يشهد العراق انتقالا واضحا من مرحلة "جمهوريات التحقيقات"، وهو توصيف يعكس مرحلة كانت فيها الدولة تلجأ إلى لجان شكلية تُستخدم لامتصاص الغضب العام من دون نتائج حقيقية أو تحميل أي جهة مسؤولية، والتي اعتادت فيها الحكومات على معالجة كل خرق أمني أو اغتيال أو قصف عبر لجان شكلية تنتهي بلا نتائج، إلى مرحلة أكثر خطورة يمكن وصفها بـ"جمهورية النفوذ". وهي مرحلة تتقدم فيها القوى المسلحة غير الخاضعة للدولة لتصبح صاحبة القرار الفعلي في السياسة والأمن والاقتصاد، فيما تتراجع قدرة المؤسسات الرسمية على فرض القانون أو حماية المصالح الوطنية الحيوية. هذا التحول لا يقوم على حدث مفرد، بل على تراكمات سياسية وأمنية ظهرت ملامحها بقوة في السنوات الأخيرة، وبرزت خلال العملية الانتخابية الأخيرة، وصولا إلى التصعيد الذي طال البنية التحتية للطاقة في شمال البلاد، بما في ذلك الهجمات المتكررة على حقل كورمور.
وتكمن أهمية حقل كورمور (خور مور) في كونه قلب "مشروع الغاز الكردي" الذي بدأ العمل فيه عام 2007 بعد اتفاق بين حكومة إقليم كردستان وشركتي دانة غاز ونفط الهلال، اللتين حصلتا على حقوق تطوير حقول خور مور وجمجمال. وجرى بناء محطة معالجة الغاز وخط أنابيب بطول 180 كلم يغذي محطات كهرباء في أربيل وبازيان وجمجمال، ما وفر أكثر من 2000 ميغاواط من الكهرباء. توفّر الإمدادات المستمرة من الغاز إلى محطات توليد الكهرباء في أربيل وجمجمال وبازيان الوقود لأكثر من 75 في المئة من إجمالي قدرة توليد الكهرباء في إقليم كردستان العراق، مما يعود بالنفع على أكثر من ستة ملايين نسمة. وفي عام 2009 تأسست شركة "Pearl Petroleum" التي ضمت لاحقا شركات دولية مثل "OMV" و"MOL" و"RWE"، ما جعل المشروع واحدا من أكبر مشاريع الطاقة المتكاملة في الإقليم وأشدها حساسية في ميزان النفوذ بين بغداد وأربيل.

