لا يوم يُشبه السابع من أكتوبر/تشرين الأول في تاريخ إسرائيل، سوى البداية المشؤومة لحرب "يوم الغفران" المُفاجئة عام 1973. أعادتني مشاعر ذلك اليوم إلى محادثة دارت بيني وبين جنرال إسرائيلي سابق كان متمركزاً في سيناء بداية حرب عام 1973، حين استذكر المفاجأة الصاعقة مع تحليق الطائرات المصرية فوق سماء قاعدته العسكرية، وهرع الجنود من طاولاتهم لاستعادة زمام المبادرة. تلك الفوضى، وذلك الشعور الغامر بالهزيمة حتى قبل أن تبدأ المعركة.
يتقاسَم هذه المشاعر جيلان يفصلهما نصف قرن. فالناجون من هجمات السابع من أكتوبر، التي شهدت اقتحام الآلاف من مقاتلي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" للمستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، يستعيدون ذاك الرعب نفسه. ذلك الانعدام الكامل للتوجيه الذي لم يُجدِ في تبديده سوى المبادرة الفردية. فمن طيارين حلّقوا دون أوامر، إلى جنود انضموا للقتال بلا زيّ رسمي، إلى جهاز أمني تحرّك بلا قيادة أو خطة موحدة. ويؤكد غالبية من عاشوا تلك الحوادث أن الأمر قد استغرق من الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية أسابيع، إن لم يكن أكثر، للخروج من دوامة الفوضى التي أعقبت تلك الهجمات.
على مستوى القيادة أيضا، لم يكن التردد والارتباك أقل وضوحا. فقد استغرق الأمر من إسرائيل ثلاثة أسابيع كاملة لشن عملية برية في غزة بعد هجمات السابع من أكتوبر. وكان مردُّ ذلك جزئيا إلى ضرورة تأمين الحدود ومنع أي هجمات إضافية قد تشنها "حماس"، لكنه لم يكن العامل الوحيد. فمن بين الأسباب الجوهرية للتأخير غياب خطة استجابة واضحة لهجوم بهذا الحجم، فضلا عن تردد واضح في أوساط النخبة الإسرائيلية العليا في خوض غمار غزو كامل لقطاع غزة. وعلى وجه الخصوص، أبدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترددا ملحوظا في منح الثقة للجيش بعد هجمات أكتوبر في مهمة غير مسبوقة كهذه. فخلال المناقشات الاستراتيجية على مر السنوات بشأن غزة، عارض كثير من المسؤولين أي عمليات برية كبرى خشية أن يُكلف التقدم العميق في القطاع إسرائيل خسائر فادحة في الأرواح (مئات، بل آلاف الجنود)، كما يهدد مشروعيتها الدولية في ضوء ما يتسم به القتال الحضري من فظاعة وحتمية وقوع خسائر بشرية كبيرة.