مخيم خان يونس... رد مصري على "التهجير الطوعي"

يقع المخيم في الشطر الغربي من خان يونس وسيؤوي آلاف العائلات النازحة من شمال ووسط غزة

AFP
AFP

مخيم خان يونس... رد مصري على "التهجير الطوعي"

يعكف عمال الهلال الأحمر المصري، وهي المنظمة الإغاثية الإنسانية الكبرى في مصر، حاليا، على تشييد مخيم إنساني كبير للاجئين في مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة. ويقع المخيم في الشطر الغربي من المدينة وسيؤوي آلاف العائلات النازحة من شمال ووسط غزة إلى الجزء الجنوبي من الأراضي الفلسطينية التي مزقتها الحرب.

وقد اكتملت الآن المرحلة الأولى من المخيم، وتشتمل على 300 خيمة ستستوعب ما يصل إلى 1500 شخص، ويسابق عمال الهلال الأحمر الزمن لنصب مئات الخيام الأخرى؛ إذ من المقرر أن يستوعب المخيم أكثر من 6000 نازح من سكان غزة.

ويبدو أن المخيم هو رد مصر على خطة إسرائيل الهادفة لدفع سكان غزة الذين يزيد عددهم على 2.3 مليون نسمة إلى مغادرة القطاع الساحلي طوعا، والتوجه إلى الخارج بما في ذلك إلى سيناء، المنطقة الشمالية الشرقية المصرية التي تشترك في الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة.

ولإخلاء غزة من سكانها، تقصف إسرائيل كل ما له قيمة في المنطقة التي تبلغ مساحتها 45 كيلومترا مربعا: المنازل والمستشفيات والمدارس والمؤسسات الحكومية والمساجد والكنائس.

وقد اضطر ما يقرب من 90 في المئة من سكان الأجزاء الشمالية والوسطى من القطاع إلى الفرار بحثا عن الأمان إلى الجزء الجنوبي، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود المصرية، مع أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة حتى في هذه المنطقة تقتل كثيرا منهم وتذكرهم بأن لا مكان آمن في غزة.

سيكون نزوح سكان غزة إلى سيناء أمرا كارثيا على مصر في كثير من النواحي، أهمها أنه يعرض للخطر مصير هذا الجزء من مصر، الذي يشكل ما يقرب من 6 في المئة من إجمالي مساحة مصر.

المراقبة عن كثب

ظلت مصر تراقب عن كثب تطورات مأساة غزة منذ بدايتها، وهي تدرك ما للعملية الإسرائيلية في القطاع من عواقب خطيرة عليها. كما أن هذا الصراع الآخذ في التحول إلى مواجهة إقليمية بين إسرائيل من جهة والجماعات الداعمة للفصائل في غزة من جهة أخرى ينذر بعواقب مدمرة على الاقتصاد المصري.

وتضيف خطة إسرائيل لإخلاء غزة من سكانها، التي أفصحت عنها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة وكذلك المراسلات السرية بين تل أبيب والعواصم الغربية، تضيف لهذه الحرب بعدا آخر يمس مباشرة بالأمن القومي لمصر.

اقرأ أيضا: اغتيال العاروري... الحسابات "الخطيرة" لإسرائيل وإيران وأميركا

وسيكون نزوح سكان غزة إلى سيناء أمرا كارثيا على مصر في كثير من النواحي، أهمها أنه يعرض للخطر مصير هذا الجزء، الذي يشكل ما يقرب من 6 في المئة من إجمالي مساحة مصر. فما إن يعاد توطين الفلسطينيين في سيناء حتى تشن الفصائل الفلسطينية هجماتها على إسرائيل انطلاقا من هذه الأراضي المصرية. وقد أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكتوبر/تشرين الأول الفائت عن قلقه من أن يؤدي ذلك إلى تعريض معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية للخطر.

كما تخشى مصر من أن تؤدي إعادة توطين سكان غزة في سيناء إلى إحياء التشدد الإسلامي فيها، الأمر الذي قد يدمر المكاسب التي حققتها هذه الدولة العربية في حربها على فرع من تنظيم "داعش" في سيناء حتى الآن.

وستكون هذه الجماعات الإسلامية، بعد أن تحصل على قبلة الحياة في سيناء، قادرة بسهولة على تهديد الملاحة في قناة السويس، وهي الممر البحري الذي يشكل أهمية حيوية للتجارة العالمية وللاقتصاد المصري.

الرد السياسي والدبلوماسي المصري على خطة إسرائيل لتهجير السكان في غزة تشابك مع تهديدات عسكرية غير مباشرة.

الرفض القاطع

تحاول مصر حشد الدبلوماسية الدولية ضد تهجير سكان غزة؛ فالرئيس المصري يثير قضية التهجير هذه مع كل مسؤول حكومي دولي يلتقيه سواء في القاهرة أو خارجها، ويبدو أنه نجح في بناء توافق بين هؤلاء المسؤولين ضد هذا التهجير.

وتحدث كثير من المسؤولين الغربيين ضد هذا التهجير، ومن بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس.

كما أن الرد السياسي والدبلوماسي المصري على خطة إسرائيل لتهجير السكان في غزة تشابك مع تهديدات عسكرية غير مباشرة؛ إذ أظهر عرض كبير للفرقة المدرعة الرابعة من الجيش المصري بالقرب من قناة السويس أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي الاستعداد القتالي العالي للجيش المصري، خاصة لدى هذه الفرقة المتمركزة على بعد كيلومترات فقط من سيناء.

Reuters
منزل تضرر في غارة إسرائيلية في رفح، جنوب قطاع غزة، 5 يناير، 2024

كما سلط وزير الدفاع المصري بعد شهر من ذلك الضوء على الطبيعة المحفوفة بالمخاطر للتطورات في غزة وتأثيراتها على الأمن القومي المصري. ووصف التصعيد في غزة بأنه "غير محسوب". وقد جاءت تصريحات قائد الجيش خلال افتتاح معرض إيديكس، وهو أكبر معرض للأسلحة في مصر، حيث عرض مصنعو أسلحة محليون تشكيلة واسعة من الأسلحة محلية الصنع.

ثمة أمل في القاهرة في أن يكون نجاح المخيم في توفير إقامة مؤقتة آمنة لسكان غزة حتى نهاية العمليات العسكرية الإسرائيلية عاملا يشجع الدول الأخرى على إنشاء مخيمات لسكان القطاع المحاصر.

نموذج ملهم

لا بد من أن مصر قد نسقت مع إسرائيل مسألة إنشاء المخيم الإنساني للاجئين الذي أقيم غربي خان يونس. ويقول الهلال الأحمر المصري إنه سيكون مسؤولا عن تزويد الأشخاص الذين سيلجأون إلى المخيم بكل الضروريات.

وقال الدكتور خالد سيد، رئيس الهلال الأحمر المصري في شمال سيناء لـ"المجلة": "سنقوم بتوفير الغذاء والماء والأدوية التي يحتاجها الأشخاص القادمون للعيش في المخيم".

 وبيّن الدكتور خالد أن النازحين من شمال ووسط غزة بدأوا بالفعل بالتوافد إلى المخيم الجديد، وهو أول مخيم منظم يقام في غزة منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على القطاع.

وكان الهلال الأحمر المصري قد شرع بتنسيق إدخال مساعدات الإغاثة الإنسانية من مصر إلى غزة منذ بدء الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وفي هذه الأثناء ثمة أمل في القاهرة في أن يكون نجاح المخيم في توفير إقامة مؤقتة آمنة لسكان غزة حتى نهاية العمليات العسكرية الإسرائيلية عاملا يشجع الدول الأخرى على إنشاء مخيمات خاصة بها لسكان القطاع المحاصر.

اقرأ أيضا: تعذيب وإهانات... شهادات أطفال فلسطينيين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي في غزة

ويقول مراقبون في القاهرة إن وجود مخيمات مماثلة يحصل فيها غالبية سكان غزة على السكن والحماية من برد الشتاء القارس، ومن جوع العراء وعطشه الشديدين، سيفسد المخططات الإسرائيلية في إخافتهم وإبعادهم عن القطاع.

ترى القاهرة أنها بإنشاء مخيم للاجئين، إنما تتخذ خطوة فعالة في التصدي لخطط إسرائيل لتهجير السكان.

وضوح التوجيه

منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة أوائل أكتوبر/تشرين الأول الفائت ومصر تحاول تجنب أزمة اللاجئين على حدودها؛ فاقترح السيسي على إسرائيل في الشهر نفسه نقل سكان غزة إلى النقب حتى نهاية العمليات العسكرية الإسرائيلية. كما ظلت مصر تسعى إلى إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الفلسطينية. ونجحت القاهرة في هذه الأثناء في حشد المجتمع الدولي لدعم إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

إلا أن هذا الجهد يواجه قيودا تضعها إسرائيل على دخول المساعدات، مما يؤدي إلى وضع لا تصل فيه سوى 10 في المئة فقط من المساعدات التي يحتاج إليها سكان القطاع وفقا لتقرير الهلال الأحمر الفلسطيني.

وترى القاهرة أنها بإنشاء مخيم اللاجئين هذا، إنما تتخذ خطوة فعالة في التصدي لخطط إسرائيل لتهجير السكان.

وقال عماد جاد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية المصري لـ"المجلة": "تحاول إسرائيل فرض وضع قائم بإجبارها سكان غزة على المغادرة إلى سيناء".

وقد نصح السيسي سكان غزة مرارا بالبقاء في أماكنهم وعدم مغادرة أراضيهم. وقال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن سكان غزة إذا غادروها فلن يعودوا إليها، وهو ما سيصفي القضية الفلسطينية برمتها.

وجاء موقف إسرائيل من عودة الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم في شمال ووسط غزة بسبب القصف الإسرائيلي ليثبت صحة تقديرات الرئيس المصري. كما أنه يعتقد أيضا أن إخلاء غزة من سكانها ستتبعه خطوة مماثلة في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما سيقضي على أحلام الدولة الفلسطينية إلى الأبد.

إلا أن مصر قد تجد صعوبة في استدامة تقديم الدعم لمن سيتدفقون إلى مخيم اللاجئين في خان يونس، ولا سيما إذا أخذنا بالحسبان الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها هذه الدولة العربية المكتظة بالسكان وأزمتها المالية المتصاعدة.

وبصرف النظر عما تلحقه أزمة غزة من آثار سلبية على الاقتصاد المصري، تأتي هذه الأزمة في وقت تكافح فيه مصر اقتصاديا للبقاء على قدميها.

كما أن إسرائيل، صاحبة الكلمة الأخيرة في كمية المساعدات التي تدخل غزة، قد تعرقل أيضا الجهود المصرية لدعم من سيهربون بحثا عن الأمان في المخيم.

ويقول محللون إن هذا يفسر لِمَ تحتاج مساعي مصر لمنع تهجير سكان غزة إلى دعم عربي ودولي حتى تنجح. فقد قال جاد: "على الدول العربية أن تمد يد العون لمصر وهي تسعى للتصدي لخطة إسرائيل لتهجير السكان". وأضاف: "وعلى الولايات المتحدة أيضا تقديم الدعم، لما تتمتع به من نفوذ على عملية صنع القرار في تل أبيب".

font change

مقالات ذات صلة