تكشف خريطة تصنيع الأدوية الأميركية عن مفارقة لافتة، إذ في وقت تُعد الولايات المتحدة موطنا لأبرز الشركات المبتكرة في العالم، إلا أن إنتاج الأدوية، لا سيما الأدوية المكافئة والأقراص، يتم في معظمه خارج أراضيها. إذ تزود الهند، الملقبة بـ"صيدلية العالم"، الولايات المتحدة بأكثر من ثلث أدويتها المكافئة وغالبية الأقراص، فيما يهيمن الاتحاد الأوروبي على إنتاج الأدوية التي تحمل علامات تجارية. وحدها أدوية الحقن تخضع لسيطرة الإنتاج المحلي بدرجة أكبر، نظرا للقواعد الصارمة للتعقيم والمعايير العالية للجودة التي تتطلبها.
يمنح هذا التوزع الجغرافي ميزات اقتصادية واضحة عل رأسها انخفاض التكلفة وتنوع المصادر وتوسع الخبرات المتخصصة، لكنه في المقابل يسلّط الضوء على مكامن هشاشة استراتيجية. إذ قد تُعرض التوترات الجيوسياسية أو قيود التصدير أو اضطرابات سلاسل الإمداد، كما حدث أثناء جائحة "كوفيد-19"، إمدادات الأدوية الحيوية للخطر. الأمر الذي يطرح تساؤلات أمام صانعي القرار الأميركيين حول أمن الدواء والحاجة إلى بناء قدرات محلية أكثر صلابة.
كما أن هذا التنوع يفرض تحديات على إشراف إدارة الغذاء والدواء (FDA). فكل منشأة أجنبية مخصّصة للسوق الأميركية ملزمة بمعايير "ممارسات التصنيع الجيدة"، غير أن هذا التشتت العالمي يرهق قدرات الرقابة ويؤخر الموافقات.