مع بداية عهد دونالد ترمب الثاني في يناير/كانون الثاني 2025، عاد اسم "تيك توك" إلى واجهة السياسة الأميركية كما لو أنه لم يغادرها قط. منذ اللحظة الأولى لتنصيبه، بدا واضحا أن التطبيق الصيني الشهير لن يعامل كمجرد منصة ترفيهية تنتشر بين المراهقين، بل كرمز مكثف لصراع أوسع بين الولايات المتحدة والصين، تتداخل فيه التكنولوجيا بالأمن القومي، ويتقاطع فيه الاقتصاد مع السياسة الداخلية، وتستخدم فيه التطبيقات الذكية كأدوات نفوذ ودعاية لا تقل خطرا – في نظر واشنطن – عن الطائرات المسيرة أو الأقمار الصناعية.
غير أن الصراع على وشك الحسم بشكل نهائي. بعد أن وقع الرئيس الأميركي ترمب قبل أيام أمرا تنفيذيا أعلن فيه أن خطته لبيع عمليات "تيك توك" الأمريكية، المملوكة لشركة "بايت دانس" الصينية، لمستثمرين أميركيين ودوليين، ستلبي متطلبات الأمن القومي المنصوص عليها في قانون 2024. وأوضح نائب الرئيس جي دي فانس أن الشركة الأميركية الجديدة ستقدر قيمتها بنحو 14 مليار دولار، وهو رقم أقل بكثير من تقديرات بعض المحللين، رغم الشعبية الواسعة للتطبيق بين المستخدمين الأميركيين.
كما أجل ترمب تنفيذ القانون الذي يحظر التطبيق إذا لم يبع مالكوها الصينيون أصولها الأميركية، حتى 20 يناير/كانون الثاني، في وقت تواصل فيه محاولات استخراج الأصول الأميركية من المنصة العالمية، وتجميع المستثمرين الأميركيين والدوليين، والحصول على موافقة الحكومة الصينية.
ويظهر نشر الأمر التنفيذي أن الإدارة الأميركية أحرزت تقدما في صفقة بيع أصول "تيك توك" الأميركية، رغم أن العديد من التفاصيل المهمة لا تزال في حاجة إلى توضيح، أبرزها كيفية استخدام الكيان الأميركي للخوارزمية الأكثر أهمية في التطبيق، وهي خوارزمية التوصية.
في واشنطن اليوم، نادرا ما يذكر "تيك توك" من دون أن تذكر معه عبارة "تهديد للأمن القومي". هذه العبارة لم تعد شعارا انتخابيا كما كانت في حملة ترمب الأولى عام 2020، بل صارت عنوانا تشريعيا له قوة القانون، بعد إقرار الكونغرس في أبريل/نيسان 2024 ما يعرف بـ"قانون حماية الأميركيين من التطبيقات الخاضعة لسيطرة خصوم أجانب" والذي بموجبه يحظر على الكيانات الأميركية توزيع أو صيانة أو تحديث أي تطبيق مملوك أو خاضع لكيان أجنبي يعتبر خصما للولايات المتحدة، وعلى رأس القائمة الصين.
وبدا القانون، في نصوصه، موجها إلى شركة واحدة فقط: "بايت دانس" المالكة لتطبيق "تيك توك"، ومقرها في بكين. فكل التفاصيل القانونية تقريبا صيغت على مقاسها، من تعريف "الخصم الأجنبي" إلى معايير "السيطرة" إلى شروط البيع أو الفصل بين العمليات الأميركية والصينية. ومع ذلك، فإن تطبيق القانون لم يكن بهذه السهولة، إذ سرعان ما دخل حيزا رماديا تتقاطع فيه السياسة الانتخابية مع مصالح الشركات العملاقة ومع توازنات العلاقة مع الصين.
مهلة وتأجيل
خلال الشهور التي سبقت تنصيب ترمب، كانت إدارة بايدن السابقة تحاول تنفيذ القانون بخطوات حذرة. أعطت مهلة محددة لـ"بايت دانس" لبيع عملياتها الأميركية لمستثمرين أميركيين، لكن الشركة رفضت، وبدأت معركة قانونية شرسة أمام المحاكم الفيديرالية. وعندما تسلم ترمب السلطة في يناير/كانون الثاني 2025، أعلن فورا تأجيل التنفيذ 75 يوما، تبعها سلسلة من التمديدات (أبريل، يونيو، ثم سبتمبر) أوصلت الموعد النهائي إلى 16 ديسمبر/كانون الأول 2025، مانحا مزيدا من الوقت للتفاوض بدل المواجهة المباشرة.