الهجوم الإسرائيلي على رفح... اجتياح أم "جراحة"؟

تل ابيب تدعو سكان شرق رفح جنوب غزة، الى إخلائها في عملية تشمل 100 ألف شخص

أ.ب
أ.ب
مركبات مدرعة إسرائيلية تنقلها شاحنات على طريق مجاور للحدود بين إسرائيل وغزة، 25 أبريل 2024

الهجوم الإسرائيلي على رفح... اجتياح أم "جراحة"؟

دعا الجيش الإسرائيلي الإثنين سكان المناطق الشرقية في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة، الى إخلائها في عملية ستشمل نحو 100 ألف شخص وتأتي غداة مغادرة وفد حركة "حماس" القاهرة من دون أي تقدّم يذكر في المباحثات حول هدنة جديدة في الحرب مع إسرائيل.

وتؤكد إسرائيل منذ أسابيع أنها في صدد التحضير لهجوم برّي على المدينة القريبة من الحدود مع مصر، والتي تعدّ نقطة الدخول الأساسية للمساعدات الإنسانية الى القطاع المحاصر والملاذ لـ 1,2 مليون فلسطيني غالبيتهم من النازحين جراء الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر بين الدولة العبرية و"حماس".

ويثير هذا التهديد قلقاً دولياً واسعاً على مصير المدنيين، بما في ذلك من الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل، والتي أكدت معارضتها لعملية في رفح ما لم تقترن بخطط لحماية المدنيين.

ودعا الجيش الإسرائيلي في بيان الإثنين "السكان المدنيين القابعين تحت سيطرة حماس الى الإجلاء المؤقت من الأحياء الشرقية لمنطقة رفح الى المنطقة الإنسانية الموسّعة"، مشيرا الى أن ذلك يأتي بعد "موافقة على المستوى السياسي".

تحضيرات

وكانت التصريحات الإسرائيلية الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والوزير في مجلس الحرب بيني غانتس، تصاعدت خلال النصف الثاني من أبريل/نيسان الحالي، بشأن المصادقة على عملية عسكرية برية على مدينة رفح الفلسطينية أقصى جنوب قطاع غزة، والمحاذية للشريط الحدودي مع مصر. وضمن أكثر من تصريح في الإعلام الإسرائيلي، حاول رموز الحكومة الإسرائيلية التلويح باقتراب العملية البرية، والتركيز في تصريحاتهم على نيتهم الحصول على موافقة الولايات المتحدة الأميركية، بهدف الحصول على الدعم الأميركي الكامل.

وضمن التصريحات الإسرائيلية، قالت هيئة البث الإسرائيلية ونقلا عن قادة في الجيش الإسرائيلي، بأن العملية البرية على رفح، ستكون مختلفة عن العمليات البرية التي مارسها الجيش ولا يزال يمارسها في باقي مدن ومخيمات القطاع في الشمال والوسط والجنوب.

وقال مصدر حكومي إن وزراء إسرائيليين كبارا بحثوا الخميس، 2 مايو/ايار، لبحث مقترح اتفاق هدنة في غزة لإطلاق سراح بعض الرهائن الذين تحتجزهم "حماس"، واحتمالات مضي الجيش قدما في عملية برية لاجتياح مدينة رفح المكتظة بالنازحين في الطرف الجنوبي للقطاع.

وتأتي خصوصية مدينة رفح، كونها مدينة حدودية مع مصر التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل في كامب ديفيد عام 1978، بالإضافة إلى توقيع اتفاق فيلادلفيا الثنائية بين مصر وإسرائيل عام 2005، والتي حددت حجم وجود ودور الجيش المصري على طول الحدود مع قطاع غزة، والبالغ طولها قرابة 14 كيلومترا، حيث حذرت مصر في أكثر من تصريح من العملية البرية على رفح والتي قد تؤدي إلى زعزعة في العلاقات بين البلدين.

وقال البيت الأبيض الخمس، ان موقف واشنطن المعارضة للعمل لم يتغير. وتأتي تصريحات الولايات المتحدة الأميركية الرافضة للعملية البرية على مدينة رفح، الصادرة عن الإدارة الأميركية مؤخرا، من مُنطلق تكدس أكثر من مليون نازح غزي في المدينة بعدما أجبرهم الجيش الإسرائيلي على النزوح من مختلف مناطق قطاع غزة خلال الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى سكان المدينة الأصليين والبالغ تعدادهم قرابة 400 ألف نسمة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

خلال أبريل الحالي، لُوحظت كثافة تحليق طائرات الاستطلاع "الزنانة"، وطائرات "الكواد كابتر" ليلا ونهارا وعلى ارتفاعات منخفضة

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية، والتي تجاوزت يومها الـ200، كان لمدينة رفح نصيب من القصف الإسرائيلي من البر والبحر والجو، حيث استهدف الجيش عشرات المنازل على الحدود الشرقية لرفح بالقذائف المدفعية، واستهدف مئات الوحدات السكنية والأراضي الزراعية وسط وغرب المدينة بالطيران الحربي، واستهدف شاطئ البحر ومباني قريبة منه بقذائف البوارج البحرية، حيث قُتل المئات من الغزيين، سواء من سكان المدينة الأصليين، أو من النازحين لها، حيث لم تتوقف عمليات القصف حتى لحظة كتابة هذا المقال.

لكن، خلال أبريل الحالي، ومع تصاعد التصريحات الإسرائيلية، وبخاصة التصريحات التي تحدثت عن مصادقة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على العملية البرية دون الإفصاح عن موعدها، لُوحظت كثافة في تحليق عشرات من طائرات الاستطلاع "الزنانة"، وطائرات "الكواد كابتر" طوال ساعات اليوم ليلا ونهارا وعلى ارتفاعات مُنخفضة، حيث تتركز مهمتها على المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية المصورة، وترصد أدق التحركات الفلسطينية على الأرض.

كما لوحظ ميدانيا، ارتفاع كثافة القصف الإسرائيلي على مبانٍ ومنازل وحتى خيام النازحين بمدينة رفح، واستهداف عدد من المنازل خلال ساعات الليل وحتى ساعات النهار، بعضها تم قصفها على رؤوس سكانها، وأخرى تم بعد اتصال إسرائيلي بالهاتف لأحد السكان مطالبا إياه بإخلاء المنطقة أو المربع السكني بالكامل، دون تحديد مكان الاستهداف في المنطقة التي طالب بإخلائها.

وبالتزامن مع تصعيد وتكثيف القصف الإسرائيلي، والذي تزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية المتوغلة برا من وسط وشمال القطاع خلال الشهرين الأخيرين للحرب، وحتى من مدينة خانيونس جنوبي القطاع والمحاذية لرفح من الجهة الشمالية، تبدلت التصريحات الأميركية لتُصبح أقل حدة، بعدما أطلقت إيران عشرات المُسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل مساء السبت 13 أبريل الحالي.

"المنطقة الآمنة"

وخفضت الإدارة الأميركية من تصريحاتها، لتعارض أي عملية برية إسرائيلية واسعة على رفح قبل وجود حلول لأكثر من مليون نازح غزي بالمدينة، بعدما كانت تعارض العملية البرية بشكل جذري، ودون التطرق لإفراغها من النازحين قبل انطلاق ساعة الصفر، وتماشيا مع الشرط الأميركي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن توسعة المنطقة التي ادعى منذ بداية الحرب أنها منطقة آمنة. حيث أعلن الجيش الإسرائيلي توسعة المنطقة الآمنة لتمتد من منطقة المواصي أقصى جنوبي قطاع غزة وعلى طول الشريط البحري، وحتى مخيم النصيرات وسط القطاع، بعدما كانت منطقة المواصي غربي رفح وخانيونس كانتا مُحددتين سابقا كمنطقتين آمنتين، وتدعي التصريحات الإسرائيلية التي نقلتها هيئة البث الإسرائيلية يوم 23 أبريل الحالي، بأن توسعة المنطقة الآمنة يأتي بهدف استيعاب أكثر من مليون نازح غزي، وذلك تحقيقا للشرط الأميركي، إلى جانب السماح بإدخال أكثر من 250 شاحنة تحمل مئات من الخيام عن طريق معبر رفح البري ومعبر كرم أبو سالم جنوب شرقي رفح، خلال الأسبوع الماضي.

إسرائيل لا تستطيع تقديم ضمانات للإدارة الأميركية أو للدول الأوروبية، حول تجنب وقوع مجازر بحق المدنيين

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني عزيز المصري، لـ"المجلة"، إن المخاوف الدولية من العملية العسكرية البرية الإسرائيلية على رفح، تتمثل في وجود عدد كبير من النازحين والسكان، وهو ما قد يولّد عشرات المجازر الدموية في حال أقدمت إسرائيل على غزو مدينة رفح بشكل مماثل لما حدث في خانيونس وشمال القطاع. وأشار إلى أنّ المواقف الدولية وخاصة الموقف الأميركي، يحاول الحصول على ضمانات إسرائيلية بعدم المساس بالمدنيين، وتجنب وقوع مجازر قد تؤلب الرأي العام الدولي.

وما زالت بعض الأصوات والآراء الغربية تعارض العملية البرية على رفح، وذكر الكاتب منها على سبيل المثال، موقف ألمانيا وهي من أقرب الحلفاء الأوروبيين لإسرائيل. وقال: "أصبحت ألمانيا تُعرب صراحة في الإعلام عن مخاوفها من تطور المجاعة في غزة، وخير دليل على ذلك المكالمة العنيفة قبل يومين بين نتنياهو ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، والتي وصلت لحد الصراخ بين الطرفين بسبب المجاعة والمجازر في غزة". ويأتي ذلك بعد تعرض ألمانيا إلى حملة دبلوماسية معادية، ورفع نيكارغوا مذكرة لمحكمة الجنايات الدولية ضد ألمانيا بسبب بيعها السلاح لإسرائيل واستخدامها في ارتكاب مجازر جماعية.

أ.ف.ب
فلسطينيون يسيرون أمام أنقاض مبنى دمره قصف إسرائيلي في رفح، 25 أبريل 2024

ويتشابه سياسيا ودبلوماسيا، الموقف البريطاني والفرنسي والروسي والصيني، مع الموقف الألماني بشأن العملية العسكرية البرية الإسرائيلية على رفح، بحسب رأي عزيز المصري، إلا أن إسرائيل ما زالت تركز على دعم الإدارة الأميركية في الأساس، ضاربة بعرض الحائط المواقف الأوروبية ومعارضتها، خاصة مع تهديد اليمين المتطرف داخل الحكومة بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بالانسحاب من الحكومة، وهو ما قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة وخروجها من المشهد السياسي، وذلك أكثر ما يخشاه رئيس الوزراء نتنياهو.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، أنه ورغم المعطيات المذكورة سابقا، فإن إسرائيل لا تستطيع تقديم الضمانات سواء للإدارة الأميركية أو للدول الأوروبية، حول تجنب وقوع مجازر بحق المدنيين، وهو ما سبق وفشلت في تقديمه خلال العملية العسكرية البرية في خانيونس وغزة وشمال القطاع، وذلك رغم الخطة الإسرائيلية التي تناولها الإعلام الإسرائيلي، والتي تتضمن إطلاق إنذار مُبكر للسكان بالنزوح وتحضير الخيام ومناطق آمنة لزرع خيامهم خلال العملية البرية.

وفي ظل تلك المعطيات التي تنذر باقتراب ساعة الصفر لإطلاق عملية برية إسرائيلية واسعة على مدينة رفح الحدودية، بعد التصريحات الإسرائيلية التي تشير إلى وجود كتائب وخلايا تابعة للمقاومة الفلسطينية من مختلف الفصائل، وبعض التصريحات التي أشارت إلى اختباء قادة "حماس" و"كتائب القسام" الجناح العسكري للحركة، في رفح، سواء على الأرض أو تحتها- في إشارة إلى الأنفاق- لا زالت مصر تعارض إطلاق العملية البرية، وذلك ما قد يؤدي إلى تبديل السيناريو الإسرائيلي بحسب عزيز المصري.

خلال النصف الثاني من أبريل، انخفضت التصريحات من جميع الأطراف حول عملية التفاوض وإمكانية الوصول إلى حل

ويعتقد أنّ السيناريو الأقرب والأكثر منطقية ربما، من وجهة نظر عزيز المصري، هو لجوء إسرائيل إلى سياسة العمليات المركزة والدقيقة في استهدافها لمواقع معينة داخل رفح، أو ما يُطلق عليه في العلوم العسكرية "العمليات الجراحية"، وهو ما اعتمده الجيش الإسرائيلي في عمليته الأخيرة على مُجمع الشفاء الطبي ومحيطة غربي مدينة غزة، حيث حاصرت الآليات والدبابات المُحملة بالجنود، منطقة غربي غزة، وكثفت عملياتها العسكرية داخل المنطقة سواء بالقصف أو الاشتباك أو عمليات التجريف والهدم، وحتى عمليات الاعتقال للمواطنين من مختلف الفئات والأعمار، ووصلت حد الإعدام الميداني لعشرات من الغزيين ودفنهم في ساحات المُجمع الطبي.

وبالإضافة إلى ما سبق من علامات ومؤشرات، تأتي التصريحات الإسرائيلية، بالتزامن مع عقد أمام المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، والتي ترعاها قطر ومصر والولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول، وذلك منذ أشهر بهدف التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، ووقف إطلاق النار، والسماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم المُدمرة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، لكن خلال النصف الثاني من أبريل، انخفضت التصريحات من جميع الأطراف حول عملية التفاوض وإمكانية الوصول إلى حل ونتيجة ترضي جميع الأطراف، وهو ما قد يكون من أقوى المؤشرات التي قد تؤدي لاستكمال الجيش الإسرائيلي عملياته وتوسيعها في رفح وقطاع غزة بشكل عام.

font change

مقالات ذات صلة