ورقة التوت الأوروبية

ورقة التوت الأوروبية

في بداية الحرب على غزة، أكد زعماء الاتحاد الأوروبي إدانتهم لهجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وهو التأكيد المعتاد الذي يُمثّل لدول الاتحاد الأوروبي، ورقة التوت التي تستر سوءاتهم. وبعد اقتناع الاتحاد الأوربي، بكثير من الجهد، البعيد عن الواقع، أن ورقة التوت ما زالتْ تعمل عملها، ولم تسقط بعد، ليُعرب عن بالغ قلقه إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة، ويشدّد على ضرورة وصول المساعدات للفلسطينيين، ويغفل موت الأطفال الرضع في حضانات المستشفيات، بسبب توقف المولدات الكهربائية، حتى لا تُتَّهم إسرائيل بجرائم حرب، شبيهة بجرائم أفران الغاز النازية ضد اليهود في أربعينات القرن الماضي.

انقسمت أوروبا في الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار. صوّتت دول مثل إسبانيا وأيرلندا وفرنسا لصالح قرار وقف إطلاق النار في غزة، وامتنعت دول مثل ألمانيا وإيطاليا عن التصويت، بينما صوّتت النمسا والمجر ضد قرار وقف إطلاق النار. كان يُنظَر إلى أوروبا ككل، باعتبارها تسعى إلى إيجاد نهج متوازن في التعامل مع إسرائيل وفلسطين، لكن انخراطها في نقاشات لا نهاية لها، يعني أن أوروبا غير قادرة على أخذ موقف متوازن بين إسرائيل وفلسطين، فهي لا تتمتع بالنفوذ الذي تتمتع به واشنطن على إسرائيل، كما أنها تميل في الباطن لكفة إسرائيل، حتى مع حرمانها نظرة عرفان إسرائيلية.

اكتشفت أوروبا الآن في حرب غزة، أنها مهمشة، وأن أوراق الحرب الفعلية في يد الولايات المتحدة، وحليفتها إسرائيل، مع أن المظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني، والتي اجتاحت العواصم الأوروبية، تضع القادة الأوروبيين في موضع حرج

اكتشفت أوروبا الآن في حرب غزة، أنها مهمشة، وأن أوراق الحرب الفعلية في يد الولايات المتحدة، وحليفتها إسرائيل، مع أن المظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني، والتي اجتاحت العواصم الأوروبية، تضع القادة الأوروبيين في موضع حرج، وكأنهم يملكون نفوذا يعادل النفوذ الأميركي، لوقف الحرب العرقية على الفلسطينيين.  

خرج المفوض الأوروبي لشؤون التوسع والجوار المجري أوليفر فارهيلي بعد بدء الحرب على غزة، وأعلن عن تعليق فوري للمساعدات المقدمة لفلسطين، مما اضطر كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى محاولة السيطرة على تصريحات فارهيلي، مصرا على أن المساعدات لن تتوقف، ومضيفا بأنه ستكون هناك مُراجعة للتأكد من عدم وصول المساعدات لحماس، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان واثقا أن المساعدات الشحيحة تصل بالكاد إلى المدنيين.  

ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي يقوم فيها بوريل بنوع من تقليل الأضرار، فهذه رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي نفسها، ورئيسته، أورسولا فون دير لاين، تتعرض لانتقادات بعد أن قامتْ برحلة، غير مقررة على جدول الأعمال، إلى إسرائيل في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، فشعر البعض بالغضب، لأنها قدمتْ دعما لا لبس فيه لإسرائيل، وفشلتْ في حث إسرائيل على اتباع القانون الدولي في غزة. وقال بوريل بعد فترة وجيزة من زيارة أورسولا لإسرائيل: يتم تحديد الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي بشأن أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية من خلال المبادئ التوجيهية، مُضيفا أن السياسة الخارجية يقررها زعماء الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي.  

توبيخ جوزيف بوريل لأورسولا رئيسته، يعني أنها لا تتحدث باسم الكتلة الأوروبية. علامات الانقسام والضعف تكشفت بصورة أوضح في حرب غزة، وأصبح الاتحاد الأوروبي عاجزا عن الإجماع على رأي واحد، قوي، ومؤثر، أو على الأقل إخفاء فضائح الانقسامات التي تُعجل بمزيد من تهميش النفوذ الأوروبي في الصراع.  

وعلى الرغم من أن أوروبا لم تتمتع يوما بنفوذ الولايات المتحدة في قضايا عالمية، ومنها قضايا الشرق الأوسط، إلا أنها سبقت الولايات المتحدة تاريخيا بالاعتراف بالحق الفلسطيني في تقرير المصير. وتعدّ أوروبا من أكبر المانحين الدوليين للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وقد اشترطت المحاكم الأوروبية وضع علامات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية عند بيعها في الأراضي الأوروبية، إشارة إلى أنها منتجات دولة محتلة للأراضي الفلسطينية، لكنها لم تستخدم قط العقوبات ضد دولة إسرائيل، وهي أقوى أداة للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لوقف توسع المستوطنات الإسرائيلية.  

على الرغم من أن أوروبا لم تتمتع يوما بنفوذ الولايات المتحدة في قضايا عالمية، ومنها قضايا الشرق الأوسط، إلا أنها سبقت الولايات المتحدة تاريخيا بالاعتراف بالحق الفلسطيني في تقرير المصير

ومع هذا ترى إسرائيل أن أوروبا المتردّدة، العاجزة، شديدة التعاطف مع القضية الفلسطينية. وقبل سقوط الاتحاد السوفييتي، كانت كتلة الدول التابعة له مثل المجر وتشيكوسلوفاكيا، تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، ومع انهياره، اختل توازن القوى، وأصبحت إسرائيل أجرأ بحماية الولايات المتحدة، وتحولت المجر وتشيكوسلوفاكيا ودول أخرى إلى تأييد أعمى لدولة الإحتلال الإسرائيلية.  

تواجه أوروبا، مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين في غزة، صعوبة الرد على الوحشية الإسرائيلية. تتأثر أوروبا، بقلة حيلتها، أمام مواطنيها، فهي مثل المتفرج الذي يتأذى من منظر دماء الضحايا، لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا. بينما تتجه الولايات المتحدة إلى مواطنيها بخطاب زائف عن انخراطها في محادثات لوقف إطلاق النار في غزة، وفي الوقت نفسه تقدم لإسرائيل مساعدات عسكرية إضافية، عبارة عن قنابل ذكية، أكثر دقة، وفتكا، ودمارا.    

font change