بعد عامين على هجمات "7 أكتوبر"... دروس مصيرية أمام إسرائيل

المبادرة الفرنسية-السعودية خطوة بالغة الأهمية والحيوية

"المجلة"
"المجلة"

بعد عامين على هجمات "7 أكتوبر"... دروس مصيرية أمام إسرائيل

يُقال إن الاتفاق الذي أملاه الرئيس ترمب، بمناسبة مرور عامين على حوادث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قد وضع حدا للحرب في قطاع غزة، لكنه في الواقع يترك القطاع بلا مسار حلّ واضح المعالم. إن استعراض التداعيات الكاملة للعامين الماضيين في المنطقة يتجاوز نطاق هذا المقال، وسيتطلب مجلدات من التحليلات والكلمات التي نُشرت بالفعل خلال الأيام الأخيرة. لذلك، سأركّز هنا على عدد محدود من الرؤى التي أرى أنها جوهرية، واستخلاصها من الظروف الراهنة يبدو ضروريا، ولا سيما بالنسبة لإسرائيل.

إسرائيل هي "عملاق عسكري" ولكنها– في مفارقة لافتة– "قزم سياسي". هذه الحقيقة ليست جديدة، فمنذ سنوات طويلة تواجه إسرائيل صعوبة في تحويل انتصاراتها العسكرية إلى مكاسب سياسية واستراتيجية ملموسة. تظل سياستها الخارجية دفاعية في جوهرها، تركّز على إفشال الخطوات المعادية أكثر من السعي لقيادة مبادرات استباقية أو صياغة استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق أهداف بعيدة المدى. كان من الممكن الوصول إلى الإطار الحالي للاتفاق– الذي لا تزال مراحل تنفيذه النهائية غامضة– منذ عدة أشهر. لكن تردد إسرائيل في استيعاب هذه الحقيقة والتعامل معها، ورفضها القبول ببديل عملي– ولو كان غير كامل– لحركة "حماس"، جعلها الطرف الوحيد في قطاع غزة الذي بدأ فعليا في العمل على إعادة تأهيله. لا تؤيد إسرائيل، أو بشكل أدق حكومتها الحالية، قيام دولة فلسطينية ولا تتبنى رؤية "حل الدولتين". لكن السؤال الجوهري يظل قائما: ما البديل إذن؟ (وذلك بعد استبعاد الحلول غير الواقعية أو الآمال بعيدة المنال).

ما تزال اتفاقيات السلام مع مصر والأردن مستقرة، وإن شابها بعض التصدعات. فقد أظهرت هذه الاتفاقيات صمودا استراتيجيا لافتا، ولا سيما في ظل ظروف بالغة التعقيد، فمن الصعب تخيل استمرارها خلال عامين من الحرب، و"نكبة فلسطينية" جديدة في غزة، وسياسات الحكومة الإسرائيلية المدمّرة، التي تشمل الترويج لما يُسمى "الهجرة الفلسطينية الطوعية"، ومحاولات الضمّ الفعلية في الضفة الغربية، فضلا عن انعدام الأفق السياسي الواقعي وأي عملية سلام حقيقية. ومع هذا الصمود، برزت تصدعات واضحة في رؤية القاهرة وعمّان لمدى التزام إسرائيل بهذه الاتفاقيات، أو على الأقل استعدادها للتعامل معها كمسلّمات راسخة، وهو الأمر الذي يهدّد استقرارها ويضعف صمودها على المدى البعيد.

تعتمد إسرائيل اعتمادا شبه مطلق على الولايات المتحدة، وتحديدا على الحزب الجمهوري فيها

تُعتبر المشكلة الفلسطينية في جوهرها "مشكلة إسرائيلية". فقد اتضح، أكثر من أي وقت مضى، عجز الساحتين الإقليمية والدولية– أو عدم رغبتهما– في الانخراط الجاد لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وفي هذا الإطار، تُعد المبادرة الفرنسية-السعودية خطوة بالغة الأهمية والحيوية، لا سيما بعدما نجحت في حشد دعم دولي واسع، تجلى في اعتراف عدد من الدول الكبرى بالدولة الفلسطينية للمرة الأولى. ومع ذلك، يبدو جليا أن الحل النهائي رهن بإرادة الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، وإن كانت المسؤولية الأكبر تقع على عاتق إسرائيل. ويُذكر أن "إعلان شرم الشيخ" خلا من أي إشارة إلى رؤية "حل الدولتين". ولا ينبغي لإسرائيل أن تنخدع بموقف فك الارتباط الذي تبنته العديد من الدول بين مصالحها الوطنية والقضية الفلسطينية، فالمغزى الحقيقي لهذه المواقف هو توجيه رسالة مفادها: "هذه مشكلتكم أنتم". وأن الفشل في معالجة هذه القضية بجدية سينطوي على عواقب وخيمة على المدى البعيد، يأتي في مقدمتها تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة. تواصل إسرائيل خيارها بتغاضيها عن هذه الحقيقة، مُفضلة التركيز على اتهام العالم الأوسع بمعاداة السامية و"سوء الفهم"- وهي اتهامات بعضها في محله- في اعتقاد منها أن هذه الإشكالية قابلة للحل عبر تحسين "دبلوماسيتها العامة" أو ما يُعرف بـ"الهاسبارا".

أ ف ب
قوات إسرائيلية تتحرك على طول السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة في 10 أكتوبر 2025

تعتمد إسرائيل اعتمادا شبه مطلق على الولايات المتحدة، وتحديدا على الحزب الجمهوري فيها. فخلال السنوات الماضية، أفرزت العلاقة الاستراتيجية بين تل أبيب وواشنطن مستوى من الاعتماد المتبادل يمكن تفهمه. بيد أن هذا الاعتماد لم يبلغ يوما درجة الإطلاق كما هو الحال اليوم، ولم يكن منحازا بهذا الوضوح لصالح طرف سياسي واحد في المشهد الأميركي–الحزب الجمهوري. وقد جسد الرئيس دونالد ترمب، بأسلوبه الفريد والمحرج أحيانا، هذا الانحياز بصورة لا لبس فيها. أما التداعيات بعيدة المدى لهذا التوجه فهي إشكالية للغاية، إذ تُضعف مكانة إسرائيل داخل المشهد السياسي الأميركي، وتُعرض علاقاتها المستقبلية مع الإدارات الديمقراطية المحتملة لمخاطر جسيمة.

المشكلة الفلسطينية، كما ذُكر سابقا، هي في جوهرها مشكلة إسرائيلية، وبالتالي فإن حلها يتطلب إرادة سياسية وشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة

يتحمّل المجتمع الإسرائيلي اليوم مسؤولية جسيمة، بعد أن انتقل إليه زمام المبادرة الاستراتيجية فعليا. وفي دولة ديمقراطية مثل إسرائيل، يبدو هذا الأمر منطقيا، إلا أن السنوات الثلاث الماضية دفعته- عن عمد- إلى حافة هاوية سحيقة. ومع ذلك، أبدى المجتمع صمودا وإصرارا ملهمَين، منعا انهياره الكامل. أما اليوم، فإنه يقف عند لحظة مصيرية لتحديد مساره المستقبلي. فقد أصبح زمام الأمور في يده، وبوضوح لم يسبق له مثيل، وذلك في ظل غياب شبه تام لقيادة مسؤولة وشجاعة وبعيدة النظر، قيادة قادرة ومستعدة لاتخاذ قرارات استراتيجية لا تركز على ما "لا تريده" إسرائيل، بل على ما "تريد أن تكونه" في المستقبل والاتجاه الذي تنوي السير فيه.

أ ف ب
في هذه الصورة الجوية، يسير الناس وسط الدمار في مدينة غزة شمال قطاع غزة في 11 أكتوبر 2025، بعد يوم من سريان وقف إطلاق النار

إن المشكلة الفلسطينية، كما ذُكر سابقا، هي في جوهرها مشكلة إسرائيلية، وبالتالي فإن حلها يتطلب إرادة سياسية وشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة. ومع أن تحقيق هذا الحل لا يزال ممكنا ومصيريا في آن واحد، فإن الإقدام عليه سيساهم في معالجة الكثير من التحديات الداخلية، وسيشكل خطوة محورية نحو تحقيق التطبيع الحقيقي لإسرائيل مع محيطها الإقليمي والعالمي، بدلا من بقائها دولة منعزلة ومتفردة.

font change

مقالات ذات صلة