* هل لاختيار عام 1928 تاريخاً لتأسيس جماعة الإخوان دلالات معينة؟ وهل لاختيار مدينة الإسماعيلية الواقعة شرق القاهرة دلالة في هذا الخصوص؟
* تصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات وتحديد التسميات خطوة إجرائية أولى مهمة في المعركة التي تخوضها الدولة الوطنية اليوم في المنطقة العربية ضد جماعة الإخوان الإرهابية
* تلاقت المصالح البريطانية والعثمانية والفرنسية في محاربة الحركة الوطنية المصرية التي اشتد عودها ما بعد ثورة 1919
باكو:في خضم التحديات التي تواجهها المنطقة العربية اليوم بين مخاطر خارجية وصراعات داخلية وتهديدات بيئية وأزمات صحية، تثار كثير من التساؤلات؛ بعضها يتعلق بالبحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى وصول دول المنطقة إلى تلك الأزمات، وما الفواعل الرئيسية التي ساهمت في تفاقمها؟ وبعضها الآخر يتعلق بالبحث عن كيفية مواجهة هذه الأزمات والحد من تأثيراتها التي تهدد وجود الدولة الوطنية.
والحقيقة أن البحث عن الأسباب وآليات المعالجة لما تواجهه دول المنطقة، إنما يتطلب في المقام الأول البحث عن الفواعل الرئيسية التي ساهمت في تمكين العوامل والأسباب وعرقلة الآليات، خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن ثمة نوعين من الفواعل؛ داخلية وخارجية.
وإذا كان من المفترض أن الفواعل الخارجية حينما تستهدف دولة ما أو منطقة ما إنما تسعى إلى تحقيق مصالحها ومصالح مواطنيها على حساب مصالح شعوب هذه الدول أو المناطق، وهو ما يجعل من دورها أمرا منطقيا حينما تسعى كل دولة إلى ذلك، إلا أن الأمر يختلف إذا نظرا إلى مواقف الفواعل الداخلية التي تساند الفاعل الخارجي وتعضده، بل وتمكنه من اختراق دولتها وتهديد أمنها واستقرارها سعيا منها لتحقيق مكاسب وقتية أو مالية على حساب وطنهم، مستخدمين في ذلك شعارات ورافعين لافتات تجذب الأتباع تصديقا لهم وكسبا لثقتهم. وهو ما ينطبق على جماعة الإخوان التي أسست في مدينة الإسماعيلية بمصر عام 1928، إذ إنه منذ تأسيس هذه الجماعة واجهت كثير من دول المنطقة أزمات متتالية وصراعات متعددة، حتى وصل الأمر بالبعض إلى تسجيل ملاحظة مهمة تتعلق بدور هذه الجماعة فيما تشهده المنطقة العربية الآن من صراعات داخلية تستهدف أمنها واستقرارها، حيث لوحظ أن جماعة الإخوان واحدة من أبرز التنظيمات السياسية التي تتخذ شعار معارضة النظم السياسية الحاكمة بحجة إقامة نظام سياسي يوصف بالإسلامي، وكأن كل الأنظمة الحاكمة في الدول العربية غير إسلامية. إلا أن معارضتها تأتي حقيقة انطلاقا من سعيها في سبيل تحقيق مشروعها الهدام كما أشار إلى ذلك وزير الشؤون الإسلامية السعودي الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ بقوله: «إن جماعة الإخوان الإرهابية تمارس جميع الشعائر الشيطانية من خيانة وغدر واختطاف للأموال باسم الجمعيات الخيرية ونحوها... وأنهم بائعون لضمائرهم وأوطانهم بحفنة من المال المحرم، لا يتورعون عن امتطاء أي وسيلة من أجل أن يصلوا إلى مشروعهم اللعين في محاولة لسلب الحكم المستقر، وإبداله بحكمهم الإرهابي الدموي».
ومن هذا المنطلق يثار تساؤل مهم تلخص الإجابة عليه دور جماعة الإخوان في المنطقة بل وربما خارج المنطقة، هذا التساؤل يرتبط بدلالة تاريخ التأسيس ومكانه؟ بمعنى أكثر وضوحا هل لاختيار عام 1928 تاريخا لتأسيس جماعة الإخوان دلالات معينة؟ وهل لاختيار مدينة الإسماعيلية الواقعة في شرق القاهرة دلالة في هذا الخصوص؟
والحقيقة أن الإجابة على هذه التساؤلات رغم أنها لن تكون في جوهرها جديدة وإنما ثمة بعد جديد من المهم إضافته إلى الرؤى المطروحة ربما يسهم في توضيح الصورة بشكل جلي، إذ يمكن أن نلخص الإجابة في عدة محاور على النحو الآتي:
أولا: الإسماعيلية مقر قناة السويس... نقطة الانطلاق النموذجية لجماعة الإخوان
لم يكن مصادفة اختيار جماعة الإخوان لمدينة الإسماعيلية الواقعة شرق العاصمة القاهرة والتي بها مقر قيادة شركة قناة السويس الواقعة تحت الإدارة الفرنسية آنذاك، بل وحصول الجماعة على مساعدة مالية من الشركة يقدر طبقا لما كشفته سجلات التاريخ بمقدار خمسمائة جنيه إسترليني للمعاونة في مصروفات التأسيس، وهو ما أشار إليه ثروت الخرباوي القيادي السابق بجماعة الإخوان، في كتابه «سر المعبد-2»، حيث كشف أن: «حسن البنا ليس مصريًا، وجده كان راحلا قادما من المغرب، وعائلة حسن البنا ليس لهم مقابر في قرية شمشيرة بمحافظة كفر الشيخ التي من المفترض أنه ينتمي لها، كما أكد أن مدير شركة قناة السويس حينها الفرنسي لويس أنطوان، والذي كان رئيس المحفل الماسوني بباريس، قد أعطاه أول مبلغ حصل عليه لتأسيس الجماعة 500 جنيه، وأن هذه الأموال مثبتة لدى الشركة، وليس مبلغ 500 جنيه فقط الذي حصل عليه حسن البنا، ولكن مبالغ كبيرة وكانت شيكات باللغة الفرنسية».
لا شك أن مثل هذه المعلومات تستوجب قراءتها بتحليل دقيق يوجه إلى أتباع هذه الجماعة الذين لا يزالون يدافعون عنها وعن أخطائها المتكررة في حق الشعوب العربية بصفة عامة والشعب المصري على وجه الخصوص. فإذا كان هدف هذه الجماعة كما أعلن عنه آنذاك أو كما جاء في الكتب السبع التي أصدرها المؤسس حسن البنا وعلى الأخص كتابه «الرسائل»، هو إقامة النظام الإسلامي المتمثل في الخلافة الإسلامية أو الأستاذية العالمية على حد وصفه، فإنه من غير المنطقي أن تدعمه أو تعاونه دول تحتل بلده، بل وتسعى إلى ضمان هذا الاحتلال بما يحقق مصالحهم. فهل من المنطق أن تدعم فرنسا حليفة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى التي خرجوا منها منتصرين على دول المركز التي كانت من بينهم الدولة العثمانية، أن يدعما تنظيما يدعو إلى تحرير البلاد وتخليصها من الاستعمارين البريطاني والعثماني معا. إذ ليس مبالغة القول إن الوجود العثماني في مصر كان احتلالاً لا يختلف عن الاحتلال البريطاني وإن كانت مساحة هذا المقال لا تتسع لرصد أوجه التشابه بين الاستعمارين.
وفي هذا المقام يجب تسجيل ملاحظة مهمة أن مصلحة الاستعمار أيا كان نمطه تتلاقى في ضرب الحركات الوطنية التي تناشد الاستقلال. يدلل على ذلك التوافق الفرنسي البريطاني رغم ما بينهما من صراعات حول مناطق الاحتلال والنفوذ إلا أنه حينما يتهدد وجود أحدهما يعاونه الطرف الآخر، فرغم أن مصر واقعة تحت الاحتلال البريطاني والعثماني إلا أنهما لم يعترضا أن تظل إدارة شركة قناة السويس إدارة فرنسية، وهو ما يؤكد على وحدة المصالح للدول الاستعمارية.
ثانياً: الإخوان وعام 1928... عام مهم لحماية المصالح العثمانية والبريطانية
كشف ما سبق بشأن اختيار مدينة الإسماعيلية مقراً لانطلاق جماعة الإخوان عن قاعدة مهمة كما سبقت الإشارة إليها وهي أن مصالح الاستعمار واحدة، مهما تعددت تنافساتهم وصراعاتهم، فاستمرار النظام الاستعماري هو مصلحة للجميع كما برز ذلك جليا في ميثاق عصبة الأمم التي نشأت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، فلم يكن لهذا الميثاق دور في إنهاء الاستعمار وحصول الدول على حق تقرير مصيرها، كما أعلن آنذاك في مبادئ ويلسون الأربعة عشر، بل تضمن الميثاق في مادته الثانية والعشرين نظاما يبقي على الاستعمار واستغلال الشعوب، عرف بنظام الانتداب بتقسيمه لمستعمرات الدول المهزومة في الحرب إلى ثلاث فئات (أ-ب-ج)، وهو ما يعني أن جوهر الاستعمار واحد ومصالحه واحدة وأن الحروب بينهم إنما هي حروب على تقسيم الثروات والمستعمرات طبقا لموازين القوى بينهم.
وبناء على ذلك، تلاقت المصالح البريطانية والعثمانية وكذلك الفرنسية في محاربة الحركة الوطنية المصرية التي اشتد عودها ما بعد ثورة 1919 وصدور تصريح 28 فبراير (شباط) 1922 الذي اعترف باستقلال مصر، وهو ما أغضب الدولة العثمانية آنذاك ورأت أن ذلك بداية النهاية لإمبراطوريتها، وهو ما اضطرت إليه بريطانيا تحت ضغط الحركة الوطنية. ولذا سعت هي الأخرى إلى تفريغ هذا التصريح من مضمونه من خلال البحث عن آلية لتفتيت تلاحم الوحدة الوطنية الذي تجلى في ثورة 1919، فكانت فكرة دخول الدين مرة أخرى إلى ساحة المعركة عبر تأسيس جماعة ترفع شعار الدين في مواجهة الوطن، فأدخلت الحركة الوطنية آنذاك في جدل ما بين الولاء للوطن أو الولاء للدين رغم عدم وجود أي معارضة بينهما وفقا لأحكام الدين ذاته الذي اعتبر الدفاع عن الوطن واستقلاله وصونه لا يقل مكانة عن الدفاع عن الدين وقدسيته.
ومن ثم، تلاقت المصالح العثمانية والبريطانية رغم صراعهما في إضعاف الحركة الوطنية المصرية إدراكا منهما أن نجاح هذه الحركة في تحقيق الاستقلال الوطني يعني بداية انحسار الاستعمار عن المنطقة العربية. وفي هذا السياق، يمكن أن نفهم المبرر وراء الدعم الذي حظيت به جماعة الإخوان من الجانبين (العثماني والبريطاني) لمناهضة أي دعوات لاستقلال الدولة المصرية، إذ إنه لا فارق بين الدولة العثمانية وغيرها من الدول الاستعمارية، التي انطلقت من عواصمها الوطنية لإخضاع بلاد أخرى، فالعثمانيون فعلوا في توسعهم الإمبراطوري تمامًا ما فعله البريطانيون انطلاقًا من لندن، والفرنسيون انطلاقًا من باريس، وغيرهم من القوى الاستعمارية.
ولذا، حاولت كل من تركيا وبريطانيا البحث عن قوى سياسية في الدول الخاضعة لكل منهما لتضمن استمرار وجودهما وتأثيرهما، فكانت جماعة الإخوان الوسيلة الأكثر ملاءمة للإبقاء على الاستعمار العثماني ومعاونة الاستعمار البريطاني والفرنسي. يدلل على ذلك قدرة هذه الجماعة على الرغم من إمكاناتها المحدودة بشريا وثقافيا وماليا في الاستمرار بل والانتشار كما رأينا في جميع بلدان العالم بصفة عامة والمنطقة العربية على وجه الخصوص. فلولا الدعم المستمر الذي تتلقاه هذه الجماعة حتى اليوم من فاعلين دوليين كشفا عن دعمهما الجلي لما تمكنت هذه الجماعة من الاستمرار، فالجميع يشهد حجم الدعم التركي والبريطاني الحالي لهذه الجماعة سواء من خلال استقبال رموزها ورجالها وقاداتها أو من خلال استثماراتهم وتجارتهم التي ينفقون منها على أنشطتهم، أو من خلال تمكينهم من منصات إعلامية يخاطبون من خلالها أتباعهم.
ثالثاً: الإخوان... أداة لعودة العثمانية الجديدة
ما يجري اليوم في المنطقة العربية من تحديات عدة كما سبقت الإشارة، وما تمارسه جماعة الإخوان من سياسات وما تقدمه عبر منصاتها الإعلامية سواء المرئية أو المكتوبة أو حتى عبر لجانها الإلكترونية من رؤى وتحليلات تحاول أن تخلط الوقائع وتقلب الحقائق، تحت شعار معارضة النظم الحاكمة بحجة إقامة النظام الإسلامي البديل، متخذة من عاصمة الإمبراطورية العثمانية الجديدة إسطنبول مقراً لحملاتها وادعاءاتها، سعيا لدعم عودة الاستعمار العثماني الجديد لأوطانهم كما هو الحال في ليبيا وسوريا والسودان والصومال وتونس، ومن قبلهم إمارة قطر التي سمحت بإقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها.
كل هذا يستوجب تصحيح الصورة وتوضيح الحقيقة حتى لا ينخدع الرأي العام في بلادنا بشعارتها الزائفة وادعاءاتها الباطلة، التي تخفي وراءها الهدف الوحيد الذي يعني عودة الاستعمار العثماني الجديد، فنجدهم يرفعون شعار إعادة الخلافة الإسلامية وهو في حقيقتها إعادة الاستعمار العثماني، يرفعون شعار السلمية والدعوة إلى السلم في حين أنهم يمارسون أبشع صور الإرهاب المسلح. بل مما يزيد الأمر وضوحا هو تناقض مواقفهم من بلد إلى آخر، فيرون الديمقراطية كفراً في بلد ويرفعون شعارات الديمقراطية في بلد آخر، يعارضون الاقتصاد البنكي بحجة أنه اقتصاد ربوي ويدعمونه في بلد آخر، يعارضون السياحة في بلد ويدعمونها في بلد آخر. كل هذا يكشف عن حقيقة هدفهم الوحيد وهو عودة الاستعمار لأوطانهم.
ولذا، أضحى من الأهمية بمكان كشف حقيقة هذه الجماعة وتسميتها باسمها الصحيح الذي يعبر عن وصفها ودورها، لأن الاستمرار في استخدام مصطلح «الإخوان المسلمون» يجعل النظر إليهم وإلى سياستهم في إطار إسلامي، بل ويجعل الغرب ينظرون إليهم على أنهم من الطوائف المعبرة عن المسلمين، في حين أن غرضهم الرئيسي لا علاقة له بالدين الإسلامي سوى اتخاذه قناعا للتمويه والتضليل وكسب المزيد من الأتباع الذين لا يدركون حقيقتهم ونيتهم، الأمر الذي يستوجب إطلاق التسميات الصحيحة على هذه الجماعة منعا للخلط واللبس سواء للرأي العام الإسلامي أو الغربي في تعامله مع هذه الجماعة كونها جماعة ذات غرض سياسي منذ نشأتها في أواخر عشرينات القرن المنصرم وحتى اليوم، ويتمحور هذا الغرض حول عودة الاستعمار العثماني إلى الدول العربية مستخدمة في ذلك كثيرا من الأساليب والوسائل بعضها مشروع وكثير منها غير مشروع.
نهاية القول إن تصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات وتحديد التسميات خطوة إجرائية أولى مهمة في المعركة التي تخوضها الدولة الوطنية اليوم في المنطقة العربية ضد جماعة الإخوان الإرهابية التي تكشفت حقيقة وجودها ومكمن خطرها على أمن الدول واستقرارها وتماسك مجتمعاتها، فهي أداة لعودة الاستعمار العثماني في ثوبه الجديد إلى احتلال الدول العربية تحت شعارات الخلافة الإسلامية.