حفلة جنون مشرقية

حفلة جنون مشرقية

إذن نفذت إسرائيل تهديداتها ولاحقت قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج. اغتيل صالح محمد سليمان خصيب، المعروف بالعاروري، نسبة إلى قريته عارورة الواقعة شمال غربي مدينة رام الله، بعد استهداف مكتب الحركة في الضاحية الجنوبية في بيروت، بواسطة صواريخ موجهة أطلقتها طائرة حربية وليس عبر طائرة مسيرة، كما أكد مصدر أمني.

العاروري هو نائب رئيس حركة "حماس" وقائد الحركة في الضفة الغربية، شارك في تأسيس "كتائب القسام" في الضفة الغربية، واعتقل في سجون الاحتلال لأكثر من عقد، ثم قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بإبعاده عن الأراضي الفلسطينية، انتقل إلى سوريا، وغادرها خلال الثورة منتقلا إلى تركيا وقطر، ليحط الرحال في الضاحية الجنوبية في بيروت.

بعد أيام من انتخابه نائبا لرئيس الحركة عام 2017، زار طهران والتقى بعدها أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، ما اعتبر تأكيدا على علاقته الوثيقة بإيران.

بعيد اغتياله بساعات، خرج نصرالله بكلمة أكد فيها أن "جريمة اغتيال العاروري خطيرة ولن تبقى دون رد أو عقاب". لكنه في الوقت نفسه قال: "حتى الآن، نحن نحسب حسابا للمصالح اللبنانية، لكن إذا شُنت الحرب على لبنان فإن مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية أن نذهب بالحرب إلى الأخير".

أي إنه اعتبر أن خرق إسرائيل لقواعد الاشتباك مجددا واغتيال العاروري في عقر دار "حزب الله" ليس إعلان حرب على لبنان، قد يكون التقط رسالة بنيامين نتنياهو التي نقلها عنه مستشاره بعيد الاغتيال بساعات حين صرح بـ"أن الهجوم لم يستهدف الحكومة اللبنانية ولا حزب الله".

حتى اللحظة لا مصلحة لإيران في توسيع رقعة الحرب، فقد فهمت رسالة الولايات المتحدة الأولى، أن توسيع رقعة الحرب يعني حربا شاملة تصل نيرانها إلى الداخل الإيراني

ورغم وضوح موقف "حزب الله" ومن أمامه إيران بعدم رغبتهما في توسيع نطاق الحرب، وأن أكثر ما يمكن أن يفعلاه هو عمليات عسكرية دقيقة ومحسوبة النتائج، إن كان على الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة أو في البحر الأحمر، إلا أنه لا يمكن تجاهل خطورة ما يحصل؛ فالمنطقة تحبس أنفاسها منذ 3 أشهر، ويزيد.

مما قاله نصرالله أيضا أن فصائل محور الممانعة في المنطقة تتخذ قراراتها بنفسها، مؤكدا أن طهران لم تطلب من الحوثيين فتحَ جبهة في البحر الأحمر، ولا من "حزب الله" فتح جبهة في جنوب لبنان.

لا أعلم إن كان نصرالله يتوقع أن يصدق أحد هذا الادعاء، رغم أنه يصر منذ خطابه الأول بعد عملية طوفان الأقصى على تبرئة إيران من العملية، فإيران "لا تمارس أي وصاية على الفصائل بالمنطقة أو قادتها"، كما قال في خطابه الأول في نوفمبر/تشرين الثاني.

ولكن وللتذكير أيضا، ففي شهر مايو/أيار قال نصرالله نفسه في خطابه حينها إن "العنوان الحقيقي لرد الفعل المقاوم في غزة هو غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة". فما الذي حل بغرفة العمليات تلك؟ يبدو أن كلام مايو/أيار محاه أكتوبر/تشرين الأول، وكلام أكتوبر ستمحوه مصلحة إيران إن اقتضت.

وحتى هذه اللحظة لا مصلحة لإيران في توسيع رقعة الحرب، فقد فهمت رسالة الولايات المتحدة الأولى، أن توسيع رقعة الحرب يعني حربا شاملة تصل نيرانها إلى الداخل الإيراني، حرب مباشرة بين أميركا وطهران، واليوم وبعد أن أعلنت البحرية الأميركية مغادرة حاملة الطائرات "فورد" المتوسط بعد أشهر من التمركز لحماية إسرائيل، فقد جاءت الرسالة واضحة إلى إسرائيل، بايدن لا يرغب في الحرب أيضا، هذه المرة الرسالة لنتنياهو، فما هي إلا ساعات على اغتيال العاروري حتى أعلنت الولايات المتحدة أن إسرائيل هي من قامت بالاغتيال، رغم أنها سبق وأدرجت العاروري على القائمة الأميركية "للإرهابيين الدوليين" المصنفين تصنيفا خاصا (SDGT) منذ عام 2015 ورصدت جائزة مالية تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى مكانه، إلا أنها سارعت للتنصل من أي مسؤولية عن العملية أو علم بها، وقد صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي بالقول: "لا نؤمن بأن الهجوم العسكري سيقضي على فكر حماس، ونتقبل فكرة أن حماس ستظل موجودة".

المنطقة تحبس أنفاسها وتحديدا لبنان على وقع جنون يضرب أصحاب القرار، من نتنياهو إلى خامنئي وما بينهما

الوحيد الذي يبدو أنه مصرّ على توسيع رقعة الحرب هو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي أجلت الحرب معاركه الداخلية وأهمها معركته من أجل "قانون الحد من المعقولية"، أتته ضربة جديدة حيث أرجأت المحكمة العليا الإسرائيلية تأجيل تطبيق تعديل على "قانون أساس: الحكومة" الذي يهدف إلى منع عزل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فهل يحدث ما ليس في الحسبان ويضطر حسن نصرالله إلى أن يجاريه.
المنطقة تحبس أنفاسها وتحديدا لبنان على وقع جنون يضرب أصحاب القرار، من نتنياهو إلى خامنئي وما بينهما، ولكن الكارثة الحقيقية أن هؤلاء هم أصحاب القرار، وأنهم لا يختطفون المنطقة وأمنها واستقرارها فحسب، بل يصادرون مستقبل شعوبها، ويجعلون من شعوب المشرق العربي مجرد رهائن تحت وطأة الخوف والقلق والشعور الدائم بفقدان الأمان، فضلا عن العوز الدائم الذي بات وكأنه متلازمة مشرقية فمن لم يمت في الحروب العبثية، فليمت قهرا ومرضا وجوعا، أو ليمت في البحار، أو برصاص حرس الحدود وهو يحاول الهرب من أوطان تحولت لمجرد سجن كبير سجانه مجرم وحرسه ثلة من المجانين.

font change