التحديات الراهنة والآمال المستقبلية

الملك سلمان في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى السعودي:

التحديات الراهنة والآمال المستقبلية

* جاء الخطاب الملكي في السنة الرابعة والأخيرة لمجلس الشورى في دورته السابعة متضمنا كثيرا من القضايا التي تحظى باهتمام المملكة العربية السعودية خلال الفترة القادمة داخليا وخارجيا
* ركز الملك سلمان في خطابه على مجموعة من السياسات التي يجري تنفيذها، ومنها: استمرار العمل على تنويع قاعدة الاقتصاد لبناء مكتسبات وطنية جديدة، شريطة أن يكون المواطن السعودي فيها هو الهدف والرافد
* المسار التشريعي يمثل نقطة رئيسية في ضبط العمل الوطني، كما يؤكد ذلك مراراً الأمير محمد بن سلمان بقوله: «إن المملكة دولة قانون، يتعامل فيها الجميع وفق ما تقره الأنظمة واللوائح».

باكو:«إن السعودية تسير في طريقها لتحقيق المزيد من الإنجازات من خلال رؤية 2030 بجميع محاورها... وتتقدم المملكة بخطى ثابتة في سبيل تحقيق استقرار مالي واقتصادي أكبر وتنمية مستدامة، وتمضي بلادنا بخطى متقدمة لتنويع قاعدتها الاقتصادية ومصادر دخلها»... 
بهذه الكلمات جاء افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لأعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى السعودي بحضور الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، وكثير من الأمراء وكبار المسؤولين في مجلس الشوري، حيث أوضح العاهل السعودي في خطابه السنوي الذي ينتظره أعضاء المجلس والمجتمع بأكمله، حقائق وتفاصيل السياسة السعودية الراهنة داخليا وخارجيا وكذلك ملامحها وتحركاتها المستقبلية، إذ يمثل هذا الخطاب خريطة طريق ترسم منطلقات ومسالك عمل المجلس خلال الفترة القادمة لتحويل الأهداف والطموحات إلى حقائق على أرض الواقع.
ومن الجدير بالذكر قبل قراءة ما ورد في الخطاب الملكي السنوي أمام مجلس الشورى السعودي، الإشارة إلى دور هذا المجلس في الحياة السياسية السعودية، حيث يرجع تاريخ تأسيسه إلى عهد الملك المؤسس الراحل عبد العزيز آل سعود عام 1924. حسب ما ذكره الموقع الرسمي للمجلس. ويختص المجلس بإبداء الرأي في السياسات العامة التي تحال إليه من مجلس الوزراء، وأهمها: إبداء الرأي في الخطة العامة للتنمية الاقتصادية، دراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية. كما يملك المجلس صلاحية اقتراح مشروع نظام (قانون) جديد أو اقتراح تعديل قانون قائم، وهو بذلك يتقاسم مع مجلس الوزراء السلطة التشريعية للدولة والتي تختص بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة العامة وفقا لما حددته المادة السابعة والستون من النظام الأساسي للحكم. ويتشكل المجلس من رئيس و150عضوا، يختارهم الملك من أهل الخبرة والاختصاص، شريطة أن يكون العضو سعودي الجنسية بالأصل والمنشأ، ومشهودا له بالصلاحية والكفاية، وأن لا يقل عمره عن 30 عاما.
وتبدأ جلسات المجلس من التاريخ المحدد في الأمر الملكي الصادر بتكوينه، ولمدة 4 سنوات هجرية، وقد جرت العادة أن يفتتح المجلس جلساته بالخطاب الملكي الذي يرسم ملامح عمله من خلال تحديد أولويات الدولة في المرحلة المقبلة.
واستمراراً على النهج ذاته، جاء الخطاب الملكي في السنة الرابعة والأخيرة لمجلس الشورى في دورته السابعة متضمنا كثيرا من القضايا التي تحظى باهتمام المملكة العربية السعودية خلال الفترة القادمة داخليا وخارجيا،ومن أبزرها:
أولا: على المستوى الداخلي، حظيت رؤية المملكة 2030 باهتمام القيادة السياسية عبر التأكيد على ما تحقق من إنجازات تنموية ضخمة خلال العقود الماضية، وهو ما ذكره العاهل السعودي في خطابه بأن: «المملكة هذا العام من أكثر الدول تقدمًا، والأولى إصلاحًا من بين (190) دولة في العالم وفقا لتصنيف البنك الدولي»، مطالبا بضرورة: «الاستمرار في الطريق ذاته لتحقيق المزيد من الإنجازات، بهدف رفع تنافسية المملكة للوصول بها إلى مصاف الدول العشر الأكثر تحفيزًا للأعمال في العالم».
وفي ضوء السعي لاستكمال تلك الرؤية، ركز الملك سلمان في خطابه على مجموعة من السياسات التي يجري تنفيذها في هذا الخصوص، ومنها:
1 - استمرار العمل على تنويع قاعدة الاقتصاد لبناء مكتسبات وطنية جديدة، شريطة أن يكون المواطن السعودي فيها الهدف والرافد، مشيرا في هذا الشأن إلى ما حققته المملكة من ارتفاع معدل النمو للناتج المحلي غير النفطي السعودي خلال الربع الثاني من هذا العام ليصل إلى 3 في المائة مقارنة بـ2.5 في المائة في الربع الثاني من 2018، وأن البيانات تظهر ارتفاع معدلات الإيرادات غير النفطية بنحو 15 في المائة. وفي السياق ذاته، أشار العاهل السعودي إلى ضرورة العمل على تنمية أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودعم رواد الأعمال من خلال مواصلة العمل على رفع حصتها في المشتريات الحكومية، مؤكدا على ما شهده هذا العام من ارتفاع في أعداد المنشآت بنسبة 13 في المائة ونمو حجم إقراضها.
2- إعلان المملكة عن طرح جزء من أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام، بما يتيح للمستثمرين المساهمة في هذه الشركة الرائدة على مستوى العالم، وحدوث نقلة نوعية في تعزيز حجم السوق المالية السعودية ليكون في مصاف الأسواق العالمية، فضلا عن أن هذه الخطوة من شأنها تعزيز الشفافية ومنظومة الحوكمة في الشركة بما يتماشى مع المعايير الدولية، خاصة أن عائدات البيع الناتجة عن الطرح ستؤول إلى صندوق الاستثمارات العامة لاستهداف قطاعات استثمارية واعدة داخل المملكة وخارجها.
3- الاهتمام بقطاع السياحة والعمل على تشجيعه، انطلاقا من أهمية هذا القطاع الواعد كونه من القطاعات الجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، فضلا عن كونه من القطاعات كثيفة العمالة وهو ما يعني توفير المزيد من فرص العمل للشباب السعودي كأحد آليات معالجة مشكلة البطالة التي حظيت باهتمام العاهل السعودي في خطابه حينما أكد على ضرورة العمل على: «مواصلة بذل الجهود لإيجاد فرص عمل للمواطنين والمواطنات وخفض معدل البطالة». إضافة إلى الدور التوعوي والثقافي الذي تلعبه السياحة كجسر للتواصل مع العالم عبر المشاركة الفاعلة في الاهتمام بما لدى المملكة من تراث ومعالم أثرية وحضارية تجذب اهتمام العالم أجمع. وفي هذا الشأن أشاد العاهل السعودي بالمقوم الشعبي في نجاح هذا القطاع والمتمثل فيما يتسم به الشعب السعودي من كرم الطباع والترحاب في التعامل مع الوافدين استنادا إلى المبادئ والتقاليد الراسخة التي توارثتها الأجيال.
4- الاهتمام بالمرأة السعودية كمحور ارتكاز في تنفيذ الرؤية ونجاحها، وهو ما أكد عليه العاهل السعودي بمطالبته بضرورة مواصلة «جهودنا في تمكين المرأة السعودية ورفع نسب مشاركتها في القطاعين العام والخاص». ومن الجدير بالإشارة في هذا الخصوص أن مجلس الشورى واحد من القطاعات المهمة التي حظيت المرأة فيه بمكانة متميزة، إذ مع إعادة تشكيل المجلس في 11 يناير (كانون الثاني) 2013. تم تعيين 30 سيدة بالمجلس لأول مرة في تاريخ المملكة.
5- التأكيد على أهمية اللحمة الوطنية والتلاحم المجتمعي في مواجهة التهديدات الأمنية، حيث أشار العاهل السعودي إلى أنه رغم تعرض المملكة إلى اعتداءات بـ(286) صاروخًا باليستيًا و(289) طائرة من دون طيار، إلا أنها لم تؤثر على المسيرة التنموية ولا على حياة المواطنين والمقيمين، إذ أشار إلى أنه: «بعد فضل الله، تمكن منسوبو القطاعين العسكري والأمني من صد تلك الاعتداءات»، وذلك بتلاحم مجتمعي ومساندة شعبية واسعة المدى.
6- محاربة التطرف والإرهاب، حيث أكد العاهل السعودي على ما حققته المملكة من إنجاز في هذا الخصوص، وذلك بتأكيده على أنه: «يحق لنا أن نفخر بنجاح بلادنا في القضاء على مظاهر التطرف بعد أن تمت مواجهة وحصار الفكر المتطرف بكل الوسائل ليعود الاعتدال والوسطية سمة تميز المجتمع السعودي»، وهو ما يمثل ردا عمليا على محاولة البعض في الخارج تصديره ضد المملكة التي لا تتوانى في محاربة أي أفكار إرهابية أو متشددة.
ثانيا- على المستوى الخارجي، أكد العاهل السعودي في خطابه أن ثمة مرتكزات أساسية حاكمة للسياسة الخارجية السعودية، انطلاقا من مكانتها الإقليمية والدولية، يأتي في مقدمتها موقفها الراسخ في دعم مسيرة العمل الخليجي والعربي والإسلامي المشترك، ولعل الجميع يذكر استضافة المملكة لثلاث قمم بمكة المكرمة في وقت واحد. كما يذكر الجميع ما تقدمه المملكة من دعم لبرامج الأمم المتحدة المختلفة، للتخفيف من الأزمات الإنسانية العالمية في كل بقاع الأرض، ولعل الدور الذي يقوم به مركز الملك سلمان للإغاثة نموذج على هذا العطاء الإنساني. ومن هذا المنطلق، أكد العاهل السعودي في خطابه على قضيتين أساسيتين، هما:
1- الرفض التام للتدخل الإيراني المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة برمتها، سواء بشكل مباشر كما حدث في الاعتداء على المنشآت النفطية السعودية، أو غير مباشر عبر وكلائها المنتشرين في بعض الدول العربية، كما هو الحال في سوريا واليمن ولبنان والعراق. وفي هذا الخصوص، طالب العاهل السعودي في خطابه عبر دعوة صريحة للدولة الإيرانية بضرورة أن «يختار النظام الإيراني جانب الحكمة، وأن يدرك أنه لا سبيل له لتجاوز الموقف الدولي الرافض لممارساته إلا بترك فكره التوسعي والتخريبي»، مؤكدا في الوقت ذاته على جهوزية المملكة لخوض حرب للدفاع عن شعبها ضد أي اعتداء خارجي، وهو ما أشار إليه صراحة في خطابه بقوله: «إن المملكة لا تنشد الحرب، لأن يدها التي كانت دوما ممتدة للسلام، أسمى من أن تلحق الضرر بأحد، إلا أنها على أهبة الاستعداد للدفاع عن شعبها بكل حزم ضد أي عدوان».
2- الدعم الكامل لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، حيث جاء الخطاب بعد أيام قليلة من توقيع «اتفاق الرياض»، الذي مثل خطوة مهمة في سبيل تعزيز مواجهة التحالف العربي ضد ميليشيا الحوثيين. وقد حظي هذا الاتفاق بالترحيب والإشادة من جميع الأطراف الدولية والإقليمية، إذ مثل دليلا على قدرة المملكة على إعادة الأمور إلى نصابها في الملف اليمني، وقد أشار إلى ذلك صراحة خطاب العاهل السعودي بقوله: «أثمرت ولله الحمد جهود المملكة بتوقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي نأمل أن يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع للوصول إلى حل سياسي للأزمة وفقًا للمرجعيات الثلاث ويتيح للشعب اليمني العزيز استشراف مستقبل يسود فيه الأمن والاستقرار والتنمية».
إلى جانب هاتين القضيتين حظيت قضية رئاسة المملكة لمجموعة العشرين التي تبدأ في ديسمبر (كانون الأول) القادم على اهتمام العاهل السعودي التي اعتبرها – وبحق - «دليلا على الدور المهم للمملكة في الاقتصاد العالمي»، مؤكدا على أهمية أن «يسهم البرنامج الطموح الذي وجهنا بإعداده خلال تولي المملكة رئاسة المجموعة في تعزيز مسيرتها بما يخدم مصالح كافة الدول والشعوب»، أخذا في الاعتبار أن المملكة بهذه الرئاسة تصبح أول عاصمة عربية تستضيف قمة العشرين منذ تأسيس المجموعة عام 1999. وذلك تأكيدا بالفعل على دورها ومكانتها العالمية.
نهاية القول، إن الخطاب الملكي بما تضمنه من قضايا وما وضعه من رؤى وخطط للمستقبل، يتطلب الفهم بعين مفتوحة وعقل مستنير ليس فقط من جانب أعضاء مجلس الشورى الذين يجب عليهم زيادة وتعزيز تعاونهم مع السلطة التنفيذية، وصولا إلى ضمان تفعيل مراقبة الأداء الحكومي وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة، وإنما يستوجب كذلك فهم هذا الخطاب واستيعابه من بقية مؤسسات المملكة وجميع مواطنيها. فإذا كان صحيحا أن المسار التشريعي يمثل نقطة رئيسية في ضبط العمل الوطني، كما يؤكد ذلك مرارا الأمير محمد بن سلمان بقوله: «إن المملكة دولة قانون، يتعامل فيها الجميع وفق ما تقره الأنظمة واللوائح»، إلا أن ضمان تطبيق هذه التشريعات واللوائح يظل مرهوناً بوجود ثقافة تنتظم كل فئات المجتمع ومواطنيه والمقيمين فيه.

font change