بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، عم الخراب قطاع الطاقة في سوريا، والمنافسة على إعادة البناء انطلقت بالفعل. فمع رحيل بشار الأسد، عاد الاهتمام بقطاع النفط والغاز إلى الواجهة، وفي الوقت نفسه، بدأت تتبلور ثورة هادئة أنابيب في مجال الطاقة الشمسية على المستوى الشعبي. واليوم تقف البلاد عند مفترق طرق في مجال الطاقة: هل سيرتكز تعافيها على النفط والغاز، أم أنها ستغتنم الفرصة للاتجاه نحو الطاقة المتجددة وبناء منظومة أكثر مرونة واستدامة؟
الخراب يعم قطاع الطاقة
دمرت الحرب الأهلية السورية البنية التحتية التقليدية للطاقة في البلاد، وأضعفت كثيرا قدرتها على استخراج الوقود الأحفوري وتكريره وتوزيعه. قبل النزاع، كان قطاعا النفط والغاز في سوريا يشكلان عماد الاقتصاد الوطني ومصدرا رئيسا لإيرادات الدولة. لكن الحرب أحدثت انخفاضا حادا في القدرة الإنتاجية. فهبطت القدرة على توليد الكهرباء من 9.5 غيغاواط إلى 1.6 غيغاواط فقط، في حين قدرت خسائر البنية التحتية في قطاع الكهرباء وحده بنحو 40 مليار دولار. وشهدت المزايا الجيوسياسية التي كانت تتمتع بها سوريا ذات يوم بوصفها مركزا إقليميا للطاقة، تراجعا كبيرا بسبب عدم الاستقرار والانقسام الداخلي بين مختلف المناطق، ما زاد صعوبة استعادة ممرات الطاقة الآمنة أو جذب الاستثمارات الخارجية. واليوم، تتوقف استعادة دور سوريا في تدفقات الطاقة الإقليمية على آفاق الأمن والاستقرار الاقتصادي وإعادة الإعمار المادي على المدى الطويل، وليس هناك ما يضمن تحقق أي منها.
منحت السلطات السورية الجديدة الأولوية لإعادة بناء قطاع الطاقة. وفي مارس/آذار الماضي، استحدثت وزارة الطاقة الجديدة بعد دمج وزارات الكهرباء والنفط والثروة المعدنية والموارد المائية. مع ذلك ستمضي مدة من الوقت قبل أن تتمكن السلطات الجديدة من إنشاء هيئة وطنية تنظيمية فعالة وقادرة على إدارة سياسات الطاقة، والإشراف على إعادة إعمار البنية التحتية لإنتاج الطاقة في سوريا، ومتابعة تدفق المستثمرين الأجانب الراغبين في استكشاف الفرص في قطاع الطاقة. لكن إعادة بناء الأصول المادية، مع أنها من الخطوات الأولى الأساس، ليست سوى نصف الطريق. أما نصفها الآخر الذي لا يقل أهمية وإلحاحا، فهو إعادة بناء منظومة الحوكمة لإدارة موارد الطاقة وتوزيعها بعدالة.