نقل مباشر للجريمة

نقل مباشر للجريمة

مئة يوم ونيف على انطلاق المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الأسد في محافظة السويداء، أكثر من 12 عاما على انطلاق الثورة السورية. الثورة التي انطلقت أيضا من الجنوب السوري بمظاهرات سلمية مطالبة بالحرية والإصلاح. وما كان من النظام السوري إلا أن رد عليها بالرصاص والاعتقال والتعذيب.

استمرت المظاهرات السلمية شهورا عديدة، وامتدت إلى معظم المدن والقرى السورية، كان النشاط المدني للشباب السوري يملأ ساحات سوريا، إضرابات واعتصامات، هتافات وأغانٍ، لكن نظام الأسد أصر من اللحظة الأولى لانطلاق المظاهرة الأولى أن ما يحصل هو مؤامرة تستهدف "سوريا الأسد" بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، فالمتظاهرون ليسوا سوى عملاء وخونة أو إرهابيين من وجهة نظر النظام.

تلى المظاهرات بدء حالات الانشقاق عن الجيش السوري، رفض المنشقون إطلاق الرصاص وقتل المتظاهرين المطالبين بالحرية والعدالة للجميع. كانت بيانات الانشقاق تدعو عناصر الجيش للانشقاق عن نظام الأسد وحماية المتظاهرين، كبرت كرة النار، جلب النظام مرتزقة "حزب الله" من لبنان ومرتزقة أفغانا وعراقيين، أصبحت الميليشيات التابعة لإيران جنبا إلى جنب، بل أحيانا كثيرة في الصفوف الأولى، لقتل السوريين وتهجيرهم.

ارتكبت المجازر بحق المدنيين. بحق النساء والأطفال والشيوخ بالسلاح الأبيض. تم ذبح السوريين أمام عدسات الكاميرات. كان النظام يوثق جريمته وكأنه واثق من أن أحدا لن يحاسبه، وبعد آلاف الضحايا وملايين المهجرين انتقلت الثورة السورية إلى مرحلة السلاح، ومن السلاح لحماية المتظاهرين إلى السلاح لإسقاط النظام، ومن ثم إلى سلاح تحرير سوريا من المحتل الإيراني بداية، ولاحقا الإيراني والروسي. ومع فشل كل المسارات السياسية السلمية وعسكرة الثورة، ومع الخلافات بين داعمي الثورة، انتقل جزء كبير من السلاح من كونه سلاحا من أجل الثورة إلى سلاح في خدمة أهداف إقليمية ودولية. وهذا حديث طويل يجب أن يحكيه من عاش تفاصيله يوما ما. لأن ما حصل حينها وما نتج عنه من آثار نعيشها اليوم، هو ملك للسوريين، جميع السوريين.
خمسون يوما ونيف، على قيام "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، العملية التي برهنت على فشل الاستخبارات الإسرائيلية وشكلت صفعة لن تمحى بتاريخ إسرائيل. جاء الرد الإسرائيلي سريعا، حرب همجية على غزة، حرب أقل ما يقال عنها إنها إرهابية، وتحت ذريعة محاربة "حماس"، دمرت إسرائيل معظم غزة وسوتها بالأرض، قتلت عشرات آلاف المدنيين، آلاف الأطفال قضوا نتيجة إرهاب إسرائيل، حتى صار البعض يطلق عليها حرب إسرائيل على أطفال غزة، ملايين المهجرين داخل قطاع غزة، لم تنجو من همجية الحرب لا المستشفيات ولا مدارس النازحين، كل شيء متحرك أو ثابت هو هدف للجنون الإسرائيلي. 
ولكن لا الجنون الإسرائيلي مستغرب ولا إرهاب إسرائيل وجرائمها ضد المدنيين بالأمر الجديد، فقط السذج أو الجاهلون هم من يتفاجأون اليوم من قدرة إسرائيل على القتل والتدمير، فقط هؤلاء من يصدمهم أن العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة لن يتدخل ليمنع إسرائيل من الاستمرار بالتعبير عن غضبها من 7 أكتوبر/تشرين الأول، ومن ارتكاب المجازر بذريعة ما حصل في 7 أكتوبر.

السؤال الذي يجب أن يطرح: هل حقق السلاح للفلسطينيين ما حققته انتفاضة الحجارة؟ وهل حقق السلاح للسوريين ما حققته حناجر المتظاهرين؟

يصر البعض على مقارنة مارس/آذار 2011 وانطلاق الثورة السورية بـ7 أكتوبر وعملية طوفان الأقصى، رغم أن الأمرين مختلفان بشكل شبه كامل، وإن كان الحق في الحرية والتحرر من العدو والاستبداد من الحقوق الأساسية للإنسان، أي إنسان، وإن كان لا شيء يشبه حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل إلا حجم الجرائم التي ارتكبها بشار الأسد ومعه الميليشيات الإيرانية، ولا زالوا يرتكبونها حتى هذه اللحظة، وإن كان لا مفاضلة بين قاتل وقاتل، وإرهابي وآخر، وضحية وأخرى، ولكن من المؤكد أن صور المعتقلين الفلسطينيين يخرجون من سجون الاحتلال بصفقات التبادل شكلت غصة كبيرة للسوريين، فمعتقلوهم لم يخرجوا سوى جثث مشوهة من التعذيب ولم يتعرفوا عليهم إلا من خلال صور وفيديوهات مسربة.
وبالعودة إلى المقارنة، فثورة انطلقت بمظاهرات سلمية واستمرت لشهور عديدة لا يمكن مقارنتها بعملية عسكرية قام بها فصيل تابع لحكومة "حماس" في غزة، لا يمكن تحميل الشعب السوري الثائر مسؤولية ما حل بسوريا والسوريين لأنه طالب بالحرية والعدالة للجميع فردت "الدولة" التي من أول واجباتها حماية مواطنيها بقتلهم وتهجيرهم وتدمير سوريا وتاريخها ومستقبلها، بحكومة مسؤوليتها تأمين الحد الأدنى من الصمود لشعبها، تخلت عن كل مسؤولياتها وقامت بعمل عسكري وتركت المدنيين لمصيرهم.
اليوم نسمع الأصوات الآتية من غزة، نسمع أنينهم، ومع ذلك يصر بعض "المتحمسين والحمساويين" على تخوين كل صوت يحاول أن يعلو قليلا فوق صوت المعركة.
في الواقع، المقارنة الوحيدة التي يجب أن تحصل، والسؤال الذي يجب أن يطرح: هل حقق السلاح للفلسطينيين ما حققته انتفاضة الحجارة؟ وهل حقق السلاح للسوريين ما حققته حناجر المتظاهرين؟ وإن كان يبدو أن المتظاهرين في السويداء يعرفون إجابته، بينما لا أملك إجابة حاسمة حتى اللحظة عن هذا السؤال،  ولكن الأكيد أنني أزداد قناعة كل يوم بأنه السؤال الأول الذي يجب أن يطرح، يطرح بجرأة وشفافية من قبل الجميع، دون تخوين وتهديد وتكفير.

font change