"الهامور ح.ع" ومشكلة الفيلم السعودي المعاصر

يستنسخ تجربة غربية ولا يستلهمها

"الهامور ح.ع" ومشكلة الفيلم السعودي المعاصر

إن صناعة السينما في السعودية في آخر السنوات تتلقى دعما أكثر مما حلم فيه صنّاعها منذ فترة طويلة. هناك استثمار مؤسسي واضح في السينما ومنصات متوفرة لعرض هذه الأفلام سواء كان ذلك في المهرجانات المحلية أو صالات السينما. وحتى إن لم يحالف صانع الفيلم الحظ ويُعرض فيلمه لفترة طويلة في السينما أو يلقى نجاحا باهرا في أحد المهرجانات، فإن منصة "نتفليكس" على الأغلب سوف تستقبل هذه الأفلام بصدر رحب وتعرضها على الصفحة الرئيسة. بقدر ما كان يشتكي صنّاع الأفلام من صعوبة عملية صناعة أي فيلم، فالحقيقة التي لا بد من مواجهتها حاليا أن صناعة الأفلام في السعودية من ناحية حرية المحتوى والدعم المادي وسهولة الوصول للجمهور أسهل من أي وقت مضى. ذلك لا يعني أن العقبات تلاشت كليا، لكنه يعني أنه مع انخفاض حواجز الدخول، فإن للجمهور كامل الحق في رفع سقف التوقعات.

يأتي فيلم "الهامور ح.ع" كآخر الإضافات إلى السينما السعودية، فبعدما تم عرضه في صالات السينما السعودية وحقق إيرادات تجاوزت الـ 200 ألف تذكرة، يتم عرضه حاليا على منصة "نتفليكس". يقتبس الفيلم قصة حقيقية حصلت في العقد الأول من الألفية لحارس أمن يستغل انجراف المجتمع خلف سوق الأسهم ليجمع ثروة ضخمة من طريق مساهمة "بطاقات سوا". الفيلم من إخراج عبد الإله القرشي وتأليف هاني كعدور وبطولة فهد القحطاني وخالد يسلم وإسماعيل الحسن وعلي الشريف وفاطمة البنوي وخيرية أبو لبن.

ليس من المبالغة القول بأن فيلم "الهامور ح.ع" يجسد كل مشاكل السينما السعودية الحديثة، فهو يستنسخ تجربة غربية بالكامل ولا يستوحيها، يفرط في استخدام زوايا تصوير بدون أي مغزى، ويعرض قالبا من الشخصيات المجوفة التي تترك المشاهدين بدون أي ارتباط أو اهتمام بالقصة، ويمتلك مدة عرض أطول مما يحتاجه النص بكثير.

 ليس من المبالغة القول بأن فيلم "الهامور ح.ع" يجسد كل مشاكل السينما السعودية الحديثة، فهو يستنسخ تجربة غربية بالكامل ولا يستوحيها

في بداية الفيلم اتضح توجه المخرج للاعتماد على أداة صوت البطل كراوٍ للأحداث مع العديد من المونتاجات التي تهدف إلى تسريع الأحداث واختصار فترات زمنية طويلة، وهي نظريا استراتيجيا مناسبة لأن الفيلم يعطي الانطباع بأنه سوف يروي عملا بيوغرافيا ضخما مترامي الأطراف، لكن خلال نصف ساعة فقط اتضح أن الفيلم لا يهدف إلى استنساخ صارخ لفيلم "ذئب وول ستريت" لمارتن سكورسيزي فحسب، بل لا يمتلك في محتواه ما يبرر هذه القفزات الزمنية والمونتاجات المتعددة. يفشل الفيلم في تطوير شخصية البطل بالشكل الكافي حتى نهتم بالقصة، ونصبح أمام سلسلة من المشاهد التي يسرد فيها البطل قصته مع مونتاج يختصر الأحداث، تتخللها مشاهد ضعيفة تمثيليا تفضح ركاكة النص.

مشهد من الفيلم

المشكلة الأخرى التي تتضح مع التقدم في الأحداث، هي أن المونتاجات مع صوت الراوي، التي هي أداة سردية كسولة لا تُستخدم إلا للضرورة، لم تقم بواجبها باختصار التفاصيل ودفع عجلة القصة إلى الأمام. حيث نجد البطل حامد يتحدث عن حيلة جديدة ابتكرها، وبعد نهاية المونتاج يقضي الفيلم مدة ليست بالقصيرة في هذا الجزء من الحبكة الذي كان من المفترض أن يتم اختصاره، وهذا يحصل نتيجة انعدام التوافق بين النص والمونتير. يمتد الفيلم لمدة تقارب الساعتين بالكثير من مشاهد الحشو التي تصور الحياة الفاحشة التي يعيشها البطل وزوايا تصوير استعراضية بحركة بطيئة لا تخدم أي هدف حقيقي.

بعد مضي ما يقارب ثلثي الفيلم، لم يكتفِ الفيلم باستنساخ أسلوب "ذئب وول ستريت"، بل اتجه إلى استنساخ مشاهد حرفية ونقاط سردية بالكامل. مشهد الحصول على استثمار بقيمة مليون ريال على الهاتف يطابق تماما مشهدا آخر في "ذئب وول ستريت"، إضافة إلى مشاهد أخرى مثل مشهد التقاء حامد بفتاة أخرى غير زوجته في حفلة ماجنة ووقوعه بالكامل في غرامها أو كشف زوجته لخيانته وإيقاظه من النوم لمواجهته بالدليل القاطع

 لم يكتفِ الفيلم باستنساخ أسلوب "ذئب وول ستريت"، بل اتجه إلى استنساخ مشاهد حرفية ونقاط سردية بالكامل

أريد أن أوضح أن استلهام المشاهد أو إعادة تمثيلها ليس بالضرورة أمرا سلبيا، إذ يمكن اعتباره تحية إلى المخرج الأصلي، بل أن إعادة صناعة الفيلم بلغة جديدة -أو ما يسمى بالـ Remake- ليست سلبية حينما تكون إعادة الصناعة على قدر كافٍ من الجودة واحترام للعمل الأصلي. فيلم "أعز أصحاب" هو ريميك لفيلم إيطالي بعنوان «Perfect Strangers» ولكن هناك مراعاة للاختلافات الثقافية بين الفيلمين، وفي الوقت نفسه الأداءات التمثيلية ممتازة على مدار الفيلم ومن جميع أفراد طاقم التمثيل.

إيجابيات

أكبر نقاط الفيلم إيجابية هي التصوير الموافق للحقبة الزمنية. هناك اهتمام واضح بإيصال المشاهد إلى تلك الحقبة التي تبدو بعيدة الآن بجوالات البلوتوث الممنوعة من البيع وباقات القنوات المشفرة الباهظة الثمن. كان المجتمع للتو بدأ باعتناق الثقافة الغربية من ملابس ومظاهر حياة ونمط معيشة. أهمية هذه النقطة تكمن في أن السينما السعودية نضجت بالشكل الكافي لتدرك أن الأفلام عمل تكاملي يشمل نقاطا عديدة ولا تتوقف فقط على نص أو تصوير أو تمثيل، بل الأزياء والديكورات والتفاصيل التاريخية المستخدمة تلعب دورا فيصليا في بناء هذا العالم وقابلية المشاهدين لتصديقه.

مشهد من الفيلم

كل المشاكل السردية كان يمكن التغاضي عنها لو أن الحوارات والأداءات التمثيلية لم تكن بالسوء الذي شاهدناه. في أكثر من مرة نلاحظ كيف أن الحوار يبدو مترجما من اللغة الإنكليزية بشكل مباشر، مع أنني لا أعتقد إطلاقا أنه كذلك، وقد يرجع السبب إلى عدم تنقيح الحوارات بالشكل الكافي. المشكلة أن ضعف الحوارات يسطع بشكل جلي مع ضعف الأداءات التمثيلية التي ذهبت ضحية المبالغات والصراخ المتبادل بين الممثلين.

شهدت هذه السنة تجارب سينمائية جريئة استطاع فيها صنّاعها الخروج عن المألوف واقتحام مناطق تتحدى ما اعتاد عليه الجمهور السعودي. وبقدر احترامي لرؤية صنّاع فيلم "الهامور ح.ع"، إلا أن حدّة الانتقاد لا تنبع إلا بسبب علو سقف التوقعات.

font change

مقالات ذات صلة