في الحقيقة إن الولوج إلى طريق التنمية لبلاد خرجت توا من حروب استمرت لسنوات، ترتكز على منطلقات أساسية لإقامة نهضة اقتصادية متوازنة وشاملة، تحددها المسارات التالية:
أولا: قضية الاستقرار السياسي والأمني، بمعنى أن تسيطر الدولة من خلال مؤسساتها الأمنية على الوضع العام في البلاد، وإن ظهرت بعض الجوانب غير الواضحة. والاستقرار كلمة مطاطة، قد تستغرق الكثير من التحليل والتأويل، والكثير من الرغبة في السيطرة بمعناها الواسع، وقد تعني النزوع للسيطرة الأمنية وفقا لما تعارفنا عليه خلال السنوات المنصرمة، ومن عهد الانقلابات العسكرية، والتزام المجتمع بما يقرره الانقلابيون. وهذه كانت تجارب فاشلة، لم تُدرس بما فيه الكفاية، لأن الاستقرار ليس في التسلط ومنع المجتمع من الحركة في القول والفعل، ولا في توجيه الاتهامات الجزافية لمن يرفع عقيرته لانتقاد مشهد معين، أو سلوك ذي صفة تدميرية، ولا في توجيه الاتهامات الجزافية للسلطة ومراقبتها في حركاتها وسكناتها، وضرورة أن ينتطح هذا أو ذاك وكأنه يدير دفة المشهد، برؤية قد تكون صائبة وقد تكون خائبة.
وعندما نقول الاستقرار المجتمعي، فلا يعني ذلك أن المجتمع يجب أن يكون على سوية واحدة من الفهم والتحليل والاعتبار، لأن تعبير المجتمع هذا تعبير ميثولوجي، لأن للمجتمع عدة أوجه وعدة تطلعات وعدة تساؤلات. ومن يدقق جيدا يجد أن هذا التعبير حمّال أوجه، لأن المجتمع تتنازعه عدة اتجاهات، منها:
- أيديولوجية مستحكمة متوارثة، وهي واجبة ولازمة ولا يجب الاستهانة بها أو التوجّه نحو السيطرة عليها وإلا دخلنا في صراع مجتمعي نحن في غنى عنه.
- رؤية سياسية نخبوية، ذات توجهات تبحث عن مكان لها في المجتمع، وبالتالي في السلطة. وهذا حق لها لا يمكن إبعاده أو إزاحته بقرارات أو إصدار أوامر، وهو تعبير سياسي واقتصادي واجتماعي لا بد من وجوده، لأنه يحقق التعادل العام في المجتمع.
- الانجذاب نحو الخارج بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لأن العالم الخارجي يؤثر ويتأثر، وهذه قضية معروفة وزادت وتيرتها خلال الخمسين سنة الأخيرة.