مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إنتاجات السينما العربية والعالمية، ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل شهريا، دليلا يجمع بين العرض والنقد لجديد الشاشة الكبيرة، على أن تتناول الأفلام الجماهيرية والفنية، من الأنواع كافة، بالإضافة إلى إعادة تقديم فيلم من ذاكرة السينما الكلاسيكية.

One Battle After Another

تأليف: بول توماس آندرسون (عن رواية لتوماس بينشون)

إخراج: بول توماس آندرسون

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة

أحد أكثر الأفلام المنتظرة هذا العام، وهو حقا يستحق الانتظار وإن لم يكن عظيما. يشحن المؤلف/المخرج فيلمه بطاقة حماسية، متأهبة، وربما حتى متهورة، تساير طاقة الشخصيات. منذ البداية، بالموسيقى التي لا تتوقف في الخلفية، وأحيانا تعبر عن نفسها في طبقتين، إلى جانب طبقة الحوار، وطبقة رابعة للمؤثرات الصوتية. إنه بشكل ما فيلم مصمم، لدفع المشاهد إلى الانخراط في الفعل السياسي الذي يحرك الأبطال، مع أنه لا يوصلهم إلى بر ولا يحول العالم إلى جنة أفلاطون الفاضلة.

في مرحلة مبكرة ينخرط بوب (ليونارديو دي كابريو) مع حبيبته بيرفيديا (تيانا تايلور) في حركة نضال نسوي راديكالية تستهدف حماية النساء والأطفال المهاجرين، وإيصال رسائل قوية الى الحكومة الأميركية. بوب ليس عنيفا بطبعه، وهو يقاوم ارتجافة جسده، كل مرة تطلق فيها بيرفيديا النار بجواره. لكنه مؤمن بهذا النضال الثوري والنسوي وبالحرية التي تدفع بيرفيديا الى مفارقته بعد أيامهما الجميلة معا وسط القنابل والمتفجرات.

في إحدى هذه العمليات، تلتقي بيرفيديا بستيفن لوكجو (شون بين)، الضابط الأميركي الأبيض، بكل ما تعنيه الكلمة من نمط فكري مصاحب. وينبهر الضابط بها، وترى هي هذا الانبهار، فتذهب معه في مغامرة تقلب حياتها وحياته، وحياة بوب الطيب رأسا على عقب.

فيلم صالح تماما لوقتنا هذا مع سياسات دونالد ترمب وحملته ضد المهاجرين، يقدم ممثلوه أداءات مؤثرة بين الكوميديا والالتزام السياسي الذي يسخر من نفسه

الفيلم الذي يقارب زمنه الثلاث ساعات، يحفل بالحبكات الفرعية التي تساعد كلها في إضرام الحرائق هنا وهناك. الكل في حرب ضد الكل. هناك المؤمنون بالإنسانية، حلفاء المهاجرين غير الشرعيين وحقهم في الحياة، وهناك وعلى الضفة الأخرى اليمينيون الوصوليون، الذين يتحدثون عن تفوق العرق الأبيض وينفون علاقتهم بأي آخر، لكنهم مشدودون إليه سرا برباط الرغبة.

ملصق فيلم One Battle After Another

يتضمن الفيلم مشاهد كبيرة، ربما أبرزها مشهد الشابة ويلا ابنة بوب، مع لوكجو المجنون في الكنيسة، ومشهد لوكجو نفسه مع أعضاء الجماعة السرية، وتتوقف فيه الموسيقى. ومما يلفت الانتباه أيضا الخريطة التي يرسمها الفيلم لعوالم المهاجرين ومخابئهم وحيواتهم السرية الآيلة للسقوط، ويحمونها بدمهم مع ذلك.

فيلم صالح تماما لوقتنا هذا مع سياسات دونالد ترمب وحملته ضد المهاجرين، يقدم ممثلوه أداءات مؤثرة بين الكوميديا والالتزام السياسي الذي يسخر من نفسه، وفي الأخص شون بين، الوغد الرومانسي والشرير الوضيع.

The Young Mother's Home (Jeunes Mères)

تأليف وإخراج الأخوين داردين

بلد الإنتاج: فرنسا، بلجيكا

الفيلم الحائز جائزة أفضل سيناريو في الدورة الماضية من "مهرجان كان السينمائي"، والمرشح الرسمي لبلجيكا في أوسكار 2026. يصوره الأخوان جان بيار ولوك داردين في مأوى للفتيات في بلجيكا، ويقف في منطقة وسطي بين التسجيلي والروائي، فلا هو تسجيلي تماما رغم طبيعيته الشديدة وتخليه عن الزخرفة الأسلوبية، ولا هو روائي خيالي تماما، لأن هناك ما يذكرنا بالواقع كلما صدقنا الصنعة.

يروي الفيلم حكاية خمس مراهقات، تعرضن لظروف صعبة بين إهمال الوالدين أو الإدمان أو التخلي من الشريك المراهق. يصلن إلى المأوى حوامل أو على وشك الوضع. يختبرن حياة جماعية مؤقتة قبل أن ينتقلن للاستقلال بصغارهن، أو يودعن الصغار في عائلات ضيافة تتعهدهم بالرعاية.

ملصق فيلم Young Mothers at Home

الموضوع قاس والخيار الأسلوبي للأخوين داردين، يراهن على غمرنا تماما داخل الأحداث، حتى لو بدا السياق الثقافي بعيدا إلى حد ما عنا كمشاهدين عرب. المشاهد معظمها مصور في لقطة مشهدية واحدة، أي بلا قطع، مما يجعلنا مشدودين إلى المتابعة من البداية إلى النهاية بلا إغماضة عين. كما أن أداء ممثلات في بداية حيواتهن المهنية، لا يبلغ عمدا درجة الكمال. تعبر الشخصيات عن عوار واضح في مرحلة الطفولة يمنعها من الانتقال إلى مرحلة الرشد، على الرغم من أن وضع الأمومة الجديدة يجبرها على ذلك.

رغم القسوة تأتي النهاية عند الأسرة الأفضل حالا بين الفتيات وعلى وقع موسيقى موتسارت، لتجدد الأمل في الحياة والإنسانية


هناك مثلا بيرلا السمراء المتمردة التي تعاني عقدة هجر حادة تدفعها إلى مطاردة شريكها السابق، والد طفلها، وتجعل من الاعتناء بالصغير كابوسا حقيقيا. ثم آريان الوديعة، التي عانت ولا تزال من إساءة جسدية تحاول أمها تبريرها كل مرة، لكنها تصر على تقديم حياة أفضل لطفلتها، وإن اضطرها ذلك إلى التخلي عنها لأسرة أخرى. وجيسيكا التي تحمست كثيرا في البداية لحملها، اكتشفت لاحقا أنها لم تسلم من واقعة تخلي أمها عنها، وها هي تبحث عن الأم الهاجرة، كي تتمكن بدورها من أن تكون أما. عموما، ينأى الفيلم بنفسه عن الحكم على أي من شخصياته. إنها دراما الحياة، ورغم القسوة تأتي النهاية عند الأسرة الأفضل حالا بين الفتيات، وعلى وقع موسيقى موتسارت، لتجدد الأمل في الحياة والإنسانية. 

Deaf (Sorda)

تأليف وإخراج: إيڨا ليبرتاد

بلد الإنتاج: إسبانيا

أنغيلا سيدة صماء، تعمل في صناعة الفخار، متزوجة من هيكتور وهو رجل يسمع، تعيش إجمالا حياة هادئة. تتعقد حياتها حين تكتشف أنها حامل، إذ تمتص مخاوف من حولها في أن يكون الجنين مصابا بالصمم مثلها. هذه هي العقدة الأولى للفيلم الإسباني، "صماء"، الذي تلعب الدور الرئيس فيه فنانة صماء هي ميريام جارلو. لكن الفيلم، مثل عجينة الفخار، لا يتوقف عن إعادة تشكيل نفسه، وطرح المزيد من الأسئلة المستعصية على بطلته أنغيلا. ماذا لو ولد الطفل أصمَّ؟ وماذا لو ولد معافى؟ كيف ستتمكن هي حينئذ من التفاهم معه؟ وهي التي تعتمد على لغة الإشارة حصرا، وتنفر من الأصوات المشوهة التي تصلها من العالم الخارجي عبر السماعات الطبية.

ملصق فيلم Deaf

هذه الأسئلة الأليمة لا تحرم أنغيلا في الفيلم من لحظات السعادة التي تعيشها مع زوجها المحب هيكتور، على الأقل في البداية. نراهما وهما يرقصان على أنغام أغنية رومانسية، يبثها إليها زوجها المحب بالذبذبات والخبطات. يزور معها جماعة من الصم وينغمس معهم في الكلام بلغة الإشارة، وإن كانوا يستبعدونه أحيانا، أو يسخرون منه فقط لأنه يسمع. هيكتور هو صلة وصل أنغيلا بالعالم حين يصمم هذا الأخير على أن يقول ما يريده عبر الصراخ. مع ذلك، يضع الفيلم أنغيلا في تحديات مستمرة تعكس مخاوف طفولتها وعجز والديها، لا سيما أمها، على نسيان حالتها. في مشهد صعب لأنغيلا وهي تلد، تلتمس من هيكتور أن يكون مترجمها الفوري بالإشارة بينها وبين الفريق الطبي، أولئك الذين يصممون على استبعاده في لحظة، مما يتركها في حالة جزع.

ثمة دائما أصم وسط السامعين، أو سامع وسط الصم. شخص لا يشعر بالراحة ولا بالتواصل وتبدو جهوده في التعبير عن نفسه هباء منثورا


هذا الصراع الداخلي/الخارجي يقود في لحظة معينة إلى انفجار العلاقة بين الزوجين، وهي التي كنا نعول عليها كمتفرجين في تعاطفنا مع أنغيلا، ليضعها مجددا أمام مفترق طرق. كيف ستحل مشكلتها إن أرادت أن تحلها؟ كيف ستنخرط ثانية وبمفردها في عالم الأصوات؟ "صماء" هو فيلم عن العزلة والنبذ، وعن الغضب المتولد عنهما، أكثر مما هو عن الصمم أو السمع. ثمة دائما أصم وسط السامعين، أو سامع وسط الصم. شخص لا يشعر بالراحة، ولا بالتواصل. وتبدو جهوده في التعبير عن نفسه هباء منثورا.

The Long Walk

تأليف: ج. ت. مولنر (عن رواية لستيفن كينغ)

إخراج: فرنسيس لورنس

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة، كندا

الرواية الأصلية المأخوذ عنها هذا الفيلم، نشرها ستيفن كينغ، كاتب الرعب العالمي الأشهر، في أعوام نجاحه المبكرة، باسم مستعار هو ريتشارد باخمان. منذ ذلك الحين، حاول مخرجون عديدون تحويلها إلى فيلم سينمائي، لكن المشروع لم يكتمل، إلى أن قرر فرنسيس لورنس، بالاشتراك مع السيناريست ج. ت. مولنر، أن ينقلا بعض معالم الرواية في فيلم سينمائي مصنف ضمن نوع الرعب، وهو حقا مرعب، لكن بالمعنى الديستوبي الكابوسي للكلمة.

ملصق فيلم The Long Walk

في أميركا، يسيطر "الرائد"- وهو محارب مجنون- على مقاليد السلطة ويتلاعب بأدمغة الجماهير عبر وسائل إعلام يغذيها بغثاء فكره النازي. هذا الرائد يمنع قراءة الكتب أو الحديث في الثقافة والأدب ويطلق مسابقة سنوية للمشي، اسمها "المسيرة الطويلة"، وفيها ينخرط المتسابقون، على مدار أيام عديدة، في المشي عبر المدن الأميركية. مشي يمكن أن يستمر إلى الأبد، بلا خط نهاية، ويتوقف الفوز فيه على موت المتسابقين الآخرين أو مقتلهم، وفي النهاية مشاء واحد يحصل على الجائزة، إضافة إلى أنه سيبقى على قيد الحياة، وهذه معجزة في ذاتها، وبالتالي تمجده وسائل الإعلام الأميركية ويتعهد مديرها الرائد له بتحقيق كل أمانيه.

الفيلم الذي يذكرنا إلى حد ما بمنطق مسلسل "لعبة الحبار" الكوري، يعتمد أساسا على الحوار بين شخصياته التي تظل تتكلم وهي تسير، أحيانا في لقطة مشهدية طويلة، فتستدعي طفولتها ولحظات شبابها، أو أسئلتها حول المعنى من الحياة في عالم كابوسي مثل ذلك الذي يديره الرائد. عدا عن ذلك الحديث المستمر الذي يبلغ أحيانا درجة الثرثرة، تنحصر أحداث الفيلم في عذابات المشائين واحتضارهم واحدا تلو الآخر، وحتى لحظة مخالفة القانون الذي يوجب المشي، وبالتالي التعرض لإطلاق النار من جند الرائد.

فيلم لا يخفي رؤيته الوجودية الكابية والمتشائمة لكنه يبقى هزليا في معالجته


لدى الشخصيات هنا ما يجذب، لا سيما البطلان الأساسيان راي (كوبر هوفمان) برغبته الشديدة في الانتقام، وبيتر (ديفيد جونسون) برغبته الشديدة في الحياة. فيلم لا يخفي رؤيته الوجودية الكابية والمتشائمة، يقدم صناعه لنا تجربة مشاهدة مزعجة على جاذبيتها، وآسرة (بالمعنى الحقيقي للشعور بالاحتجاز)، لكنه يبقى هزليا في معالجته، كاريكاتوريا في رسم شخصياته، لا سيما شخص الرائد.

Yes (Ken)

تأليف وإخراج: ناداف لابيد

بلد الإنتاج: فرنسا، إسرائيل، قبرص، ألمانيا

على الرغم من عنوانه "نعم"، يتخذ فيلم الإسرائيلي ناداف لابيد موقفا إنسانيا وجماليا، رافضا لما يحدث في العالم، لا سيما حرب الإبادة التي تشنها الحكومة الإسرائيلية في غزة. بطل الفيلم (ي) موسيقي ومؤد، يعيش في تل أبيب مع زوجته الراقصة ياسمين، وطفلهما الصغير، بلا أي انتماءات سياسية، ولا مواقف أيديولوجية، تاركا نفسه للتيار. يشارك في حفلات الابتذال مع سادة المجتمع الأغنياء السوقيين، ويفعل ما يطلب منه، ولو بلغ حد الدعارة. عقب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يطلب منه، أن يؤلف نشيدا جديدا لإسرائيل، مشحونا بالكلمات الحربية. مع ذلك، لا فكرة النشيد الجديد، ولا كلماته، وليدة خيال المخرج.

ملصق فيلم YES

يتضمن النشيد الإسرائيلي الحقيقي الذي ألف وغنّي بعد السابع من أكتوبر، كلمات "تدعو إلى تدمير غزة التام" (إبادتها)، والمفارقة أن جوقة من الأطفال غنته على أنغام أغنية إسرائيلية قديمة. لخصوصية الفيلم الجمالية والسينمائية، كرست له مجلة السينما الفرنسية الشهيرة "كاييه دو سينما" ملفا في عددها لشهر سبتمبر/أيلول الماضي، ومنحت لابيد فرصة ليتحدث عن رؤيته الإنسانية والفنية التي دفعته الى مغادرة إسرائيل والإقامة في باريس: "كنت أستيقظ في الصباح، وأقرأ في الأخبار أن خمسين شخصا قتلوا ليلا في قصف إسرائيلي، ثم أصل إلى مكان التصوير على الشاطئ، وأرى الكثير من العابرين، ومن بينهم جنود أعرف أن معظمهم، وفقا للإحصاءات، يؤيدون قتل الخمسين شخصا خلال الليل، أو على الأقل لا يبالون بهذا الفعل، كنت أشعر بالكراهية، برغبة في تجريم هذا الموقف بالكاميرا".

يتضمن الفيلم لقطات لسماء تل أبيب، أو أجزاء من معمارها، ما اعتبره السينمائي طريقته في قول وداعا لإسرائيل قبل أن يغادرها نهائيا


مع ذلك، ليس هذا ما صوره لابيد، إنما ذهب لتصوير الناس في الحدائق على الشاطئ المقابل للحظات قصف غزة، "كان هذا الواقع أيضا" بحسب قوله. ربما لأنه يدرك جيدا حجم عمى المجتمع الإسرائيلي عن الإبادة في غزة، وكم هو عاجز عن تغيير هذا الواقع، ولأنه يطمح إلى صناعة سينما تخصه، تفهم حدودها وتطور أدواتها الجمالية. "نعم التي يقولها بطل فيلمي هنا تحرره بطريقة ما، لكل شخص رأي، وهو بلا رأي، بل يحقق آراء الآخرين، كما أنها حررتني من عبء نفسي كبير، عبء الرفض، والصرامة والمعارضة المستمرة التي تحول المرء مع الوقت إلى أضحوكة". هذا الموقف الأخلاقي الذي يتخذه (ي)، ولا يشاركه إياه مخرج الفيلم، يتناقض مع فيلمه السابق الذي انتهى بوصية "كن صالحا في مجتمع سيئ". خلاصة الوصية كلمة "لا". لذا ها هو يجرب الخيار المعاكس. يتضمن الفيلم لقطات لسماء تل أبيب، أو أجزاء من معمارها، ما اعتبره السينمائي طريقته في قول وداعا لإسرائيل قبل أن يغادرها نهائيا احتجاجا على الإبادة: "صورت فيلمي في بلد حرب، بلدي، لكنه أيضا بلد العدو".

من ذاكرة السينما

The Gold Rush (1925)

تأليف وإخراج: شارلي شابلن

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة

يحتفى هذا العام بمرور مائة عام على إنتاج فيلم "حمى الذهب" لشارلي شابلن، وعرضه للمرة الأولى في المسرح المصري بالولايات المتحدة الأميركية. بعد أن عرضت النسخة المرممة منه في الدورة الماضية من "مهرجان كان السينمائي"، من المنتظر أن تستضيف دول أخرى حول العالم عروض الفيلم الذي رغب شارلي شابلن أن نتذكره به، أكثر من أي عمل آخر. كان الفيلم الأصلي صامتا في البداية، ثم ألحقه شابلن في العام 1942 بنسخة ثانية، تتضمن صوتا ساردا وتأثيرات موسيقية.

"حمى الذهب" هو فيلم السينما في بداياتها عندما كانت تتعرف الى نفسها وتتلمس إمكاناتها وتحلم بغدها

على أية حال، يحكي الفيلم عن "المنقب الوحيد" وهو شخص شابلن الذي لا يملك اسما في الفيلم، على عكس باقي الشخصيات، وفي أحيان كان يطلق السارد عليه اسم "الرفيق الصغير". نجهل اسمه الحقيقي كما نجهل ماضيه، ماذا كان يعمل وأين كان يعيش قبل أن تبدأ القصة. نعرف فقط أنه قرر ضمن حمى البحث عن الذهب التي أصابت رجال أميركا، أن يغامر بالبحث عن المعدن النفيس، ولأنه يفتقر الى القوة الجسدية التي يتمتع بها عادة هذا النوع من المغامرين، يعتمد حصرا على الحيلة، الممزوجة بطيبة القلب. من جانب يضحك المتفرجين، ومن جانب آخر يدفعهم للتوحد معه، في مسعاه الذي يصعب تحقيقه.

ملصق فيلم The Gold Rush

يلتقي "الرفيق الصغير" في رحلته شخصا شريرا (بلاك لارسون)، سرعان ما تتدخل الأقدار وتخلصه منه، وشخصا طيبا سيعثر على الذهب نيابة عنه، هو بيغ جيمي. لكن نقطة التحول تحدث حين يلتقي مصادفة في طريق ضياعه جورجيا، وهي راقصة جميلة تلمس رقته، ويقع هو في سحرها. يعتمد الفيلم على لقطات من أحجام متوسطة أو كبيرة، بما يجعل الكاميرا أشبه بمتفرج في مسرح. أما شابلن الممثل والمخرج فيملأ الكادر بحركاته الشهيرة المحببة، لا سيما حين تمتزج بلحظات التهديد المضحكة، كحين يتضور جوعا هو وجيمي في الكوخ ويراه جيمي على هيئة دجاجة. أو حين يتأرجح الكوخ، على حافة جبل الجليد، ويوشك على السقوط بهما.

"حمى الذهب" هو فيلم السينما في بداياتها عندما كانت تتعرف إلى نفسها وتتلمس إمكاناتها وتحلم بغدها. وهو أيضا عن الحلم الأميركي الوردي، إذ يتحقق للأنقياء من غير صراع ولا نضال ولا حتى إعمال عقل، قبل أن يحتكره الأقوياء من أصحاب الحيلة.  

font change