لم يمض سوى وقت قصير على الإعلان عن تفاصيل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام في غزة، والمكونة من 20 بندا، حتى اتضح أن صهره جاريد كوشنر لعب دورا محوريا في إتمام الاتفاق.
بعد توقف المحادثات لشهور طويلة عقب انهيار اتفاق سابق لوقف إطلاق النار في مارس/آذار، لعب إصرار كوشنر على التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة جديدة مع "حماس" دورا أساسيا في الوصول إلى توافق مع "حماس" لتطبيق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى ضمان إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين.
وانكسر الجمود بين المفاوضين الإسرائيليين و"حماس" أخيرا بعد أن عقد كوشنر، برفقة مبعوث ترمب الخاص ستيف ويتكوف، لقاء مباشرا مع القيادي البارز في "حماس" خليل الحية لإبرام اتفاق إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار، وهو ما حمل كلا من ويتكوف وكوشنر- الذي لعب أيضا دورا جوهريا في المفاوضات، على اتفاقيات إبراهام خلال إدارة ترمب الأولى- على السفر إلى القدس لعرض الاتفاقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبقية أعضاء الحكومة الإسرائيلية، الذين وافقوا في النهاية على الصفقة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول.
وعندما سئل عن الدور الذي لعبه كوشنر في التوصل لخطة السلام، أجاب ترمب: "جاريد رجل ذكي للغاية. لقد أبرم اتفاقيات إبراهام. إنه فعلا شخص ذكي ويعرف المنطقة والناس، كما أنه يعرف الكثير من اللاعبين".
حتى الديمقراطيون كان لهم دور في الوصول لاتفاقية السلام هذه. وقد علق توماس ر. نايدز، الذي شغل منصب السفير الأميركي لدى إسرائيل في عهد بايدن: "لعب جاريد دورا استثنائيا في اتفاقيات إبراهام، إنه يعرف جيدا كيف يتعامل مع بيبي، ويمتلك فهما عميقا للدول العربية". ويقال إن قدرة كوشنر على العمل كمفاوض ناجح نيابةً عن إدارة ترمب، لا تأتي من فراغ، بل تنبع من مصالحه التجارية الكبيرة في المنطقة.
عندما سئل عن الدور الذي لعبه كوشنر في التوصل لخطة السلام، أجاب ترمب: "جاريد رجل ذكي للغاية"
أسس كوشنر في عام 2021، شركة الاستثمار "أفينيتي بارتنرز"، التي نسجت علاقات استراتيجية في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لعلاقاته مع إسرائيل، فقد تردد كوشنر على إسرائيل منذ طفولته، وترتبط عائلته بعلاقات وثيقة مع نتنياهو، الذي تربطه بهم صداقة ممتدة، وخاصة مع والد جاريد "تشارلز كوشنر"، المانح البارز والداعم للقضايا المؤيدة لإسرائيل. وأوردت مصادر عدة أن نتنياهو قضى أوقاتا طويلة في منزل كوشنر في نيوجيرسي، حيث كان ينام في غرفة نوم جاريد، بينما كان المراهق ينام في الطابق السفلي.
صرح مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى، أن كوشنر شغل في البداية دورا استشاريا غير رسمي في الجولة الأخيرة من مفاوضات السلام، وأن مشاركته في الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق سلام، قد تكثفت خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي أغسطس/آب، أفادت التقارير أن كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير شاركا في اجتماع بشأن غزة في البيت الأبيض، حيث قدما للرئيس أفكارا عن خطة ما بعد الحرب. وذكرت مصادر دبلوماسية لصحيفة "فايننشيال تايمز" أن كوشنر كان ينسق مع بلير، الذي كان يعمل على خطط السلام في غزة لأكثر من عام مستعينا بمعهده "معهد توني بلير للتغيير العالمي".
وفي نهاية سبتمبر/أيلول، حضر كوشنر الاجتماعات التي عُقدت خلال زيارة نتنياهو لمناقشة خطة ترمب للسلام المكونة من 20 بندا. وتُوجت تلك الجهود بجولة كوشنر السريعة في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي برفقة ويتكوف.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح جاريد كوشنر خلال لقائهما في القدس
يمكن القول إن كوشنر وزوجته إيفانكا ترمب، كانا خلال إدارة ترمب الأولى أكثر أفراد العائلة نفوذا أثناء المدة التي قضاها الرئيس ترمب في البيت الأبيض. حيث تمتعا بوصول غير مقيد إلى ترمب في ولايته الأولى، وكان لهما تأثير كبير على ملفات واسعة، من بينها مفاوضات السلام في الشرق الأوسط وتطوير لقاح "كوفيد-19".
وعلى الرغم من افتقاره للخبرة الحكومية، عمل كوشنر، وهو وسيط ومطور عقاري من نيوجيرسي، مستشارا رسميا للرئيس، حتى إنه ظهر كمتحدث في بعض المؤتمرات الصحافية التي عقدت في البيت الأبيض. لم ينج كوشنر وزوجته إيفانكا من التدقيق والتمحيص، نظرا لنفوذهما في الحكومة، كما أنهما تعرضا للنقد المستمر بسبب افتقارهما للمؤهلات المطلوبة وخلطهما بين الشخصي والسياسي.
وبعد أن حظيا بتقدير كبير في نيويورك، وجد الزوجان نفسيهما تحت المجهر، واضطرا للعمل تحت وطأة الإفصاحات المالية، ومراجعات الأخلاقيات والملاحقات الصحافية المستمرة. وواجه كوشنر تحقيقا حول تدخله في الانتخابات الروسية عام 2016 (الذي لم يثبت وجود أي تواطؤ)، ومشاكل في التصاريح الأمنية، ومساءلات حول القروض المقدمة لأعمال عائلته العقارية.
في مذكراته "خرق التاريخ.. لحظات فارقة صنعت التاريخ"، استعرض كوشنر العقبات والتحديات التي واجهها: "كنا نعلم أننا سنواجه تحديات، لكننا لم نكن ندرك شدة العاصفة التي تنتظرنا. ربما من حسن حظنا أننا لم نفعل... ما كان بإمكان أي شيء أن يعدّنا لضراوة واشنطن: الهجمات، والتحقيقات، والتقارير الإعلامية الكاذبة التي استهدفت سمعتنا، وربما الأسوأ من ذلك كله، الطعن في الظهر داخل الجناح الغربي نفسه". وبعد مغادرته منصبه مع زوجته في عام 2021، انتقلا من مانهاتن إلى ميامي، المؤيدة للجمهوريين.
لم يكن مفاجئا إذن، قبل عودة ترمب إلى البيت الأبيض هذا العام، تأكيد عائلة كوشنر أنها لن تتبعه. حيث قالت إيفانكا موضحة في بودكاست لها: "السياسة.. إنها عالم مظلم للغاية" وهي "تتعارض كليا مع ما يجعلني أشعر بالرضا والسعادة كإنسانة".
كوشنر الذي ولد في العاشر من يناير/كانون الثاني، عام 1981 في ليفينغستون، نيوجيرسي، هو أحد أبناء تشارلز كوشنر الأربعة، الملياردير والمطور العقاري، الذي كان أيضا أحد الداعمين والممولين البارزين للحزب الديمقراطي، وللكثير من الجمعيات الخيرية.
التحق كوشنر بجامعة "هارفارد" وتخرج منها عام 2003. وفي عام 2005، أقر والده تشارلز بالذنب في جرائم شملت التهرب الضريبي، والتلاعب بالشهود، إضافة إلى تقديم تبرعات غير قانونية للحملات السياسية. وحُكم عليه بالسجن لمدة عامين. قاد محاكمة كوشنر الأب مدعي أميركا العام آنذاك وحاكم ولاية نيوجيرسي المستقبلي كريس كريستي، الذي عمل معه كوشنر لاحقا ضمن فريق استشاري لحملة ترمب الرئاسية.
عندما كان تشارلز في السجن، تولى جاريد إدارة أعمال والده العقارية وحافظ على علاقة وثيقة بوالده
عندما كان تشارلز في السجن، تولى جاريد إدارة أعمال والده العقارية، وحافظ على علاقة وثيقة بوالده. وفي عام 2006، اشترى كوشنر صحيفة "نيويورك أوبزرفر" وأصبح ناشرا فيها بينما كان في منتصف العشرينات من عمره. وفي العام التالي، تصدر كوشنر عناوين الصحف مرة أخرى بشرائه مبنى مكاتب في مانهاتن في "666 الجادة الخامسة" لقاء مبلغ غير مسبوق آنذاك بلغ 1.8 مليار دولار، وأصبح الرئيس التنفيذي لشركات كوشنر في عام 2008.
بعد علاقة استمرت قرابة العامين، تزوج كوشنر من إيفانكا ترمب في أكتوبر/تشرين الأول 2009 في بيدمينستر-نيوجيرسي، ورُزق الزوجان بثلاثة أطفال، هم: أرابيلا، وجوزيف، وثيودور.
جاريد كوشنر، وزوجته إيفانكا ترمب، وسارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بالقدس في 13 أكتوبر 2025
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل سيبقى كوشنر لاعبا رئيسا في عملية السلام المستمرة والمعقدة؟ لعل مكامن قوته الكثيرة، تتجسد في قدرته على الوصول إلى ترمب، والثروات التي يملكها، والشبكات الإقليمية التي بناها. وكما يقول كوشنر نفسه: "أنا هنا لتقديم المساعدة والنصيحة عند الحاجة". وهو الآن لحسن الحظ، غير مقيد بأي من الإجراءات الرسمية أو التدقيق أو المساءلة التي يفرضها المنصب الرسمي. لكنه حتى اللحظة الراهنة، لم يساعد حماه إلا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ليس سلاما شاملا حتى الآن.