لقطات من جحيم الشرق العربي

لقطات من جحيم الشرق العربي

بينما ينشغل الجميع بالحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، ترتفع وتيرة الهجمة على الأردن الذي بات يقع بين كفي كماشة أطماع إيران وإسرائيل في أرضه، وإن اختلفت هذه الأطماع وغاياتها.

منذ بادر الملك الأردني عبدالله الثاني إلى الانفتاح على النظام السوري ظنا منه أن هذا الانفتاح وإعادة العلاقات مع الرئيس بشار الأسد قد تخفف من الهجمة الإيرانية عبر ميليشياتها في سوريا وبالشراكة مع نظام الأسد على الأردن وأمنه واستقراره، جاءت النتيجة معاكسة؛ ارتفعت وتيرة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن كما ترافقت عمليات التهريب مع تهريب أسلحة وذخائر ومتفجرات، فباتت القوات الأردنية على الحدود بين سوريا والأردن في حالة استنفار تام ومستمر، وبات الجيش الأردني في حالة حرب مع مجهول معلوم. حرب لا تلقى الاهتمام الكافي، ويتجاهل البعض خطرها الاستراتيجي، لا على الأردن فحسب، بل على دول المنطقة التي سقطت وتسقط واحدة تلو الأخرى، في فلك الاحتلال الإيراني، المقنع تارة والصريح لدرجة الوقاحة تارة أخرى.

سنوات والجميع يدرك الخطر الإيراني على دول المنطقة، ومع ذلك لم يتم التصدي لهذا الخطر كما يجب، بل ترك يتمدد، لم يضع أحد استراتيجية موحدة بالحد الأدنى لمواجهة هيمنة إيران على الدول العربية، فباتت الدول تسقط تباعا تحت النفوذ الفارسي، وصار المسؤولون الإيرانيون يتباهون بسيطرتهم على العواصم العربية واحدة تلو الأخرى.

لكي يتمكن نتنياهو من ابتلاع فلسطين لا بد من تهجير الفلسطينيين، لن يتمكن من قتلهم جميعا، لم تتمكن إيران والأسد من قتل جميع السوريين فهجّرا أكثر من نصف الشعب السوري

لم يبدأ مشروع الاحتلال الإيراني مع سقوط بغداد، ولا بدأ مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وتأسيس "حزب الله"، بل كان جزءا أساسيا وحجر أساس من سياسة إيران منذ لحظة سيطرة نظام الولي الفقيه على السلطة في طهران. سموا المشروع يومها "تصدير الثورة" ولم يقصدوا سوى تصدير نفوذهم.
في سوريا التي باتت مستعمرة إيرانية، ظن البعض أن التدخل العسكري الروسي ضد الثورة السورية سيحد من هيمنة إيران، وها هي النتيجة أمام أعين الجميع، وها هي المناطق التي وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دولا عربية وغير عربية بأنها ستكون خالية من أي نفوذ للميليشيات الإيرانية، تصبح نقطة انطلاق لحرب إيران المقنعة على استقرار الأردن وغير الأردن، ويصبح الأمن القومي لدول عدة تحت رحمة ميليشيات إيران بالشراكة مع نظام الأسد.
لا يمكن النظر إلى الوضع السياسي دون النظر إلى الخريطة الجغرافية، فبينما تشن الميليشيات الإيرانية هجماتها العدوانية على الأردن، ها هي ميليشيات الحوثي تهدد الملاحة العالمية في البحر الأحمر وتشن هجماتها، ودائما باسم القضية الفلسطينية، وفلسطين منهم براء.
قبيل عملية "طوفان الأقصى" وإعلان إسرائيل حربها الهمجية على الفلسطينيين، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، حول آفاق وآثار التطبيع والسلام مع الدول العربية، ودوره في تغيير الشرق الأوسط، وحمل خريطة ابتلع فيها نتنياهو فلسطين بالكامل. لا وجود لدولة فلسطينية في خريطة نتنياهو.
ولكي يتمكن نتنياهو من ابتلاع فلسطين لا بد من تهجير الفلسطينيين، لن يتمكن من قتلهم جميعا، لم تتمكن إيران والأسد من قتل جميع السوريين، فهجّرا أكثر من نصف الشعب السوري، وحق العودة للفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم منذ 75 عاما ترفضه إسرائيل، كما يرفض بشار الأسد حق عودة السوريين الذين اقتلعهم مع إيران وميليشياتها من أرضهم منذ 12 عاما.

حجر الأساس الأول في التصدي لمشروع إيران التوسعي يجب أن يكون بإقامة دولة فلسطينية، لا لسحب ذريعة فلسطين من إيران وميليشياتها فحسب، بل لأن الحق يقتضي إقامة دولة فلسطين

يقف الأردن ومعه مصر وباقي الدول العربية في وجه تهجير الفلسطينيين، وتنشغل الولايات المتحدة الأميركية بضمان أمن حليفها الإسرائيلي، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي رفعت الحوثيين من قوائم الإرهاب لحظة وصول بايدن إلى البيت الأبيض يوم كان الحوثي يشن هجماته الإرهابية على السعودية، تسعى اليوم إلى تشكيل تحالف دولي للتصدّي للهجمات التي يشنّها الحوثيون على سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.
الأردن ليس نهاية الأطماع الإيرانية في بلاد العرب، ومصر ليست بعيدة عن هذه الأطماع... كحائكي السجاد الإيراني يعمل ساسة إيران، ولا يجب أن ننسى خلية "سامي شهاب" التي كشفت في مصر قبل سنوات.
أطماع إسرائيل معروفة للجميع، وأطماع إيران أخطر، إيران تستغل الدين لتتغلغل داخل المجتمعات ولتقوم بتوظيف الشباب لصالح مشروعها باسم الطائفة مرة وباسم فلسطين مرات، والطائفة وفلسطين براء من أطماع طهران.
حجر الأساس الأول في التصدي لمشروع إيران التوسعي يجب أن يكون بإقامة دولة فلسطينية، لا لسحب ذريعة فلسطين من إيران وميليشياتها فحسب، بل لأن الحق يقتضي إقامة دولة فلسطين.
ووضع استراتيجية عربية واضحة وصريحة للتصدي لهذا الاحتلال المقنع، "حماية الأمن العربي الجماعي" هو ما نص عليه إعلان الرياض 2007، وهو ما يجب تفعيله، خصوصا بين الدول المستهدفة من العدوين، وإلا سنستمر في التساقط كأحجار الدومينو.

font change