* كان للرئيس فؤاد شهاب هيبة كبيرة وتأثير إيجابي على قيم الدولة اللبنانية ومؤسساتها، خصوصًا المؤسسة العسكرية، وآمنت كثيرًا بخطه السياسي وطريقة إدارته وحكمه
* لقد أتى اتفاق الطائف لإنهاء حروب الآخرين على أرض لبنان، وقد أنهاها بالفعل، أما إعلان بعبدا فقد صدر لوضع حد وتفادي حروب اللبنانيين خارج الأراضي اللبنانية وخاصة في سوريا
* النأي بالنفس كذبة، لأن لبنان اليوم هو في وسط ساحة حرب مفتوحة على مصراعيها
* قبل عام 2000 كان اللبنانيون جميعهم يؤمنون بدور المقاومة وفعاليتها، لكن بعد عام 2000 كان لا بد من حصول تغير تدريجي نحو الدولة ومؤسساتها الشرعية بعد انتفاء دور سلاح المقاومة والغاية منه
* المشكلة الأساسية هي في سوء الإدارة والتموضع غير المناسب على الخريطة السيادية والسياسية والاقتصادية
بيروت: هو الرئيس الثالث بعد اتفاقية الطائف التي أنهت حقبة من الحروب والصراعات الدموية في لبنان، تولى سدة الرئاسة الأولى على أثر اتفاق الدوحة في مايو (أيار) 2008 الذي شكل نهاية لأزمة سياسية بين الموالاة والمعارضة، استمرت 18 شهرا، وكادت تعصف بالسلم الأهلي اللبناني. وأوجد الاتفاق الذي أنجز بين أقطاب الفريقين بضمانات عربية حلا لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق على قانون انتخابي للمرحلة المقبلة. كما حدد الاتفاق آلية لبحث قضية السلاح خارج الشرعية (يعني أساساً سلاح «حزب الله»)، محددا أسسها وبأنها انطلقت في الدوحة ويستكملها رئيس الجمهورية المقبل خلال ولايته.
وقد كان ميشال سليمان قائدًا للجيش اللبناني، في مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ لبنان الحديث، حيث عاصر الوصاية السورية، ومرحلة تحرير الجنوب، والأزمات السياسية المتتالية التي ترجمت إلى أمنية دموية، كان أبرزها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من تغيرات داخلية وإقليمية ومظاهرات شعبية.
وإلى نص الحوار:
* دخلتم المدرسة الحربية، وحصلتم على البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية، هل كانت المؤسسة هي هدفكم منذ الأساس، أم إن ظروفًا معينة دفعتكم نحو ذلك؟
- دخلت المدرسة الحربية عام 1967 مباشرة بعد بلوغ سن 18 عاما، وتزوجت، ومن بعدها حصلت على البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية، وكنت مترددًا بعض الشيء ما بين دراسة الهندسة ودخول السلك العسكري. لكن ظروف دخولي الحربية كانت أسهل من الناحية المادية، وكانت للمؤسسة العسكرية «رهجة» في الحقبة التي تلت العهد الشهابي الذي تأثرت به أسوة بغالبية الجيل الناشئ آنذاك، من دون أن ننسى الظروف المحيطة بنا أيضًا وبخاصة نكسة عام 1967 وهزيمة الأطراف العربية المشاركة في الحرب بوجه العدو الإسرائيلي، والتي أحدثت لنا صدمة كشباب لبناني يمتلك الحد الأدنى من الإيمان والرغبة بانتصار العرب على العدو الإسرائيلي. فزادت هذه النكسة من حماستي للانخراط في صفوف الجيش اللبناني.
* ذكرتم الآن كما سبق وذكرتم في أكثر من مناسبة مدى تأثركم بالمدرسة الشهابية، ما هو سبب ذلك؟
- بالطبع، كان للرئيس فؤاد شهاب هيبة كبيرة وتأثير جد إيجابي على قيم الدولة اللبنانية ومؤسساتها، خصوصًا المؤسسة العسكرية، وآمنت كثيرًا بخطه السياسي وطريقة إدارته وحكمه منذ تولى قيادة الجيش وحتى أصبح رئيسًا للجمهورية اللبنانية. وكنا في تلك الفترة كلما رأينا ضابطًا عسكريًا نقول: «هذا هو فؤاد شهاب الصغير» أي أنه نموذج مصغر عن شخص الرئيس شهاب من كثرة تأثرنا بنهجه. وما زال يذكر فؤاد شهاب حتى يومنا هذا، رغم أننا بلغنا عصرًا أصبح فيه المجتمع استهلاكيًا يأكل الزعماء والأسماء بحكم التطور السريع. والتاريخ أصبح بدوره استهلاكيًا مثل مجتمعنا، يستهلك الأشخاص وأفعالهم وإنجازاتهم بسرعة كبيرة، ولكن يبقى تأثير بعض الأشخاص خالدًا رغم ذلك.
* عاصرتم حقبة دقيقة من تاريخ لبنان الحديث، وكنتم خلالها في صلب المؤسسة العسكرية. كيف كانت علاقتكم بقادة الجيش ورؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على سدة القيادة والرئاسة الأولى، ومن هي الشخصية التي تأثرتم بها وبأدائها؟
- علاقتي بالقادة والرؤساء السابقين الذين تعاقبوا خلال تلك الفترة كانت جيدة مع الجميع، أقله من جهتي أنا، وذلك لأنني أؤمن وأحرص دائمًا على الاستمرارية في القيادة والرئاسة، ولا أؤمن بعبارة «أنا أتيت ولم يكن أحد قبلي ولن يأتي أحد بعدي».
وجوابًا على سؤال من منهم أثر في، صراحة حرصت على أن آخذ شيئا من كل شخصية بارزة عاصرتها وعايشت ولايتها عبر التاريخ. وسأضطر هنا للعودة للرئيس شهاب الذي أخذت من مدرسته الكثير من الخبرة والعبر، وحاولت أن أطبقها في فترة ولايتي، مثال على ذلك، أستذكر اجتماع الرئيس شهاب بالرئيس جمال عبد الناصر المعروف باجتماع الخيمة لتحييد لبنان عن الصراعات المحيطة به، وأنا بدوري طرحت مبدأ التحييد حين أصبحت رئيسًا وطرحت إعلان بعبدا. فكنت أحترم ما كان يفعله شهاب لتحييد لبنان عن الأزمات والصراعات وصرت أستوحي منه في عملي العسكري والسياسي، أما بالعودة إلى الرؤساء والقادة السابقين، فكلٌ لديه حسناته وسيئاته ولكن تبقى المدرسة الشهابية هي مصدر إلهامي الأول.
* بما أننا ذكرنا «إعلان بعبدا» في سياق الحديث، ما هو مصير هذا الإعلان اليوم؟
- بموضوع إعلان بعبدا، علينا أن نذكر أمرين: لقد أتى اتفاق الطائف لإنهاء حروب الآخرين على أرض لبنان، وقد أنهاها بالفعل، أما إعلان بعبدا فقد صدر لوضع حد وتفادي حروب اللبنانيين خارج الأراضي اللبنانية وخاصة في سوريا مع تأجج الأزمة هناك، حيث تدخلت بعض الجماعات لدعم المعارضة العسكرية في سوريا وكان «حزب الله» قد دخل الحرب إلى جانب الجيش السوري. وفعليًا منع إعلان بعبد نقل الصراع العسكري من سوريا إلى لبنان، إلا أن الانعكاس السياسي لم نستطع منعه، كما أنه وضع لضبط الحدود اللبنانية السورية التي نشكو منها الآن وقد نص أحد بنوده على ذلك.
أما عن مصير الإعلان، فربما احترقت لوحة الإعلان الخشبية التي كانت معلقة على مدخل القاعة التي صدر منها الإعلان في القصر الجمهوري جراء الحريق الذي شب، ولم يقوموا باستبدالها بلوحة أخرى. لا بأس، فإعلان بعبدا موجود في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، وفي مؤتمر سيدر والمجموعة الدولية لدعم لبنان ISGوفي كل المنتديات والنشاطات الدولية الداعمة للبنان، والدليل أن مؤتمر سيدر قد نص على مبدأ النأي بالنفس وكذلك مؤتمر روما 2، مع عبارة «كما نص عليه إعلان بعبدا».
وبالحديث عن النأي بالنفس، فهو كذبة، لأن لبنان اليوم هو في وسط ساحة حرب مفتوحة على مصراعيها، وبالتالي فإعلان بعبدا هو حاجة وستعود حتى بطلبٍ من الأفرقاء الذين هاجموه وتنكروا له كحزب الله، ونأمل أن لا يكون الأوان قد فات في حينه.
* في ظل الوصاية السورية على لبنان، وبحكم خبرتكم وتوليكم لمهام عدة في تلك المرحلة، كيف كانت المؤسسة العسكرية تتأثر بهذه الوصاية؟ ما هي الضغوطات التي كانت تمارس عليها؟ وهل هناك من ضغوطات وتدخلات أخرى كانت وما زالت تمارس على الجيش اللبناني؟
- إن تأثير الوصاية السورية على المؤسسة العسكرية كان محدودًا جدًا مقارنة بتأثيرها على السياسة والسياسيين. ولكن بالطبع، ينعكس التأثير السياسي بدوره على المؤسسة العسكرية ولو بشكلٍ غير مباشر. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005. يمكنني القول إن التدخل والتأثير على الجيش اللبناني قد زال كليًا، والدليل على ذلك هو تحييد الجيش اللبناني عن الانقسام العمودي الذي حصل في تلك الفترة ما بين فريق لبناني متحالف مع سوريا ونظامها، وفريق لبناني آخر معارض لهذا التحالف. وقد تم تطبيق سياسة استراتيجية اعتمدتها قيادة المؤسسة العسكرية للحفاظ على الدولة وحماية المواطنين مهما كانت آراؤهم السياسية مختلفة.
لا ننسى أنه مع حادثة استشهاد الرئيس الحريري حصلت تحولات إقليمية كبيرة، كانت لتنعكس بدورها سلبًا على الأمن اللبناني. وكانت حقبة صعبة جدًا مرت على لبنان واستطاعت المؤسسة العسكرية خلالها الحفاظ على الوحدة الداخلية وكانت هي الميزان الذي يجمع ولا يفرق، وهذا دليل جديد لنَفَس ونهج الرئيس فؤاد شهاب.
* توليتم قيادة الجيش اللبناني في مرحلة دقيقة وحساسة أيضًا (1998- 2008)، عايشتم مرحلة ما قبل التحرير في العام 2000 وما بعده، كيف كانت علاقتكم مع «حزب الله» وسلاحه، ولماذا تعرضتم في النصف الثاني من ولايتكم لهذا الهجوم الشرس من قبل الحزب؟
- يجب الفصل بين مرحلة ما قبل التحرير وما بعده. فقبل العام 2000 كان اللبنانيون جميعهم يؤمنون بدور المقاومة وفعاليتها، وما زلنا نحترم ونقدر النتيجة الإيجابية التي أحدثتها المقاومة آنذاك وكانت مفصلية في تاريخ لبنان. لكن بعد العام 2000 كان لا بد من حصول تغير تدريجي نحو الدولة ومؤسساتها الشرعية بعد انتفاء دور سلاح المقاومة والغاية منه. وبرأيي: «التحرير للتحرير هو كالفن للفن!». فالتحرير غايته هو قيام دولة ذات سيادة قوية وفاعلة. والمنظومة السياسية التي كانت موجودة في تلك الحقبة لم تسمح للجيش الذي كنت في مركز قيادته من الانتشار في المناطق المحررة. وقد طالبنا مرارًا بانتشار الجيش هناك لكن القرار السياسي كان معارضًا بضغطٍ سوري (وهنا نعود للتأثير السياسي على المؤسسة العسكرية ودورها وعملها) ووصلنا بعد سنوات عدة لحرب يوليو/تموز. فكان لا بد من تدخل الجيش في تلك الحرب وما بعدها ولم يعد هناك من مبرر لبقاء سلاح المقاومة وقيام عمليات عسكرية خارج إطار الشرعية اللبنانية.
فالجنوب اللبناني كان محتلاً، وكان أهالي الجنوب هم صلب هذه المقاومة وبيئتها الحاضنة وتسهل لها قيام العمليات العسكرية على العدو المحتل وتدعم فكر ونهج التحرير. ولكن بعد التحرير وبعد خروج العدو الإسرائيلي من أرض الجنوب، أصبحت منطقة مزارع شبعا التي لا يقطنها لبنانيون جبهة عسكرية، تستلزم أن يكون الجيش اللبناني هو من يهاجمها أو يدافع عن الأراضي اللبنانية المقابلة لها، وهو قادر على ذلك متى توفر القرار السياسي واستفاد الجيش من قدرات المقاومة وفقًا لاستراتيجية دفاعية مدروسة ومؤقتة.
ومن هنا أهمية الاستراتيجية الدفاعية التي طرحناها لبحث حل جدي لمصير سلاح «حزب الله». وأنا بدوري لم أنقلب على المقاومة، لكنهم هم من لم يلتزموا بخريطة الطريق التي وضعتها لتقوية الجيش اللبناني وبسط سلطته في الجنوب، أسوة بباقي المناطق اللبنانية. وكنت أقول لهم: «أنتم ظهير للجيش اللبناني» تعالوا نضع خطة واضحة وإيجابية ليكون القرار الأوحد بيد قيادة الدولة الشرعية، ولم يعجبهم الأمر! لماذا لا يرضخ «حزب الله» لسيادة الدولة اللبنانية ورئيسها كما يرضخ لإمرة الدولة السورية ورئيسها في سوريا (بحسب تصريح الأمين العام لـ«حزب الله»)؟؟ وسؤالي الذي أوجهه للرئيس عون: هل التصريحات والتهديدات المتكررة التي يطلقها السيد نصر الله تصب في مصلحتكم ومصلحة عهدكم الذي وعدتم من خلاله بتحسين الاقتصاد وإنقاذ البلد من أزماته؟ وأنا بدوري كرئيسٍ سابق للجمهورية اللبنانية وكقائد سابق للجيش تعاطفت وما زلت أتعاطف مع كل شهيد يسقط من أجل الوطن ولكن كفى! فدم الشهداء هو ليسقي تراب الوطن وليس ليسقط خارج حدود وتراب الوطن!
* تميز عهدكم بتفعيل دور طاولة الحوار الوطني الذي شهد صولاتٍ وجولات متعددة... إلى ماذا أفضت هذه الجلسات؟ وهل كانت فعلاً ستؤدي بنظركم إلى أهدافها المرجوة أم إنها كانت بمثابة أدوية مسكًنة لتنفيس الاحتدام السياسي القائم آنذاك؟
- إذا كان لديك مريض يعاني من داءٍ عضال ويتألم ألماً مبرحاً، وكان أمامك حل إعطائه أدوية مسكنة... هل ترفض ذلك؟
الحوار بدأ به رئيس مجلس النواب نبيه بري واستكملته أنا في قصر بعبدا، خاصة أن بعض المقررات والمواضيع التي طرحت في الحوار الأول كان يجب أن تستكمل في جلسات لاحقة ومن ضمنها بحث الاستراتيجية الدفاعية. والحوار أدى إلى نتيجتين هامتين أذكرهما باختصار: أولاً نمو الاقتصاد اللبناني بنسبة فاقت الـ9 في المائة لأننا أضفينا جوًّا من الاستقرار والثقة لدى المستثمرين، والنتيجة الثانية كانت تلافي لبنان للصراعات الإقليمية الكبيرة التي تنعكس سلبًا علينا داخليًا. وفي هذه المناسبة أقول: «إن التاريخ لا يذكر القادة الذين يحولون دون نشوب الحروب إلا نادرًا، بل يذكر القادة الذين يفتعلونها». ونتيجة الحوار لا تكون دائمًا بحل الأزمات ولكن بتلافي حصولها.
* بين رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش والزوج والأب، أي لقب هو الأحب إلى قلب الرئيس سليمان؟
- أختار الأب والزوج دون تردد، لأن الأب هو الميزان والسند والعَمود الفقري للعائلة، والدليل على ذلك أنني ما زلت أصلّي لوالدي وأطلب منه نجدتي ومساعدتي من عليائه. وأولادي بدورهم يستنجدون بي ويطلبون مشورتي، وأمارس دوري كأب وزوج بكل راحة وهدوء وسرور وسأكمل دوري هذا حتى ما بعد الممات من خلال تربيتي لأولادي وتوصياتي الدائمة لهم. والعائلة هي الاستمرارية.
وفيما يختص بقيادة الجيش والرئاسة، أختار قيادة الجيش لسبب وحيد، وهو وجود فريق عمل متجانس ومتكامل يمتلك الحد الأدنى من التربية الوطنية والمفاهيم المشتركة التي نشأوا عليها.
ومفهوم القيادة اليوم لم يعد يرتكز على شخص، بل على فريق عمل، وهذا الفريق المتجانس مؤمّن في المؤسسة العسكرية ولكن في السياسة كلٌ يرى الأمور من منظاره الخاص مما يفقد التجانس والتناغم.
* عهدنا منذ اتفاق الطائف، وصول ثلاثة رؤساء جمهورية من موقع قيادة الجيش (الرئيس لحود، والرئيس سليمان، والرئيس عون) هل تعتبرون أن طريقة وصول العماد عون إلى سدة الرئاسة الأولى قد كرست مبدأ وصول الرئيس الذي يمتلك قاعدة شعبية واسعة في الشارعين المسيحي والمسلم (نظرية الرئيس القوي)؟ أم إنه أكد نظرية أن قيادة الجيش هي المدخل الحتمي نحو قصر بعبدا؟
- لا أؤمن بكلتا النظريتين، فنظرية الرئيس القوي ستثبت نجاحها أو فشلها في نهاية الولاية، أما إذا ما أردنا تقييم النظرية اليوم، فأنا أعتبرها فاشلة. (وهنا يوضح الرئيس سليمان أن تقييمه هو للنظرية وليس لشخص الرئيس عون). والنظرية فاشلة على المستوى السياسي العام، فالقوة لم تنفع والوضع القائم أشبه بإدخال فيلٍ كبير إلى محل زجاجيات فكيفما يتحرك يكسر يمينا ويسارًا. وبالتالي إذا كان الرئيس يمتلك كتلة نيابية كبيرة من نفس اللون فهذا لا يدل بالضرورة على قوة في الممارسة، لأن الوضع السياسي اليوم مختلف تمامًا عن أيام الكتلة الوطنية والكتلة الدستورية في الماضي اللتين كانتا تضمان نوابا من كل الطوائف والمناطق.
وبرأيي، إن امتلاك الرئيس لكتلة نيابية كبيرة هو بغاية الخطورة لأنها تدفع به نحو الأحادية والتفرد في القرار والسلطة. فلو استطاع الرئيس أن يفصل فعلاً بين كتلته وبين موقعه الرئاسي وبين الوزراء الذين سماهم وكتلة «لبنان القوي» لكانت الحال أفضل. على كل حال نترك التقييم الفعلي إلى نهاية الولاية بعد ثلاث سنوات لأنني أؤمن أن الرئيس القوي هو من يخرج من ولايته قويًا وليس من يدخلها قويًا!
* بناءً على ما تفضلتم به، هل تعتبرون أنكم خرجتم من ولايتكم بموقع القوة؟
- نعم، وأقولها بوضوح، إن أحد أسباب خروجي بموقع القوة كان رفضي العلني الواضح لتمديد ولايتي على الرغم من أن الجو كان مواتيًا ومؤيدًا له داخليًا وإقليميًا، إلا أنني أصررت على كسر النمطية السياسية الداعية في كل مرة للتمديد كمخرج سهل، وسيظل الناس برأيي يذكرون مشهد خروجي في آخر يوم من عهدي من القصر الجمهوري بوضح النهار. وقد تعمدت في أكثر من محطة قبيل انتصاف الولاية أن أشدد على رفض التمديد في تصاريحي ومقابلاتي وهي مسجلة ومؤرشفة لمن يريد أن يتأكد من ذلك.
* في ظل الصراع الإقليمي وحرب العقوبات الأميركية على إيران ومحورها، والأحداث المتسارعة في الخليج العربي والمنطقة، إلى ماذا سيؤدي هذا الصراع برأيكم، خاصة بعد انعكاساته على لبنان من خلال العقوبات الأميركية الجديدة على الجناح السياسي لحزب الله وحلفائه، كيف يمكن للبنان أن يتعامل مع هذه العقوبات وأين تكمن مصلحته برأيكم؟
- إن تصريح الرئيس عون بأن العقوبات المفروضة حديثًا تتنافى مع مبدأ الديمقراطية وأنه سيتابع الموضوع مع الولايات المتحدة، هو موقف مسؤول وجيد وندعمه فيه. ولكني أريد أن أضيف على ما تفضل به فخامته، أنه على «حزب الله» تجنيب لبنان مثل هذه الارتدادات السلبية.
«انا لا أترك أخي، ولكن المشكلة تكمن في أن أخي تركني». فحزب الله أقحم نفسه في معارك وصراعات إقليمية ويقر بأنه لن ينسحب منها في المدى المنظور. أقول لـ«حزب الله» أنت أخي في الوطن وفي المواطنة، وعلي أن أقف إلى جانبك في المحنة، ولكن إذا كنت أنت من لا يريدني فما الذي أستطيع فعله أكثر؟ هذا كل ما نطلبه من الحزب، ونحن لا نوافق ولا نقبل بالعقوبات الأميركية على طرف لبناني من موقف سيادي، ولكن بالمقابل هل تجاوب معنا الحزب في اعتماد وتطبيق التحييد عن الصراعات وتداعياتها؟ وإذا لم نكن نمتلك الحد الأدنى من السيادة وهيبة الدولة اللبنانية غير معتبرة لدى دول العالم، ما هو نفع وقوفنا إلى جانبه؟
وبالمناسبة، لا يمكنني أن أنسى موقف البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، حين دعم المقاومة وشهداء المقاومة قبل التحرير، وكذلك موقف اللبنانيين جميعًا الذي كان بحد ذاته دعماً معنوياً كبيراً للمقاومة وعملها وخلق لها مناخًا إيجابيًا خاصة تجاه المجتمع الدولي. إذن عودوا إلى كنف الدولة اللبنانية، لنعيد لها سيادتها واعتبارها في المحافل الدولية!
* ما رسالتكم أخيرًا للشباب اللبناني الذي يتخبط بين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، والوضع السياسي المتأجج وغير المستقر كالعادة، وتزايد أعداد المهاجرين من لبنان ضمن الفئات العمرية الشابة إلى غير رجعة؟
- لا أريد أن ييأس الشباب اللبناني من هذا الموضوع، فعصرنا اليوم هو عصر تداخل الدول والسرعة والتكنولوجيا الرقمية التي تقلص المسافات، وعصر تداخل الجنسيات والأعراق والطوائف. والعولمة الناتجة عن الثورة التكنولوجية تفرض على المجتمعات أن تختلط فيما بينها. فالسفر إذن لا يجب أن يكون موضع يأس شرط أن لا يكون دون رجعة! وهذا هو الشيء المؤسف الذي أطالب الشباب اللبناني بعدم اعتماده، وأطالبهم أن يؤمنوا بأن لبنان سوف ينهض وينتصر على الظروف الصعبة التي يواجهها عاجلاً أم آجلاً، وهي لن تبقى إلى الأبد.
كما أدعوهم لأن يتركوا لهم موطئ قدم في لبنان وأن يستثمروا فيه قدر المستطاع، خاصة أن عبارة «مرقد العنزة» الشهيرة قد تبدلت بحكم التطور، وأصبح هذا المرقد هو موطئ القدم والمشاركة الفعالة في الحياة الديمقراطية وفي الدورة الاقتصادية وتحديد مصير لبنان، لأن الشباب اللبناني جزء لا يتجزأ منه سواء كان مغترباً عنه أم مقيماً فيه.
لبنان قوي، واقتصاده سينمو، لكن المشكلة الأساسية هي في سوء الإدارة والتموضع غير المناسب على الخريطة السيادية والسياسية والاقتصادية... لكننا نعوّل على دور الشباب اللبناني الريادي في تغيير الواقع القائم.