آلة الحرب الحوثية تتحدى القانون الدولي... ومستشفيات اليمن تحت القصف

الحكومة اليمنية ترفض «الصمت المطبق» للمنظمات الحقوقية وتطالب بتحقيق دولي

آلة الحرب الحوثية تتحدى القانون الدولي... ومستشفيات اليمن تحت القصف

* نبيل حلمي: الميليشيات تنتهك قرارات مجلس الأمن والأعراف الدولية التي توفر حماية خاصة للمستشفيات والمرافق الطبية
* جمال رائف: أطماع الحوثي تزيد من تدهور الحالة الإنسانية لليمنيين بسبب نقص الغذاء والخدمات الصحية
* طارق فهمي: ذراع إيران في اليمن لن تتوانى عن قصف المراكز الصحية ما لم يكن هناك موقف دولي حاسم

القاهرة: لم تسلم المنشآت الطبية والمراكز الصحية في اليمن من الاعتداءات الحوثية الموالية للنظام الإيراني، إذ تعمد الميليشيات إلى قصف المستشفيات ونهب الصيدليات وقتل المرضى وإرهاب الأطباء، في جريمة حرب تضاف لسجلها الإرهابي، وسط ما وصفته وزارة الصحة في الحكومة اليمنية بـ«الصمت المطبق» للمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، والتي لم تُدن استهداف المستشفى الحكومي بمنطقة الحفرة بمفرق الجوف، والمستشفى السعودي الميداني بمحافظة مأرب، وما سبق ذلك من حوادث مماثلة باستهداف المنشآت وطواقم الإسعاف والعاملين الصحافيين، في انتهاك صارخ للمواثيق والأعراف الدولية.
السلطات الصحية بمحافظة مأرب اليمنية، طالبت الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مارتن جريفيث وسفراء الدول والمنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية بالتحقيق في القصف والاستهداف الممنهج للمنشآت الطبية ووسائل النقل والكوادر الصحية من قبل ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، وشددت على ضرورة أن لا تقف المنظمات الدولية موقف المتفرج حيال «جرائم الميليشيات الحوثية»، حيث إن استهداف المستشفيات التي تعمل على مساعدة المرضى النازحين بمحافظة مأرب وتقديم خدماتها الإنسانية» يعكس مدى الإفلاس الأخلاقي لهذه الجماعات، ويدل على سقوط قيمها الإنسانية لتسجل اسمها وبجدارة في خانة المنتهكين للقانون، فمثل هذه الأعمال «الإجرامية» لا يقبلها دين ولا عرف ولا قانون.
واعتبر خبراء في القانون الدولي أن مواصلة ميليشيات الحوثي استهدافها الممنهج للمنشآت الطبية والمدنيين يعد تحديًا سافرا منها للقانون الإنساني الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تحظر استهداف المدنيين والمنشآت الطبية، كما أن قرارات مجلس الأمن تنص على أن الهجمات الموجهة عمدًا ضد المستشفيات والأماكن التي يُجمع فيها المرضى والجرحى والوحدات الطبية ووسائل النقل تشكل جرائم حرب في حكم القانون الدولي.
وأوضحوا أن هذه الجرائم الحوثية تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية بشكل أكبر من وضعها الكارثي في الوقت الحالي، حيث تكبد هذا القطاع خسائر فادحة جراء الحرب الحوثية القائمة منذ سنوات ضد اليمنيين، مؤكدين ضرورة تدخل المبعوث الأممي بشكل عاجل لوقف الاعتداءات على المراكز الطبية في اليمن الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية وصحية على مستوى العالم.
 
حماية خاصة
في هذا السياق، قال الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي، إن اعتداءات الحوثي على المستشفيات والمراكز الطبية، هي خرق واضح للقانون الدولي والإنساني، وانتهاك لقرارات مجلس الأمن، والتي تلزم بحماية موظفي الإغاثة الإنسانية من الاعتداء والمضايقة والترهيب والاعتقال التعسفي وغير ذلك، كما يحظر القانون الدولي الإنساني استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، وفي هذا الصدد، فإن المستشفيات والمرافق الطبية تتمتع بحماية خاصة بحكم وظيفتها الإنسانية والطبية.
وأوضح أن التعامل الأممي مع الميليشيات الحوثية يظل منقوصًا، فكثيرًا ما أصدرت الأمم المتحدة تقارير أدانت الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الحوثية، لكنّ الأمم المتحدة لم تتخذ إجراءات رادعة ضد الجماعة الإرهابية الموالية للنظام الإيراني، خاصة مع تكرار تلك الحوادث، مما أسفر عن خروج أغلب المراكز الصحية عن الخدمة، وهو الأمر الذي ضاعف من المأساة الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.


 

جمال رائف


 
مصدر إزعاج
وقال جمال رائف الباحث السياسي، إن ميليشيات الحوثي هي مصدر أساسي وراء إفشال الدولة اليمنية التي تتعرض للكثير من الأزمات، سواء على المستوى الداخلي عبر خلق المزيد من التوترات وأحداث العنف التي تؤثر سلبا علي الأوضاع السياسية والاقتصادية، واستهداف المنشآت الطبية وسرقة مساعدات الدول المانحة، ما أدى لتدهور الحالة الإنسانية في اليمن، وأيضًا على الصعيد الإقليمي والدولي، حيث تمثل الجماعة الحوثية الموالية لإيران مصدر إزعاج لحركة الملاحة الدولية، حيث عمدت مؤخرًا إلى زراعة الألغام قرب جزيرة سانا الواقعة في البحر الأحمر، الأمر الذي يمثل تهديدا لحركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية بمضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر.
وأكد أن أطماع الحوثيين المدفوعة من إيران ستدخل اليمن في مرحلة جديدة من تدهور الحالة الإنسانية بسبب نقص الخدمات الصحية وأيضا الغذاء، بعد أن ظهرت مؤشرات تؤكد أن اجتماع الدول المانحة ومجموعات الإغاثة والذي سينعقد في بروكسل الفترة القادمة ربما لم يتمكن من إثناء الولايات المتحدة الأميركية عن فكرتها المتعلقة بتقليص مساعداتها المقدمة لليمن والتي وصلت في العام الماضي لما يقترب من 800 مليون دولار، وذلك بعد أن أدركت الإدارة الأميركية أن معظم تلك المساعدات تتم سرقتها من قبل جماعة الحوثي، ومن المتوقع أيضا أن يؤثر نفس السبب المتعلق بسرقة الحوثيين للمساعدات على تقليص ما تقدمه الأمم المتحدة من معونات غذائية لأكثر من 12 مليون يمني، وبالتالي فنحن بصدد جماعة أصبح بقاؤها يمثل تهديدا خطيرا يتعلق بقدرة المواطن اليمني على البقاء، كما يعطل اليمن نحو بناء مؤسسات دولته الجديدة سواء كانت خدمية أم سياسية واقتصادية، مما يساهم في ترسيخ السلم والاستقرار الداخلي.
وأضاف رائف: «يتضح من هذا أن الأمر لم يعد يقتصر على تدمير الحوثيين للمنشآت الطبية ومنع اليمنيين من الحصول على الخدمات الصحية، بل وصل الأمر لحد التسبب في وقف المساعدات الدولية المقدمة إلى اليمن، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية تطلب من الحكومة الشرعية التحرك دوليا مستغلة مخرجات مؤتمر المانحين القادم وأيضا اعترافات الأمم المتحدة المتعلقة بسطو الحوثيين على المساعدات المقدمة للشعب اليمني وبيعها في الأسواق السوداء، كأوراق ضغط تمكنها من طلب تحرك دولي ضد جرائم الحوثيين في حق اليمن».
 
غياب الموقف الدولي
وقال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية إن الهجمات الحوثية تتعارض بشكل قطعي مع قواعد الحرب والقوانين الدولية والإنسانية، والغريب هو غياب موقف دولي قوي يدين تلك الممارسات ويسعى إلى وضع حد لها لعدم تكرارها، مثمنًا موقف التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، في تقديم المساعدات الطبية والغذائية باليمن حيث أطلق خطة العمليات الإنسانية الشاملة في 2018. وتم من خلالها تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام 2018، بـ1.25 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت، وتضمنت الخطة إنشاء مركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن لتنسيق العمل الإنساني داخل اليمن للتواصل وتوفير احتياجات المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن وتقديم الدعم للعاملين في مجال الإغاثة، كما تضمنت الخطة أيضًا عددًا من المبادرات لتحسين الوضع الإنساني في اليمن وتعزيز سبل إيصال وتوزيع المساعدات لجميع المدن والمحافظات اليمنية.
وأشار فهمي إلى أن الاعتداءات الأخيرة على المستشفى الحكومي بمنطقة الحفرة بمفرق الجوف، والمستشفى السعودي الميداني بمحافظة مأرب، لم تكن مفاجئة، لأنه لطالما كانت المستشفيات والمراكز الصحية ضحية إرهاب الحوثيين منذ انقلابهم على الشرعية، وتختلف أساليب ميليشيات الحوثي لاستهداف المستشفيات حسب الهدف الذي تريد العناصر الحوثية تحقيقه، فهناك القصف المباشر بهدف إلصاق التهمة بالتحالف العربي، أو السيطرة على المستشفى لاستخدامه منصات لإطلاق الصواريخ، لأنهم يدركون أن مقاتلات التحالف العربي لا تستهدف تلك المنشآت، وبالتالي فإن الحوثي لن يتوانى عن قصف المراكز الصحية ما لم يكن هناك موقف دولي حاسم، ضد تلك الاعتداءات، خاصة أن الوضع الإنساني في اليمن سيئ للغاية، حيث إنه وفقًا لإحصائيات أممية فإن اليمن يواجه أكبر أزمة أمن غذائي في العالم، ويعيش أكثر من 20 مليون شخص في ظل انعدام الأمن الغذائي ويكافحون لإطعام أنفسهم غير متأكدين من أين سيحصلون على وجبتهم التالية، وبالتالي نحن في حاجة ملحة لوقف العدوان الحوثي على اليمنيين، ودفعهم لاحترام حقوق الإنسان وعدم خرق قواعد القانون الدولي.

font change