مفاجأة ولايتي – ظريف... كيف التقى النقيضان الإيرانيان

تعقيد الصورة الإيرانية وتنوعها رافق سياسة طهران الخارجية طوال عقود

مفاجأة ولايتي – ظريف... كيف التقى النقيضان الإيرانيان

استمع إلى المقال دقيقة

يسود اعتقاد بين أغلب دارسي إيران المعاصرة بأن ثمة سلطات متوازية تدير البلاد وتتبادل الرقابة على بعضها البعض في شكل من أشكال "الرقابة والتوازن" التي تعتمدها الديمقراطيات الغربية.

الدليل على ذلك أن التيار الإصلاحي، على الرغم مما يتعرض له من تضييق من المؤسسات المحافظة في كل جولة انتخابية، يتمكن في نهاية المطاف من إيصال بعض مرشحيه إلى مناصب رفيعة في السلطة. وآخر هؤلاء كان الرئيس مسعود بزشكيان.

الإصلاحيون والمحافظون و"الحرس الثوري" يتوزعون بدورهم على جمعيات وأحزاب وهيئات كثيرة تظهر وتختفي وفقا لتطورات الوضع الإيراني الداخلي. "مجمع علماء الدين المجاهدين" أو "مجمع روحانیون مبارز" ومنافسته لـ"جمعية علماء الدين المجاهدين" (جامعه روحانيت مبارز) من الأمور التي شغلت متابعي الشأن الإيراني في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، واستدعت كتابات كثيرة للتمييز بين الهيئتين وميولهما ومستوى تمثيلهما لحساسيات اجتماعية إيرانية معينة، وأيهما يميل يسارا أو يمينا، وما مدى الولاء لمرشد الجمهورية. كذلك جماعة "كوادر البناء" التي شكلها الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني غداة الحرب العراقية-الإيرانية، و"حركة الإصلاح الإيرانية- الثاني من خرداد" التي أوصلت الرئيس محمد خاتمي إلى الرئاسة... إلخ.

عليه، كانت التنوعات الحزبية الإيرانية تمثل اتجاهات عميقة وحقيقية في الحياة الاجتماعية–السياسية الإيرانية. ظهرت أسماء ولمعت ثم اختفت بفعل صعود القوى المتشددة والتيار المستند إلى نفوذ "الحرس".

أثناء ولاية حسن روحاني الذي قُدم كرمز للاعتدال بعد سلفه "المتشدد" محمود أحمدي نجاد، احتل الشاشات وزير الخارجية جواد ظريف الذي قيل إنه أكاديمي هادئ يتقن التعامل مع الغرب، وبعد توقيع الاتفاق النووي في 2015 نُظم له استقبال حاشد في طهران كمخلّص أبعد عن إيران شبح الحرب.

في المقابل، كان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد، (وهو وزير خارجية سابق برز أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، يدير طوال 16 عاما السياسة الخارجية التي يعتبر هو مهندسها وواضع أسسها)، يظهر كصقر في طيف الانتماءات الإيرانية.

التقى التشدد والمرونة، علي أكبر ولايتي وجواد ظريف في تبني موقف يظهر حجم الإصرار على عدم التنازل عن أي من المكتسبات التي تعتقد إيران أنها حققتها في المجالات الخارجية منذ أربعين عاما

تعقيد الصورة الإيرانية وتنوعها، على الرغم مما يقال عن توزيع الأدوار والانصياع في نهاية المطاف إلى المرشد وقراره، رافق سياسة طهران الخارجية طوال عقود. وكثير من التصريحات والمواقف التي كانت تتبرأ فيها وزارة الخارجية الإيرانية من أعمال مثبت أنها من فعل إيرانيين، كانت تصدر عن أجهزة لا علاقة لها بقوى أخرى مثل "الحرس" أو أجهزة الأمن أو "الحلفاء". 
وفي الأيام القليلة الماضية، حصلت مفاجأة. إذ تحدث جواد ظريف في "منتدى الدوحة" عن الخلاف حول حقل الدرة النفطي منفعلا أمام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي الذي حاول تهدئة محاوره المعروف باللجوء إلى تطرية الأجواء في العادة. كما اعتبر ظريف أن إيران دعمت القضية الفلسطينية أكثر من العرب، في مغالطة من مغالطات الوزير السابقة المألوفة عندما يتحدث عن فلسطين والعرب، متناسيا أن الدعم العربي للقضية وللفلسطينيين يسبق بعقود قيام الجمهورية في إيران. 
كلام مشابه في تشدده قاله ولايتي أثناء لقائه مع ممثل "حزب الله" اللبناني في إيران، عبد الله صفي الدين (وهو شقيق هاشم صفي الدين الذي تولى الأمانة العامة لـ"الحزب" بعد اغتيال حسن نصر الله، واغتياله هو بعد أسبوع). فقد شدد ولايتي على أن إيران ستتابع دعم "قوى المقاومة" مشددا على "الموقع الاستراتيجي" لـ"الحزب" في "محور المقاومة". وعلى القدر ذاته من التصلب قال صفي الدين: "إن (حزب الله) أقوى الآن من أي وقت مضى".
هكذا، التقى التشدد والمرونة، علي أكبر ولايتي وجواد ظريف، في تبني موقف يظهر حجم الإصرار على عدم التنازل عن أي من المكتسبات التي تعتقد إيران أنها حققتها في المجالات الخارجية منذ أربعين عاما. وبدا ظريف شديد الوضوح بمطالبته بعائد الاستثمارات الإيرانية في قوى "المحور" التي قال إنها "لم تطلق رصاصة واحدة من أجل مصالح إيران". 
لا ينبغي أن يعزى ذلك إلى توزيع أدوار أو "سقوط قناع الاعتدال" عن وجوه بعض السياسيين الإيرانيين، بل الأرجح أن الوضع في إيران- سواء في ظل الانكشاف التام للمنظومات الأمنية والعسكرية أثناء حرب الاثني عشر يوما في يونيو/حزيران الماضي وما تبعه من خسائر ثقيلة في البرنامج النووي الإيراني (فخر الإنجازات الإيرانية)- يلقي عبئا ثقيلا على السياسيين الإيرانيين من كافة التيارات والقوى، في الوقت الذي يبدو فيه طريق الخروج من المأزق الحالي مسدودا. 

font change