لويزة حنون... امرأة من "طراز خاص" في الجزائر

أيقونة للنضال النقابي والنسوي والسياسي

لينا جرادات/المجلة
لينا جرادات/المجلة

لويزة حنون... امرأة من "طراز خاص" في الجزائر

كما كان متوقعا، جنحت لويزة حنون، وهي من الوجوه المعهودة والثابتة في الساحة السياسة بالجزائر منذ بداية التسعينات نحو خيار المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 7 سبتمبر/أيلول المقبل للمرة الرابعة على التوالي. قرار فاجأ البعض واعتبره نقطة تحول مثيرة للانتباه لأنها كانت من بين الزعامات الذين رفضوا الإقرار بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في خضم رفض حراك 22 فبراير/شباط 2019 لتوجهات السلطة في 2019، بينما لم يتفاجأ فريق آخر لأنه لا خيار أمام الحزب سوى المشاركة من أجل إنقاذه بعد تراجعه السياسي مؤخرا.

لويزة واحدة من النساء اللواتي تصدرن المشهد السياسي في البلاد منذ التسعينات، وصاحبة رصيد نضالي نقابي وسياسي طويل، ذاع صيت مواقفها السياسية في مرحلة ما بعد الأحادية الحزبية في الجزائر بنهاية الثمانينات بعد أن أقدمت الدولة على انتهاج نظام سياسي متعدد من أجل إصلاح النظام السياسي.

وُلدت لويزة حنون، يوم 7 أبريل/نيسان 1954 في بلدة الشقفة بمحافظة جيجل، ويعود تأسيسها إلى العهد العثماني تتربع على السفوح الشمالية لجبال البابور، وهي ابنة أسرة ريفية بسيطة، عايشت الزخم الثوري والتحرري وربما يمكن اعتبار هذه الحقبة من أهم العوامل التي ساهمت في تشكيل فكرها السياسي وهي لا تزال في عمر الزهور.

تعتبر لويزة حنون من أشهر الجزائريات اللاتي تركن بصمتهن في محاربة التمييز ضد المرأة 

تركت عائلة لويزة بلدتها، واستقرت في مدينة عنابة أو بونة (تلقب بجوهرة الشرق الجزائري وجوهرة المتوسط إحدى أكبر مدن الجزائر)، وخلال هذه المرحلة نجحت حنون في تخطي جميع العقبات والحصول على شهادة ليسانس في الحقوق، فمواصلة التعليم بالنسبة للمرأة في المجتمع الريفي ليست بالأمر الهين.

ويمكن القول إن مرحلة التعليم الجامعي من الأمور التي ساعدت على صقل شخصيتها النضالية وحددت مستقبلها، فولجت متاهة النضال النقابي في سن مبكرة، اشتغلت كمدرسة وتعتبر من أشهر النساء اللاتي كافحن من أجل المرأة وتركن بصمتهن في محاربة التمييز ضدها والعنصرية والتهميش.

مدافعة شرسة عن الحقوق العمالية

ولأنها ناضلت كثيرا عن الاستقلالية النقابية، طُردت من عملها في المطار، لكن ذلك لم يكبحها وواصلت نشاطها السياسي ونضالها النقابي، ونُقلت إلى العاصمة الجزائرية بداية الثمانينات لتشتغل في الخطوط الجوية الجزائرية إلى غاية 1994 ثم في شركة تسيير مطارات الجزائر.

ويُشهد لهذه السيدة أنها أول امرأة انتزعت الحق في الترشح لعضوية الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أعرق التنظيمات النقابية في البلاد) رغم أن القانون الذي كان معمولا به في تلك الفترة يمنع ترشح من لا ينتمي لحزب "جبهة التحرير الوطني" (أكبر الأحزاب السياسية الجزائرية) لعضوية المركزية النقابية أو حتى تقلد المسؤوليات داخلها، وقادت نضالا نقابيا كبيرا من أجل انتزاع استقلالية الاتحاد العام للعمال الجزائريين حتى لا تبقى تابعة للنظام، ثم بعد اعتماد دستور الجزائر عام 1989 عن طريق الاستفتاء في 23 فبراير/شباط 1989 بعد أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1988 وفسح المجال أمام التعددية الحزبية بتعدادها وتنوعها نُظم أول مؤتمر للمنظمة الاشتراكية للعمال يوم 29 يونيو/حزيران 1990، ويومها تأسس "حزب العمال" من طرف مناضلين ديمقراطيين ونقابيين وطلبة وفلاحين.

أ.ف.ب
لويزة حنون تلقي خطابا خلال اجتماع سياسي قبل الانتخابات الرئاسية في 2014

قبعت وراء القضبان لأول مرة عام 1983 رفقة مناضلين آخرين من "المنظمة الاشتراكية للعمال" لمدة ستة أشهر تقريبا بتهمة "تكوين جمعية أشرار والمساس بأمن الدولة وبتوزيع منشورات تحريضية"، غير أنه أطلق سراحها رفقة رفاق دربها في النضال دون محاكمة وفي إطار عفو سياسي.

ومن الأمور الجديرة بالتأمل في مسيرتها النضالية، تأسيسها للجمعية الوطنية ضد المديونية الخارجية والتي حصلت على الاعتماد رسميا في 1987، وقد شاركت في مؤتمر بفنزويلا مع رفاق دربها في النضال على غرار عبد الرحمن أرفوتني وهو أحد مؤسسي "حزب العمال الجزائري" ضد الديون الخارجية التي تستنزف بلدان العام الثالث.

وفي 1991، أسست حنون مع مجموعة من المناضلين والمناضلات منظمة الوفاق الدولي للعمال والشعوب (دومينيك كانو) على هامش ندوة عالمية ضد الحرب والاستغلال، واليوم هي تشغل منصب المنسقة الدولية لهذه المنظمة وقد عقدت الكثير من الندوات والمؤتمرات الدولية ضد التدخلات الأجنبية والحروب التفكيكية كالحرب في أفغانستان والعراق وليبيا، ولها مساهمات كثيرة في الفعاليات التي أقيمت ضد الحروب وفي نضالات الحركات العمالية، وهي اليوم عضو بارز في اللجنة الدولية ضد القمع وفي لجنة النساء العاملات.

وفي مارس/آذار سنة 1985، شاركت حنون في إنشاء أول رابطة لحقوق الإنسان، وكانت واحدة من 39 امرأة أسسن جمعية "المساواة أمام القانون بين النساء والرجال"، التي وضعت قضية حقوق المرأة ضمن أولوياتها النضالية، وبعد الاعتراف القانوني بهذه الجمعية تقلدت حنون منصب رئيستها عام 1989. إذ تعتبر هذه السيدة من أشهر النساء اللاتي دافعن عن حقوق المرأة، قادت تعبئة نسوية كبيرة ضد قانون الأسرة الجزائري الذي صدر في 1984 ورافقتها كل من زهرة ظرف زوجة الرئيس الراحل رابح بيطاط، وعملت عدة سنوات عضوا في مجلس الأمة وعاشت الثورة وشاركت في عمليات عدة إضافة إلى خليدة تومي وسليمة غزالي وفاطمة أوزقان، كلهن انتفضن ضد هذا القانون الذي ينظر للمرأة على أنها قاصر وطالبن بالمساواة بين الجنسين أمام القانون بالنظر إلى الدور الذي لعبنه في تحرير الوطن.

معارك انتخابية

قاطعت حنون الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، وهي أول انتخابات متعددة الأحزاب منذ الاستقلال، وقالت عنها إنها "تكتسي برائحة الدم" بالنظر إلى الظروف الأمنية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد خلال تلك الفترة، غير أنها في المقابل عارضت وقف المسار الانتخابي، وأيضا رفضت المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 وهي أول انتخابات تعددية تجرى في البلاد حتى تتوقف لغة السلاح.

وفي نوفمبر 1994 ثم يناير/كانون الثاني 1995، سجلت حنون حضورها في مؤتمر المعارضة الجزائرية الشهير المعروف بـ"سانت إيجيديو" في روما بإيطاليا رفقة رموز وطنية مثل الزعيم السياسي الجزائري حسين آيت أحمد وعبد الحميد مهري والحقوقي الراحل علي يحيى عبد النور لبحث مخرج سياسي وسلمي للأزمة السياسية في البلاد.

لقب المرأة الحديدية، تفردت به الأمينة العامة لـ"حزب العمال اليساري" لويزة حنون، لأنها كانت أيقونة للنضال النقابي والنسوي والسياسي في الجزائر، ومن أهم العلامات الفارقة التي تميز هذه السيدة عن بقية النساء الحديديات، دخولها الانتخابات الرئاسية التي نظمت في 1999، غير أن المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا) ألغى ملف ترشحها، ورغم ذلك لم ييأس حزبها بل صمم ورقة خاصة كتب عليها "كنت أنوي أن أصوت عليها".

لقب المرأة الحديدية، تفردت به الأمينة العامة لـ"حزب العمال اليساري" لويزة حنون لأنها كانت أيقونة للنضال النقابي والنسوي والسياسي في الجزائر

وأعادت الكرّة في الانتخابات التي جرت في 8 أبريل/نيسان 2004، ورغم الخسارة التي منيت بها، غير أن ترشحها صنع الحدث محليا وعربيا لأن مشاركتها لم تكن سهلة وعادية لا سيما في مجتمع تحكمه وتطبعه العادات والتقاليد وغير مؤهل لأن تحكمه امرأة. لكنها دخلت التاريخ من أوسع أبوابه لأنها أول امرأة تترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ولم تكبح الخسارة التي منيت بها طموحها السياسي، وأعادت المحاولة مرتين متتاليتين إذ ترشحت للانتخابات الرئاسية التي جرت عامي 2009 و2014.

لكن أكثر الفترات الحالكة الظلام في المسيرة السياسية لحنون، هي عندما زُج بها في السجن في قضية "الاجتماع الشهير" في مارس/آذار 2019، بمعية قائدي جهاز المخابرات السابقين، الجنرال توفيق والجنرال بشير طرطاق، وشقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة، بتهمة التآمر على الدولة، وقضت ما يقارب تسعة أشهر كاملة خلف القضبان.

يقول القيادي في "حزب العمال" رمضان تعزيبت عن فترة اعتقالها لـ"المجلة": "لقد تم توقيفها وإدانتها لمنعها من لعب دورها في الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة في التاريخ الجزائري والمعروفة بحراك 22 فبراير 2019 وفي الأخير تم إنصافها من طرف المجلس العسكري".

ويعتبرها تعزيبت "رمزا للوفاء والاستقلال، وللطبقة العاملة، ومدافعة قوية عن السيادة الوطنية، وأخيرا مناضلة معادية للإمبريالية".

ولم تكن هذه هي الفترة العصيبة الوحيدة في المسيرة السياسية لحنون، إذ يضيف أنه "سبق وأن تم اختطافها في أحداث أكتوبر 1988 لمدة 72 ساعة، ووجهت لها تهمة المساهمة في تلك الانتفاضة التي كانت السبب في إنهاء نظام الحزب الواحد وسمحت بإقرار التعددية السياسية عقب دستور فبراير 1989".

وتحدثت حنون عن فترة اعتقالها قائلة: "لقد شكل قرار توقيفي وإدانتي في 9 مايو/أيار 2019 منعرجا في تجريم وشيطنة العمل السياسي"، وأكدت قائلة: "خرجت من هذه المعركة منتصرة، لقد تم إطلاق سراحي يوم 10 فبراير 2020، والجزائر الحقيقية من العمال والطلبة والفئات المتوسطة لم تتأثر بوابل الكذب الذي بثته وسائل الإعلام المكلفة بمهمة تبرير اعتقالي وتشويه مسيرتي النضالية".

font change

مقالات ذات صلة