موجة جديدة من التعقيدات في سوريا

AFP
AFP

موجة جديدة من التعقيدات في سوريا

أدى الهجوم الإرهابي الذي وقع في أنقرة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، إلى موجة جديدة من العمليات العسكرية والأعمال الانتقامية من جانب تركيا في سوريا، فضلا عن تعقيدات جديدة بين حلفاء الناتو، تركيا والولايات المتحدة.

ووقع الهجوم في أنقرة قبل ساعات قليلة من افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان، حيث كان الرئيس أردوغان سيلقي خطاب الافتتاح التقليدي. واستهدف الهجوم مبنى وزارة الخارجية الذي يقع مقابل البرلمان مباشرة.

وفي مؤتمر صحافي عُقد بعد الهجوم، صرح هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، الذي كان رئيسا للاستخبارات طوال العقد الماضي قبل أن يتولى هذا المنصب قبل أشهر قليلة، أن منفذَي الهجوم جاءا من سوريا.

وتمكنت الشرطة التركية من التعرف على اسمي المنفذيْن وهويتيهما وانتماءاتهما، وأكدت أنهما عضوان في منظمة وحدات حماية الشعب الإرهابية/حزب العمال الكردستاني. وكحال كثير من مقاتلي حزب العمل الكردستاني، كان الجانيان من ضمن كوادر وحدات حماية الشعب في سوريا وتسللا إلى تركيا من هناك.

وأعلن فيدان في تصريحاته أن "كافة مرافق البنية التحتية ومنشآت الطاقة التابعة لحزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب، وخاصة في العراق وسوريا، باتت أهدافا مشروعة لقوات الأمن التركية". ووجه النصيحة للأطراف الثالثة بالابتعاد عن المنشآت والأفراد التابعين لحزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب.

منذ وقوع الهجوم الإرهابي، يقوم الجيش وقوات الأمن التركية بضرب أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في أجزاء من سوريا وشمال العراق باستخدام الطائرات والطائرات المسيرة والمدفعية والصواريخ

وكان لهذه النصيحة صدى خاصا؛ إذ إن هناك أكثر من طرف يؤيد وحدات حماية الشعب ويتعاطف معها، ولكن المقصود بالطرف الثالث هنا الولايات المتحدة بشكل خاص.

ومنذ وقوع الهجوم الإرهابي، يقوم الجيش وقوات الأمن التركية بضرب أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في أجزاء من سوريا وشمال العراق باستخدام الطائرات والطائرات المسيرة والمدفعية والصواريخ. 

وفي الواقع، لم يكن ما قاله فيدان جديدا؛ إذ إن قوات الأمن التركية تستهدف بالفعل وحدات حماية الشعب في سوريا والعراق، إلا أنها هذا المرة تجاوزت في استهدافها مقاتلي وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني والبنية التحتية، ففي عمليات مماثلة سابقة، اقتصرت تركيا في استهدافها على المناطق القريبة من الحدود السورية التركية، في حين أن أهدافها الآن موجودة في عمق الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب.

وكانت العمليات التركية مكثفة في مناطق متينا وهاكورك وغارا وقنديل وأسوس في شمال العراق، وفي المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب في سوريا من عين عيسى وتل رفاد إلى القامشلي وعامودا في شمال شرقي سوريا وصولا إلى الرقة.

وتُعتبر المنشآت النفطية من ضمن الأهداف التركية في المنطقة؛ إذ تقع جميع حقول النفط في سوريا تقريبا في شمال شرقي البلاد، وتخضع هذه المنطقة حاليا لسيطرة وحدات حماية الشعب، التي تبيع النفط المستخرج بأسعار منخفضة للغاية، تصل حتى 15 دولارا للبرميل الواحد. كما أنها تبيعه لجميع الجهات، بما في ذلك الأسد وجماعات المعارضة. وتُعتبر الأموال التي يُحصل عليها من خلال بيع النفط مصدر الدخل الأساسي لوحدات حماية الشعب، ويبدو أن تركيا عازمة على وقف هذا النشاط.

يُعتبر قيام تركيا بعملية برية جديدة في شمال سوريا أمرا غير محتمل، لكنه ليس مستبعدا تماما. وسيعتمد الأمر على الطريقة التي تتطور بها الأمور على أرض الواقع

وردّت وحدات حماية الشعب في بعض الأماكن. فشنّت هجوما صاروخيا على مناطق قواعد الجيش التركي في كلجبرين ودابق، ما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص.

ويُعتبر قيام تركيا بعملية برية جديدة في شمال سوريا أمرا غير محتمل، لكنه ليس مستبعدا تماما. وسيعتمد الأمر على الطريقة التي تتطور بها الأمور على أرض الواقع.

وفي المناطق التي تكثر فيها الجهات الفاعلة، يصبح خطر المواجهة أمرا محتما، كما حدث عندما تمكنت طائرة مقاتلة أميركية من إسقاط مسيّرة تركية في منطقة تل بيدر شمال مدينة الحسكة في شمال شرقي سوريا؛ حيث زعمت الولايات المتحدة أن المسيّرة اقتربت بشكل خطير من قاعدة يتمركز فيها نحو 900 جندي أميركي، وجرى إسقاطها بعد عدة تحذيرات. ولكن من الواضح أن الأميركيين كانوا على علم بأن المسيّرة كانت تابعة لتركيا.

Reuters
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحدث امام المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية في انقرة في 7 اكتوبر

وتحدث وزيرا الدفاع التركي والأميركي عبر الهاتف بعد تلك الحادثة. وجاء في البيان الصادر عن الجانب الأميركي بعد الحديث أن الوزيرين "أكدا التزامهما المشترك بهزيمة تنظيم "داعش". كما اعترف الوزير الأميركي بالمخاوف الأمنية المشروعة لتركيا". وكانت هناك أيضا دعوة إلى وقف التصعيد في شمال سوريا والالتزام الشديد ببروتوكولات منع الاشتباك والتواصل من خلال القنوات العسكرية القائمة. وجاءت صياغة البيان بطريقة دبلوماسية للغاية، وحملت الكثير من الدلالات.

لا يمكن لوحدات حماية الشعب، والتي لا بد أن تكون سعيدة للغاية بسبب المواجهة المباشرة بين تركيا والولايات المتحدة، إلا أن تتمنى حدوث المزيد من هذه المواجهات

قد تكون الضربة الأميركية للمسيّرة التركية ردا على دعوة هاكان فيدان للأطراف الثالثة بالتنحي جانبا. ويمكن أن يكون هذا الأمر ردة فعل لمرة واحدة أو يمكن أن يكون تغييرا في القواعد الأميركية للاشتباك. ولربما كانت تلك طريقة يُعلن بها الأميركيون وقوفهم هذه المرة مع حليفهم المحلي، وحدات حماية الشعب، وعدم سماحهم بتدمير شبكته.

وفي عام 2019، تعرض قرار الرئيس ترمب بسحب القوات الأميركية من مناطق العمليات التركية لانتقادات شديدة، بما في ذلك داخل الإدارة الأميركية والنظام.

وأعلنت الولايات المتحدة مرارا أن أولويتها في سوريا هي محاربة داعش. لكن المعضلة هنا تكمن في كون وحدات حماية الشعب حليفا وشريكا محليا لها، على الرغم من كونها امتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا؛ إذ تستخدم الولايات المتحدة منظمة إرهابية لمحاربة منظمة أخرى، وذلك على حساب علاقاتها مع حليفها وشريكها الاستراتيجي منذ زمن طويل. وتصر الولايات المتحدة، التي تعترف بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، على أن وحدات حماية الشعب ليست جزءا من حزب العمال الكردستاني، في حين أنها تعرف جيدا أنها كذلك.

وأدانت الولايات المتحدة الهجوم الإرهابي في أنقرة، لكنها غير راضية عن العمليات التركية ضد وحدات حماية الشعب، في المناطق التي أتى الجناة منها.
واقترحت تركيا على الولايات المتحدة التعاون معها في القتال ضد داعش، ودعتها إلى التوقف عن التعاون مع وحدات حماية الشعب، التي تقوم ببناء نظامها الخاص تحت غطاء الدعم الأميركي لها ضد داعش. إلا أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتحرك على ضوء الاقتراح التركي لعدة أسباب، بما في ذلك الدوافع والجوانب الجيوسياسية الأوسع. وسلطت حادثة الطائرة المسيّرة الضوء على الافتقار إلى قنوات اتصال فعالة بين الحليفين، سواء بين الجيشين أو بين السياسيين. 
 

قد تكون الضربة الأميركية للمسيّرة التركية ردا على دعوة هاكان فيدان للأطراف الثالثة بالتنحي جانبا. ويمكن أن يكون هذا الأمر ردة فعل لمرة واحدة أو يمكن أن يكون تغييرا في القواعد الأميركية للاشتباك

وهناك أيضا عنصر مهم آخر يتمثل في المنهجيات المختلفة داخل النظام الأميركي؛ إذ تدعم القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط، بشدة، التعاون مع وحدات حماية الشعب، في حين ترى أجزاء أخرى من النظام الأميركي أن عزل تركيا لن يكون جيدا من منظور جيواستراتيجي شامل.

Reuters
ساحة الانفجار في اسطنبول في الاول من اكتوبر

ولا يمكن لوحدات حماية الشعب، والتي لا بد أن تكون سعيدة للغاية بسبب هذه المواجهة المباشرة بين تركيا والولايات المتحدة، إلا أن تتمنى حدوث المزيد من هذه المواجهات.

وفي اليوم نفسه، أدى هجوم آخر بطائرة مسيّرة أثناء حفل تخريج لضباط من الجيش السوري في حمص إلى مقتل وجرح العشرات، مما أدى إلى زيادة التوتر.

وحُمّلت قوات المعارضة السورية المسؤولية عن هذا الهجوم، دون توجيه الاتهام إلى جهة محددة. أما نظام بشار الأسد فوجه الاتهام إلى تركيا بالضلوع في الهجوم، لكن الجانب التركي لم يعلق على الموضوع.

وتسير قوات الأسد على طريق الانتقام، إذ بدأت تمطر كافة المناطق في إدلب وشمال حلب بالصواريخ والمدفعية والغارات الجوية. وتحدثت التقارير عن مقتل العشرات من المدنيين. كما أن إدلب، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، منطقة هشة للغاية، حيث بدأ يلوح في الأفق خطر وصول مئات آلاف اللاجئين إلى تركيا.

وفي غضون ذلك، تظل روسيا هادئة بالنسبة لهذه التطورات ولكنها نشطة في أوكرانيا؛ ففي اليوم نفسه، استهدفت الصواريخ الروسية قرية في منطقة خاركيف، حيث قُتل أكثر من 50 مدنيا كانوا يشاركون في جنازة.

ربما لا تكون روسيا سعيدة بالموجة الجديدة من العمليات التركية في سوريا، لكنها لن تمانع في تصعيد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة

وربما لا تكون روسيا سعيدة بالموجة الجديدة من العمليات التركية في سوريا، لكنها لن تمانع في تصعيد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة. وعلينا الانتظار لرؤية الطريقة التي ستنتهي بها هذه الأزمة.

أما فيما يتعلق بإمكانية تحقيق هدوء مستدام طويل الأمد، فمن الناحية النظرية، يمكن تحقيق ذلك عندما تستعيد الحكومة السورية السيطرة على البلاد، وتفكك جميع الجماعات المسلحة، وتنسحب جميع القوات الأجنبية، ويتم التوصل إلى اتفاق سلام يشمل جميع السوريين.

ولكن الطريقة التي اختارها الأسد لمعالجة الأزمة في سوريا، ومشاركة مختلف الجهات الدولية التي تمتلك أجندات وأولويات متضاربة في الأغلب، لا تبعث الكثير من الأمل. وفي ظل الظروف الحالية على الأقل، فإنه من المتوقع أن يكون القادم أسوأ.

font change