المبادرات السياسية في الجزائر...حلول حقيقية أم تحضير للانتخابات الرئاسية؟

أسئلة عديدة حول الدوافع وراء مختلف المبادرات السياسية الراهنة

Reuters
Reuters
أطلق الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون في مايو/أيار 2022 مبادرة "لم الشمل" لتسوية تبعات أزمات شهدتها البلاد في سنوات مضت

المبادرات السياسية في الجزائر...حلول حقيقية أم تحضير للانتخابات الرئاسية؟

بعد أشهر من الغياب السياسي الواضح عن الساحة منذ آخر انتخابات محلية، نظمت لتجديد المجالس البلدية والولائية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وهي عملية الاقتراع الثالثة منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، تشهد الساحة السياسية حراكا كثيفا بعد طرح مجموعة من الأحزاب مبادرات سياسية متفرقة، فتحت باب النقاش على مصراعيه وأثارت تساؤلات حول خلفياتها وأهدافها وأدوات تنفيذها.

أولى هذه المبادرات السياسية أطلقتها مجموعة من الأحزاب السياسية منذ أسابيع، تحت شعار "المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل"، الغرض منها تشكيل جبهة داخلية في مواجهة التحديات الخارجية وهو ما يتطابق مع الخطاب السياسي الرسمي في البلاد الذي يركز على التهديدات الخارجية التي تستهدف أمن واستقرار الوطن.

وقاد المبادرة المرشح للانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 ورئيس حركة البناء الوطني (حزب محسوب على التيار الإسلامي في البلاد) عبد القادر بن قرينة، ونجح في استقطاب عدد لا بأس به من التشكيلات، ليعلن بذلك عن ميلاد أول تكتل سياسي يضم الموالاة منذ قدوم الرئيس تبون إلى قصر المرادية.

ومن مسوغات المبادرة أن "تداعيات الوضع الدولي الحالي تفرض تفعيل الإرادة الوطنية وفاء بما يقتضيه واجب تعزيز التلاحم الوطني وتمتين الجبهة الداخلية، من خلال الرفع من التأهب لمواجهة التهديدات والمخاطر التي تستهدف الجزائر في أمنها ومؤسساتها ووحدة شعبها وترابها، ويوجب علينا التعبئة العامة".

ولا تختلف هذه المبادرة كثيرا عن مبادرة "لم الشمل" التي أطلقها الرئيس الجزائري في مايو/أيار 2022، والغرض منها تسوية تبعات أزمات شهدتها البلاد في سنوات مضت، وتعزيز الصف الداخلي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

ونأت حركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الإسلامية والمعارضة في البلاد) بنفسها عن هذه المبادرات رغم أنها شاركت في الاجتماع التمهيدي، واعتبرت نفسها غير معنية لأسباب سياسية، ورفضا منها الدخول في مبادرات غير واضحة المعالم والأهداف والأسباب.

في سياق زحمة المبادرات السياسية، طرحت ثلاثة أحزاب سياسية تقدمية، وثيقة سياسية غلبت عليها المطالب الداخلية وركزت على أهمية الثقة بين الطرفين، السلطة والمعارضة، قبل الانخراط في أي مسعى سياسي


وفي التوقيت نفسه عقد رئيس مجتمع السلم المعروف اختصارا بـ"حمس"، لقاء منفردا بالرئيس تبون، تباحث فيه الطرفان- حسب بيان للحركة- في التحديات الداخلية المتمثلة في الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها مختلف التحولات، إضافة الى معالجة بعض الملفات السياسية المرتبطة بتكريس الحريات الإعلامية والمجتمعية، والوقوف على بعض الاختلالات لا سيما مكافحة الفساد.

ولم يقتصر الرفض على "حمس" فقط، بل رفض حزب "جيل جديد" الانخراط فيها، وأقر رئيسه سفيان جيلالي بوجود طبقة سياسية ضعيفة، وتساءل قائلا: "إذا كان هدف هذه المبادرة، تعزيز الجبهة الداخلية لدعم السلطة في البلاد، فإن السؤال الذي يطرح هو: كيف يمكن للأحزاب السياسية اليوم المهمشة، المخدرة، من دون أي دور عملي، أن تدافع بالشكل المناسب عن الجمهورية؟ وإذا كانت الأحزاب أدوات مطيعة في يد السلطة، ولا مواقع لها معروفة ومثبتة ومستقلة عن السلطة القائمة، فكيف يمكن أن تشكل جبهة ذات مصداقية؟".

AFP
أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مايو/أيار 2022 مبادرة "لم الشمل" لتسوية تبعات أزمات شهدتها البلاد في سنوات مضت

وتقاطعت الخطوط العريضة لهذه المبادرة مع أخرى طرحها تيار ثان مثله هو جبهة القوى الاشتراكية (حزب سياسي جزائري معارض، تأسس بعد استقلال البلاد، وتعود على مقاطعة معظم الانتخابات)، إذ دعا الحزب إلى "تشكيل تجمع للقوى الوطنية حول مشروع تاريخي مستمد من قيم ومبادئ أول نوفمبر/تشرين الثاني 1954 وأرضية مؤتمر الصومام 1956، الذي يستأنف الرسالة التاريخية لبناء دولة وطنية ديمقراطية واجتماعية ويكرس المبادئ العالمية لسيادة القانون، في إطار الاحترام الصارم للوحدة الوطنية".

وذكر السكرتير الأول للحزب المعروف اختصارا بـ"الأفافاس" أن الغرض من هذه المبادرة هو "النأي بالبلاد عن الانقسامات الآيديولوجية، وحماية البلاد من سيناريو جديد من الصدامات الداخلية على وقع توظيف الشارع"، وقال صراحة إن "خطابات السلطة بخصوص الأخطار والمؤامرات الخارجية رغم جديتها، لن تقنع الجزائريين، ما لم يُرفع الخناق القضائي والأمني عنهم".

من الأسباب التي تقف وراء الفشل الكلي لهذه المبادرات، أنها عموما تكون ضحية الظرف أو السياق وتتأثر بالأحداث بدل أن تؤثر فيها، وأحيانا يتم التسرع في طرحها أو التأخر، وأحيانا تكون مرتبطة بأولويات أخرى


وفي سياق زحمة المبادرات السياسية، طرحت ثلاثة أحزاب سياسية تقدمية وهي حزب العمال اليساري بقيادة أمينته العامة لويزة حنون، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والاتحاد من أجل التغيير والرقي، وثيقة سياسية غلبت عليها المطالب الداخلية وركزت على أهمية الثقة بين الطرفين، السلطة والمعارضة، قبل الانخراط في أي مسعى سياسي، ولن تتجسد الثقة إلا بالإفراج عن الناشطين الموقوفين وإعادة فتح المجالين السياسي والإعلامي واتخاذ إجراءات تعزز الدولة وتعيد بناء الروابط الإيجابية مع المواطنين والتوجه بعدها نحو التعبئة لحماية البلاد من الانزلاقات المحتملة والابتزازات الأجنبية.

وفي خضم النقاش القائم حول هذه المبادرات بين الإعلاميين المختصين والساسة في البلاتوهات الإذاعية والتلفزية، وفي ظل التساؤلات وعلامات الاستفهام التي أثيرت بشأن حقيقتها ودلالات توقيتها، تلتزم السلطة الجزائرية الصمت حيالها وليست هي المرة الأولى التي تتجاهل فيها السلطة المبادرات السياسية، وهو ما سيضعفها ويرهن مساعي تحريك المياه الراكدة في المسار السياسي الجزائري ويعمق أزمتها مع تزايد فقدان الثقة في التنظيمات السياسية وفي الفاعلين الحزبيين.

AFP
أطلقت لويزة حنون، أمينة حزب العمال اليساري، بالتحالف مع أحزاب أخرى، وثيقة سياسية غلبت عليها المطالب الداخلية

ما دلالات التوقيت؟

"ليست جديدة  الحالة السياسية التي تواجهها الجزائر اليوم"، بالنسبة للخبير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفسور نور الصباح عكنوش. ويقول: "يمكن ربط هذه التطورات بالمواعيد الانتخابية التي تنعكس على حركية أداء المنتظم الحزبي وتبني سلوكاته وتوجه أفكاره موضوعيا نحو السلطة للبقاء فيها أو للوصول إليها بالنقد أو بالتزكية".

وبرأي عكنوش فإن "هذه المبادرات بصفة عامة تعاني من ندرة في الآليات وتخمة في الأدبيات، وكما نقول كثرة المبادرات تقتل المبادرات نفسها وتجعلها موضة موسمية فقط".

والسؤال المنهجي الذي يجب طرحه اليوم، يقول المتحدث: "هل نحن أمام مبادرات تقوم على مخارج وحلول حقيقية أم أننا أمام عمليات تموقع تكتيكي في المشهد السياسي القادم؟"، والمعروف حسب رأيه أن "الفكر السياسي ينتعش في الجزائر تاريخيا خلال الصيف حيث نشهد دائما حيوية شكلية في العمل الحزبي بلا تفعيل لأدواته التي تظل للاستهلاك الداخلي دون امتداد إيجابي في الواقع كون الطابع الإداري في أداء مكونات الحياة السياسية سواء أحزاب أو جمعيات أو نقابات أو منتديات يطغى على الطابع التجديدي إن صح التعبير، فنظل نكرر الخطابات نفسها، وحتى نسوق المقاربات نفسها دون تقديم قيمة مضافة للمواطن وللوطن".

نأت حركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الإسلامية والمعارضة في البلاد) بنفسها عن هذه المبادرات رغم أنها شاركت في الاجتماع التمهيدي واعتبرت نفسها غير معنية لأسباب سياسية

وبناءً على ما سبق، يجزم مُحدث "المجلة" بأن "هناك محددات نفسية وثقافية مرتبطة ببنية الأحزاب وبيئة عملها وطبيعة نخبها في تفسير سلبية المبادرات وكأنها مونولوغ، فهي لا تعبر عن استراتيجية بعيدة المدى وهنا نستطيع القول إن هناك أزمة عميقة في المنهج السياسي من جهة وندرة القادة السياسيين من جهة أخرى، فالشأن الحزبي لا يشكو من عجز مبادراتي بل من تفعيل في الواقع فالتنظير تغلب على التدبير وغاليا ما تكون المبادرات بإيعاز وتحت الطلب وتنتهي صلاحياتها بانتهاء مهمتها دون تأثير بنيوي سواء كان الحزب يساريا أو إسلاميا لأن المتغير الآيديولوجي غير حاسم  في أداء الكيان السياسي عموما".

أسباب الفشل

ومن الأسباب الأخرى التي تقف وراء الفشل الكلي لهذه المبادرات، يقول عكنوش إن "هذه المبادرات عموما تكون ضحية الظرف أو السياق وتتأثر بالأحداث بدل أن تؤثر فيها وأحيانا يتم التسرع في طرحها أو التأخر وأحيانا تكون مرتبطة بأولويات أخرى ولهذا تكون عملية البناء عليها محدودة في الزمان والمكان، فأي مبادرة يجب أن تناقش أولا ثم تُقيم بعد ذلك وهو ما لا يحدث في العادة لأنه ينظر للمبادرة كغاية وليس كوسيلة حيث تتدخل المصالح وتتضارب وتجعلها غير وظيفية بل شعاراتية و مناسباتية فقط وهذه حقيقة سياسية تراكمت مع الوقت بشكل سلبي".

وفي وقت يصر فيه أصحاب المبادرات على إلباسها لباسا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، يربط خبراء في الشأن السياسي الانتعاش الحاصل بالانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة أواخر عام 2024، ويقول في هذا المضمار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورفلة كاهي مبروك إن "الأمر مرتبط بالانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة أواخر عام 2024، في خطوة استباقية لجس النبض وتهيئة الساحة السياسية".

وتعليقا على المبادرة وفرص نجاحها، يؤكد محدث "المجلة" أن "السلطة حاليا هي صاحبة المبادرات لامتلاكها أدوات الإقناع والتأثير"، وإن كانت مرتبطة بانتخابات 2024، يقول إن "الرئيس لم يترشح باسم أي حزب سياسي رغم أن انتماءه واضح، ومن جهة أخرى الخارطة البرلمانية للقوى السياسية تعطينا نظرة كافية وعليه فهذه المبادرات ستكون مثل التي سبقتها حتى تلك التي طرحت في مرحلة الحكم السابقة".

وخلص كاهي إلى القول بأن "هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تقف وراء الفشل، ومن بينها غياب الثقة بين السلطة والمعارضة، ولعلَ أبرز الأسباب أيضا عدم وجود رؤية موحدة للمعارضة الجزائرية مما يضعفها أمام السلطة، كما أثر تفشي الفساد كثيرا على جدية هذه المبادرات وأفرغها من محتواها".

font change

مقالات ذات صلة