* حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني: بعد قاسم سليماني، ستتغير الخطوط الحمراء السياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة
* المرشد الإيراني، علي خامنئي: «غياب قاسم سليماني يشعرنا بالمرارة»
البنتاغون: سليماني هو من أقر الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، وهو من يقف وراء مقتل المئات من الجنود الأميركيين وقوات التحالف
* ليندسي غراهام: مقتل قاسم سليماني ضربة كبرى للنظام الإيراني، وبات واضحا أن ثمن قتل الأميركيين وإصابتهم مكلف للغاية
* خبير سياسي: العراق في خطر شديد لأننا نعلم جميعا أن الحشد الشعبي امتداد لإيران وهو في حد ذاته اعتداء على السيادة العراقية، الحل في تجمع القوى المعتدلة المؤمنة بالدولة العراقية، كدولة وطنية مدنية ذات سيادة مستقلة لديها موارد تكفي الشعب العراقي وتفيض
* السخط الشعبي العراقي سيزداد الآن مع تصاعد تحليلات وآراء بأن المواجهة العراقية الإيرانية ستكون على أرض العراق
القاهرة: كان لافتا في الساعات الأولى من يوم الجمعة 3 يناير (كانون الثاني) 2020 بعد مقتل اللواء قاسم سليماني، ارتباك المؤسسات السياسية العراقية، وتأخرها في التعليق على حادث بحجم قتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، رغم أن الحادث تم على أرض العراق، وعلى بُعد لحظات من مطار بغداد الدولي، بعد هبوط طائرة كانت تقل الضيف الإيراني قادما من سوريا، حسب «نيويورك تايمز»، أو من لبنان حسب «أسوشييتد برس».
ولم يعلق المسؤولون العراقيون الكبار إلا منتصف اليوم وبتعليقات خجولة، بغض النظر عن البيانات المقتضبة والمتوعدة التي صدرت عن الحشد الشعبي وحركة النجباء وغيرهما من فصائل تنتسب للعراق اسماً ورواتب، فيما ترتهن لطهران خططاً وميدانياً.
وفي حدود الثالثة بتوقيت بغداد، خرج الجيش العراقي ببيان تعليقاً على «مقتل أبو مهدي المهندس»، بوصفه كان «قائدا في فصيل تابع للمؤسسة العسكرية العراقية»، وقد جاء في البيان الخجول أن الحشد الشعبي يعتبر مقتل أبو مهدي المهندس «انتهاكا صارخا للتعهدات العسكرية الأميركية في العراق».
لقد فتح مقتل اللواء قاسم سليماني الباب واسعاً على فصل جديد من تعقيدات المشهد العراقي تختلط فيه مسؤولية طهران، مع مسؤولية الميليشيات المدعومة من طهران، وأصبح من الطبيعي أن يعود المشهد العراقي منذ فجر الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020. ليشبه عراق 2003.
لقد أعاد مقتل سليماني على أرض العراق التذكير بتقارير أمنية منتشرة عن علاقة الكثير من الفصائل المسلحة في العراق بإيران ومن بينها كتائب «حزب الله» ومعها كل من منظمة بدر وما يسمى عصائب أهل الحق، وقدرت التقارير عدد أفراد كل من هذه الكتائب بالآلاف وإلى تشكيلها عقب الحرب الأميركية على العراق، وتلقيها تدريبات من قبل جماعة «حزب الله» اللبنانية، وتستهدف هذه المجموعات القوات الأميركية في العراق، وكان لها تواجد أيضا في سوريا لدعم بشار الأسد، وأعلنت واشنطن أن هذه الجماعات إرهابية، وأن مرجعيتها تعود إلى طهران والحرس الثوري الإيراني، وتنضم كذلك عناصر من قوات الحشد الشعبي الذي تدخل تحت لوائه جماعات عسكرية تتألف من فصائل شيعية مدعومة من إيران.
ولم تكن «منظمة بدر» بعيدة عن القلاقل التي طالت المشهد العراقي منذ أمد بعيد وبالتحديد منذ الحرب العراقية الإيرانية حيث قاتلت المنظمة بعد تأسيسها عام 82 مع إيران، ومثلت رصيدا بشريا مهما للمتطوعين في الحشد الشعبي التي قاتلت قوات داعش في سوريا والعراق، وتعتبر أيضا المرشد الأعلي للثورة الإسلامية علي خامنئي مرجعية لها.
لكن مقتل قاسم سليماني بهذا الشكل دفع النظام الإيراني إلى الخروج من كواليس المشهد العراقي، خاصة بعد تأكد إصابة الطائرة المسيرة لهدفها قرب مطار بغداد، وبدلا من التعامل عبر أذرعها ظهرت طهران على مسرح الأحداث العراقية بجلاء وصراحة، دون تخف وراء فصائل طالما ادعت أن قرارها لا علاقة له بنظام طهران وحساباته.
ردود الفعل الإيرانية
كانت إيران هي أول من بادر بالتعليق على خبر مقتل قاسم سليماني، وبمستويات السلطة الإيرانية المختلفة... الرئاسة الإيرانية أعلنت على لسان حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني، أن «واشنطن زجت بالمنطقة إلى مرحلة خطرة»، بما قامت به من «مغامرة» قتل قاسم سليماني، مضيفا أن «ترامب بمغامراته، أدخل الولايات المتحدة في ظروف إقليمية خطيرة، وعلى من يتجاوز الخطوط الحمراء، أن يتحمل العواقب».
وأضاف حسام الدين آشنا أيضا أنه «بعد قاسم سليماني، ستتغير الخطوط الحمراء السياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة».
وقد خرجت تصريحات وزارة الخارجية الإيرانية بنفس المعنى تقريبا، كما استدعت السفير السويسري لدى طهران، بوصفه راعيا للمصالح الأميركية، احتجاجا على مقتل قاسم سليماني.
أما المرشد الإيراني علي خامنئي، فقد أصدر مكتبه نعيا لقاسم سليماني، وأعلن الحداد ثلاثة أيام في عموم إيران، وقال: إن خط الجهاد والمقاومة سيستمر بشكل مضاعف، وتوعد بالانتقام الشديد، قبل أن يصدر عن المرشد تصريح بأن غياب سليماني يشعره بالمرارة.
وقبل أن يعلن فيلق القدس أنه سيثأر لمقتل قائده، وأن الفيلق يعتبر ذلك الثأر فرضا، أصدر المرشد الإيراني قرارا بتعيين إسماعيل قاآني قائدا للفيلق خلفا لقاسم سليماني.
وفيما اكتفت حركة النجباء العراقية، التابعة للحشد الشعبي، بالقول إن «واشنطن قامت بحماقة ستندم عليها كثيرا»، أعلن إيرج مسجدي، سفير إيران في العراق، أن «هناك 10 أشخاص كانوا مرافقين للواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قتلوا جميعا، خلال الهجوم الأميركي»، وهو ما أوضحه بيان لمكتب قيادة قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، عندما نشر أسماء عناصر الحرس الثوري الذين لقوا حتفهم مع قاسم سليماني، وهم: «حسين جعفري نيا، وشهرود مظفري نيا، وهادي طارمي، ووحيد زمانيان»، مضيفا أن رتبهم العسكرية بين عميد وعقيد ونقيب.
تباينات أميركية
أما في الجانب الأميركي فقد تباينت ردود الفعل على العملية التي بدا منذ الوهلة الأولى أنها أحيطت بسرية تامة.
وقد أكد بيان للبنتاغون أن سليماني هو من أقر الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، واتهم البيان سليماني «بالوقوف وراء مقتل المئات من الجنود الأميركيين وقوات التحالف»، واعتبر بيان البنتاغون أن ذلك هو السبب الأساسي وراء مقتل سليماني.
وكشف البنتاغون في بيانه المقتضب أنه «بأمر من دونالد ترامب، اتخذ الجيش الأميركي، من خلال مقتل قاسم سليماني، ردا حاسما لحماية المواطنين الأميركيين خارج الولايات المتحدة»، مضيفا أن «استهداف قاسم سليماني هدفه منع خطط إيران لشن ضربات مستقبلية. والولايات المتحدة تقوم بما يلزم لحماية الشعب والمصالح الأميركية في أي مكان بالعالم».
ومن جهته اكتفى الرئيس دونالد ترامب، بنشر صورة للعلم الأميركي، دون أي توضيح، في حسابه على «تويتر».
كما علق السيناتور الأميركي الجمهوري البارز، ليندسي غراهام، على مقتل قاسم سليماني، بالقول: «هذه ضربة كبرى للنظام الإيراني، وبات واضحا أن ثمن قتل الأميركيين وإصابتهم مكلف للغاية»، مضيفا أن «قاسم سليماني هو أحد أكثر القادة الإيرانيين شراسة»، وهدد المسؤولين الإيرانيين قائلا: «إن كنتم تريدون المزيد، فستحصلون عليه».
وفي السياق نفسه أصدر البيت الأبيض بيانا أكد أن قاسم سليماني كان يخطط لهجوم ضد دبلوماسيين وعسكريين أميركيين في العراق.
لكن التعليق اللافت كان من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي نشر على صفحته في «تويتر» مقطع فيديو لفرحة العراقيين بمقتل قاسم سليماني، وهي التغريدة التي أعادت تغريدها مواقع وقنوات إيرانية معارضة، وأرفقتها بلقطات لأطفال سوريين في إدلب يتناولون الحلوى ابتهاجا بمقتل سليماني، مع هاشتاغ «قاسم سليماني إلى الجحيم».
وفي المعسكر الديمقراطي علقت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، على مقتل قاسم سليماني، بأن «ما قامت به إدارة ترامب يهدد بإثارة تصعيد خطير للعنف»، وهو نفسه تقريبا ما لفت إليه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، حين قال إن بلاده «تقترب من مواجهة مباشرة في الشرق الأوسط، من جديد».
وعلى مستوى المرشحين الديمقراطيين المحتملين للانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، فقد جاءت كلها متشابهة تقريبا، حيث قال جو بايدن: «ربما نكون على وشك صراع كبير في الشرق الأوسط». كما صرحت إليزابيث وارن بأن «سليماني مسؤول عن مقتل الآلاف، بمن فيهم المئات من الأميركيين، لكن هذه الخطوة تثير احتمال وقوع صراع مع إيران»، أما بيرني ساندرز، فعلق على مقتل قاسم سليماني قائلا: «تصعيد ترامب يقربنا من حرب كارثية في الشرق الأوسط».
تحسبات إقليمية
تباينت ردود فعل دول الإقليم حول الحادثة التي يبدو أنها ستغير طبيعة الصراع الإقليمي، ففي حين صمتت الدول الخليجية عن التعليق على الحادث، صدرت عن الدولة اللبنانية تصريحات مقتضبة تشير إلى المبدأ اللبناني الأشهر وهو أنها تنأى بنفسها، وترجو أن لا تتضرر بما يستتبع عملية قتل سليماني.
ومن ناحيتها، أعلنت إسرائيل بأن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، قطع زيارته لليونان، عائدا إلى تل أبيب، كما أعلن الجيش الإسرائيلي إغلاق منطقة جبل الشيخ الحدودية، وربط الإجراء بمقتل قاسم سليماني. وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بدعوة من وزير الدفاع، لدراسة الوضع بعد مقتل قاسم سليماني.
كما أعربت أنقرة من ناحيتها عن قلقها العميق بعد مقتل قاسم سليماني، بسبب التوتر الشديد الذي أصاب المنطقة.
تدخل إيراني
وفي الوقت الذي أشار فيه مسؤولون أميركيون إلى أن مقتل سليماني فرصة للدولة العراقية لكي تستقل بقرارها بعيدا عن التدخل الأميركية، كان الدكتور عبد المنعم سعيد المحلل السياسي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق قد قال لـ«المجلة» في وقت سابق، إن الأمر في يد العراقيين، فأي بلد يصل التعقيد داخله إلى الدرجة التي نشاهدها حاليا من الطائفية إلى المحاصصة، والتدخل الإيراني والتركي والأميركي، بالإضافة إلى ثورة وحراك جماهيري كثيف فهذا يعد حملا ثقيلا على أي دولة مهما بلغت قوتها، وبالتالي فالسيناريو الجيد والذي نتمناه للعراق يجب أن يسير في اتجاه تمكن النخبة العراقية من السير والحديث من منطلق الدولة الوطنية العراقية، فالحراك الجماهيري جاء من منطلق أن ثمن المحاصصة والطائفية كان ثقيلا على الجميع بما فيهم الأغلبية الشيعة، وما حدث في البصرة وفي مناطق شيعية كثيرة أن العنصر الشيعي يستغلهم أو يتعامل مع أعداء خارجيين للدولة، يجب أن يفرز قيادات عراقية قادرة على حلحلة هذا الأمر».
وتابع: «هناك الكثير من القيادات العراقية مثل برهم صالح الموجود في رئاسة الدولة، وغيره ممن يرون العراق دولة وليست (تجمعاً للشيعة)، وامتداداً لإيران وغيرها لا بد أن يكون لهم صوت واضح في اتجاه قيام الدولة الوطنية وبالتالي خروج جميع الأجانب من العراق، وإجراء مفاوضات بين العراقيين لكتابة دستور حديث ومدني للدولة العراقية التي تحوي الجميع تحت مظلة هذا الدستور وسيادة القانون، وهذا هو التصور المثالي والمتفائل الإيجابي، لكن للأسف الشديد – والحديث لا يزال للدكتور عبد المنعم سعيد – ديناميكيات التفكيك تعمل أسرع من ديناميكيات التجميع والتكامل، وبالتالي فالعراق في خطر شديد لأننا نعلم جميعا أن الحشد الشعبي امتداد لإيران وهو في حد ذاته اعتداء على السيادة العراقية».
وعن الحل في العراق أضاف الدكتور عبد المنعم سعيد: «الحل في تجمع القوى المعتدلة المؤمنة بالدولة العراقية، كدولة وطنية مدنية ذات سيادة مستقلة لديها موارد تكفي الشعب العراقي وتفيض، وكل ما يحتاجه هو عملية إصلاح حقيقية على مدى زمني ليس بعيدا، وأن تلتئم هذه القوى سويا بعيدا عن حالة التشرذم الذي تعيشه، ويتم الالتفاف حول قيادة أو مجموعة قيادات تتبنى فكرة الدولة الوطنية، والخطوة الثانية التواصل من قبل هؤلاء مع مجموعات الحراك الموجودة حيث إن التغيير لا يتم من دون آلية للانتقال عبر فترة زمنية محددة، وكذلك آلية موضوعية تقوم على خريطة طريق للانتقال خلالها من الوضع الراهن إلى الوضع المأمول، ويكون هناك نوع من الالتحام مع الحراك الجماهيري الذي يعد القوى الحقيقية المساندة لفكرة الدولة الوطنية حاليا، لأن الجيش العراقي ضعيف بسبب وجود ميليشيات كثيرة في الساحة من شأنها التأثير عليه، فالقوى الموضوعية حاليا موجودة فقط في الحراك الجماهيري لأن بها جميع أنواع الطيف العراقي من شيعة وسنة وأكراد، وموجودة في جميع المناطق تقريبا، والبحث داخل الحراك عن قيادات تبدأ في التفكير – ليس فقط في التظاهر - وإنما في إنتاج خريطة طريق للعراق للانتقال من وضعه الحالي إلى وضع أفضل للدولة المدنية الحديثة».
تفاعل شعبي
التدخل الإيراني المستمر ومحاولات سيطرة طهران على الوضع المتأزم داخل العراق والممتد منذ سنوات كان أحد أهم أسباب المظاهرات العراقية التي كان من بين أسبابها أيضا تزايد حالات البطالة، والفساد وسوء الأحوال الاقتصادية والترهل الإداري مما كان له أكبر الأثر على استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بعد التداعيات الكثيرة التي صاحبت المظاهرات والتي استهدفت القنصلية الإيرانية بالحرق في مدينة النجف ذات الأغلبية الشيعية وهو ما كان له بالغ الأثر في الإشارة إلى رد الفعل حول التجاوزات الإيرانية في العراق، والسخط الشعبي من تدخل الأذرع الإيرانية فيه.
ولا شك أن السخط الشعبي العراقي سيزداد الآن مع تصاعد تحليلات وآراء بأن المواجهة العراقية الإيرانية ستكون على أرض العراق، وربما اتسعت لتشمل أرضا عربية أخرى مثل لبنان أو سوريا أو اليمن، لكنها ربما لن تشمل الجغرافيا الإيرانية رغم أن طهران هي اللاعب الرئيسي في هذه المواجهة مع واشنطن.