العراق الجديد: البترول والطائفة... فالوطن!

العراق الجديد: البترول والطائفة... فالوطن!

[caption id="attachment_55236700" align="aligncenter" width="620"]الحرب القادمة.. السيطرة على نفط العراق الحرب القادمة.. السيطرة على نفط العراق[/caption]




لقد كانت فرضية النزاعات المدنية حول البترول تحظى دائما بتوثيق كامل في الدراسات الأكاديمية التي تتمحور حول الحرب والنزاع، وفي تحليل حديث، قدم مايكل روس تقييما شاملا للعلاقة الضمنية بين النزاعات المدنية والبترول من خلال نماذج تتعلق ببلدان الشرق الأوسط. حيث يستطيع الدور الذي يلعبه النفوذ المزعج للبترول، إذا لم تتم إدارته بنجاح، إشعال الاضطرابات والصراعات الطائفية العنيفة التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب اقتصادية وجيوسياسية خطيرة. ويجب على زعماء المنطقة والمؤسسات الدولية التي تتفاعل معهم أن يولوا انتباها خاصا لتلك الحقيقة الواقعية.

فما زالت مواد الدستور العراقي الغائمة المتعلقة بتطوير البترول من التحديات الكبرى التي تواجه وحدة الأمة. ففي الوقت الذي يزعم فيه الدستور العراقي حماية بترول البلاد باعتباره هبة «الشعب العراقي»، فإنه يترك مفهوم أن مسؤولية تنمية حقول البترول ربما تقع في أيدي السياسيين الذين يحكمون الأرض التي يجري تحتها البترول دون تحديد.

ويمثل ذلك المفهوم إشكالية خاصة في العراق نظرا لأن موارد البترول تقع من الناحية الجغرافية داخل نطاق نفوذ القوى الطائفية – الأكراد في الشمال، منطقة الأنبار التي يهيمن عليها السنة، والمناطق الشيعية الجنوبية حول البصرة - ولكن ليس بداخل أو حول العاصمة الفيدرالية التي تقع في وسط العراق. وكان ذلك التباين الجغرافي تتم معالجته في ظل الحكم السلطوي لصدام حسين من خلال القمع. ولم يكن مهما إذا ما كانت المجتمعات الطائفية التي تحيا فوق بترول البلاد وحقول غازها ستحصل على حصة «غير عادلة» من عائداته. وكانت عشيرة التكريتي تهيمن على عائدات البترول من خلال إرهاب أهله. بالإضافة إلى أن الأمل في أن تتمكن آفاق العراق الديمقراطي من تصحيح ذلك التاريخ قد تراجع خلال الشهور الماضية، عندما أخفقت حكومة نوري المالكي سواء في الحفاظ على حكومة ائتلافية موسعة أو وضع حل للنفوذ المزعج للبترول.




ويهدد النزاع المحتدم حاليا بين «الحكومة الإقليمية الكردستانية» والحكومة المركزية في بغداد حول كيفية إدارة استثمارات البترول وعائدات صادرات البترول مفهوم «نقل السلطة» في الدولة العراقية. ففي أبريل (نيسان) علقت «الحكومة الإقليمية الكردستانية» تصدير 175 ألف برميل يوميا من البترول الذي يأتي من أراضيها ولمحت إلى احتمالية إجراء استفتاء حول الاستقلال الكردستاني في القريب إذا لم تمتثل بغداد لرؤيتها بشأن مشاركة العائدات.

وفي ظل تسوية تم وضعها في بداية 2011، كان من المفترض أن يتلقى الأكراد نحو 17 في المائة من عائدات البترول الذي ينتج من أراضيها فيما تحصل بغداد على الباقي. ولكن «الحكومة الإقليمية الكردستانية» تعمل على تطوير بترولها الخاص من خلال عقود مشاركة الإنتاج (PSCs) التي تقدم مدفوعات بترولية «مربحة» لشركات النفط الدولية (IOCs) التي تعمل في الشمال الكردستاني. ومن جهتها، أعلنت بغداد بوضوح معارضتها لذلك النموذج من العقود الذي يقدم مدفوعات بترولية لشركات النفط الدولية بالإضافة إلى أن المفاوضات السياسية حول قانون واضح بشأن البترول توقفت تقريبا في ظل تطورات الموقف السياسي الراهن في العراق.



سخط شعبي




ومن جهة أخرى، يتصاعد السخط الشعبي في العراق تجاه عدم فعالية الحوكمة في توزيع الموازنة والإخفاق في توفير الكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية. وقد أثار عناد «الحكومة الإقليمية الكردستانية» بشأن قضايا البترول، بالتزامن مع الازدهار الاقتصادي والبترولي الذي شهدته فيما بعد الحرب المطالبات بالاستقلال المالي (وما يتعلق بالبترول والغاز) الإقليمي في غيرها من المحافظات، بما في ذلك الأنبار، وصلاح الدين، والديالي، ونينوى.

وقد ردت حكومة المالكي على ذلك بطرح مناقصة لاستكشاف البترول أمام المستثمرين الأجانب خلال الشهر الحالي في محاولة لكي تثبت أنها باعتبارها الحكومة المركزية، تستطيع تطوير الموارد في كافة أنحاء البلاد. فقد كانت تلك المناقصة شكلا من أشكال ممارسة السلطة لإعادة فرض سيطرتها على المناطق المتمردة التي تسعى للحصول على سلطة في عقد الغاز ولمواجهة الانتقادات المتعلقة بعدم عدالة الاستثمارات التي تنفذها الحكومة الحالية. وتشتمل المناقصة على ثلاثة مواقع للاستكشاف في الأنبار على مقربة من الحدود الغربية مع الأردن، واثنين في نينوى (شمال غرب) في الحدود مع سوريا، وهناك موقع واحد يقع شرق بغداد والعديد من المواقع جنوب شرقي العراق بالقرب من النجف وفي الديالي.

ولكن المناقصة محدودة للغاية، ومتأخرة ولا تأتي فقط ضد واقع النزاع المستمر مع «الحكومة الإقليمية الكردستانية» ولكنها تأتي أيضا على خلفية مساعي استقلال صناعة النفط والغاز في منطقة الأنبار التي وقعت بالفعل على صفقة استكشاف مع الشركة الكورية «كوغاز» ومن المرجح أن تسعى لإنشاء ممر تصدير الطاقة (الذي تدعمه دول خليجية) مع سوريا «الجديدة» إذا ما وصلت حكومة سنّية للسلطة هناك. بل وهناك تلميحات إلى أن الزعماء في منطقة البصرة الغنية بالبترول سوف يرغبون في التحكم في مصيرهم المتعلق بالبترول.




وتتجاوز نتائج الرغبة في الاستقلال إشكالات التوافق السياسي داخل العراق. حيث إنها أظهرت حقيقة أن هناك مناطق مهمة سوف تسعى لتحقيق مصالحها المتعلقة بالسياسة الخارجية دون الرجوع للحكومة المركزية و/ أو النسخة الموحدة للعلاقات الدولية. بل وقد شجعت الولايات المتحدة، فيما تدعي احتراما شكليا لسياسة الدولة المتعلقة بالاستثمارات البترولية تطور النفط المستقل في الأنبار وغيرها حيث كانت أكثر اهتماما بتحقيق «العائدات» ولكنها أخفقت في إدراك المخاطر السياسية التي يمثلها ذلك بالنسبة لوحدة العراق. ودون قصد، مهدت الولايات المتحدة الطريق أمام نقل السلطة (اللامركزية) السياسية في العراق وهو ما كانت تسعى لتفاديه.

ربما تعتمد الحكومة المركزية في العراق على استخدام العائدات المتزايدة للبترول من جنوب العراق لتوفير التمويل الذي يمكنها من تعزيز وضعها في البلاد. ولكن حتى ذلك يمثل خطرا. حيث دفع الجدل حول مساعي شركة «إكسون موبيل» للحصول على حصة إنتاجية من الأكراد بالإضافة إلى استمرارها في الحفاظ على وضعها كمستثمر رئيسي في برنامج الحكومة المركزية في حقول البترول الجنوبية الحكومة المركزية لإزاحة الشركة عن دورها القيادي في مشروع «المنشأة المشتركة للتجهيزات البحرية» (سي إس إس إف)، وهو مشروع ضخم لضخ المياه لاستخراج البترول من كبرى حقول البترول في العراق. ومؤخرا، وفي ضوء المشكلات اللوجستية المستمرة مع ذلك المشروع، كان تطوير الغاز الطبيعي وغيره من العناصر بحاجة إلى أن يسير البرنامج قدما ومن ثم بدأت الحكومة العراقية المركزية مباحثات لتخفيض سقف الأهداف الإنتاجية غير الواقعية للعديد من برامج تطوير الحقول بما في ذلك مشروع شركة «رويال داتش شل» لتطوير حقل «مجنون» الضخم. كما سحبت شركة «ستاتويل» النرويجية بالفعل صفقتها من حقل «غرب قرنة».

والخلاصة، أن الوعد بنهضة بترولية في العراق تصبح شرارة بدء بناء الدولة يمكن أن يتراجع سريعا، إذا لم يتمكن الزعماء السياسيون من اكتشاف كيف يمكنهم وضع رؤية وطنية لسياسة بترولية موحدة. ويجب أن تصبح تلك الحقيقة المؤسفة قصة منذرة للمنطقة بأسرها. ففي ظل الصحوة العربية، ربما ينتهي الصراع على من يسيطر على موارد البترول والغاز في الشرق الأوسط مثل الجثث التي تم إلقاؤها في النهر والتي تنكشف مع انحسار المياه. فقد ألقت الحرب الأهلية في ليبيا بالضوء على المرارة الدفينة التي جاءت نتاج إخفاق القذافي المستمر في مشاركة عائدات البترول مع محافظات ليبيا الشرقية الغنية بالبترول. وقد عقد أهل بنغازي العزم على أن يحصلوا على حقوقهم، ويمكن قول الشيء نفسه بشأن جنوب السودان.
وفي ظل ازدياد وعي مواطني الشرق الأوسط بحقوقهم ومصالحهم، فقد ولت الأيام التي كانت تقبل فيها الأقليات الطائفية بالحرمان من عائدات النفط الذي يجري تحت أقدامهم.
font change