انتخابات العراق السادسة... فوز منظومة السلطة على الأمل في التغيير

رويترز
رويترز
عراقيون مؤيدون لتحالف "الاعمار والتنمية" يحتفلون بعد صدور النتائج الاولية للانتخابات التشريعية في بغداد في 12 نوفمبر

انتخابات العراق السادسة... فوز منظومة السلطة على الأمل في التغيير

خلافا لمن يقرأ في انتخابات العراق السادسة الكثير من المفاجآت، فإنها لم تحمل الا متغيرات طبيعية جاءت كنتيجة للبيئة السياسية التي أنتجتها انتخابات 2021 السابقة. وما نتج عنها من انسحاب التيار الصدري من البرلمان بعد فشله في تجاوز التوافقية وتشكيل حكومة الأغلبية السياسية، ومن ثم تشكيل الحكومة من اشتراك القوى السياسية في تحالف إدارة الدولة. وتغيير قانون الانتخابات من الدوائر المتعددة واحتساب الأصوات وفق نظام الفائز الأول، إلى نظام المحافظة دائرة واحد واحتساب الأصوات وفق "نظام سانت ليغو المعدل" (1.7).

ولذلك شهدت انتخابات 11-11-2025 عودة نشاط الماكينات الانتخابية للأحزاب السلطوية التي تملك احترافية في تجميع أصوات "زبائنها" من الناخبين. إذ استفاد في بغداد، "ائتلاف الإعمار والتنمية" الذي يترأسه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني كثيرا من قانون "سانت ليغو المعدل" بعد حصول السوداني رئيس القائمة على أكثر من 92 ألف صوت، وكذلك رئيس قائمة "تقدم" محمد الحلبوسي الذي حصل على أكثر من 71 ألف صوت، وأيضا حصول رئيس قائمة "دولة القانون" نوري المالكي على أكثر من 68 ألف صوت. وكذلك ساهم هذا القانون الانتخابي بعودة تحالف "قوى الدولة" الذي يترأسه السيد عمار الحكيم إلى البرلمان بثمانية عشر مقعدا. وبمعادلة حسابية لقانون "سانت ليغو المعدل" (1.7) نجد أن قرابة الثلاثة ملايين صوت قد تشتت بين عدد من المرشحين في القوائم الكبيرة، والقوائم الصغيرة.

قد يعد البعض خسارة القوى المدنية وأغلب الشخصيات التي دخلت البرلمان كممثلين عن "حركة تشرين" الاحتجاجية، أكثر مفاجآت انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2025. ولكنها، أيضا نتيجة طبيعية لتغيير قانون الانتخابات، وتشتت القوى المدنية في أكثر من قائمة، وغياب الاحترافية السياسية لدى الكثير منهم، ودخول النواب الذين حصلوا على مقاعدهم بعنوان ممثلي "احتجاجات تشرين" تحت أجنحة القوى التقليدية في هذه الانتخابات.

الأزمات في العراق انعكاس لأزمات المواقف الشخصية وليست تعبيرا عن تقاطعات في الرؤى والمواقف السياسية، فالمعادلة التي تحكم تفكير الساسة في العراق قائمة على أساس: رابح-خاسر

وحتى ارتفاع نسبة المشاركين في الانتخابات إلى 56.11 في المئة، ليس بالمفاجأة الكبيرة. إلا إذا تمت قراءته من منظور مقاطعة التيار الصدري، ومقارنته بانتخابات 2021 وانتخابات 2023. فالزبائنية وحضور المال السياسي الذي تحدث عنه الكثير من القادة السياسيين أثبت قدرته على تحشيد الجمهور أكثر بكثير من البرامج الانتخابية. 

 أ ف ب
موظفون من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يحصون الاصوات في مركز اقتراع في اربيل في 9 نوفمبر

أما توسع حضور ثنائية السلاح والسياسة بالحصول على أكثر من 40 مقعدا، فهو نتيجة لهيمنة هذه القوى على عدد من مؤسسات الدولة وتوسع دائرة سيطرتها الاقتصادية على منافذ من أموال الدولة. ومن الطبيعي أن يترجم نفوذ السلاح إلى الحضور السياسي ما دام شعار حصر السلاح بيد الدولة تردده الحكومة والنخبة الحاكمة في الحوارات التلفزيونية واللقاءات الصحافية. ولذلك بدأ حضور السلاح يزحف نحو أخذ حصته من الاقتصاد الريعي، ومن ثم بات يفرض نفوذه بثالوث السلاح والمال والنفوذ السياسي. 

لا رابح أكبر


رغم أن المعادلة التي أسستها المنظومة الحاكمة منذ أول انتخابات في 2005، تقوم على أساس تفوق الاتفاقات والتحالفات على نتائج الانتخابات. فإن عدد المقاعد التي تحصل عليها القوائم الانتخابية، تعطي أريحية في الحصول على مكاسب أكثر، وتوسيع دائرة المغانم في الوزارات والمناصب العليا. 
والأزمات في العراق انعكاس لأزمات المواقف الشخصية وليست تعبيرا عن تقاطعات في الرؤى والمواقف السياسية، فالمعادلة التي تحكم تفكير الساسة في العراق قائمة على أساس: رابح-خاسر، ولذلك تجد السياسيين العراقيين يفكرون إما يكون الجميع رابحين وإما التوجه نحو الطعن في الانتخابات ولعن التوافقية وربما يكون خيار التلويح بالسلاح حاضرا.
انتخابات 2025 كان التنافس فيها بين القوى التقليدية وقوى صاعدة جديدة في أعلى مراحله. لكنّ كليهما لم يحقق نتائج مريحه تجعله صاحب القدح المعلى في تشكيل الحكومة أو حسم أي منصب من الرئاسات الثلاث لصالحه. 

عندما يختزل مفهوم الحكومة التوافقية، بتقاسم الوزارات وتوزيعها كحصص لهذا الحزب أو ذاك، فلا يمكن وصف نمط الحكم هذا إلا بالتوافقية الهشة أو توافقية توزيع مغانم السلطة

ائتلاف "الإعمار والتنمية" الذي يقوده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حصد أقل من ثلث مقاعد القوى السياسية الشيعية التي تشكل بمجموعها أكثر من 185 مقعدا داخل البرلمان. ولذلك لا تؤهله هذه الارقام إلى أن يفرض نفسه على القوى السلطوية الشيعية كي يكون المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة القادمة. 
حزب "تقدم"، الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، لم يتمكن أيضا من الاستحواذ على أكثر مقاعد القوى السياسية السنية. ومن ثم، ربما يكون قد حافظ على بقائه في صدارة القيادات السنية، وربما يكون هو الأكثر تأثيرا في اختيار من يكون رئيس البرلمان القادم. إلا أن تحالفات خصومه ربما تشكل عقبة أمام تحالف "تقدم" في فرض مرشحه لرئاسة البرلمان، لا سيما إذا توافقت معها في ذلك قوى سياسية شيعية. 

رويترز
رئيس الوزراء العراقي الاسبق نوري المالكي اثناء تجمع لتحالف "دولة القانون" قبيل الانتخابات في 7 نوفمبر

في الساحة الكردية، كان التنافس بين القوى السياسية الكردية على 44 مقعدا. حصل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على 26 مقعدا، وقد يضاف لهذا العدد مقعد أو مقعدان. في حين حصل منافسه "الاتحاد الوطني الكردستاني" على 18 مقعدا. ورغم ذلك، فإن هذه الأرقام لا يتم اعتمادها في تحديد حصة منصب رئيس الجمهورية بل التوافقات بين الحزبين التي قد تكون معقدة كونها ستكون مرتبطة بترتيب تشكيل حكومة إقليم كردستان، وفيما بعد ستنعكس على من سيكون رئيس الجمهورية وكيفية تقاسم المناصب العليا مع الشركاء في تشكيل حكومة بغداد. 
ولذلك، ربما نشهد العودة مرة أخرى إلى اتفاقات السلة الواحدة لتمرير الرئاسات الثلاث، والسبب أن النتائج التي لم تفرز رابحا أكبر، بل على العكس ستسهم بالعودة إلى التحالفات الهشة. 

لا مكان للمعارضة


في كل دورة انتخابية تثبت المنظومة الحاكمة على تكرار الآليات نفسها التي تنتج الحكومة، وهي ثبتت عرف الكل في السلطة، والكل في المعارضة! إذ شهر العسل بين الفرقاء السياسيين الذي يتفقون على تشكيل الحكومة لا يستمر طويلا. حتى نعود إلى الخصومات والخلافات والتي لا تدور حول المصلحة العليا للدولة أو خلاف بشأن القرارات الاستراتيجية للدولة، وإنما تبدأ في الدوران حول مزاجية أو مصالح الفاعلين السياسيين. 
عندما يختزل مفهوم الحكومة التوافقية، بتقاسم الوزارات وتوزيعها كحصص لهذا الحزب أو ذاك، ولا أحد يتحمل مسؤولية الفشل في إدارة الحكم، وتغيب ملامح المسألة السياسية والمسؤولية عن اتخاذ القرار السياسي ومن يرسم السياسات العامة، فلا يمكن وصف نمط الحكم هذا إلا بالتوافقية الهشة أو توافقية توزيع مغانم السلطة. فمنذ 2006 تشكلت خمس حكومات سابقة على أساس تحالفات سياسية تتوافق على أسس تقاسم الوزارات لا أكثر ولا أقل، وسرعان ما تنهار هذه التوافقية الهشة بعد تشكيل الحكومة وتقاسم الوزارات، ونعود إلى خطابات التسقيط السياسي بين الخصوم، بدلا من الذهاب نحو المعارضة البرلمانية. 
قد يلعب بعض النواب دور المعارضة السياسية، وربما تكون "إشراقة كانون" من بين القوى السياسية الشيعية، وحزب "الجيل الجديد" وحركة "الموقف" المعارضان في إقليم كردستان. وستكون في مقاعد المعارضة البرلمانية، ولكن عدد مقاعد المعارضين بالمجمل لن يتجاوز العشرين مقعدا. ومن ثم، سيكون دورهم الرقابي مقتصرا على الاحترافية السياسية في الحضور السياسي كبرلمانيين وليس ككتلة معارضة قوية.  

font change