للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.
على جدران بيوتهم تتزاحم لوحات الذكريات... ورائحة الطعام العربي تفوح من الزوايا
تل أبيب: في إسرائيل؛ عندما تسأل يهودياً من عائلة قدمت من دولة عربية، حول هويته؛ يجيبك: « عراقي،يمني،مغربي أو ربما مصري». وعندما يدرك أنك عربي؛ يجيبك بلغة عربية تبدو ركيكة ليؤكد على هذه الهوية. وأبرز هذه الشرائح هؤلاء الذين قدموا من العراق والمغرب. وعندما تدخل بيت أحد هؤلاء تشعر بأنك تدخل بيتاً عربياً، فجدران البيوت تتزاحم عليها صور ذكريات تلك الدولة، ورائحة الطعام العربي أو الشرقي تفوح في كل زاوية.
تسيفيا بيبي؛ عراقية الأصل لا تروي ظمأ اشتياقها للعراق تلك الحفلات التي تقيمها مجموعة العراقيين في إسرائيل ويستعيدون فيها ذكريات أغاني العراق ويرقصون على صوت أم كلثوم وفريد الأطرش. فكل زاوية في بيتها تنطق بحب العراق وبالذكريات الجميلة. فحتى البيت الذي ولدت فيه رسمته من ذاكرتها على لوحة جدارية في غرفة الاستقبال وجعلت من الفضائيات العربية صديقة وحدتها. وعندما تسألها عن أكثر ما تحبه في العراق، تجيبك بالغناء لكاظم الساهر، وتقول: «كاظم الساهر هو العراق كله بالنسبة لي. أسمعه يوميا وأغني له، وحلمي التقي وياه».
زهافا براخا؛ تصر عند الحديث معك على تعريف نفسها بأنها عراقية... «لا نشعر بارتباك أو خوف؛ بل نفتخر بأننا قادمون من العراق».
واللبناني الأصل بيني أوفرات، وهو من مواليد، بيروت حرص على الحفاظ على ذاكرته في لبنان وما سمعه من روايات من والديه، عبر معارض الفنون التي يجسد فيها مدنا لبنانية والحياة اليومية. وكذلك الأمر بالنسبة لليبيين؛ لكن هؤلاء يتميزون عن غيرهم بالحرص على ما أحضروه معهم من ليبيا، ويجسدون حياتهم اليومية فيها وعاداتهم وتقاليدهم... «نبذل جهدا للحفاظ على تراث ليبيا وعلى أصلنا، ولكن خوفي كبير من الجيل المقبل»؛ يقول لنا شمعون دورون، الذي يسعى بكل جهد إلى تجميع يهود ليبيا والحفاظ على كل ما يربطهم بليبيا.
«اليهود العرب»؛ هكذا يطلق في إسرائيل على اليهود الآتين من الدول العربية. ورغم ما يجمعهم في حياتهم اليومية والاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل، فإن يهود كل دولة عربية مستقلون في نشاطاتهم الاجتماعية التي تشكل حلقة وصل بتاريخهم وأصلهم وتراثهم. ورغم زواج كثيرين منهم بيهود قدموا من دول أوروبية، فإنهم يحرصون على الحفاظ على تراث وتقاليد الدولة التي قدموا منها.
هذا الزواج المشترك يشكل عائقا كبيرا في حصر عدد هؤلاء، لكن كل مجموعة منهم نجحت في جمع المئات تحت سقف واحد في كل بلدة يعيشون فيها. يلتقون بشكل متواصل، وتشكل صفحات الشبكات الاجتماعية والمواقع الخاصة بهم، حلقة التواصل اليومية حتى مع يهود ما زالوا في الدول التي قدموا منها أو عرب من تلك الدول. أما الحفلات، فهذه متعة حياتهم، فيلتقون بشكل مستمر ويتمتعون بالأغاني العربية والرقص الشرقي.
اقتصاد الدولة العبرية
يشكل يهود الدول العربية في إسرائيل مصدرا اقتصاديا كبيرا؛ ومنهم من يسيطر على فروع كاملة في اقتصاد الدولة العبرية، خصوصا العراقيين الذين يملكون كبرى شركات التأمين والبنوك والبورصة. الإحصاءات حول أعدادهم غير دقيقة ومختلفة بين المصادر الإسرائيلية نفسها؛ فقد بينت معطيات لـ«مركز بيت الشتات» في تل أبيب، أن مجموع ما وصل من اليهود المصريين إلى إسرائيل، بين عامي 1948 و2016، بلغ 37.980 مهاجر. ومن الجزائر هاجر 30 ألفاً. وبالنسبة ليهود سوريا، فتقول دراسات «بيت الشتات» إنهم يقسمون إلى قسمين: يهود دمشق (الشاميون)، ويهود حلب. وفي عام 1948 بلغ عدد يهود سوريا 35 ألفاً بحسب معطيات الحكومة الإسرائيلية، و30 ألفاً بحسب دراسات «بيت الشتات»، وهاجر منهم 10.246 إلى إسرائيل منذ عام 1948 وحتى عام 2016. وفي عام 1948، بلغ عدد يهود العراق 140 ألفاً؛ بحسب الحكومة الإسرائيلية، و135 ألفاً بحسب «بيت الشتات». وهاجر إلى إسرائيل 131 ألفاً منذ عام 1948 وحتى 2016. أما يهود المغرب فقد هاجر منهم إلى إسرائيل 274 ألفاً بين عامي 1948 و2016، وفقا لـ«بيت الشتات»؛ بينهم 95.945 خلال السنوات من 1952 – 1960، و130.507 خلال السنوات من 1961 – 1971، ونحو 20 ألفاً خلال السنوات من 1972 – 2016. وتقول الإحصاءات إن عدد اليهود في لبنان، عام 1948، بلغ 10 آلاف، وبحسب معطيات الحكومة الإسرائيلية بلغ عددهم 6 آلاف، وهاجر 4215 إلى إسرائيل حتى عام 2016. أما يهود اليمن؛ فقد هاجر 51.538 منهم إلى إسرائيل. ومن تونس هاجر إلى إسرائيل 58.486 بين عامي 1948 و2016. ومن ليبيا هاجر 36.106 إلى إسرائيل حتى عام 2016. أما يهود إيران، فقد بلغ عددهم في عام 1948، 90 ألفا بحسب «بيت الشتات»، و80 ألفا بحسب الحكومة الإسرائيلية، وهاجر 80.914 منهم إلى إسرائيل منذ عام 1948.
ولدى وصول اليهود المهجرين إلى إسرائيل من الدول العربية، تعاملت بعض المؤسسة الأشكنازية الغربية معهم بفوقية آنذاك، ولكن عندما انتصر اليمين وفاز بالحكم (سنة 1977)، بدأوا يستعيدون صوتهم وتراثهم، ويغنون أغانيهم العربية، وبالإمكان القول إنه في عهد اليمين بالذات ازدهرت شرقيتهم.
شمعون دورون، رئيس «تنظيم الليبيين» في تل أبيب، ولد في إسرائيل، لكنه يشعر بارتباط قوي بليبيا، وقد بادر مع آخرين إلى إقامة متحف خاص لليبيين في تل أبيب، وهو واحد من أبرز المتاحف. تكفيك جولة فيه لتدرك طبيعة الحياة في ليبيا من طعام ومسكن وملبس وحياة يومية. ويشكل هذا المتحف، ليس فقط مركزاً للقاء الليبيين؛ إنما محط أنظار كثيرين، الذين يرغبون في التعرف على حياة اليهود الآتين من الدول العربية؛ وحتى يهود أوروبا والعرب. فالمتحف يرافقك أيضا عبر حقب زمنية من حياة الليبيين بشرح مبسط من قبل مرشدين يسعون إلى تعزيز الحب لليبيا ومعرفة أدق تفاصيل تراثها وتقاليدها والحياة اليومية هناك.
«كانت جدتي، أكثر من والدي، حريصة على تعريفي بكل التفاصيل؛ كبيرة أو صغيرة، عن الحياة في ليبيا، وعلمتني اللغة العربية، لكنني الآن غير قادر على إتقانها لعدم استخدامها»... يقول لنا شمعون دورون. ولشمعون شغف كبير بليبيا، لكنه مثل كثيرين لا يرغب في العودة للعيش هناك... «أرغب ككل يهودي جاء من ليبيا بزيارتها والوصول إلى كل زاوية عاش بها والداي». ويؤكد محدثنا على «عدم رغبة أحد منا بالعودة إلى هناك، لقد ولدنا وكبرنا هنا في إسرائيل، ولكن تمسكنا بالتقاليد والعادات وتعلمنا تاريخ ليبيا وحياة اليهود هناك جعلنا نتوق للوصول إليها لمعرفة كل شيء على أرض الواقع».
على صفحة «فيسبوك» الخاصة بيهود ليبيا، هناك أصدقاء عرب من ليبيا يتفاعلون بالتعليقات ويتبادلون الرغبة في اللقاء، ويفاجئنا دورون بأنه صديق لكثير من الليبيين العرب... «تعرفت عليهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ويوميا نجري دردشة، ولا نشعر بأي خوف أو كره بيننا، على العكس؛ نفكر كثيرا في كيفية تعميق هذه العلاقة، وتوسيع العلاقات بين يهود ليبيا في إسرائيل والعرب سكان ليبيا».
مما ميز الليبيين حفاظهم على كثير مما أحضروه معهم من ليبيا؛ فهم، خلافا ليهود بقية الدول، وصلوا عبر السفن، وأتيحت لهم فرصة حمل ما يستطيعون. وقد حرص الجيل الذي وصل بعد عام «48» على الحفاظ على كل ما أحضره معه، لتتحول معظم هذه الأغراض إلى المتحف الليبي.
ولكن أمام التميز الإيجابي لليبيين عن غيرهم؛ هناك ما يقلق كثيرين من بينهم؛ حيث إن الأجيال الجديدة غير مبالية بأي جهد يبذل للحفاظ على التقاليد الليبية، ويقول لنا شمعون إنه، كغيره ممن يحرصون على الحفاظ على التقاليد الليبية، قلق جدا. ويضيف: «أولادي مثلا بعيدون جدا عن كل نشاط نقوم به، رغم انشغالي الدائم بالمتحف وبالتواصل مع المئات عبر صفحات التواصل الاجتماعي. فقط الطعام هو ما يتمسكون به ولا يستطيعون التنازل عنه، حيث إنهم كبروا واعتادوا على تناول الطعام الليبي الذي يتميز بشكل كبير عن الطعام الذي يتناوله الإسرائيليون هنا».
تحليلات حصرية وآراء تثير التفكير ومنظورات داخلية من مجلة المجلة.