوصول مودي إلى السلطة.

وبينما حققت جهود مودي لتوسيع الاقتصاد الهندي- من خلال جعل البلاد قوة تصنيع عالمية- نتائج متباينة، فإن موقع الهند كحاجز محتمل أمام هيمنة الصين المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي يجعل من دلهي محط اهتمام عالمي كبير.

وعلاوة على ذلك، فإن من حسن حظ مودي أن مساعيه الدبلوماسية لتحسين العلاقات مع الغرب تأتي في وقت يسعى فيه القادة الغربيون إلى تطوير تحالفات جديدة لمواجهة التهديد المتزايد الذي تشكله القوة العسكرية للصين.

وقد تشكلت اتفاقية "أوكوس" الجديدة، والتي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، لبناء جيل جديد من الغواصات النووية للبحرية الأسترالية، بناء على رغبة القادة الغربيين في بناء شبكة جديدة من التحالفات العالمية التي تهدف إلى مواجهة التحدي الذي تمثله الصين للأمن الإقليمي.

لذلك، يجب النظر إلى الاهتمام الغربي المتجدد بالهند في سياق تعميق العلاقات الدفاعية مع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهي خطوة إشكالية بعض الشيء نظرا لاعتماد الهند التاريخي على موسكو للحصول على الأسلحة.

لقد زودت روسيا الهند بأسلحة تقدر قيمتها بنحو 13 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، مما يجعلها أكبر مشتر للأسلحة الروسية في العالم، وهي تشكل نحو 20 في المئة من سجل الطلبات الحالي لموسكو.

ولكن، بسبب تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا بشدة على قدرة موسكو على تسليم الأسلحة والمعدات، فإن القادة الغربيين يعتقدون أن لديهم فرصة لإنهاء اعتماد دلهي على الأسلحة الروسية من خلال تقديم فرصة للهنود للوصول إلى تكنولوجيا غربية أكثر تطورا. 

ويعتبر دفاع دلهي عن نفسها ضد التهديد العسكري الذي تشكله جارتها الصين هدفا استراتيجيا أساسيا. ومع ذلك، ستتأثر قدرة الهند على مواجهة التراكم العسكري الصيني بشكل كبير إذا لم تتمكن من الحصول على قطع الغيار وغيرها من المعدات التي تحتاجها للحفاظ على أسطولها من طائرات "سوخوي -30"، "وميغ – 29" الروسية الصنع. وهذا هو الوضع الحالي، إذ يكافح مصنّعو الأسلحة الروس لدعم الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا. وتنتظر الهند أيضا تسليم النظامين المتبقيين من أنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400 التي اشترتها الهند مقابل ما يقرب من 5.5 مليار دولار عام 2018.

يحاول مودي إجراء توازن دقيق لكن إذا أثبتت موسكو أنها غير قادرة على الحفاظ على دعمها العسكري للهند، فلن يكون أمام مودي خيار سوى تسريع ميل الهند الدبلوماسي نحو الغرب.

font change

مقالات ذات صلة