يبدو مشهد الصراعات العالمية في عام 2025 أكثر تقلبا وتعقيدا مما كان عليه في العقود الأخيرة. فالحروب لم تعد الشكل الوحيد للمواجهة، إذ يحدث جزء كبير من التنافس الجيوسياسي بعيدا من ساحات القتال المباشر، من خلال أدوات أقل وضوحا. تتداخل التحركات العسكرية مع الضغوط الاقتصادية وإعادة التموضع الاستراتيجي للدول، مما يفضي إلى نظام دولي منقسم يفتقر إلى الاستقرار والقدرة على استشراف المستقبل.
في حلول الربع الأخير من السنة الجارية، وثق باحثون في تقرير صادر عن "كونياس" لتحليل الأخطار وجود 1,450 نزاعا سياسيا مستمرا حول العالم، وهو أعلى رقم يسجل حتى اليوم. ويصنف 89 من هذه النزاعات كحروب دائرة في 31 دولة. غير أن الصراع المسلح لا يعكس سوى الوجه الأبرز لحالة عدم الاستقرار العالمي. إذ شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا ملحوظا في استخدام العقوبات الاقتصادية، والتعريفات الجمركية، وضوابط التصدير، وقيود الاستثمار، إضافة إلى الضغوط الديبلوماسية، كأدوات رئيسة للتأثير والنفوذ. وقد خلف هذا النهج تداعيات عميقة على الأسواق العالمية، وسلاسل التوريد، وحتى على تماسك التحالفات الأمنية.
لا تتسم صراعات عام 2025 باندلاع حروب جديدة بقدر ما تتسم بتصعيد نزاعات قائمة منذ سنوات، إلى جانب ارتفاع ملحوظ في حدة الأزمات غير العنيفة. فقد سجل نشوء 70 نزاعا سياسيا جديدا خلال العام، في مقابل انتهاء 18 نزاعا فقط، وهو ما يعكس اتساع حالة الجمود في النظام الدولي. وفي هذا السياق، تحولت الأنظمة التجارية، والتدفقات المالية، وإمكان الوصول إلى الأسواق، وحقوق استخدام القواعد العسكرية، إلى أدوات مباشرة توظفها الدول لتعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وبات التنافس الجيواقتصادي عاملا أساسا في تغيير موازين الأمن العالمي.
عشية نهاية العام، تتكثف الجهود الديبلوماسية العالمية على جبهات عدة. فقد أجرت أوكرانيا محادثات يبدو أنها مثمرة مع شركائها الأميركيين والأوروبيين لإنهاء الحرب مع روسيا الممتدة منذ نحو أربع سنوات، في حين يضغط الوسطاء الدوليون من أجل التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار في غزة والانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام وسط انتهاكات وضغوط إنسانية مستمرة.