مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إنتاجات السينما العربية والعالمية، ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل شهريا، دليلا يجمع بين العرض والنقد لجديد الشاشة الكبيرة، على أن تتناول الأفلام الجماهيرية والفنية، من الأنواع كافة، بالإضافة إلى إعادة تقديم فيلم من ذاكرة السينما الكلاسيكية.

Caught Stealing

تأليف: تشارلي هيوستن (عن كتاب للمؤلف نفسه).

إخراج: دارين أرنوفسكي.

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة.

أحد الأفلام المنتظرة بشدة هذا العام لمخرجه الذائع الصيت دارين أرنوفسكي، صاحب "البجعة السوداء" Black swan من بين أفلام أخرى شهيرة. يدور الفيلم في نيويورك التسعينات، ويروي حكاية هانك (يؤديه أوستن بتلر) الذي يعمل نادلا في حانة، بعد أن كان يحلم بأن يصير أحد أبطال لعبة البيسبول. تعرض هانك لحادثة سيارة، يستدعيها السرد بصورة متقطعة طوال الفيلم، كل مرة كي يضيف لنا جزءا صغيرا من الحقيقة كما حدثت، وكما يخفيها إلى حد ما هانك عن نفسه. نفهم أنه وقع أيضا في إدمان الكحول، وأنه يعيش حياة مزرية تهدد استمرار علاقته بحبيبته إيفون (زوي كرافيتس).

من طريق المصادفة، يقع هانك المسالم، الذي يسير لصق الحيط، ضحية لضربات وحشية من أفراد عصابة مافيا روسية، كانت تستهدف في الأساس جاره روس، وتصادف أنه غادر في هذا اليوم بالذات، تاركا هانك يعتني بقطته. مشاهد العنف في الفيلم، لا تحتمل، يضيف إليها أرنوفسكي طابعا مرعبا، يتصاعد مع تحول العصابة لمطاردة هانك بدلا من جاره المسافر.

ما تخيله البطل، لقاء عابرا مع عالم مظلم وظالم، يتحول إلى جحيم تصر على تحطيمه، مع كل من يمت له 

وبحيث يذكرنا كل هذا الشر، الذي يحيق بهانك بلا ذنب، بأعمال أرنوفسكي السابقة خصوصا "البجعة السوداء"، و"أم" Mother. فما تخيله البطل، لقاء عابرا مع عالم مظلم وظالم، يتحول إلى جحيم تصر على تحطيمه، مع كل من يمت له بصلة، أولا حبيبته، ثم مديره في العمل، وربما حتى والدته، التي يتواصل معها هاتفيا، وهي مثله تشجع البيسبول.

ملصق فيلم Caught Stealing

مزاجيا، ينقسم الفيلم نصفين. الأول، يؤسس خلاله السيناريو لهذا الشرك الذي يشتد على هانك، حتى حين يلجأ إلى البوليس، فلن يؤدي ذلك إلا إلى المزيد من الرعب. ثم النصف الثاني، الذي يكتنفه بعض الهزل، والكوميديا غير المتوقعة، وكذلك الثغرات السردية التي تجعل الفيلم أضعف ربما، لكنها تخدمه على مستوى الحكاية الفلسفية. مع ظهور العبرانيين على الخط، في مقابل العصابة الروسية، وهم رجال الرب اليهود، الذين يحتفظون بطهارة بيتهم، لكنهم لا يتورعون عن ممارسة أبشع عمليات القتل. وحين يفكك هانك جزءا من شيفرة كابوسه، ويفهم كذلك وحشية رجال الرب هؤلاء. سيقول له أحدهم: "أنت الملام الوحيد على كل ذلك". ليتحول هانك، من ضحية للأقدار، إلى متحد لها، وربما حتى إلى بطل هوليوودي منتصر.

إسعاف

تأليف: إبراهيم الحجاج، ألبيرتو لوبيز.

إخراج: كولن تيغ.

بلد الإنتاج: السعودية.

يجمع الفيلم السعودي "إسعاف" بين الكوميديا والتشويق وكذلك الدراما، وهو يروي قصة بطله  عمر (إبراهيم الحجاج) الذي يبدو شابا أخرق، لكنه طيب القلب، يعمل مسعفا، بالشراكة مع زميله الأعقل خالد (محمد القحطاني) ذلك الذي لا يسلم من مقالب عمر ولا سوء تقديره. وعلى الرغم من المتاعب التي لا يكف عمر عن إيقاع نفسه وزميله بها، خلال ممارسته لعمله، فإنه يبقى شخصية مثيرة للاهتمام على مستوى الفيلم. إذ يمتلك خيالا واسعا، وميلا إلى المغامرة، رغم بعض الجبن الذي يشوب طباعه، وهو إلى ذلك يرى نفسه بطلا ينتظر الفرصة المناسبة كي يثبت لمديره في العمل، وزميله خالد، أنه مصدر ثقة. تأتي هذه الفرصة ذات ليلة، حين يصدم خالد خطأ بسيارة الإسعاف أحد الأشخاص في الشارع، إثر غضبه من عمر، ليتورط الشابان من بعد في اكتشاف جريمة خطف وسرقة، متشابكة الخيوط.

نحن هنا إنها كوميديا الشاب الأقرب إلى طفل، الذي يكتشف خبث العالم وخداعه وهو يظن أنه ينتصر عليه 

في هذه الرحلة التي ينجرف إليها عمر، يلتقي لينا (بسمة داود) الشابة المخطوفة التي تفهم طبيعته الحالمة من النظرة الأولى، وتتلاعب لإقناعه ببراءتها، بطريقة تمكنها من السيطرة عليه، وجره لخدمة الشبكة الإجرامية التي تنتمي إليها، ولا نفهم طبيعتها إلا في نهاية الفيلم.

ملصق فيلم "إسعاف"

ما ينجح فيه "إسعاف" هو جذبنا باستمرار للتعاطف مع عمر، الشاب الذي كبر على أفلام البطل الخارق سوبرمان، وعلى الفوز في ألعاب الفيديو، ولم يفقد براءته تماما، حتى حين أسندت إليه وظيفة حساسة كوظيفة المسعف، التي تنتمي أكثر إلى عالم الكبار. من هنا تتحقق الكوميديا في الفيلم، إنها كوميديا الشاب الأقرب إلى طفل، الذي يكتشف خبث العالم وخداعه وهو يظن أنه ينتصر عليه. لكن عوضا عن أن يحطمه هذا الاكتشاف، تتآمر الأقدار، وربما حتى يتآمر سيناريو الفيلم، لصالح عمر، الذي ينجح في توظيف ذكائه الفطري وخبراته من ألعاب الفيديو ومشاهدة الأفلام الأميركية، في تحقيق انتصار رمزي على الشر، وفي توطيد صداقة مع خالد، زميله الذي رفع أمامه شعار: "وراء كل مسعف عظيم، مسعف أعظم". في النهاية، نلتقي ضيف الشر الممثل المصري أحمد فهمي، الذي يعين مديرا جديدا للمستشفى، جالبا معه ربما اختبارا من نوع جديد للبطل عمر.    

The Ground Beneath Our Feet

تأليف: يرسا روكا فانبرج، إلينا أغلا برايم.

إخراج: يرسا روكا فانبرج.

بلد الإنتاج: آيسلندا، بولندا.

ربما يحيل عنوان هذا الفيلم التسجيلي "الأرض أسفل أقدامنا" إلى فكرتين متناقضتين ظاهريا، متكاملتين منطقيا. من ناحية يشير إلى الطقوس اليومية، التي تستلزمها الحياة الأرضية بطبيعة الحال، من مأكل وشراب وحركة، لا سيما ونحن نتحدث عن أبطال هذا الفيلم، وهم مجموعة من كبار السن، الذين يعيشون في دار رعاية عنوانها نفسه "غراند" باللغة الآيسلندية، يرادف كلمة "أرض" بالعربية. والمقصود أن الحياة اليومية، في تمثلاتها البسيطة، لم تعد مهمة عادية، أو مستطاعة من غير مساعدة. أما المعنى الثاني الممكن فهمه من العنوان، فهو الأرض التي سندفن فيها جميعا، وأبطال هذا الفيلم، إنها أرض أخرى أسفل تلك التي نسير عليها. وهذا المعنى الثاني، هو الذي حمل المخرجة يرسا روكا، على اختيار العبارة عنوانا لفيلمها، كما تقول في الكتيب الصحافي الخاص بالفيلم.

فيلم خاص، يتوج خصوصيته بمشهد اكتشاف مسام الجلد المتغضنة باستخدام أكبر لقطات مقربة ممكنة

يبدأ الفيلم بمشهد قريب لإحدى ساكنات هذه الدار، على الفراش تحادث المخرجة ببطء، وتسألها عن طبيعة فيلمها قيد التصوير: "هل هو فيلم عن طفل يولد ثم يشيخ؟"، لتجيب المخرجة: "بل هو فيلم عن هذه المرحلة بالذات". ما يظهر كإجابة مقنعة للسائلة، وإلى حد ما مؤسفة، فلا تسأل أي أسئلة إضافية. في سبيل رسم طبيعة هذه الحياة الخاصة، التي عايشتها صانعة الفيلم من الداخل لسنوات عملها الطويلة في دار الرعاية، إلى جانب عملها السينمائي، تلجأ إلى مجموعة من الخيارات الفنية، كاستخدام الكادرات الثابتة، وشبه الثابتة، في تتبع أبطالها، بما يوازي بطء حياتهم وكثافتها. كما اختارت أن تصور بطريقة الـ 16 مم، أي على شرائط خام حقيقية، لا بالطريقة الرقمية. الخيار الذي تبرره المخرجة، بطموحها الجمالي، وبنسيج الصورة الخاص، والناعم الذي رأيناه على الشاشة.

مع ذلك، لا يركز الفيلم على الأبطال بصفتهم الشخصية، ولا يهتم كثيرا بأن يعرفنا على حيواتهم السابقة. إنهم بشر على هذه الحالة من الهشاشة، وكفى. ما يترك علينا كمشاهدين تأثيرا مربكا في بعض الأحيان، مع اطلاعنا على أوقات حميمة كتلك التي تمهد لاحتضار مثلا. أو أخرى، تشهد على تبخر الذاكرة. أو حين الذعر من موت الآخر، أكثر من موت الذات. وحتى مشهد السيدة التي تقطع صورها القديمة، لا يتركنا بلا أسئلة. فيلم خاص، يتوج خصوصيته بمشهد اكتشاف مسام الجلد المتغضنة باستخدام أكبر لقطات مقربة ممكنة.  

Tales from the Magic Garden

تأليف: ماريك كرال، بيتر كراجيسك، باتريك باص، جرنيجا كاجا بالوج، ماجا كريزنيك، بلاندين جيت.

إخراج: ديفيد سوكوب، باتريك باص، ليون فيدمار، جون كلود روزيك.

بلد الإنتاج: التشيك، فرنسا، سلوفاكيا، سلوفينيا.

قلة من الأفلام، تلك التي يمكنها أن تعيدنا لتأمل سحر اللون والصورة، أو باختصار سحر السينما. "حكايات من الغابة السحرية"، وهو فيلم تحريك تشيكي، أحد هذه الأفلام، التي تجعل لنا مخرجا من العالم الصعب بصراعاته وعنفه وشروره، يمر بالضرورة عبر دروب الحكاية، وأصحابها الحقيقيين، أي الأطفال. من خلال حكاية ثلاثة صغار في أعمار متباينة، يفقدون جدتهم الحبيبة التي كانت تروي لهم الحكايات. يواجهون للمرة الأولى الفقد، متمثلا في الحرمان من حكاية ما قبل النوم. لم يبق لهم في مواجهة هذه الوحشة، التي تهدد قسما كبيرا من عالمهم إلا قبعة جدتهم الطيبة، وشخص جدهم الذي يعاني بدوره حدادا نفسيا بعد وفاة شريكة حياته، وهو عاجز عن التواصل مع أحفاده.

يمدح الفيلم الخيال، ويشير إلى القدرات الشفائية التي يثيرها الاتصال بعالم الحيوان، ويشدد على قيمة الصورة، بما هي سينما، في الاحتفاظ بذكرى الراحلين

فنانو الفيلم، يستخدمون العرائس الصغيرة، وماكيتات الأماكن، والخلفيات المرسومة للتعبير عن عوالم الحكايات الثلاث التي سترويها الحفيدة الكبرى سوزان، ويبدو أنها الوارثة لموهبة الحكي. تستخدم سوزان القبعة، مع وصفة سحرية، تتضمن التلفظ بثلاث كلمات، تنسج عالم الحكاية المطلوبة وتدخل المتفرجين إليها. تتعامل الحكاية الأولى، مع الفقد المؤقت للأبوين. وتوجه الحكاية الثانية بطلها إلى غابة سحرية، تحفظ من الحب القديم ذكراه الخالدة، وقوة تأثيره حتى بعد موت الحبيب. بينما تتعامل الحكاية الثانية، مع فقد جد بديل في الحكاية لأفراد أسرته، وتستعرض إصراره على البقاء في القبور، بعيدا من الحياة الحقيقية.

ملصق فيلم Tales from the Magic Garden

هذه الحكايات المأخوذة عن كتاب عنوانه "عن الأشياء والأشخاص غير المرغوبين"، من تأليف أرنوست غولدفلام، الكاتب الذي يحمل ملامحه جد الصغار الثلاثة، تستفيد من أدبيات الأطفال المعروفة حول العالم، والقصص والأساطير الشهيرة. لكنها مع ذلك، تقرر أن تحول ميراث الخوف في هذه الأعمال، والتحذير، إلى ثقة في الحياة، من طريق تمجيد الفن، والإبداع، إذ تجعل من أصعب المحن الإنسانية مناسبة لإعادة اكتشاف الحياة نفسها. يمدح الفيلم الخيال، ويشير إلى القدرات الشفائية التي يثيرها الاتصال بعالم الحيوان، ويشدد على قيمة الصورة، بما هي سينما، في الاحتفاظ بذكرى الراحلين، من غير أن نفقد صلتنا بعالم الأحياء. فيلم مناسب للأطفال، لكنه يذكر الكبار بإحدى الوظائف الأساسية التي نذرت لها السينما نفسها منذ البداية، إنها الحكاية السحرية، الملونة، التي تنقلنا إلى عوالم أخرى، أقل قسوة بطبيعة الحال، من عالمنا الحقيقي.

Together

تأليف وإخراج: مايكل شانكس.

بلد الإنتاج: أستراليا، الولايات المتحدة.

يلجأ صانع هذا الفيلم إلى بعض المعتقدات الروحية السائدة اليوم، عن فكرة "توأم الروح" الرومانسية. يعود تحديدا إلى نظرية منسوبة لأفلاطون، من أن البشر خلقوا على صورة أخرى أقوى من الصورة الحالية، بأربع أرجل وأربع أذرع، لكنهم اختبروا نوعا من التمزق الداخلي أجبرهم على الانفصال، ليبحث كل منهم عن نصفه الآخر، ذلك الذي يكمله وبه يعود قويا. أيا كانت صحة نسب هذه النظرية لأفلاطون، التي وفقا للبعض قد يكون ساقها على سبيل المجاز، لا الحقيقة. مايكل شانكس، يستكشف هذه الفكرة، لا بطابعها الرومانسي الحالم، إنما بإيحاءاتها المرعبة. ماذا لو أن الاتحاد مع النصف الثاني، يعني الخسران المجحف للذات، لا الانتماء السعيد إلى آخر؟

يستعرض بشكل جانبي خطورة علاقات الحب على المستوى المادي، حيث الأضعف يأكل القوي، أو القوي لا ملاذ له غير المستضعف، والموت حلم بعيد المنال

هذه ليست الفكرة الوحيدة التي يسربها المخرج في فيلمه. ثمة مستويات عديدة يمكن من خلالها قراءة الحكاية، التي تبدأ قبل انتقال الثنائي ميلي (أليسون بري)، وتيم (ديف فرانكو)، إلى منطقة نائية بعيدا من المدينة. إن علاقتهما تبدو من اللحظة الأولى فاترة، وفروق الحضور شاسعة بين ميلي المعلمة المتألقة مهنيا، وشريكها تيم الباهت الذي يحلم بالموسيقى، لكنه لا يبذل جهدا حقيقيا في اللحاق بقطارها. هناك لوم خفي بين الشريكين، وزهد جسدي يمنعهما حتى من ممارسة حميميتهما. في البيت الجديد، كعادة أفلام الرعب، يبدآن في اختبار أعراض غريبة، تجعل من الصعب على أحدهما الابتعاد عن الآخر. بل وتجبرهما على ممارسة علاقة جسدية طائشة، "بعطش غامر" كما يصفها تيم. سوى أن التجربة تزداد خطورة، حين يشتهي الجسد التهام جسد الآخر، في مشاهد تذكرنا إلى حد ما بفيلم "المادة" The Substance من إخراج كورالي فارجاه.

ملصق فيلم Together

يشترك هذا الفيلم مع فيلمي رعب مهمين طرحا هذا الموسم وهما Bring her back من جانب، وWeapons من جانب آخر، في الإيمان بقوة السحر وشره. وإن كان الأول يركز على السحر لاستعادة الميت، والثاني يركز عليه لمنع الموت من المساس بالجسد، فإن فيلم مايكل شانكس يستعرض بشكل جانبي خطورة علاقات الحب على المستوى المادي، حيث الأضعف يأكل القوي، أو القوي لا ملاذ له غير المستضعف، والموت حلم بعيد المنال. فيلم مختلف، وحتى نهايته السعيدة، قد لا تبدو سعيدة على الإطلاق.

من ذاكرة السينما

 هن Elles

إخراج: أحمد لعلام.

بلد الإنتاج: الجزائر، 1966.

بعد أربعة أعوام من حصول الجزائر على استقلالها، في المدارس والجامعات وحتى في الشوارع، كان النقاش الدائر ثريا حول طبيعة المجتمع الجديد الذي يطمح إليه الجزائريون، وبالضرورة حول مكانة المرأة فيه. موقفها من الواجبات التي فرضت عليها، وأسئلتها حول حقوقها في التعليم والعمل، أو مجرد الخروج إلى الشوارع في نزهة، بأمان، ومن غير أن تحاصرها أعين الرجال المستنكرة. هذا الفيلم التسجيلي القصير الذي أخرجه المخرج الجزائري الراحل أحمد لعلام، ينغمس في سؤال الحقوق والواجبات. لكن من جانب النساء، بألسنتهن مباشرة، وليس نقلا عنهن، مركزا على مجموعة من طالبات المدارس الثانوية، في جدالاتهن اليومية، حول الموضوع.

هنا طالبات، لا يطالبن بحرية التعبير عن آرائهن في مجتمع الثورة، إنما يعبرن بحرية فعلا، وبحماسة

لا يقدم الفيلم شخصيات معينة بالاسم، ولا يهتم بهذه المقاربة الرسمية للفيلم التسجيلي. هنا طالبات، لا يطالبن بحرية التعبير عن آرائهن في مجتمع الثورة، إنما يعبرن بحرية فعلا، وبحماسة. يحدث هذا التعبير في الفيلم غالب الوقت باللغة الفرنسية، قلة من بينهن من استطعن التعبير بالعربية. بينما في الخلفية صوت بعض الأغنيات والموسيقى الجزائرية. كما تضيف الكاميرا إلى النقاشات المحتدمة، بعض مشاهد نساء محجبات في الشارع، يتحركن هنا وهناك، يتكلمن إلى الرجال، لكن طبعا بحساب. على أي حال، سؤال الحجاب، بمعناه كاحتجاب عن الفضاء العام، مطروح هنا بشدة. وستعبر طالبة عن رأيها حول الفكرة ببساطة قائلة: "المجتمع الجزائري من صنع الرجال، ومن أجل الرجال".    

ملصق فيلم elles

هذا الخط السردي والفكري، لا يمنع المخرج أحمد لعلام من إضافة بعض الأصوات الرجالية إلى الموضوع. أصوات لأساتذة جامعة على ما يبدو أو معلمين، لا يعرفهم الفيلم شخصيا، ربما فقط ليمنحنا فرصة لفهم طبيعة السياق العام الذي دارت فيه هذه النقاشات. بعض هذه الآراء الذكورية، بدت محفزة على السخرية، كما مارستها فرجينيا وولف في كتابها الشهير "غرفة تخص المرء وحده"، كذلك الرأي الذي يرى أن المرأة الجزائرية هي امرأة محظوظة على الصعد كافة، ومن غير أي كلام عن حرياتها أو حقوقها. عام 1995، أي بعد نحو ثلاثين عاما من تصوير هذا الفيلم، سيعود المخرج نفسه أحمد لعلام إلى بعض الفتيات اللواتي ظهرن هنا وقد صرن نساء يعشن فترة العشرية السوداء، ليسألهن عما آلت إليه الأحلام، وينجز فيلمه التسجيلي المهم "جزائريات، بعد ثلاثين عاما".

font change