أندية القراءة الإلكترونية العربية... فضاء مشترك عنوانه الشغف بالأدب

ترسيخ ثقافة النقاش وتجاوز عقبة الجغرافيا

Lina Jaradat
Lina Jaradat

أندية القراءة الإلكترونية العربية... فضاء مشترك عنوانه الشغف بالأدب

في عصر السماوات المفتوحة ووسط ضوضاء وسائل التواصل الاجتماعي وتسارع وتيرة مقاطع الفيديو المثيرة، يظل اللجوء إلى الكتب والقراءة وسيلة نادرة للحصول على المتعة والفائدة مع الكثير من الهدوء واللجوء إلى عالم الخيال والأفكار. لا شك أن كل قارئ بحاجة إلى من يشاركه تلك الحالة، سواء كان لتبادل الآراء حول ما يقرأ أو النقاش حول ما تطرحه من الأفكار والرؤى المختلفة، وربما الانتقال إلى ترشيحات كتب أخرى والسعي إلى توسيع المدارك وفهم ما يدور بشكل أكثر ثراء. لعل من حسن الحظ أن عددا من هؤلاء القراء استطاع أخيرا أن يفرض حضوره ويثبت وجوده في الفضاء الإلكتروني وينتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وسعى بعد ذلك إلى أن يجمع حوله محبي القراءة والمهتمين بشغف المعرفة والغوص بين صفحات الكتب، فكانت أندية القراءة الالكترونية، التي لفتت الأنظار حول العالم، وأصبح لها تأثيرها ومريدوها في عالم اليوم.

صيدلية الكتب

ربما كان نادي "صيدلية الكتب" من أوائل الصفحات والأندية التي أنشئت على الفضاء الإكتروني. أسسته انطلاقا من الأردن ناديا ياسين طعمة في صيف 2020 أثناء جائحة كوفيد10 كصفحة على "إنستاغرام"، واسم الصفحة يضم مهنة مؤسستها وشغفها. بعد أقل من عام، تبنت الصفحة مبادرة "كتابنا أولى بقراءاتنا" في "دعوة لمطالعة الأقلام العربية على تنوعها، مع انتشار الكتب المترجمة، وغياب إعلام ثقافي جاد يشير الى أقلام قد تبدو مجهولة للكثيرين"، كما تقول ياسين طعمة. شيد في ظلال المبادرة "ملتقى صيدلية الكتب الشهري" في يوليو/ تموز 2021 مستهلا اول لقاء له على "زوم" من فلسطين في حضور الكاتب الفلسطيني عباد يحيى لنقاش روايته "رام الله" الحديثة الصدور حينذاك.

صيدلية الكتب دعوة الى مطالعة الأقلام العربية على تنوعها، مع انتشار الكتب المترجمة، وغياب إعلام ثقافي جاد يشير الى أقلام قد تبدو مجهولة للكثيرين

ناديا ياسين طعمة

تقول ياسين طعمة: "تناوبت الملتقيات بعد ذلك، وكان الملتقى حريصا على الجمع بين الفكر والأدب بتصنيفاته، فاستضفنا قامات عربية على امتداد العالم العربي، وتنوعت قائمة ضيوف الفكر خلال السنوات الأربع  وكان من بينهم الدكتور سعد البازعي وإبراهيم البليهي من السعودية، وسعيد يقطين من المغرب وحبيب سروري من اليمن، والأستاذة ألفة يوسف من تونس ونادر كاظم من البحرين، وغيرهم، كما شملت قائمة ضيوف الأدب من مختلف أرجاء العالم العربي، وقمنا على مدار سنوات الملتقى بتكريم الاساتذة المترجمين في يوم الترجمة العالمي، ثم أدخلنا نقاشات الكتب المترجمة، كما أن لملتقى صيدلية الكتب حصادا سنويا في بداية العام يشارك فيه قراء من أنحاء العالم أفضل مطالعاتهم على مدار العام الماضي".

مجموعة نرد

من السويد، وفي فترة كوفيد19 أيضا، انطلقت مجموعة "نرد"، تحكي عنهم مؤسستها الروائية الفلسطينية هدى مشهراوي: "الفكرة جاءت في وقت كوفيد حيث نشطت جمعيتنا، "نرد للاداب والفنون"، إلكترونيا، وتضم مجموعة من الكتاب الموجودين في دول مختلفة من اوروبا وأماكن اخرى من العالم. كان من المهم جدا لنا التواصل مع الإنتاج الأدبي العربي، سواء في الدول العربية أو دول الاغتراب، والتعرف الى أسماء جديدة لكتاب عرب.

نتعلم ممارسة النقد ولو بشكله البسيط الانطباعي على الغالب، وهو ما يساهم في زيادة وعينا بالأدب العربي وبما يحصل في الساحة الأدبية والثقافية العربية

هدى مشهراوي

فكرة اللقاء إلكترونيا كانت بسبب الجغرافيا، فنحن نقيم في أماكن مختلفة من العالم ولا سبيل للقاء على أرض الواقع. نقرأ الرواية فقط، ومجموعتنا صغيرة بين 6 و8 اشخاص. تدار اللقاءات والنقاشات دوريا بيننا، وفي كل لقاء يتولى شخص منا تقديم الكتاب وإدارة النقاش حوله، كل بطريقته. وبما أن أغلبنا يمارس الكتابة، كان من الضروري لنا القراءة المشتركة التي تساهم في فتح مجالات لرؤية وقراءة مختلفة ومشتركة للكتاب نفسه، وأن نتعلم ممارسة النقد ولو بشكله البسيط الانطباعي على الأغلب، وهو ما يساهم في زيادة وعينا بالأدب العربي وبما يحصل في الساحة الأدبية والثقافية العربية".

من خلال مجموعة القراءة تأسست علاقات بين أفرادها على الصعيد الشخصي والأدبي، وأقمنا فعاليات جمعت بعضنا في أماكن مختلفة من اوروبا ونطمح إلى المزيد منها. في البداية كانت المجموعة مقتصرة على كتاب في دول الاغتراب، حرصنا لاحقا على ان ينضم الينا كتاب من فلسطين ونأمل أن نتعرف على المزيد من باقي الدول العربية".

نادي الكتاب

منذ نحو عامين وبين العراق والأردن، أنشأ علي الأسدي ورائدة نيروخ نادي الكتاب على "يوتيوب". يقول الأسدي: "أسسنا النادي لكي نجتمع ونقرأ على مبدأ العبارة الرنانة 'نلتقي لنرتقي'، والفكرة أن شغفنا بالقراءة موجود بالقوة ونادي الكتاب حافز ليصبح موجودا بالفعل، في الأصل يقرأ كل فرد ما يناسبه، حسب ظروفه ووقته، لكن في النادي يخرج القارئ من منطقة راحته ليكتشف عوالم أخرى في الكتب أدبا وفكرا وعلما وفلسفة وسواها، ثم إن المناقشات تثبت المعلومة وتستقر وتدوم أكثر مما لو قرأ المرء كتابا ما وحده فشرع في سواه. إلى اليوم أتذكر كثيرا من المناقشات التي خضناها في كتب جمة، ربما أنسى مع الوقت تفاصيل الكتاب لكن تفاصيل النقاش تستمر".

في النادي يخرج القارئ من منطقة راحته ليكتشف عوالم أخرى في الكتب أدبا وفكرا وعلما وفلسفة وسواها

علي الأسدي

يضيف الأسدي: "تطور الأمر بعد ذلك، وأحببنا أن نسجل تلك النقاشات، فأنشأنا قناة على "يوتيوب" باسم نادي الكتاب رغبة منا في خلودها ولتكون مرجعا لأنفسنا على الأقل كلما شعرنا بالحنين إلى كتاب ما خضناه إلا أن الزمن شاء أن ينسينا إياه. أدعي أن نادي الكتاب او القراءة الإلكتروني مساحة نادرة للتأمل والتفكير الجماعي في زمن السيولة الذي نعيشه بل زمن لحاق 'الترند'، هو منصة حقيقية من أجل اللقاء والحوار والانفتاح على عقل الآخر وتبادل الفكر والحكم على ما نقرأ بحسب مخزوننا المعرفي، ومصدر لشحذ القريحة، ودافع للمزيد من القراءة بل هو حبل يشدنا إليها، في عصر كل ما فيه يبعد الإنسان عن القراءة، ذلك أن النادي يشعرنا بالانتماء والالتزام الأخلاقي على الأقل تجاه الصديق الذي يشاركنا العمل نفسه".

سرديات

من طريق آخر، بدأت هاجر رابعي وصديقاتها من تونس، تحكي عن تجربة إنشاء نادي قراء "سرديات" فتقول: "بدأت مسيرة سرديات مع نواة أولى هن صديقات تونسيات يجمعهن حب القراءة وذلك في شهر سبتمبر/ أيلول 2023. لم يكن من الممكن الإلتقاء للحديث عن قراءاتهن لوجودهن في مناطق وبلدان مختلفة؛ فجاءت فكرة مجموعة سرديات على منصة فيسبوك والاعتماد على تطبيق زوم لمناقشة القراءات مع الكاتب. لاقت الفكرة استحسان الأدباء، وإلى اليوم استضافت المجموعة بأكثر من ثلاثين جلسة أدباء من مختلف أقطار العالم العربي ومن فرنسا. المجموعة اليوم تضم أكثر من ألفي عضو من جنسيات عربية مختلفة، مما أضاف ثراء كبيرا في جلسات النقاش، عدا الصداقات الكثيرة التي تكونت وتوطدت افتراضيا.

لائحة القراءات الجماعية هي خلاصة ترشيحات أعضاء المجموعة لثيماتها المتنوعة التي تعنى بهموم العالم العربي دون أي اعتبارات أخرى

هاجر رابعي

تقوم المجموعة شهريا بقراءتين جماعيتين بالعربية وبالفرنسية أو الإنكليزية، ولائحة القراءات الجماعية هي خلاصة ترشيحات أعضاء المجموعة لثيماتها المتنوعة التي تعنى بهموم العالم العربي دون أي اعتبارات أخرى. نوقشت أعمال كثيرة طيلة السنتين السابقتين لعدد من الروائيين والكتاب. وفي خطوة أخرى، قررت المجموعة مطلع هذا العام إنشاء جائزة عربية مستقلة للقراء، انطلاقا من القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، لتكون صوت القارئ. فقد لاحظنا في السنوات السابقة اختلاف أذواق القراء في كل عام عن اختيارات لجنة التحكيم، وفي الوقت نفسه أردنا أن يكون لنا اطلاعنا على طريقة الاختيار والتقييم بين الروايات الست المرشحة على القائمة القصيرة، فكونت لجنة من تسعة قراء من العالم العربي اجتمعوا عبر تطبيق زوم لساعات طويلة لمدة شهرين لمناقشة مختلف روايات القائمة القصيرة بحثوا فيها مختلف الجوانب السردية واللغوية واختاروا في النهاية الرواية الفائزة بجائزة القراء".

 هكذا استطاع أصدقاء القراءة ومحبو المعرفة أن يتجمعوا ويتحدوا المسافات والعقبات وينشئوا أنديتهم الإلكترونية الحرة، وأن يلتقوا في محبة الكتب والأدب، ولا شك أن الفضاء يمتلئ بنماذج مختلفة غيرهم، يسعى كل منهم بطريقته من خلال أدوات بسيطة لكي يجتمع ويشارك غيره في التحفيز على القراءة والمشاركة في الرأي وإثراء الفضاء الافتراضي العربي.

font change