معركة المعادن النادرة... "حرب خفية" في باطن الأرض

سلاح الصين الجديد... وأميركا تحاول المواكبة

المجلة
المجلة

معركة المعادن النادرة... "حرب خفية" في باطن الأرض

في مساء رمادي على سواحل تيانجين، كانت الرافعات الحمراء تحرك جبالا من التربة البنية الثقيلة نحو مخازن الشحن. لا يبدو في المشهد ما يوحي بالدراما السياسية، فكل شيء يسير ببطء وبنظام ممل يشبه إيقاع البيروقراطية الصينية القديمة. لكن خلف هذا الهدوء كانت بكين تطلق الرصاصة الأولى في معركة ستتردد أصداؤها عبر الاقتصاد العالمي كله.

ففي ذلك الأسبوع، خرجت وزارة التجارة الصينية بما سمته "الإعلان رقم 62 لعام 2025" وهو وثيقة بيروقراطية صغيرة في ظاهرها، لكنها أشعلت حرب أعصاب حقيقية في واشنطن. إذ لم يكن الأمر مجرد تعديل تنظيمي، بل كان بمثابة إعلان لاستعداد الصين لاستخدام سلاحها الجيولوجي الأكثر فعالية: المعادن النادرة.

هذه المعادن، التي تستخرج من أعماق الأرض وتعالج في مصانع تغطيها سحب بيضاء من البخار الكيميائي، لا تساوي في قيمتها المباشرة أكثر من 0.1% من الاقتصاد الصيني البالغ 18 تريليون دولار. لكنها في ميزان القوة، تعادل حاملات الطائرات. فهي المادة الخفية التي تدور حولها عجلة التكنولوجيا الحديثة، من هواتف "آيفون" إلى مقاتلات "إف-35"، ومن محركات السيارات الكهربائية إلى الأقمار الصناعية.

حين قررت بكين أن تخضع صادراتها منها لقيود جديدة، كانت تعرف تماما أنها تمسك بأحد أعصاب العالم الصناعية — وبأنها تضغط تحديدا على النقطة الأكثر إيلاما في جسد إدارة دونالد ترمب.

رويترز
عامل في موقع منجم معادن أرضية نادرة في مقاطعة نانتشنغ

رد البيت الأبيض لم يتأخر. إذ هدد ترمب بفرض رسوم تصل إلى 100% على السلع الصينية، بينما صعد وزير الخزانة سكوت بيسنت لهجته قائلا: "إنها الصين ضد العالم الحر، وقد وجهت مدفعها نحو سلاسل الإمداد الصناعية العالمية، ولن نقف مكتوفي الأيدي". لكن ما لم يقله بيسنت هو أن العالم الحر، كما يسميه، بات معتمدا على بكين إلى درجة لا تسمح له بالمناورة. فالولايات المتحدة، رغم جبروتها الاقتصادي، لا تملك اليوم بنية تحتية لمعالجة تلك المعادن، ولا قوى عاملة قادرة على منافسة الكفاءات الصينية التي راكمت خبرتها عبر عقود.

منذ أشهر قليلة فقط، بدا أن الهدوء عاد بين القوتين بعد هدنة تجارية متوترة. لكن هذا الإعلان الجديد أعاد كل شيء إلى نقطة الصفر. فرضت الصين والولايات المتحدة رسوما جديدة، إحداهما على سفن الأخرى، وكأنهما تتبادلان رسائل عداء عبر الموانئ. وفي خلفية المشهد، بدا أن القادة في بكين قد اختاروا توقيتهم بعناية قبل لقاء مرتقب بين ترمب وشي جين بينغ. فبينما تراهن واشنطن على رفع الضغوط لإعادة تشكيل شروط التبادل التجاري، جاءت بكين لتقول بلغة صامتة: "لسنا الطرف الذي يمكن ابتزازه".

القضية هنا تتجاوز الاقتصاد، فهي جزء من اختبار أوسع لموازين القوة في القرن الحادي والعشرين. فالمعادن النادرة ليست مجرد سلعة، بل هي بمثابة الشريان الخفي الذي يغذي كل ما يسمى "القوة الذكية" في العصر الحديث. من دونها لا يمكن تصنيع الرادارات، أو أنظمة التوجيه، أو حتى الألواح الشمسية التي يفترض أن تنقذ الكوكب من الاحتباس الحراري. أي اضطراب في إمدادها يمكن أن يشل قطاعات كاملة من الاقتصاد الغربي في غضون أسابيع.

يدرك قادة الصين أن نفوذهم لا ينبع فقط من المصانع التي تصدر الإلكترونيات إلى الغرب، بل من قدرتهم على التحكم في "ما قبل التصنيع" أي في المادة الخام التي يبدأ منها كل شيء

وبينما كان ترامب يتحدث عن إعادة التصنيع إلى الأراضي الأميركية، كانت بكين تثبت أن بعض أنواع الإنتاج لا تقاس بالأيدي العاملة الرخيصة، بل بـ"الموقع الجيولوجي" في خريطة الكوكب.

حين تسربت تفاصيل الإعلان رقم 62 إلى الصحافة، هرع المستثمرون والمحللون إلى قراءة نصه بخليط من الذعر والفضول. فهو ينص على أن أي شركة أجنبية ترغب في تصدير منتجات تحتوي على أي نسبة من المعادن النادرة، ولو ضئيلة، يجب أن تحصل على ترخيص حكومي وأن تعلن الغرض من الاستخدام.

ما قبل التصنيع

كانت لغة الوثيقة بيروقراطية جافة، لكنها كانت تحمل رسالة سياسية واضحة، فالصين ستقرر بنفسها لمن تبيع، وبأي شروط، ومتى توقف الصنبور. ورغم أن المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية حاول تهدئة المخاوف بقوله إن التراخيص ستمنح بسهولة طالما أن الاستخدام مدني، فإن الرسالة لم تخف على أحد. فالصين كانت قد استخدمت هذا السلاح من قبل في 2010 ضد اليابان، حين أوقفت صادراتها إثر نزاع بحري، مما أربك الصناعات اليابانية لأشهر طويلة. ولم ينس العالم هذا الدرس، وها هي واشنطن الآن تكتشف أنها في الموضع ذاته.

يدرك قادة الصين أن نفوذهم لا ينبع فقط من المصانع التي تصدر الإلكترونيات إلى الغرب، بل من قدرتهم على التحكم في "ما قبل التصنيع" أي في المادة الخام التي يبدأ منها كل شيء. ومن هنا، فإنهم لا يرون في الإجراءات الجديدة مجرد رد على الرسوم الأميركية، بل خطوة في مسار طويل لإعادة تشكيل بنية القوة العالمية، حيث تكون الصين في قلبها الجيولوجي، والغرب مجرد مستهلك مضطر.

ويبدو أن بكين لم تعد تخشى المواجهة المفتوحة. فهي تعلم أن الاعتماد المتبادل مع واشنطن يشبه عقد زواج قديما لا يمكن فضه بسهولة، لكنها تريد أن تعيد تعريف شروط هذا الزواج. والولايات المتحدة، رغم ضجيجها، تدرك أن تهديداتها الجمركية لا تمس إلا السطح، بينما تظل بكين قادرة على ضرب الأعصاب الصناعية العميقة التي يقوم عليها الاقتصاد الأميركي الحديث.

رويترز
منظر لمنجم المعادن الأرضية النادرة المفتوح التابع لشركة "إم بي ماتيريالز" في ماونتن باس، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأميركية

في الأيام التالية للإعلان، تراجعت صادرات الصين من المعادن النادرة بأكثر من 30% مقارنة بالعام السابق، لكن أحدا في بكين لم يبد قلقا. فالقيمة الاقتصادية لتلك الصادرات ضئيلة، لكن قيمتها التفاوضية لا تقدر بثمن. وتستطيع الصين أن تتحمل الخسائر المادية مقابل مكاسب استراتيجية تعيد ترتيب موازين اللعبة.

يأتي القرار في لحظة شديدة الحساسية، إذ شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا في حدة التوتر والخطاب بين واشنطن وبكين. فقد اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الصين بممارسة "عداء تجاري"، ولوح بإمكان إلغاء لقائه المرتقب مع نظيره الصيني على هامش القمة، في إشارة واضحة إلى هشاشة العلاقات الديبلوماسية بين القوتين العظميين قبيل أيام من انعقاد المنتدى.

وأضاف القرار الصيني الجديد خمس معادن نادرة إلى قائمة القيود، وهي: الهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والأوروبيوم، والإيتيربيوم، لتنضم إلى سبع معادن أخرى كانت قد خضعت لقيود مماثلة في أبريل/نيسان الماضي، من بينها الساماريوم، والغادولينيوم، والتيربيوم، والديسبروسيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم. كما أعلنت بكين فرض قيود على تصدير المعدات التقنية المتخصصة في عمليات تكرير هذه المعادن، في خطوة يراها المراقبون بمثابة رد استباقي على أي إجراءات أميركية مرتقبة، خاصة أن تطبيق القيود سيبدأ في الأول من ديسمبر/كانون الاول المقبل.

إذا كان النفط هو "دم الصناعة" في القرن العشرين، فإن المعادن النادرة هي "الخلايا العصبية" لصناعة القرن الحادي والعشرين

قبل أن تتحول إلى ورقة ضغط في لعبة الأمم، كانت "المعادن النادرة" مجرد حاشية جيولوجية في كتب الكيمياء. مجموعة من سبعة عشر عنصرا تقع في أسفل الجدول الدوري، أسماؤها غريبة على الأذن. ومع ذلك، فإن هذه العناصر الصغيرة في وزنها، الثقيلة في أثرها، أصبحت اليوم قلب التكنولوجيا الحديثة وروح الصناعات المتقدمة.

رغم اسمها، فالمفارقة أن "العناصر النادرة" ليست نادرة بالمعنى الحرفي، فهي موجودة في معظم قشرة الأرض، لكنها مبعثرة بكميات صغيرة جدا يصعب تركيزها اقتصاديا. بمعنى آخر، هي ليست معادن نادرة في الوجود، بل نادرة في الجدوى. فبينما يمكن استخراج الحديد أو النحاس من رواسب تركيزها 50%، فإن تركيز العناصر النادرة قد لا يتجاوز أجزاء من المليون. لذا، فإن عملية فصلها ومعالجتها تتطلب سلسلة طويلة من العمليات الكيميائية المعقدة، تتخللها أخطار بيئية ضخمة. هذه المعادلة بالضبط هي ما جعل الصين — لا الطبيعة — صاحبة الحصة الكبرى منها.

صميم كل شيء

تدخل المعادن النادرة في كل تفصيل من تفاصيل العالم الحديث تقريبا. النيوديميوم يستخدم لصناعة المغانط الدائمة في محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، والديسبروسيوم يمنح تلك المغانط قدرتها على التحمل الحراري، والسيريوم يدخل في صناعة الزجاج والعدسات والشاشات، بينما يستخدم اللانثانوم في بطاريات السيارات الهجينة. أما الإيتريوم، فيعد مكونا أساسيا في الليزر وأنظمة التوجيه العسكرية. وإذا كان النفط هو "دم الصناعة" في القرن العشرين، فإن المعادن النادرة هي "الخلايا العصبية" لصناعة القرن الحادي والعشرين — تربط التكنولوجيا المتقدمة بالطبيعة في علاقة لا يمكن فصلها.

في مصانع كاليفورنيا أو برلين أو سيول، قد لا يتحدث المهندسون كثيرا عن هذه العناصر، لكنها تكمن في صميم كل شيء: في الكاميرا التي تلتقط الصورة، في الرادار الذي يوجه الطائرة، وفي اللوح الشمسي الذي يحول الضوء إلى كهرباء. بل يمكن القول إن التحول الأخضر نفسه — بكل وعوده عن الطاقة النظيفة — قائم على أكتاف هذه العناصر. فكل سيارة كهربائية تحتاج ما بين 10 إلى 15 كيلوغراما منها، وكل توربينة رياح قد تحتاج إلى مئات الكيلوغرامات. لذلك، فإن الانتقال إلى عالم خال من الكربون جعل العالم يعتمد أكثر على الأرض ذاتها، ولكن عبر معادن جديدة.

حين أدركت الصين هذه الحقيقة قبل غيرها، بدأت تحولها إلى استراتيجيا دولة. فمنذ الثمانينيات، رأت بكين أن التحكم في المواد الخام الحساسة يعني التحكم في المستقبل الصناعي. ومع أن الولايات المتحدة كانت تمتلك حينها أكبر منجم للمعادن النادرة في العالم (منجم ماونتن باس في كاليفورنيا)، فإن الإهمال البيئي وتراجع الجدوى الاقتصادية دفعها الى إغلاقه، تاركة الساحة للصين. بكين من جانبها لم تترك شيئا للمصادفة: أنشأت شبكات بحثية وجامعات متخصصة، وقدمت حوافز حكومية ضخمة لتطوير تقنيات المعالجة التي كان الغرب يعتبرها "قذرة بيئيا". النتيجة أن الصين بنت منظومة متكاملة لا تقتصر على الاستخراج، بل تمتد إلى الفصل الكيميائي، والصهر، والتحويل الصناعي، أي إلى "التحكم في القيمة المضافة".

هذه المنظومة منحتها ميزة مزدوجة اقتصادية واستراتيجية. اقتصاديا، أصبحت هي المورد الأرخص والأكثر استقرارا، مما دفع الشركات الغربية إلى الاعتماد الكامل عليها. استراتيجيا، أصبحت تتحكم في نقطة الخنق داخل سلاسل الإمداد. فحتى لو اكتشفت دولة أخرى رواسب جديدة، فإنها ستجد نفسها مضطرة إلى إرسال الخام إلى الصين للمعالجة، لأن التقنيات اللازمة لذلك مركزة هناك. في هذا المعنى، احتكرت بكين ليس المنجم فقط، بل المعرفة أيضا.

لكي تطور دولة أخرى القدرة نفسها، تحتاج إلى سنوات من البحث والاستثمار والتجريب، فضلا عن بنية تحتية بيئية وكيميائية معقدة

ولأن لكل هيمنة ثمنا، فقد دفعت الصين تكلفة بيئية باهظة. في مدينة باوتو بمقاطعة منغوليا الداخلية، تظهر صور الأقمار الصناعية بحيرة صناعية ضخمة من النفايات السوداء السامة التي خلفتها عمليات فصل المعادن. لكنها في نظر القيادة الصينية "تضحية ضرورية" في سبيل الصعود التكنولوجي. فبينما كانت الدول الغربية تنشغل بتشديد معايير البيئة، كانت الصين تبني "سلسلة قيمة استراتيجية" تجعل الآخرين رهائن لقرارها. المفارقة أن الوعي البيئي في الغرب ساهم — دون قصد — في نقل السيطرة إلى الشرق.

رويترز
عمال ينقلون تربةً تحتوي على عناصر أرضية نادرة للتصدير في ميناء ليانيونقانغ، مقاطعة جيانغسو، الصين، 31 أكتوبر 2010

اليوم، تمثل الصين أكثر من 60% من إنتاج العالم من المعادن النادرة، وأكثر من 85% من قدرته على معالجتها. هذا لا يجعلها مجرد منتج، بل "مركز الجاذبية" لكل الصناعات التي تقوم عليها التكنولوجيا الحديثة. ومن هنا نشأ ما يسميه بعض المحللين "الاحتكار الصامت"، وهو قوة غير معلنة لكنها محسوسة في كل جهاز إلكتروني.

مفاتيح الجغرافيا الاقتصادية

لكن هذا الاحتكار لا يعتمد على المادة فقط، بل على الزمن أيضا. فلكي تطور دولة أخرى القدرة نفسها، تحتاج إلى سنوات من البحث والاستثمار والتجريب، فضلا عن بنية تحتية بيئية وكيميائية معقدة. لذلك، حين يتحدث الخبراء عن تقليص الاعتماد على الصين خلال خمس سنوات، فإنهم يتحدثون عن هدف طموح أقرب إلى الخيال. فالمشكلة ليست فقط في بناء المصانع، بل في بناء المعرفة والخبرة المتراكمة، وهي أمور لا تشترى بالأموال.

وبهذا، تصبح المعادن النادرة أكثر من مجرد موارد، فهي مفاتيح الجغرافيا الاقتصادية الجديدة، حيث تترجم الطبيعة إلى نفوذ، والجيولوجيا إلى سياسة خارجية. فهي تمنح الدول التي تملكها قدرة على صوغ قواعد اللعبة، ليس عبر السلاح أو العملة، بل عبر الإمداد المادي الذي لا بديل منه.

ومن هنا، يمكن فهم المعركة الراهنة بين بكين وواشنطن. فحين تلوح الصين بتقييد صادراتها، فهي لا تبيع ولا تمنع فقط، بل تعيد تعريف معنى "القوة" في الاقتصاد العالمي. هي تقول عمليا: "نحن لا ننتج السلع، بل ننتج ما يجعل السلع ممكنة." إنها نقطة البداية في سلسلة لا يمكن أي اقتصاد صناعي أن يعمل من دونها، وهي بذلك تمسك بالبداية والنهاية معا.

في ثمانينيات القرن الماضي، بينما كانت الولايات المتحدة منشغلة بانتصارها في الحرب الباردة، كانت الصين تخوض حربا من نوع آخر — حربا في باطن الأرض. إذ كانت تعمل في صمت لتستخرج من الصخور ترياق القرن المقبل: العناصر الأرضية النادرة. حينها، لم يهتم أحد كثيرا. فهذه المعادن كانت تعتبر هامشية، لا تساوي ثمن الجهد المبذول لاستخراجها. لكنها في عيون المخططين الصينيين، كانت بذور الهيمنة الصناعية المقبلة.

القصة بدأت فعليا في عام 1986، عندما أطلق دينغ شياو بينغ، مهندس الصين الحديثة، مشروعا استراتيجيا يعرف بـ«خطة 863» — مبادرة ضخمة لتمويل البحث العلمي في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، من الفضاء إلى المواد الجديدة. وبين سطور تلك الخطة، كانت هناك فقرة صغيرة عن "تطوير موارد العناصر النادرة واستخداماتها الصناعية".

بينما كانت الأسواق الغربية مفتونة بعولمة التصنيع الرخيص، كانت الصين تنسج خيوط احتكار صامت

كانت الصين تعرف أن لديها كنزا تحت أقدامها. فإقليم باوتو في منغوليا الداخلية يضم أحد أكبر مناجم العناصر النادرة في العالم، يحتوي على ما يقارب 40 مليون طن من الاحتياطيات المؤكدة. ومع أن هذه المعادن موجودة في دول أخرى، فإن ما ميز الصين هو استعدادها لدفع الثمن البيئي الذي أحجمت عنه الدول الغربية.

في التسعينيات، حين كانت واشنطن تغلق مناجمها خوفا من التلوث، كانت الصين توسع عملياتها وتبني المصافي، حتى لو لوثت الأنهار والهواء. كما قال دينغ شياو بينغ في عبارته الشهيرة عام 1992: "الشرق الأوسط يملك النفط، والصين تملك العناصر النادرة".

منذ تلك اللحظة، دخلت بكين اللعبة بعقلية استراتيجية صافية: ليست المسألة إنتاجا فقط، بل تحكم في السلسلة بأكملها.
بدأت بتأميم المناجم تدريجيا في التسعينيات، ثم أنشأت شركات عملاقة شبه حكومية دمجت بين التعدين والتكرير والبحث العلمي. وبعدها فرضت قيودا على تصدير الخام غير المعالج، بحيث تجبر الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا والتكرير داخل الصين. بهذه الخطوات الصغيرة، بنت الصين ما يشبه "الأوبك"الخاصة بها — لكن بدلا من النفط، كانت السلعة هي الذرات النادرة التي لا ترى.

الموارد الاستراتيجية الوطنية

وبينما كانت الأسواق الغربية مفتونة بعولمة التصنيع الرخيص، كانت الصين تنسج خيوط احتكار صامت. فالشركات الأميركية واليابانية والكورية، التي كانت تبحث عن تقليل التكلفة، نقلت مصانعها إلى الصين من دون أن تدرك أنها سلمتها مفاتيح المواد الخام أيضا. وفي حلول مطلع الألفية، كانت الصين تسيطر على أكثر من 90% من إنتاج العالم من العناصر النادرة، ليس لأنها تملك كل المناجم، بل لأنها الوحيدة التي كانت تتحمل التكلفة البيئية والمعرفية والتكنولوجية لاستخراجها.

ثم جاءت الخطوة الأكثر دهاء وهي عملية الهيمنة عبر الأسعار. ففي العقد الأول من الألفية، أغرقت الصين السوق العالمية بمعادن نادرة رخيصة، حتى أغلقت المناجم المنافسة في أميركا وأوستراليا لعدم قدرتها على المنافسة. وعندما انهار آخر منجم أميركي رئيس في كاليفورنيا -منجم ماونتن باس- عام 2002، كانت بكين قد حققت الهدف، الاحتكار الكامل.

AFP
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الصيني شي جين بينغ يغادران فعالية لقادة الأعمال في قاعة الشعب الكبرى في بكين

لم يكن هذا مصادفة، بل نتاج تخطيط مركزي طويل المدى. ففي كل خطة خمسية، كانت الحكومة الصينية تدرج العناصر النادرة ضمن "الموارد الاستراتيجية الوطنية"، إلى جانب النفط والحبوب. بل أنشأت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات إدارة خاصة لمتابعة الإنتاج، وتحديد الحصص، ومراقبة التصدير.

وخلف هذه السياسات، كانت تدور ثورة علمية صينية صامتة. ففي الوقت الذي كانت فيه الجامعات الغربية تركز على علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي، كانت الجامعات والمعاهد الصينية تمول أبحاثا في كيمياء المعادن الأرضية، والهندسة الجيولوجية، والتكرير الكيميائي الدقيق. واليوم، تمتلك الصين أكثر من 70% من براءات الاختراع العالمية المتعلقة بتكرير العناصر النادرة، وتهيمن شركاتها على كل مرحلة من مراحل الإنتاج، من التعدين إلى إعادة التدوير.

الأدهى من ذلك أن الصين لم تكتف بالتحكم في الخام، بل بنت سلسلة القيمة المضافة حوله، من إنتاج المغناطيسات الفائقة المستخدمة في المحركات الكهربائية، إلى الشرائح المغناطيسية في الرادارات، وصولا إلى الليزرات الصناعية وأنظمة التوجيه العسكرية.

الأزمة اليابانية

عندما وقعت أزمة عام 2010 مع اليابان، كانت تلك البروفة الأولى لاستخدام هذا النفوذ كسلاح. أوقفت الصين حينها تصدير العناصر النادرة لأسابيع، فارتفعت الأسعار عالميا بنسبة 700%، واضطرت طوكيو إلى إعادة النظر في سياستها الصناعية بالكامل. ومنذ ذلك الحين، صار واضحا أن الصين لا تستخدم المعادن فقط لكسب المال، بل لبناء نظام نفوذ عالمي يعتمد على الاعتمادية المتبادلة، لكنها هي الطرف الذي يملك "صمام الأمان".

اليوم، وبعد أربعة عقود من تلك الخطة الصغيرة في 1986، تحصد بكين ثمار استراتيجيتها الطويلة، فهي لا تهيمن على المعادن فحسب، بل على التحول الصناعي العالمي نحو الطاقة النظيفة. فالعالم يريد أن يتخلى عن النفط، لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك دون العناصر التي تحتكرها الصين. وهي مفارقة كبيرة: فالخروج من الاعتماد على الوقود الأحفوري قاد إلى اعتماد جديد على معادن نادرة تنتج في دولة واحدة.

في قلب كل مفاوضة تجارية كبرى، باتت المعادن النادرة تلعب دورا غير مباشر لكنه حاسم

وبينما تحاول واشنطن اللحاق بالركب عبر إعادة تشغيل مناجمها، ترد بكين بخطوة أبعد، كالاستثمار في أفريقيا وأميركا اللاتينية لتأمين مصادر بديلة تحت مظلتها. أي أن الصين تحتكر حتى البدائل قبل أن تولد.

اتفاق رواندا والكونغو

في لحظة فارقة من التاريخ السياسي للقارة الأفريقية، وقعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام في يونيو/حزيران 2025، ينظر إليه كمحطة مفصلية في سياق إعادة رسم مستقبل صناعة التعدين في المنطقة. فالمناطق الحدودية بين البلدين تعد من أغنى مناطق العالم بعناصر استراتيجية مثل الكوبالت والنيوديميوم، وهما من بين المعادن الأكثر طلبا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والمغناطيسات الدائمة المستخدمة في الصناعات الدفاعية، والفضائية، وأشباه الموصلات.

الاتفاق، الذي تم بوساطة إقليمية ودعم دولي، يفترض أن يخلق بيئة أكثر استقرارا للاستثمار الأجنبي في التعدين، خاصة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في محاولة لتنويع مصادر الإمداد وتقليل الاعتماد على الصين. ويتوقع أن يمهد هذا التفاهم الطريق أمام إطلاق مشاريع استخراج وتكرير جديدة، وتحديث البنية التحتية التعدينية في شرق أفريقيا.

AFP
منظر عام لمنشآت المعالجة في منجم تينكي فونغوروم، أحد أكبر مناجم النحاس والكوبالت في العالم، جنوب شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية

لكن الواقع أكثر تعقيدا. فالموارد الطبيعية، رغم غناها، كانت دائما في أفريقيا سببا للنزاع وليس أداة سلام. لذلك يثير الاتفاق تساؤلات حول مدى واقعية بناء سلام مستدام على قاعدة الثروات المعدنية، خصوصا مع وجود ميليشيات مسلحة ومصالح إقليمية متضاربة في المنطقة. وقد حذر محللون من أن غياب الشفافية والمحاسبة قد يحول الاتفاق إلى صراع جديد مقنع بعباءة التنمية، بدلا من أن يكون منصة لإطلاق مرحلة استقرار حقيقي.

تحجيم الدور الصيني

في ضوء هذه التحولات، تبحث القوى الغربية عن بدائل تكنولوجية أو اقتصادية لتحجيم الدور الصيني المهيمن على سلسلة القيمة الكاملة للمعادن النادرة. في مواجهة ذلك، تجرى تجارب في مختبرات أميركية ويابانية على استخدام مركبات بديلة مثل الحديد-النيتريد أو الكربون المعالج، لكن هذه المواد لا تزال تفتقر إلى الكفاءة المطلوبة، خاصة في تطبيقات مثل الأنظمة الدفاعية أو محركات الأقمار الصناعية. أي أن الاعتماد على البدائل التقنية لا يزال محدودا ومؤجلا للمدى الطويل.

من جهة أخرى، تطرح إعادة التدوير كخيار استراتيجي لتعويض الفجوة، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة من حيث الكفاءة والتكلفة. فوفقا لتقارير الصناعة، فإن أقل من 10٪ من الطلب العالمي على المعادن النادرة يمكن تغطيته من خلال التدوير، وذلك بسبب صعوبة فصلها من المنتجات الإلكترونية القديمة وتعقيد عمليات الاسترجاع.

في قلب كل مفاوضة تجارية كبرى، باتت المعادن النادرة تلعب دورا غير مباشر لكنه حاسم. الصين استغلت هذا الملف كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة، حيث هددت مرارا بتقييد صادراتها في أوقات التوتر التجاري. هذا السلاح غير التقليدي أكسبها موقعا تفاوضيا قويا، وجعل من التحكم في هذه المواد أداة ديبلوماسية لا تقل فعالية عن العقوبات الاقتصادية.

في المقابل، بدأت بعض الدول الأفريقية—مثل زيمبابوي—بالاستفادة من نفوذها الجيولوجي. فقد فرضت الحكومة قيودا على تصدير خام الليثيوم بغرض تعزيز التصنيع المحلي وخلق سلاسل قيمة داخلية. وتتبنى دول أخرى نهجا شبيها من خلال عقد شراكات استراتيجية مع تكتلات آسيوية وأوروبية، في محاولة لضمان دور متكافئ في سلاسل الإمداد العالمية وعدم البقاء كمجرد "مزود خام".

في العقدين الأخيرين، كان الغرب يعيش في وهم "الاعتماد المتبادل"، معتقدا أن الصين ستظل مجرد مصنع كبير للعالم، بينما تبقى واشنطن ولندن وبروكسيل صاحبة القرار والتفوق التكنولوجي. لكن إعلان بكين الأخير في شأن تقييد صادرات المعادن النادرة أيقظ الجميع على حقيقة صادمة، أن مفاصل التكنولوجيا الغربية كلها — من المقاتلات إلى الهواتف الذكية — تمر عبر يد الصين. أدركت واشنطن أن خصمها لا يحتاج إلى جيوش كي يضغط عليها، بل يكفي أن يوقف شحنة صغيرة من معدن اسمه "النيوديميوم".

بدأت الولايات المتحدة رحلة استعادة السيطرة بخطى متعثرة. ففي عام 2010، وبعد الأزمة التي فجرتها الصين مع اليابان، قررت واشنطن إعادة تشغيل منجم "ماونتن باس" في صحراء كاليفورنيا، وهو المنجم الذي أغلقته قبل سنوات بسبب التلوث. بدا القرار كأنه بداية جديدة، لكنه سرعان ما كشف المفارقة القاسية: المنجم الأميركي كان يرسل خاماته إلى الصين من أجل التكرير. بكلمات أخرى، كانت أميركا تحفر في أرضها ولكنها لا تزال تعتمد على خصمها ليتم العملية. وكأنها استعادت السيادة على التراب، لكنها فقدتها في المختبر.

منذ ذلك الوقت، حاولت الإدارات الأميركية المتعاقبة رسم "خريطة جديدة لسلاسل الإمداد". وضعت وزارة الدفاع المعادن النادرة ضمن أولويات الأمن القومي، وبدأت بتمويل أبحاث في الجامعات لتطوير تقنيات تكرير نظيفة وصديقة للبيئة. غير أن العقبة الكبرى ظلت بيئية واقتصادية في آن واحد. فالتكرير عملية معقدة تتطلب عشرات المواد الكيميائية وتخلف نفايات سامة يصعب التخلص منها. الصين كانت مستعدة لتحمل هذه التكلفة منذ الثمانينيات، لكن واشنطن اليوم تجد نفسها أسيرة رأي عام يرفض أي نشاط يلوث البيئة. الديمقراطية هنا ليست في صف الصناعة.

مغازلة ترمب بالمعادن

وتسعى عدة دول إلى كسب ودّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عبر توقيع اتفاقات تتعلق بالمعادن الحيوية، وهي عناصر أساسية في الصناعات العسكرية والتكنولوجية الحديثة، في ظل هيمنة الصين على إنتاجها ومعالجتها.

أحدث هذه الدول هي أستراليا، حيث وقّع رئيس وزرائها أنتوني ألبانيزي اتفاقًا في واشنطن يمنح الولايات المتحدة وصولاً أوسع إلى احتياطياتها من المعادن الحيوية مقابل استثمارات مشتركة تبلغ 3 مليارات دولار خلال ستة أشهر، لاستخراج معادن تُقدَّر قيمتها بـ 53 مليار دولار. كما سيستثمر البنتاغون في إنشاء مصفاة متقدمة في غرب أستراليا لإنتاج معدن الغاليوم.

يرى ترمب أن هذا التعاون سيجعل الولايات المتحدة خلال عام تمتلك "من المعادن الحيوية ما يفوق حاجتها"، إذ أصبحت هذه الموارد محورًا رئيسيًا في سياسته الخارجية، من الصفقات الدبلوماسية إلى التهديدات التجارية.

وفي أوكرانيا، ربط ترمب استمرار الدعم الأميركي لكييف بالحصول على جزء من ثرواتها المعدنية، مما أدى في أبريل إلى توقيع اتفاق يمنح الشركات الأميركية أفضلية في الوصول إلى أكثر من مئة منجم للّيثيوم والتيتانيوم. أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد توسط ترامب في اتفاق سلام مع رواندا يشمل التعاون في مجال المعادن الحيوية، في محاولة للحد من النفوذ الصيني في إفريقيا، رغم بقاء الاتفاق محل جدل داخلي. وفي باكستان، أبرمت الحكومة صفقة بقيمة 500 مليون دولار مع شركة أميركية تتيح استخراج معادن مثل الأنتيمون والنحاس، مع بدء أولى الشحنات إلى الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول.

تسعى إدارة ترمب أيضًا لتعزيز السيطرة المباشرة عبر استثمار وزارة الدفاع في شركة "أم بي ماتريالز" الأميركية وشراء حصص في شركات كندية، استمرارًا لنهجها الرامي إلى بناء أمن اقتصادي قائم على الموارد الحيوية — وهو نفس الدافع وراء اهتمام ترامب السابق بشراء غرينلاند.

تدرك الولايات المتحدة أن معركتها مع الصين في هذا الملف ليست قصيرة المدى

أما أوروبا، فدخلت السباق بخطاب أنيق عن "الاستدامة" و"الاستخراج الأخضر". أعلنت المفوضية الأوروبية إنشاء "التحالف الأوروبي للمواد الخام الحيوية" وبدأت دول مثل السويد وفنلندا في استكشاف رواسب جديدة من العناصر النادرة في الشمال القطبي. ومع ذلك، لم يتجاوز إنتاج القارة 5% من احتياجاتها. والأسوأ أن بعض المشاريع توقفت تماما بسبب احتجاجات محلية ضد "تدمير الطبيعة". المفارقة أن الأوروبيين يريدون سيارات كهربائية خالية من الانبعاثات، لكنهم يرفضون المناجم التي تنتج مكوناتها.

في مواجهة هذه المعضلة، حاول الغرب بناء تحالفات استراتيجية لتعويض ضعف كل دولة بمفردها. هكذا ولد ما يعرف بالتحالف الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأوستراليا، بهدف تنويع مصادر المعادن النادرة وتأمين خطوط إمداد مستقلة عن بكين. من الناحية النظرية، بدت الفكرة واعدة. لكن في التطبيق العملي، اصطدمت بالعقبات نفسها: التكلفة العالية، ضعف البنية التحتية، وقوة السوق الصينية. أوستراليا مثلا، رغم امتلاكها احتياطات ضخمة من المعادن النادرة، لا تزال ترسل خاماتها إلى الصين لتكريرها لأنها الأرخص والأسرع. أما اليابان، التي تعلمت الدرس من أزمة 2010، فاستثمرت في إعادة التدوير واستخراج العناصر من النفايات الإلكترونية، لكنها لا تزال تنتج كميات محدودة لا تكفي احتياجاتها الصناعية.

AFP
صورة جوية تظهر حاويات شحن مكدسة في ميناء يانتيان في شنتشن

وفي الوقت الذي كانت فيه واشنطن وبروكسيل تبحثان عن مخرج، كانت بكين تتحرك بخطى هادئة إلى ما هو أبعد. راحت تستثمر في المناجم الأفريقية واللاتينية، من الكونغو الغنية بالكوبالت إلى بوليفيا التي تملك أكبر احتياطات الليثيوم في العالم. بهذه الطريقة، ضمنت الصين ألا يقتصر نفوذها على ما في أراضيها فقط، بل يمتد إلى منابع المعادن المستقبلية قبل أن يكتشفها الآخرون. إنها لا تكتفي باحتكار الواقع، بل تحتكر البدائل أيضا.

تدرك الولايات المتحدة أن معركتها مع الصين في هذا الملف ليست قصيرة المدى. فحتى لو نجحت في بناء مصانع تكرير جديدة أو تأمين مصادر من حلفائها، فإنها تحتاج لسنوات طويلة لتقليص الفجوة في المعرفة والتقنية. كل تقديرات الخبراء تشير إلى أن اللحاق بالصين في هذا المجال سيستغرق ما لا يقل عن خمس إلى عشر سنوات، وهي فترة كافية لبكين كي ترسخ موقعها أكثر. لهذا، بدأت واشنطن تلمح إلى خيارات أخرى، مثل فرض قيود على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين في محاولة لمعادلة الكفة. لكنها بذلك تدخل لعبة خطيرة، فكل إجراء أميركي يقابله رد صيني في الاتجاه المعاكس، والنتيجة أن سلاسل الإمداد العالمية أصبحت رهينة حرب باردة جديدة، لكن ميدانها هذه المرة هو المعادن لا الصواريخ.

font change

مقالات ذات صلة