لطالما تعرضت الانتخابات في ليبيا بعد العقيد معمر القذافي لكثير من الصعوبات، بدءا من أول اقتراع وطني جرى في يوليو/تموز 2012، بعد سبعة عشر شهرا من انطلاق الانتفاضة التي أطاحت بدكتاتورية القذافي.
حينها، أثار قرار تنظيم انتخابات وطنية في وقت مبكر من المرحلة الانتقالية جدلا واسعا. وفي نهاية المطاف، رأى المجلس الوطني الانتقالي، وهو الهيئة المؤقتة التي قادت الثورة في بداياتها، أن الخيار الأنسب للمضي قدما يتمثل في انتخاب "المؤتمر الوطني العام" ليتولى تنظيم انتخابات لاحقة تُفضي إلى تشكيل لجنة دستورية. وقد شكّل الانتقال من المجلس الوطني الانتقالي إلى المؤتمر الوطني العام المرة الأولى والوحيدة التي سلّمت فيها جهة ليبية السلطة بشكل طوعي.
ورغم ارتفاع نسبة المشاركة، التي تجاوزت 60 في المئة من الناخبين المؤهلين، والتنظيم الفني الجيد لعملية الاقتراع، فإن تعقيد النظام الانتخابي وضعف التوعية لدى الناخبين خلال انتخابات المؤتمر الوطني العام أفضيا إلى نتائج متباينة. وقد مثّل فوز ما يُعرف بـ"التحالف غير الإسلامي" مفاجأة لكثيرين، خصوصا أن الأحزاب والتيارات الإسلامية كانت قد حققت انتصارات انتخابية في دول الجوار بعد سقوط دكتاتورياتها. غير أن ميليشيات ذات توجه إسلامي في ليبيا سرعان ما حاصرت البرلمان وفرضت قانون "العزل السياسي"، الذي حال دون تولي المسؤولين السابقين في عهد القذافي مناصب رسمية جديدة. وقد عكست هذه الخطوة مدى تعقيد المشهد الليبي بعد الثورة.
كما أن ضعف فاعلية الحكومة الأولى، إلى جانب نتائج الانتخابات البرلمانية عام 2014 التي أُحيطت بجدل واسع، مهّد الطريق لانقسام السلطة بين الشرق والغرب، وهو الانقسام الذي لا يزال يُشكّل السمة الأبرز في المشهد السياسي الليبي حتى اليوم.
ومنذ ذلك الحين، أصبح اختيار قادة ليبيا يجري عبر عمليات تقودها الأمم المتحدة، مما أتاح لقادة انتقاليين متعاقبين التحول إلى شخصيات دائمة في المشهد السياسي.
فعلى سبيل المثال، انتُخب عقيلة صالح عام 2014 لعضوية مجلس النواب بأقل من ألف صوت في دائرته الانتخابية الصغيرة، ثم تولى لاحقا رئاسة المجلس. وبعد أحد عشر عاما، لا يزال يحتفظ رسميا بمنصبه كأعلى سلطة سياسية في الشرق، رغم أن عائلة خليفة حفتر تملك السلطة الفعلية في تلك المنطقة.