حكومة كرزاي تزوج الأفغان بطالبان وتدفع الصداق.. فساداً!

حكومة كرزاي تزوج الأفغان بطالبان وتدفع الصداق.. فساداً!

[escenic_image id="55171626"]

من المؤسف أنه لا توجد قيود على رغبة القادة الأفغان في المقامرة بمصير بلادهم في سبيل تحقيق مكاسبهم الشخصية.

يأتي الاستحواذ الأخير على مصرف كابل لتجنب الانهيار الكامل للنظام المالي في البلاد كأحدث دليل على أن هذه الحكومة المصابة بالفساد حتى النخاع تشكل تهديدا لاستقرار أفغانستان أكثر من طالبان وتجارة الأفيون والحرب الفاشلة التي يخوضها الغرب مجتمعة. ولعل من غير المفاجئ أن أقل من ثلث الأفغان أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ولكن هناك ما هو أسوأ، حيث لا توجد إشارة على وجود أسف أو رغبة حقيقية في تغيير مسار يمكنه بسهولة أن يؤدي ليس فقط إلى إفلاس مصرف، ولكن إلى فشل الدولة وحرب أهلية وإراقة دماء. في حين أن ما يصدر من كثير من السلطات الأفغانية أمر واحد فقط: الإنكار.

بدأت قصة مصرف كابل عام 2004 بتفاؤل حذر في دولة تدور فيها الحرب. في ذلك الوقت، أدى هذا الكيان المالي الإسلامي مهمة رائعة؛ حيث أصبح العمود الفقري لاقتصاد لم يكن موجودا. فقد قدم مكانا آمنا للأفغان ليودعوا فيه أموالهم، وشجع على ظهور طبقة وسطى مستثمرة، وساعد على تمويل طريق طويل نحو الاستقرار، في حين يمنع إحكام قبضة طالبان على اقتصاد البلاد.

على السطح، بدا أن مصرف كابل ذا الملكية الخاصة يؤدي هذه المهام. وفي نهاية عام 2009، أصبح أكبر مصرف خاص في أفغانستان، فيما يتعلق بحجم النشاط التجاري والفروع والعملاء والموظفين، وبلغت أصوله ما يزيد على مليار دولار، والتزاماته 991 مليون دولار. وقد وقّع اتفاقيات تعاونية مع مصارف في ثماني دول، من بينها السعودية. وأصبح مصرف كابل يتحكم في نحو 40 في المائة من النظام المالي في البلاد، وحتى وقت قريب كانت به ودائع تقدر بـ1.3 مليار دولار.

يرتبط المصرف بصلات وثيقة بالحكومة، على النقيض من دول أخرى. وحتى الشهر الماضي، كان أكبر مساهمين هما رئيس مجلس الإدارة شيرخان فرنود والمدير التنفيذي خليل الله فروزي، وكلاهما يملك نسبة 28 في المائة من الأسهم. أما شقيق الرئيس حميد كرزاي (محمود كرزاي)، فهو ثالث أكبر مساهم، بنسبة 7 في المائة من الأسهم. كما أن من بين كبار المساهمين محمود فهيم رجل الأعمال الأفغاني وشقيق نائب أول الرئيس محمد قاسم فهيم.

وأصبح المصرف مهما بالنسبة لاستقرار أفغانستان، حيث يتعامل مع دفع رواتب 300 ألف من الجنود وأفراد الشرطة وموظفي الدولة بتمويل من الدول الغربية، بالإضافة إلى أنه أكبر جهة إقراض خاصة في البلاد، ومكان آمن لحفظ مدخرات الأفغان.

ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو أنه بث الثقة والمصداقية في نظام مالي لم يكن موجودا تقريبا، مما جعله أحد قصص النجاح القليلة التي يمكن أن يشير إليها الأفغان. وكان مئات من الأفغان والمستثمرين، الذين لم يكونوا يثقون في مؤسسات الدولة على مدار أجيال - بما فيها مؤسسات الحكومة الحالية - يعتمدون على مصرف كابل كإحدي المؤسسات القليلة التي لا يمكنها أن تصدر وعودا لا تفي بها أو تدخل في السياسة أو الحرب مثل سماسرة النفوذ من الأجانب والمواطنين. لكن اليوم لم يعد الأمر كذلك.

بدأت الفضيحة عندما قيل إن فرنود وفروزي تقدما باستقالتيهما في مطلع سبتمبر (أيلول)، وكما هو الحال في كثير من المشكلات التي تواجهها أفغانستان، سريعا ما كان هناك تستر من الحكومة. وانطلق المسؤولون الأفغان ينفون أن لهم أية صلة بقروض غير ملائمة أو خسارة بلغت 300 مليون دولار تكبدها المصرف، وأرجعوا أية مخالفات إلى لوائح مصرفية جديدة مفروضة في شهر يونيو (حزيران) تحظر على المساهمين الرئيسيين تولي مناصب تنفيذية.

ولكن سريعا ما كشفت الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية عما يعد احتيالا هائلا. لقد استثمر فرنود وفروزي ملايين من أموال المصرف في مضاربات سوق العقارات في الولايات المتحدة والإمارات. وتم تجميد أصولهما، بالإضافة إلى تلك المملوكة لمعظم المساهمين الرئيسيين الآخرين والمقترضين. وطلب المصرف المركزي الأفغاني أيضا تسليم المسؤولين 160 مليون دولار قيمة 16 عقارا وقطعتي أرض في دبي.

ومن خلال مزيد من البحث، تم الكشف عن أن أفرادا من النخبة في أفغانستان حصلوا على قروض من مصرف كابل لبناء إمبراطورياتهم. ويقال إن فرنود، وهو واحد من أكثر الرجال ثراء في البلاد، حصل على قروض تبلغ قيمتها نحو 100 مليون دولار، لم يسددها.

وفضح التحقيق الإعلامي الأنشطة القذرة التي يتورط فيها شقيق الرئيس كرزاي. وقد كان كرزاي وفرنود هما اللذان اختارا فهيم ليكون مرشحا لمنصب نائب الرئيس. وبعد اختياره، أصبح مصرف كابل من أكبر ممولي الحملة الانتخابية بصورة مريبة، وفاز كرزاي في الانتخابات التي تعرف الآن بأنها شهدت تزويرا صارخا.

كما اتضح أيضا أن حصة محمود كرزاي في مصرف كابل وتقدر بـ500 مليون دولار، تم شراؤها بواسطة قرض منح له من المصرف ذاته، وهي عملية مربكة بصورة خاصة. واشترى كرزاي أيضا فيلا فاخرة في دبي بقرض من المصرف، وقد أعاد بيعها بعد أقل من عام بربح بلغ 800 ألف دولار. ثم أعاد تسديد القرض الذي اشتراها به.

بعد ذلك تم اكتشاف قروض غير مسجلة، حيث كشفت مراجعة الحسابات عن أن المديرين المسؤولين صرفا مكافآت لنفسيهما بلغت 500 ألف دولار عام 2009 نظرا لإدارتهما البارعة. وكشفت المراجعة ذاتها أن زوجة فرنود، فريدة فرنود، تمتلك 6.8 في المائة من أسهم المصرف، وأن ابن فهيم، زهيب فهيم، يملك 2.96 في المائة كذلك.

ولكن قبل الكشف عن كثير من تلك التعاملات، كان على الشرطة الأفغانية أن تتصدى بالضرب لمئات المودعين الذين هرعوا إلى المصرف لسحب أموالهم. وتم سحب 300 ألف دولار تقريبا في غضون أيام. ولكن حتى في ذلك الوقت دافعت الحكومة عن مصرف كابل بزعم أنه يتم إيداع ملايين الدولارات تلقائيا، دون شك من الحكومات الغربية التي يجب تسديدها كأجور حكومية.

وأصر محافظ المصرف المركزي على أن كل شيء على ما يرام، نافيا أن الاستحواذ على المصرف بات وشيكا. وبالطبع لم يكن الأمر كذلك. ففي 13 سبتمبر (أيلول)، اتخذ المصرف المركزي إجراء بالاستحواذ على مصرف كابل «حتى أجل قريب»، في خطوة تعد تأميما حكوميا. ولكن حتى في ذلك الوقت، اتهمت الحكومة وسائل الإعلام الغربية باختلاق الفضيحة.

وبغض النظر عن تخطيط مسؤولين أفغان للتستر على الفضيحة، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن مالكي مصرف كابل أداروا المؤسسة كـ«حصالتهم» الشخصية في تداخل بين حكومة البلاد ونخبتها. ومن المستحيل معرفة قدر علم الرئيس كرزاي بما حدث. ولكن يكفي رد فعل الحكومة - أو ربما عدم وجود رد فعل - كدليل أمام الشعب الأفغاني، إن لم تكن هناك محاكمات، على أنهم لا يمكنهم حتى أن يثقوا في أهم مؤسسة مالية في أفغانستان.

وها هي تنتهي الحلقة. لقد قامر مالكو مصرف كابل بمستقبل البلاد. وفي حالة فرنود يبدو الأمر حرفيا، ففي عام 2009، بذل فرنود محاولة فاشلة لأن يتوج في بطولة البوكر العالمية. إن أفغانستان ثاني أكثر الدول فسادا في العالم، تتفوق عليها الصومال، حيث يتم سرقة 2.5 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في أفغانستان.

لا يجب أن يكون مستقبل المصرف الأفغاني هو مصدر قلق المصرف المركزي. فحتى أسابيع قليلة، كانت نسبة 5 في المائة فقط من الأفغان تملك حسابات مصرفية. ويكمن التحدي في إعادة بناء الثقة في النظام المالي الأفغاني الناشئ، بين أفراد الشعب والأجانب. ومن الممكن أن يؤدي عدم القيام بذلك إلى عرقلة اقتصاد البلاد في مرحلة حرجة، سواء بإخافة المستثمرين الأجانب أو بإحباط مستمر للمزارعين الصغار الذين ما زالوا متعلقين بالأمل في وجود مستقبل أكثر إشراقا في أفغانستان.

ويظل رد فعل الحكومة خيبة أمل أكبر بكثير من الفضيحة ذاتها. وفي هذه المرحلة، الخيار الآخر الوحيد أمام الأفغان هو طالبان.

 

* أندريه كالا - صحافي حر مقيم في مدريد، وهو يساهم بمقالاته بانتظام في كثير من الإصدارات منها «التايم»، و«نيويورك تايمز»، و«كريستيان ساينس مونيتور».

font change