الشركات الأميركية تفر من ملاذات الكاريبي الضريبية بعد حملة القمع

الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة تختار بلدًا يفرض ضرائب منخفضة لتنفذ أعمالها الجديدة

متظاهران يرتديان ملابس رجال أعمال في موقع احتجاج أطلق عليه المتظاهرون اسم «جزيرة ملاذ الضرائب المظللة» في لندن.

الشركات الأميركية تفر من ملاذات الكاريبي الضريبية بعد حملة القمع

* أصبحت البلدان التي تفرض ضرائب منخفضة وتشكل وجهات جذابة للشركات متعددة الجنسيات - مثل سنغافورة وآيرلندا وهولندا - أكثر استحسانًا.
* استخدمت الشركات الأميركية الملاذات الضريبية لسنوات لتجنب ارتفاع الرسوم حيث تكسب دخلها.
* تعاونت الدول الأوروبية والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لوقف استخدام الثغرات وجمع المزيد من الضرائب من الشركات التي يقع مقرها داخل حدود أراضيها.
* لدى «فيسبوك» فرصة حتى عام 2020 لتنهي المعاملات التي تمكّنها من توجيه الإيرادات من الشركات الفرعية الآيرلندية إلى جزر كايمان المعفاة من الضرائب.
* سلسلة من متطلبات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تهدف إلى منع الشركات من تحويل الأرباح إلى الخارج.
* لطالما كانت آيرلندا وجهة جذابة للشركات متعددة الجنسيات الكبرى نظرًا لنظامها غير المعقد نسبيًا ومعدلها المنخفض بنسبة 12.5 في المائة وعضويتها في الاتحاد الأوروبي والقوى العاملة التي تتكلم اللغة الإنجليزية وتحصل على دخلٍ منخفض.
* أصبحت سنغافورة مقصدًا شهيرًا تؤسس فيها الشركات مقراتها وذلك بسبب معدل الشركات البالغ 17 في المائة والشبكة التنظيمية المتراخية والنظام القانوني المعمول على غرار نظام بريطانيا.
* يقول جيفري كورينبلات، محامي الضرائب في شركة ريد سميث القانونية إن هذه التحويلات تؤدي إلى عدم فرض ضرائب على الأرباح وبالتالي تحصل الشركة على أرباحها الصافية.

واشنطن: أغلقت كثير من الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة أو اختارت فتح فروع لها في بلدان تفرض عليها ضرائب منخفضة أو لا تفرض ضرائب أصلاً والتي تعتبر أكثر شرعية من الوجهات الجزرية المعروفة سابقًا مثل جزر كايمان وجزر الباهاما.
وتفر هذه الشركات بسبب القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي والتي تتطلب منهم تقديم تبرير غرضهم التجاري من عملياتهم الخارجية. وأصبحت البلدان التي تفرض ضرائب منخفضة وتشكل وجهات جذابة للشركات متعددة الجنسيات - مثل سنغافورة وآيرلندا وهولندا - أكثر استحسانًا، خاصة بعد قيامها بإجراء تغييرات لتظهر أنها أكثر شرعية.
وقال رئيس قسم الممارسات الضريبية في شركة بيكر ماكنزي وونغ آند ليو القانونية في سنغافورة ألين تان: «ولّت أيام اختيار سلطة قضائية خاصة بسبب الضرائب».
وقد استخدمت الشركات الأميركية الملاذات الضريبية لسنوات لتجنب ارتفاع الرسوم حيث تكسب دخلها. وقد تعاونت الدول الأوروبية والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لوقف استخدام الثغرات وجمع المزيد من الضرائب من الشركات التي يقع مقرها داخل حدود أراضيها.
وأغلقت شركة التأمين السويسرية «Re AG» إحدى شركاتها التابعة في برمودا عام 2016. وافتتحت مقرها الإقليمي في سنغافورة في يناير (كانون الثاني). وقالت الشركة في بيان إنها لا تستخدم الملاذات الضريبية لغرض تجنب الضرائب وأن منشآتها المسجلة في برمودا تخضع للضريبة الكاملة من الولايات المتحدة.
وأعلنت شركة «فيسبوك» من جهتها أنها تعتزم مضاعفة قوتها العاملة في سنغافورة بثلاثة أضعاف. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة «ITEP» البحثية عام 2017. فإن الشركة المختصة بوسائل التواصل الاجتماعي تمتلك فروعا تابعة لها في آيرلندا وسنغافورة فقط. وقالت الشركة العام الماضي إنها بصدد تغيير هيكل مبيعاتها بحيث يتم تسجيل الدخل في الدولة التي تقع فيها الشركة. ولدى «فيسبوك» فرصة حتى عام 2020 لتنهي المعاملات التي تمكّنها من توجيه الإيرادات من الشركات الفرعية الآيرلندية إلى جزر كايمان المعفاة من الضرائب. ولم تجب المتحدثة باسم شركة «فيسبوك» نورا تشان عندما سئلت عن الموضوع.
وتغتنم دول مثل سنغافورة- التي تعتبر أكثر تطورًا ولا تزال تقدم نسب ضرائب منخفضة نسبيًا- الفرصة وتسلط الضوء على بنيتها التحتية والقوى العاملة المتاحة واتفاقيات الضرائب مع الدول الأخرى.
ويقول خبراء الضرائب إن سبب ابتعاد الشركات عن الملاذات الضريبية الصارخة هي سلسلة من متطلبات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تهدف إلى منع الشركات من تحويل الأرباح إلى الخارج. وتتطلب المعايير- التي أصبحت قوانين في كثير من الدول الأوروبية- من الشركات إظهار المادة الاقتصادية- الموظفين وفرق الإدارة والمبيعات- في البلدان التي تكسب فيها دخلاً.
كما يتعين على السلطات الضريبية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تتبادل البيانات سنويًا مع بعضها البعض حول مقدار الأرباح التي تجنيها الشركات ومقدار الضرائب التي تدفعها وعدد الموظفين في هذه الشركات داخل حدودها. وحدث أول تبادل للبيانات في يونيو (حزيران).
 

الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يلقي خطابا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 13 يونيو 2008 في باريس.



وقضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على اثنين من أخطر التحركات الضريبية- الآيرلندي المزدوج والساندويتش الهولندي- التي غالبًا ما تنطوي على استخدام ملاذات خالية من الضرائب كوجهة للدخل الخارجي. إلّا أن لدى بعض الشركات مثل «فيسبوك» بضع سنوات أخرى لإنهاء هذه الممارسة. وتخطط مصلحة الإيرادات الداخلية الأميركية لإصدار قوانين من شأنها فرض تنفيذ بعض متطلبات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ووفقًا لبيانات تنظيمية صدرت هذه السنة في هولندا، فقد نقلت «غوغل» التابعة لشركة ألفابت مبلغ 18 مليار دولار إلى برمودا عام 2016 لحماية معظم أرباحها الدولية من الضرائب.
ويقول جيفري كورينبلات، محامي الضرائب في شركة ريد سميث القانونية إن هذه التحويلات تؤدي إلى عدم فرض ضرائب على الأرباح وبالتالي تحصل الشركة على أرباحها الصافية.
وتضطر اليوم الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا وصناعة الأدوية والتي كانت من أكثر مستخدمي تلك التكتيكات، إبقاء دخلها داخل أراضي البلد الأوروبي الذي تعمل فيه. وتقوم آيرلندا وهولندا في المقابل بتشديد مبادئهما التوجيهية المحاسبية، مما يزيد من صعوبة قيام الشركات بتدوين أرقامها حول المكان الذي يتم فيه كسب الدخل.
ومع ذلك، لا تزال بعض الشركات- مثل صناديق التحوط- مكانها في جزر الكاريبي ولا تتأثر بالضغوط السياسية وتواجه قيودًا أقل لأن كثيراً منها في القطاع الخاص.
ولطالما كانت آيرلندا وجهة جذابة للشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تسعى إلى تقليل الضرائب، ولكنها أصبحت أكثر استحسانًا في البيئة الحالية نظرًا لنظامها غير المعقد نسبيًا ومعدلها المنخفض بنسبة 12.5 في المائة وعضويتها في الاتحاد الأوروبي والقوى العاملة التي تتكلم اللغة الإنجليزية وتحصل على دخلٍ منخفض.
وقالت ليندا بفاتيتشر، الشريكة الإدارية لشركة سكواير باتون بوغز سان فرانسيسكو ومكاتب بالو إلتو، إن آيرلندا أصبحت اليوم الخيار الأول لشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة أكثر من أي وقتٍ مضى.
ومن جهته، قال فيفيان ناثان، وهو مستشار يساعد الشركات في تأسيس فروع لها في آيرلندا، إن لدى الشركات التي تم تأسيسها في هذا البلد فحوى قوية. وأشار إلى أنه «قبل خمسة عشر عامًا، كنا نؤسس 500 شركة خلال شهر أو شهرين. أما الآن فنقوم بتنفيذ 10 مشاريع ضخمة. لقد أخذت بجدية أكبر وهذا ملائمٌ أكثر».
وقد تراجعت هولندا عن تصورها لمساعدة الشركات الأميركية على تجنب الضرائب. فوفقًا لبحث أعدته شركة «ITEP» البحثية، سجلت أكثر من نصف الشركات المدرجة في قائمة فورتشين 500 عن شركة واحدة تابعة لها على الأقل هناك وذلك اعتبارًا من عام 2016.
وتدرس الحكومة الهولندية سلسلة من المقترحات لمنع الشركات من تحويل الدخل خارج البلاد وفرض ضريبة مستقطعة على الديون بين الشركات ومدفوعات الإتاوة، والتي يمكن استخدامها للحد من الالتزامات الضريبية. وتفكر الدولة أيضا في تخفيض معدل الشركات- الذي يصل إلى 25 في المائة أعلى من كثيرٍ من نظرائها.
وقال جيان تشينغ كو، وهو مدير قانوني في شركة «DLA Piper» في أمستردام: «أعتقد أن المطلوب هو أن تظل خيارًا جذابًا للمستثمرين الأجانب».
وتحاول بلدان أوروبية أخرى، مثل سويسرا، ضمان عدم إدراجها في القائمة السوداء. فقد صنف الاتحاد الأوروبي سويسرا ضمن القائمة الرمادية للملاذات الضريبية في العام الماضي بسبب أنظمتها الضريبية المشكوك فيها. وتعمل اليوم على تغيير نظام ضرائبها الخاص بالشركات.

أحد المتظاهرين يحمل نقودًا مزيفة خلال القمة العالمية لمكافحة الفساد في لندن.



وقال أستاذ السياسة الدولية بجامعة سيتي بلندن، رونين بالان، إن سويسرا- التي تعد من أفضل الولايات الضريبية المنخفضة للبنوك ومديري الأموال- معرضة لخطر خسارة بعض هيمنتها في السوق لصالح سنغافورة أو مواقع أخرى.
وقد أصبحت سنغافورة مقصدًا شهيرًا تؤسس فيها الشركات مقراتها وذلك بسبب معدل الشركات البالغ 17 في المائة والشبكة التنظيمية المتراخية والنظام القانوني المعمول على غرار نظام بريطانيا والمطار الكبير مما يسهل سفر المسؤولين التنفيذيين.
ووفقًا لدراسة أجرتها Deloitteفي مايو (أيار)، زادت الدولة الآسيوية حصتها السوقية من الأصول العالمية تحت الإدارة بنسبة 12 في المائة من عام 2010 إلى عام 2017، في حين انخفضت الأصول في سويسرا بنسبة 7 في المائة.
ويأتي تراجع سويسرا بعد عدة سنوات من النزاعات الضريبية وإبرام أكثر من 80 مصرفًا اتفاقيات مع الولايات المتحدة لحل مشكلة جنائية محتملة.
وبحسب تقرير Deloitte، كانت بنما ومنطقة الكاريبي الأكثر تضررًا، إذ خسرتا 67 في المائة من أصولهما لأنهما لم تجذبا المستثمرين كفاية بالمقارنة مع البلدان الأكبر حجمًا ونضجًا.
وقال ناثان إنه في نهاية المطاف، قد تعمل الملاذات الضريبة التقليدية، خاصة تلك القريبة من أوروبا- مثل جزيرة مان وجيرزي- على تسليط الضوء على صورتها الفاعلة السيئة لمواكبة الدول الكبرى. ويتوقع أن تكون هذه البلدان في غضون خمس سنوات من بين أشد منافسي آيرلندا.
وقال ستيف وامهوف، مدير السياسة الضريبية الفيدرالية لـITEP: «جرت الكثير من الحسابات السياسية والعامة، وقد أصبح هذا الأمر مهمًا. ومرت كثير من السنوات أفلتت فيها الشركات من عمليات قتل».

font change