
وقد أكسب هذه الجماعات الثقة في النفس قدرتها التنظيمية والمالية والرسالة الدينية التي تسهل عليها إقناع قطاع من المجتمع المصري بالانضمام إليها والاصطفاف وراءها والاستعداد للتضحية من أجل تحقيق أهدافها. يُضاف إلى ذلك ضعف المعارضة غير الدينية في ظل حالة الميوعة السياسية الشديدة والتخبط الذي يطبع الحياة السياسية في مصر منذ سقوط نظام مبارك في فبراير 2011.
فما هي تلك الجماعات وكيف تعاملت مع التطورات الأخيرة ولاسيما الإعلانين الدستوريين للرئيس محمد مرسي والاستفتاء على الدستور؟ وماهو مستقبلها والتعاون والصراع فيما بينها؟
أبرز تلك الجماعات إلى جانب الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة -ولن نتطرق لها في سياق هذا المقال - السلفيون وأحزابهم ولاسيما حزب النور، وجماعة حازمون التي يقودها حازم أبو إسماعيل، والجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية، والسلفية الجهادية بقيادة الظواهري.
السلفيون وحزب النور
تمتع السلفيون بوجود تاريخي قبل الإخوان المسلمين وكانوا مهتمين بالجانبين الديني والاجتماعي وكانوا بعيدين عن السياسة. وتمتعوا بحرية كبيرة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك لضرب جماعة الإخوان وأبرز تلك الشخصيات السلفية التي أُطلق لها المجال الشيخ محمد حسان وخطبه في مسجد النور بالعباسية. وقد تحول السلفيون إلى السياسة بعد الثورة وفي معظمهم يفتقدون إلى المعرفة السياسية اللازمة للتعامل مع الواقع السياسي المعقد في مصر. وقد قابلت بعضهم عندما كانوا يتلقون بعض التدريبات في مراكز بحثية مثل مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وتوضح لي من خلال الحديث معهم مدى ضعف معرفتهم السياسية.
وقام السلفيون بتكوين عدة أحزاب مثل النور والأصالة ولكن أهمها النور الذي كان يترأسه عماد عبد الغفور حتى أيام قليلة مضت قبل استقالته وتأسيسه حزب الوطن، وأبرز وجوه الحزب متحدثه الإعلامي نادر بكار والشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية.
أيد حزب النور الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي في 22 نوفمبر 2012 رغم تحفظهم على المادة الثانية للإعلان التي تحصن قرارات الرئيس. ورحبوا بالإعلان الدستوري الجديد الذي أصدره الرئيس في 9 ديسمبر وقاموا بدعم الاستفتاء على الدستور المتنازع عليه. في هذا السياق قال جلال مرة أمين عام حزب النور “إن الدستور هو السبيل للخروج من الأزمات التي تعيشها البلاد وبداية عودة الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة المختلفة”.
[blockquote]وصف برهامي مسيرات متظاهرى التحرير لقصر الاتحادية بأنها محاولات يائسة لتخريب البلاد والوصول بها إلى نفق مظلم وهدم مؤسساتها وتعطيل مرحلة البناء، وشبه الداعين لإسقاط الرئيس محمد مرسى بالنمل الذي يريد قتل الفيل.[/blockquote]
وقال حازم أبو اسماعيل المرشح الرئاسي الذي استبعد من الانتخابات معلقا على الإعلان الدستوري إنها إجراءات مكروهة ولكنها حالة الضرورة والاضطرار ويجب أن يلتف الجميع حول الرئيس، والإعلان الجديد للرئيس الذي استبدل الإعلان الأول يمثل طوق النجاة الأخير قبل أن “تخرب الدنيا.”
وقامت جماعة حازمون بالاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي واعتدت على بعض الضيوف مثل خالد يوسف. واتهمت الجماعة بالهجوم على مقر حزب الوفد ولكنهم فضوا الاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي مؤخرا.
قال عماد عبد الغفور الذي أعلن عن حزبه السلفي الجديد “حزب الوطن” في الأول من يناير (كانون الأول) سنة 2013 في قاعة المؤتمرات بجامعة الأزهر” إنّ هدفه الوحيد من تأسيس الحزب هو رفعة الوطن وأن يضع أبناء التيار السلفي أيديهم في يد الجميع من أجل بناء الوطن”.
وأضاف: “هدفنا هو أن نجتمع وألا نتفرق وننصح لا أن ننتقد ونكون بحزبنا هذا إضافة طيبة للعمل السياسي من أجل إصلاح المجتمع والنهضة بالاقتصاد”.
ويبدو أن هناك انشقاقا داخل الجبهة السلفية نتج عنه خروج عبد الغفور ويسري حماد وآخرين، وهو ما يعكس تنوع التوجهات والمصالح السياسية وزيادة الخلافات داخل التيار السلفي حديث العهد بالعملية السياسية.
[caption id="attachment_55241377" align="alignleft" width="300"]

الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية
انخرطت الجماعة الإسلامية في أعمال العنف منذ نهاية السبعينات وسُجن بعض أعضائها وهرب البعض إلى الخارج. ولكنها راجعت مفهومها عن الجهاد في ما اشتهر تحت عنوان “مراجعات الدكتور فضل” سنة 1997. كما استفادت الجماعة -وأبرز قادتها هم طارق وعبود الزمر وناجح إبراهيم وأسامة رشدي- من جو الحرية بعد الثورة وأنشأت “حزب البناء والتنمية” ليكون ذراعها السياسي.
أيدت الجماعة الرئيس والإعلان الدستوري الذي أثار حفيظة القضاة وقطاعات متعددة في المجتمع المصري. كما حضرت الجماعة “مليونية الشرعية والشريعة” لمساندة الرئيس مرسي. وقال طارق الزمر عضو مجلس شورى الجماعة والمتحدث الرسمي باسمها “دعوتنا جميعا للخروج للاستفتاء هي أول لبنة حقيقية في بناء التحول الديمقراطي”.
وأشار إلى أن ائتلاف الأحزاب الإسلامية يستند إلى مرجعية إسلامية قوية ومتماسكة وشاملة بغرض تأسيس مشروع إسلامي قوي ومتكامل. واتهم المتظاهرين الذين اعتصموا أمام قصر الرئيس بأنهم ليسوا ثوارا ولكنهم من بقايا النظام السابق. وأكد أنه لايجب للأقلية أن تفرض رأيها على الأغلبية في إشارة إلى الجمعية التأسيسية التي وضعت مسودة الدستور والتي تعبر عن رأي الشعب. واتهم الزمر ائتلافات الأحزاب الليبرالية واليسارية بأنه لايوجد لديهم مشروع سوى معاداة التيار الإسلامي. وقد انتقد غير الإسلاميين لافتقارهم إلى رؤية واضحة ومعمقة للمجتمع المصري وقضاياه الملحة وخريطة اهتماماته وهمومه. وبلغت الثقة بالزمر حدا التصريح بالقول: “إن المزاج العام بالشارع المصري أصبح مزاجا إسلاميا، ولن يقبل المصريون في الانتخابات القادمة سوى بالأغلبية الإسلامية.”
وتوجت تفاعلات الجماعة مع الأجواء السياسية والتشاحن السياسي الجاري في الآونة الأخيرة بتحذير ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة من اغتيالات سياسية قد تستهدف ليبراليين وسياسيين ومفكرين نتيجة حالات التكفير والعنف والتخوين والاستقطاب السياسي الحاد الذي يشهده المجتمع المصري. واتهمت الجماعة الكنيسة بالتدخل لتوجيه الأقباط للتصويت بلا على الدستور مثلما اتهم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، بأن 80 في المائة من المتظاهرين أمام قصر الرئاسة من المسيحيين وكذلك محمد البلتاجي، القيادي بحزب الحرية والعدالة، بأن 60 في المائة من المتظاهرين من المسيحيين.
السلفية الجهادية وجمعية "الطائفة المنصورة"
تشكلت من الجهاديين القادمين من الخارج وعلى رأسهم شقيق أيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” الحالي. بلغ عدد “العائدين” إلى مصر من الجهاديين الذين خرجوا من مصر وفقا لتقديرات أمنية نحو أكثر من 500 إسلامى عادوا من مختلف بلاد العالم. والأكثر شهرة بينهم هو محمد الظواهري، العضو السابق في “حركة الجهاد الإسلامي” المصرية. وقد لعب الظواهري دوراً بارزاً في تشجيع الجهاديين على الاشتراك في الهجمات الأخيرة على السفارة الأمريكية في القاهرة.
وفي يناير/كانون الثاني 2011، وحتى قبل الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، أفادت التقارير وعلى نطاق واسع بأن آلاف السجناء فروا من السجون المصرية، ومن بينهم مسلحون. ثم سرعان ما ظهر على “شبكة أنصار المجاهدين” - وهي منتدى جهادي على شبكة الإنترنت - تقرير مطول يروي كيف فر المجاهدون من سجن “أبو زعبل”.
وقد أكد محمد الظواهري بأن غير المسلمين هم من أهل الذمة وعليهم دفع الجزية. ويرى أن الدخول في العملية السياسية من ديمقراطية وانتخابات أشياء لاتجوز شرعا، وأنه لاحكم فوق حكم الشريعة. وقال الظواهري إن إنشاء حركة السلفية الجهادية لجمعية “الطائفة المنصورة” هو بهدف تطبيق أحكام الشريعة وتطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال نشر التعاليم الاسلامية الصحيحة وليس عن طريق اليد لأن الظروف لاتسمح بذلك الآن ولاتوجد حكومة إسلامية في الوقت الراهن”. وتقاطع الجماعة الاستفتاء على الدستور لأنه لايضع الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع.
مستقبل الجماعات الإسلامية: الفَرق بين الفِرق
ما قد يجمع هذه الجماعات أقل مما يفرقها. لذا كان التعاون القائم الآن بينها مؤقتا وسينشب الصراع والتجاذب فيما بينها في المستقبل القريب، وذلك لأن تأويل التعاليم الدينية يختلف من فرقة إلى أخرى. ومثالا على ذلك، تسعى الجماعة الإسلامية في أن تجعل من الشريعة -وليس مبادئ الشريعة- مصدرا وحيدا -وليس رئيسيا- للتشريع، وذلك رغم موافقتها على إجراء الاستفتاء على الدستور. ومن هنا فهي تختلف مع الإخوان المسلمين.
إن تديين السياسة وتسييس الدين سيعرقل انتشار ثقافة الديمقراطية في المجتمع مما قد يزيد الاحتقان بين الإسلاميين من جانب وغير الإسلاميين من جانب آخر في هذه المرحلة، وبين التيارات الإسلامية نفسها في مرحلة لاحقة. كما أن وجود جهاديين - وقد ذهب بعضهم إلى سوريا للقتال ضد النظام السوري، وفقا لتصريحات عاصم عبد الماجد أحد قيادات الجماعة الإسلامية - يزيد من الخلافات بين أنصار التيار الإسلامي ولاسيما بعد عودة هؤلاء إلى مصر وصعوبة تكيفهم مع المجتمع جراء اعتقادهم بأن العنف يمكن استخدامه لحل المشكلات.
وأزعم في النهاية أن الجانب الديني سيطغي على تلك الجماعات بصورة أو بأخري في تفاعلها السياسي مع القوى الأخرى والقضايا السياسية مادامت تشعر بالقوة والحضور في الشارع. وقد يخف تفاعل الجرعة الدينية إذا ما وجدت قوى سياسية غير دينية قوية تعرضها لضغوط قد تؤدي بها إلى تقديم تنازلات وحلول وسط من أجل توافق مجتمعي.